مشاكسة ليلــــة حــــب عاصفـــــــــــــة / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 17, 2012, 05:35:44 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة
ليلــــة حــــب
عاصفـــــــــــــة




مال اللــه فـرج
Malalah_faraj@yahoo.com

        مثما يتساقط  رذاذ الثلج على العاشقين ولا يزيدهم الا دفئا والتصاقا وهم يكابرون ويتحايلون على البرودة القارصة التي تخترق ملابسهم وتتسلل الى العظام احيانا , بالجري مثل الاطفال حينا وبالضحك تارة وبدعك كفيهما الواحد بالاخر او باستعادة الذكريات اللذيذة والمواقف الطريفة , هكذا انثالت علي الذكريات البعيدة الهاربة من بين ادراج الزمن الجميل ليلة احتفال الانسانية عامة والعشاق والمحبون على وجه الخصوص بعيد الحب وهم يستعيدون نبل ( فالانتايـــــن ) وتضحيته الكبيرة من اجل ان تنتصر المحبة وتندحر الكراهية , انثالت الذكريات رذاذا من الاشتياق واللوعة والحنين ومن اللهفة والوجع الدفين ومن البسمة المجروحة المغلفة بالحزن الشفيف الذي يحفر له مسارا من اللهب في سويداء القلب ليعيد تفجير الاف البراكين العاطفية التي انطفأت منذ سنين مجددا نشاطها البركاني في لحضات لتعود تقذف حمم وحرائق الذكريات .

        ففي غمرة الاستعدادات الانسانية لاطلالة عيد الحب حيث تتحول الطبيعة الى كرنفال محبة يتألق باللون الاحمر رمزا للتضحية المتمازجة بالمشاعر الملتهبة وتحل الحيرة ضيفة من القلق تحط رحالها على ارصفة  القلوب الوالهة لتزيد العشاق والمحبين حيرة على حيرتهم في بحثهم عن طقوس واساليب وتفاصيل مبتكرة ورومانسية وشفيفة  وغير تقليدية للتعبير عن مشاعرهم في الوقت الذي تستطيع فيه ربما التفاتة واحدة اوايماءة سريعة او ابتسامة خجلى او نظرة مضطربة او مصافحة عجلى او وردة حمراء  او حتى الصمت الخجول ان يبوح  بفيضانات عاتية من المشاعر الملتهبة  ابلغ الف مرة مما يمكن ان تعبر عنه كل قصائد العشق ومعلقاته ودواوينه وكل رسائل الشوق وكل كلمات المحبة ....  حط على بريدي ايميلا بالمناسبة مترعا باسمى واروع واعمق وابلغ وارهف مشاعر المحبة واللهفة والوفاء جاء فيه :

(ان أحبـك مليـون انسـان  فأنـا واحـد منهـم .. وان احبـك انسـان واحـد فهـو أنـا .. امـا ان شـعرت يومـا بـأن لا احـدا بات يحبـك  بعنـف ومـودة ووفــاء مثلـي  .. فأعـلم  بأننـي قـد توفيـت )  .

      ولولا ان ذلك الايميل كان مذيلا بتوقيع (صديــــق الطفولـــــــة) لاستعرضت اسماء جميع الزميلات وغير الزميلات اللائي مررن بحياتي منذ عقود ... الا ان ذلك الزميل العزيز الذي تخفى وراء المجهول فجر في   ذاتي  اعمق مشاعر الحنين لزمن الطفولة الجميل مثل الحلم , المرتبك مثل القبلة الولى , النزق مثل مهرة مشاكسة, الملتصق في كل ذرة من حنايا الروح والقلب مثل ختم الحب الاول   وحول تلك الليلة الى ليلة حب عاصفة انثالت فيها  ذكريات واحدة من انبل واحلى وانقى واروع واصدق واغنى واطهر واسمى واغزر مرحلة من مسيرة الانسان في كل زمان ومكان تلك هي مرحلة الطفولة البريئة المشاكسة بمشاعرها النبيلة العفوية العنيفة العميقة الصادقة الخالية من كل الاحقاد والانانيات وامراض الكبار التي لم يتلوث بها الصغار .

