تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

جوع البطاريق

بدء بواسطة صائب خليل, فبراير 12, 2012, 03:06:22 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل


بعد شهور من الجوع وعواصف الثلج القطبية، وصلت طلائع ذكور "بطريق الإمبراطور" نهاية رحلتها الطويلة إلى البحر، وهاهي الأسماك الفضية تتلوى أمامها. لكن تلك السعادة يشوبها خوف شديد، ففي البحر مع السمك ينتظرهم دائماً... أوركا!
أوركا كبير ومهيب وفاتن الجمال، إلى درجة أن الكثير منهم يصر أنه "صديق" ويؤكدون بافتتنان: "العالم رائع". الآخرون يقولون أنه قاتل شرس لم تعرف البحار وحشاً مثله.

لكن رغم اختلافهم الشديد، فأن البطاريق تقف مترددة أياماً عديدةً لا تقفز إلى البحر، فحتى من يراه صديق، يدرك كما يبدو أن من يقفز أولاً، ليس له من حظ البقاء سوى القليل.

تقدم أحدهم يهز جناحيه وقال: "أنه طيب وودود.. ألا ترون جماله وقوته؟"، ..." كل ما يقال عنه "إشاعات" تثيرها كلاب البحر الوحشية التي كانت تفترسنا، وبعض بطاريق السوء!" 

في كل عام ، ويتقدم دائماً أحد البطاريق المفوهين، ليبدأ الدعوة لمحبة أوركا والثقة به وتتكرر هذه الخطبة. ليست الدعوة سهلة الإقناع لجمهور يتذكر أو سمع بالمجازر التي يقيمها أوركا للبطاريق كل سنة في مثل هذا الوقت. لكن عام كامل قد مضى على آخر مرة رأوا فيها مجزرة لأوركا، ولا شك أن النسيان، الذي هو من أكبر فضائل قبائل البطريق، كفيل بإزالة تلك الصور.

لكن أصدقاء أوركا يعانون من طباعه، فهو لا يساعد الآخرين على النسيان. وفي رأس كل بطريق تنطبع صورة مخيفة له وهو يقفز قفزته الرشيقة الهائلة ويعرض خطوط جلده الناصع وبقعه، وأسنانه الملوثة بالدماء، وهو ينفض ضحاياه بوحشية تشي بسادية تذهب أبعد مما يحتاج إليه لقتل ضحاياه. أوركا يقوم بما يحب وكما يحب، ولا يبدو معنياً بتسهيل الأمر على البطاريق المفوهة.

"ألم يعدنا مرة أن يذهب، وفعل؟؟ ألم يقل بطاريق السوء أنه لن يذهب، وذهب؟". – يتلفت حوله وينظر في العيون، آملاً أن يستنتجوا من تلك الحقيقة قاعدة عامة مناسبة. عاصفة من التصفيق... "رائع رائع... لقد قلت ما نريد أن نسمع بالضبط".
"هل نسيتم أنه هو الذي أنقذنا من كلاب البحر"؟

"لكن يقولون أنه هو الذي أرشد كلاب البحر إلى مكاننا أول مرة" جاء صوت بطريق شاب من خلف الصفوف، فتعالت قأقأة البطاريق مستنكرة. لكنه مشهد مكرر أيضاً، ففي كل عام يعترض بعض من يشارك في المسيرة لأول مرة، ولا يعرف متى يجب الكلام وما يجب أن يقال وما لايقال. لذلك لم يفاجأ المفوه وأشار بجناحه فهدأت القأقأة، وقال: "هل تصدق كل شيء في التاريخ يا بني؟ من أخبرك بهذه الترهات؟"
"أبي أخبرني، قال أنه سمع كبير كلاب البحر يقول أنهم جاءوا على ظهر أوركا إلى القطب".
"على ظهر أوركا... أتصدق أن أوركا العظيم يركب كلاب بحر على ظهره؟"
"ولماذا يكذب؟ أبي قال أن الكلاب كانت تصيدنا لحسابه".
"ولماذا إذن مزقها تمزيقاً إن كانت تعمل لحسابه؟"
"أبي يقول أنه مجرد.."
"أبوك يقول وأبوك يقول.. لا تصدع رأسنا بتخريفات أبيك"
لكن الشاب استمر: "وقال أيضاً أن أوركا حاول أن يلملم كلاب البحر التي بقيت لتصيدنا لحسابه من جديد...هل تنكرون أننا رأيناهم معاً أمس؟"
" لا تصدقوا هذا الكلام، إنه كلام بطاريق السوء التي لا تريد الخير لبطاريق الإمبراطور، إنها تريد أن تعيد كلاب البحر إلى القطب لتفترسنا من جديد، يريدون القضاء على نوعنا... ألم يتحالفوا مع كلاب البحر في الماضي؟ ".
"هؤلاء البطاريق الأخرى هي أعداؤكم الحقيقيين، وليس أوركا"..."يعيش أوركا المحرر!".
"يا يا يا" رددت البطاريق مؤيدة..
"لكن أبي يقول أن الجميع خضع لكلاب البحر، وأشترك في مذابحها وأن ليس أحد خير من أحد، وأن الكلاب افترست البطاريق الأخرى أيضاً"
"صحيح ولكن ليس بالقدر الذي افترستنا به، وليس بنفس الطريقة ايضاً"
"ما أهمية من أفترس أكثر؟ كلنا ضحايا...لماذا لا نبحث عن مكان ليس فيه لا كلاب بحر ولا أوركا؟"
"ليس هناك مثل هذا المكان يا ولدي...".....
" أما أوركا أو كلاب البحر" هتف المفوه رافعاً صوته كمن يعلن شعاراً.
"يا يا يا" هتفت البطاريق.
"لكننا لم نحاول... ما الذي نخسره أن نحاول.."

لكن أحداً لم يسمعه، فقد تقدم من الحافة بخطوات بطيئة بطريق أرهقه الجوع والإنتظار في هذه الأثناء ، وأشار المفوه فبدأ البطاريق رقصة القفز، وصاروا يضربون الثلج القاسي بأقدامهم مشجعين المتقدم أن يلقي بنفسه في الماء، وقد كان يتقدم على وقع ضرباتهم، وبحركة واحدة، قفز البطريق في الهواء، فهتفت البطاريق وهي تمد رؤوسها: "يا لها من قفزة رائعة!"
وفجأة ارتفع من تحت الماء عمود هائل أسود وأبيض يلمع تحت الشمس، والتقط البطريق برشاقة وغطس به في الماء!

أنطلقت البطاريق تقفز إلى البحر وهي تقأقئ، واصطبغ الماء بالأحمر كلما أخذ أوركا دورة جديدة، لكن رائحة السمك الشهي غلبت رائحة الدم التي اختلطت بها.


ماهر سعيد متي

ذكرتني بقصص كريلوف الروسي  وبيدبا الهندي .. حكم مستقاة من افواه الحيوانات .. شكرا لك .. تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

الشكر لك استاذ ماهر لمتابعتك الكريمة، تحياتي وتقديري