المخاوف من الانقراض تدفع بمسيحيّي البصرة إلى الانعزال

بدء بواسطة برطلي دوت نت, نوفمبر 20, 2017, 09:40:43 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت


المخاوف من الانقراض تدفع بمسيحيّي البصرة إلى الانعزال     

         
برطلي . نت / متابعة


بقلم سعد سلوم نوفمبر 19, 2017
المونيتور / البصرة

مع حلول مراسيم الأربعين الشيعيّة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، سرعان ما تقدّم أفراد مسيحيّون للمشاركة في الشعائر الشيعيّة كمثال للتعايش والتفاعل المجتمعيّ بين الأقليّة المسيحيّة والأغلبيّة الشيعيّة في وسط العراق وجنوبه، ومنهم المسيحيّ البصريّ يوسف توما الياس، الذي يبلغ من العمر 58 عاماً، وقد خدم الزوّار الشيعة الذين يحجّون إلى الإمام الحسين مشياً على الأقدام إلى كربلاء، حيث يقع ضريحه المقدّس، لكنّ هذه الرسائل الإيجابيّة الصادرة عن أفراد من الأقليّة المسيحيّة يبدو أنّها تخفي خوفاً عميقاً وانعدام ثقة تجاه الأغلبيّة التي عجزت عن حمايتهم من تهديدات المتشدّدين طوال الأعوام الأخيرة.

بعدما كانت مدينة البصرة تمثّل تاريخيّاً نموذجاً رائعاً للتعايش والانسجام الثقافيّ بين مختلف مكوّناتها الدينيّة، تواجه تهديداً بفقدان تنوّعها الدينيّ الثريّ من الأقليّات غير المسلمة، ومن دلائل ذلك اندفاع المسيحيّين للانغلاق على أنفسهم من أجل الحفاظ على خصوصيّتهم الدينيّة والثقافيّة.

وكشفت أزمة إزالة السلطات المحليّة في البصرة تمثالاً للعذراء أقامه ناشطون مدنيّون عن شدّة فقدان الثقة والتحسّسات والحذر الشديد من قبل المسيحيّين تجاه البيئة المحيطة بهم. وأزيل التمثال ساعات قبل تدشينه في منطقة العباسيّة بوسط البصرة في 19 أيلول/سبتمبر الماضي، ومنعت القوّات الأمنيّة الوصول إلى موقعه أو الاقتراب منه. والغريب في الأمر أنّ الإزالة جاءت بطلب من الكنيسة، إذ اعتبرت أنّه استغلال لرمز دينيّ مسيحيّ، كما جاء في عنوان رسالة المطران حبيب هرمز إلى السلطات المحليّة، والذي أشار إلى أنّ مبادرة كهذه قد تؤدّي "إلى ما لا يحمد عقباه"، وقال: "إذا حاول شخص خبيث القيام بما يؤذي هذا التمثال، فقد يؤدّي ذلك إلى إيقاع الإيذاء بالعلاقة بين مختلف أطياف شعب البصرة".

وعبّر هرمز عن قلقه من واقع تضاؤل عدد المسيحيّين، وقال: "هاجر حوالى 90 في المئة من مسيحيّي البصرة إلى خارج العراق منذ عام 2003 حتّى اليوم، ولم يبق سوى 350 عائلة".

ويبدو خوف حبيب هرمز على العدد القليل من المسيحيّين المتبقّين في المدينة وعدم تفاؤله من المبادرات الإيجابيّة مثل تضامن المسيحيّين مع الشعائر الشيعيّة في مناسبات مثل عاشوراء والأربعين، مبرّراً في ضوء هشاشة الوضع الأمنيّ في البصرة وتدهوره في الفترة الأخيرة وتحوّل المدينة إلى ساحة مفتوحة للنزاعات العشائريّة.

من جهته، استغرب رئيس منظّمة "أرمن البصرة للإغاثة والتنمية" وصاحب مبادرة نصب التمثال الناشط الأرمنيّ توني ساركيسيان موقف السلطات، وقال في حديث لـ"المونيتور": "إنّ الرسالة التي تنطوي عليها الممارسات التضامنيّة مثل نصب التمثال، ترمز إلى الوحدة الوطنيّة والتعايش بين المسلمين والمسيحيّين".