      تذكرت بلهفة مرحلة الدراسة الابتدائية اللذيذة بكل تفاصيلها نهاية الخمسينات في مدرسة المنذرية الابتدائية في محلة  المكاوي في الموصل الملاصقة لكنيسة (مار اشعيا)   وأنا استعيد في تلك الليلة لهونا وعدونا واستنفارنا ايام الامتحانات ومقالبنا ضد بعضنا واحلامنا المتطايرة هنا وهناك  ولأدلف عبر رحلة الذكريات الممتعة رغم المها الى الصف الخامس الابتدائي راكضا كالعادة بعد قرع الجرس اليدوي الكبير الذي كان  معلقا على حائط الساحة اشبه بناقوس الكنيسه لأجد الزملاء (صباح حبيب  ,,وجوزيف وديع,, وجورج فرحو,, ونضال فرج,, ونائل متي,, وموفق جميل,, ونائل اسطيفان,, وبدري نوئيل ,,وجورج فرنسو ,,وعامر اسكندر وغيرهم ) كل على رحلته والصف كالعادة ساحة فوضى تتمازج في اجوائه القهقهات وتبادل المقالب والطرائف وكأننا في سوق (الهرج) لكن ما ان كان يطل كل من  المدير عادل سفر او الخوري افرام رسام  رحمه الله  او الاستاذ رمزي معلم الرياضيات والاستاذ ودمن معلم الرياضة  حتى كان يسود الصمت وتختفي المقالب وتضيع ( الخباثات الطفولية) .

    ومهما حاول المعلمون الافاضل انذاك بصرامتهم وقسوة اجراءاتهم العقابية ان يتعرفوا على مثيري اللغط والفوضى لمعاقبتهم الا انهم لم يفلحوا في ذلك ابدا فقد كان جميع  التلاميذ اطفالا لكن بقامات رجولية فلم نخدع بعضنا ولم نخن بعضنا ولم نمارس النفاق ضد بعضنا ولم نشي ببعضنا ولم نزايد على بعضنا كما يفعل معظم السياسيين (الكبار) في هذا  الزمن الرديئ  .

      وعندما كان احد المعلمين الافاضل يرسل مراقب الصف الى غرفة الادارة لجلب (عصا الخيزران) لمعاقبة احدنا كان المراقب يقوم باخفاء العصا بدل جلبها ويعتذر من المعلم مدعيا بانه لم يجدها.. ورغم ان المعلمين كانوا يدركون تماما حقيقة الامر الا انهم كانوا يتغاضون عنها ذلك لان هدفهم كان التربية والتقويم وليس العقاب والانتقام فكانوا جديرين بكل الاعتزاز والاحترام  .
     كانت الايام في ذلك الزمن الجميل احلى رغم الفقر والحاجة .. والشمس كانت اشد حنانا رغم حرارتها والصباحات الموصلية اكثر روعة وزخات الامطار اشد روعة والاطفال اكثر نضجا ووعيا وتحملا للمسؤولية واقل عدوانية والاسر اشد تراحما ومحبة والعلاقات الاجتماعية اشد نبلا وقوة وكانت الفتيات بظفائرهن وجدائلهن الطويلة ووجوههن الخالية من المساحيق اكثر اشراقا وجمالا وكن بخجلهن العفوي اعمق تاثيرا ومهابة وكانت مجرد ابتسامة انثوية خجلى تكفي لاغراق القلوب بزخات فرح منعشة مثل زخات المطر الربيعية الموصلية وكان الحب الذي طرق ابواب قلوب معظمنا مبكرا , نقيا ومقدسا ومصيريا ومتانيا  وخجولا رغم كثرة قصصه وتنوعها ...فقد كانت الثقافة زادنا والقراءة هوايتنا وكنزنا فلم تكن هنالك تلفزيونات ولا موبايلات ولا مسجات ولا انترنت ولا ماسنجر ولا فيس بوك وكانت ساحة المنازلة بيننا هي الثقافة وكان نزالنا حول ماذا قرأ كل منا وبذلك عرفنا جبران خليل جبران ورافقناه في اجنحته المتكسرة وفي ارواحه المتمرده وفي دمعته وابتسامته وشاركناه دموعه والالم الذي اعتصر قلبه وهو يقف ازاء قبر سلمى كرامة  , كما شاركنا المنفلوطي في نظراته وعبراته واستلقينا معه تحت ظلال الزيزفون   وتجولنا مع نجيب محفوظ في خان الخليلي وعرفنا اولاد حارته وكيف عبثت الاقدار بشخوصه وغيرهم الكثير الكثير مما اسس   لنضج طفولتنا مبكرا واسهم في رسم ملامح شخصيتنا وانعكس على شكل ولون وطعم مشاعرنا وعلاقاتنا العاطفية وكانت رسائل الحب الرقيقة خطوطا بالقلم الرصاص تحت جملة رومانسية او قصاصة صغيرة تخبأ بعناية تحت غلاف كتاب تستعيره بنت الجيران او وردة ترمى باهمال متعمد في الساعة السابعة والنصف صباحا من يد عاشق في مكان محدد عبر الطريق الذي تسلكه حيبته في طريقها الى المدرسة وهو يرقبها عن بعد تنحني لتلتقط وردة مهملة لا يعرف سرها الا من رماها ومن التقطها .

     وقد اكد لي  احد  زملاء الطفولة بانه امضى سنة كاملة يعير جارته الطالبة التي احبها بجنون الكتب المدرسية وقصص جبران والمنفلوطي والعقاد  دون ان يجرأ على مصارحتها حتى تمنطق بالشجاعة مرة ووضع خطا بالقلم الرصاص تحت احدى العبارات العاطفية وعندما استعاد الكتاب بلهفة كانت هي قد رسمت له علامة تعجب ومن هناك بدأت قصة حبهما  , بينما حفر زميل اخر تارخ اول لقاء مع من احبها وتزوجها على احدى قوائم مظلة انتظار مصلحة نقل الركاب التي كان ينتظرها تحتها مقابل مدرستها الثانوية واكد لي مرة بانه عندما زار المكان بعد عشرين عاما وجد اسميهما ما زالا محفورين هناك رغم تقادم الزمن وعادت به الذكرى الى تلك الايام الحبلى بالمشاعر والعلاقات النبيلة ولم يملك الا مسح دمعة مكابرة حزنا على ضياعها .. . بينما زميل اخر انسته لهفته وهو يذهب الى اول موعد حب في تلك الايام نقوده وفوجئ بذلك وهو يجلس الى جانبها في احدى حافلات مصلحة نقل الركاب فما كان منها الا ان تتحمل ثمن تذكرتيهما وغيرها الكثير من قصص الحب الرومانسية الشفافة التي كانت نهايات بعضها سعيدة بينما طوحت بالاغلبية عواصف الفراق العاتية ... رحمة الله على الروح الطاهرة لمن رحل ,, وسلاما على البعد لمن بقي .

      بين عيد حب يمضي واخر يعود السنا بحاجة لعيد خاص بالمحبة بمعانيها النبيلة الجليلة الواسعه ؟ عيد نتصالح فيه مع انفسنا اولا ومن ثم نتصالح فيه مع احباءنا ومع اقاربنا ومع جيراننا ومع اصدقائنا الذين شاءت ظروف الحياة او المصالح الانانية او التصرفات الخاطئة ان تبذر الخلافات والخصام والزعل بيننا وبينهم ؟من اجل ان تسود المحبة وتهاجر اكراهية ؟

      في عيد الحب ليس لي الا ان اهدي كل اصدقاء الطفولة وكل من عرفتهم في مسيرة الحياة وردة ليس مهما ان تكون حمراء اوبيضاء لكن الاهم انها تحمل مشاعر محبة حقيقية وان اردد وانا استذكر زمن الطفولة الجميل الذي جعلني اعيش ليلة حب عاصفة مع وقائعه ومحطاته وتفاصيله التي حفرت حضورها على جدار القلب :

رعا الله زمنا للطفولة كم كان مسرعا
واه من فراق الاحبة كم كان مــوجعا
   

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

بهنام شابا شمني

وانا اقرأ سردك لذكريات طفولتك يا سيدي اتذكر طفولتي واصدقائي والبراءة التي كنا نعيشها لكننا كنا نعرف حقا معنى الحب والتضحية والصدق والامانة

تحياتي