أضاف: "إنّ التبرّعات التي جمعت لمشروع التمثال كانت غالبيّتها من المسلمين، وكان العاملون في المشروع بمعظمهم من مسلمي البصرة أيضاً. وأخيراً، إنّ نحّاتاً مسلماً نحت تمثال العذراء".

أمّا ممثّل كوتا المسيحيّين في مجلس محافظة البصرة نوفاك آرام بطرسيان فردّ على هذه الاعتراضات بقوله: "إنّ الممارسات التضامنيّة مثل المشاركة في الشعائر أو نصب تمثال لم تحز على موافقة الممثلين السياسيّين للمسيحيّين".

وعبّر رئيس مؤسّسة "لارسا للحفاظ على التراث الدينيّ" الناشط المدنيّ بسّام العلوجي عن هذا الواقع بقوله: "يمكن لنصب تمثال للعذراء في ساحة عامّة ألاّ يرضى عنه أطراف او أشخاص متعصّبون دينيّاً، ويمكن أن يستغلّوا وجود التمثال لافتعال أزمة طائفيّة نحن في غنى عنها عبر المساس بالتمثال أو تشويه أجزاء منه".

ورغم أنّ بسّام العلوجي لم يبيّن في حديثه مع "المونيتور" هويّة هذه الأطراف، ولكن من الواضح أنّه يقصد الإشارة إلى بعض أحزاب الإسلام السياسيّ التي من مصلحتها أن تصبح البصرة بهويّة دينيّة أو طائفيّة صافية.

وفضّل هرمز أن يتمّ "نقل تمثال العذراء داخل أسوار كنيسة أو دير أو مقبرة لحمايته من أيدي العابثين بأمن البصرة أو ذوي النفوس الضعيفة".

ووافق العلّوجي على هذا الاقتراح، وقال: "إنّ كنائس البصرة مفتوحة لجميع أفراد المجتمع من المسلمين والمسيحيّين لزيارة تمثال العذراء في أيّ وقت، والتبرّك به، كما تفعل النساء المسلمات ذلك على نحو دائم. فضلاً عن أنّ ذلك سيكون بمشاركة رجال الدين المسيحيّين وموافقتهم". ويبرز ذلك التخوّف الشديد للمسيحيّين من انحلال الأقليّة المسيحيّة ضمن ثقافة الأغلبيّة، الأمر الذي يؤدّي بهم إلى الانغلاق أكثر والتقوقع داخل جدران كنائسهم.

وقد كتب هرمز في صفحته على "فيسبوك" توضيحاً للشروط اللاّزمة لإقامة تمثال للعذراء، قال فيه: "إنّ إقامة نصب بهذا الشكل يجب أن تتوافر فيه شروط، منها أنّ كلّ نحّات في أوروبا يرجع إلى الكنيسة ليأخذ رأيها. أمّا ما رأيته في صور عن هذا التمثال فلا يشبه العذراء نهائيّاً، خصوصاً الوجه ومقاييس الطول والعرض، وكنت أتمنّى من النحّات أن يراجعنا لنساعده. كما أنّ عمل ونصب التمثال يجب أن يتمتّعا بروحيّة مسيحيّة لأنّها أمّ الرب يسوع، وهذا من خلال الصلاة والإحتفال الكنسيّ حسب رتبة تبريك موجودة لدى كلّ كنيسة وأداء صلاة الورديّة المقدّسة".

من جهة ثانية، حاول رئيس مجلس عشائر ومكوّنات البصرة الشيخ عبّاس الفضلي تقريب وجهات النظر واحتواء المخاوف منذ بداية الأزمة. ومن وجهة نظره، فإنّ البصرة مدينة عرفت تاريخيّاً بتعدديّتها وبتسامح سكّانها، ويعدّ المسيحيّون مكوّناً أساسيّاً من مكوّناتها. ولذا، فإنّ مخاوف الكنيسة تتّسم بالمبالغة، مؤكّداً أنّ "مسلمي البصرة مثل مسيحيّيها يقدّسون مريم العذراء ويتباركون بها، وتحظى العذراء بقدسيّة لدى المسلمين".

وأخيراً، يبرز هذا كلّه أنّ ثقة المسيحيّين بالسلطات أو المسلمين بشكل عام في المدينة مهزوزة للغاية.