{الأسقف المغوار مار يعقوب البرادعي}/جوزيف إبراهيم

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يوليو 27, 2017, 04:36:48 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

{الأسقف المغوار مار يعقوب البرادعي}     
   
      
برطلي . نت / متابعة

جوزيف إبراهيم


تعرضت المسيحية منذ نشأتها ولغاية هذا اليوم, إلى محاولات عديدة لا تحصى للنيل منها ومن مبادئها, تارة على أيدي بعض إكليروسها وعلمائها المندسين خلسة وأخرى من أعدائها, وقد لاقى اتباعها شتى أنواع التنكيل والتفنن بالقتل, بدءاً بالرجم بالحجارة كما حصل في أورشليم {القدس } مع أول شهيد للمسيحية القديس مار استفانوس, مروراً بالسحل خلف الأحصنة كما حصل في مصر مع القديس مرقس صاحب الكتاب الثاني للبشارة السارة {الإنجيل }, ولاحقاً رمي المؤمنين المسيحيين بين الأسود والنمور الجائعة كوليمة ووجبة غذائية يومية, مثلما كانت تفعل الامبراطوريتين الفارسية والرومانية وتدرجاً بالتاريخ الدموي من المراحل الإسلامية كافة والمغولية التترية الشرسة التي صبغت مياه النهرين الخالدين دجلة والفرات باللون الأحمر من كثرة الذبح من الوريد إلى الوريد على ضفاف هاذين النهرين.
وكادت أن تتوج فنون القتل على ايدي الجهل والغباء العثماني وبعض العشائر الكردية, ببقر بطون النساء المسيحيات الحوامل ورفع الأجنة عالياً على رؤوس الرماح, لكن الحقبة اللينينية والستالينية ساوتها بالعنف والقسوة, ولم يشذ عن قاعدة مصاصي الدماء الأشقاء بالأيمان الأخوة المؤمنين الأوروبيين في الحروب الصليبية التي أذاقت السم والويل لمسيحيي الشرق, وازدادت بربريتهم وهمجيتهم بعصر التكنولوجيا والتطور على بعضهم البعض في الحربين العالميتين, إذ أزهقت أرواح اكثر من {130} مئة وثلاثون مليون مسيحي إلى أن جاء الشتاء العربي الملقح بنطاف العم سام, لينجبا معاً أجنة لا تمت للبشرية بصلة ك {داعش وا أخواتها} الذين تغلبوا على جميع من سبقهم وتلطخت آ ياديهم بدماء المسيحيين مبتكرين فنون جديدة للقتل والتعذيب والصلب والذبح على شواطئ البحار, ورمال الصحارى, وبإخراج تلفزيوني سينمائي يفوق تقنية أفلام هوليود, كي يشفي حقدهم وغلهم الدفين.
باختصار ما تعرض له المسيحيون والإيمان المسيحي من ظلم و اضطهاد غير قابل للوصف ولا يمكن لأي فكر أو أي مجموعة بشرية أو دين آخر على الكرة الأرضية أن يتحمله, ويتمكن من النجاة لهذا اليوم. ورغم ذلك ما زالت المسيحية هي الأسمى والأرقى والأكثر عدداً وسر بقائها لهذا اليوم هو.. تعاليم السيد المسيح المفعمة بالمحبة والغفران والتسامح, وإلى جانب ذلك الدور الفعال لرجالاتها الذين لم يحملوا سيفاً أو رمحاً ولا حتى سكيناً بل الكلمة المتجسدة ومحبة المسيح, المجبولة بالجهد والتعب المضني والعمل الدؤوب دون كلل أوملل لدرجة نكران الجسد,, ومن بين هؤلاء المجاهدين الجبابرة القديس المغوار مار يعقوب البرادعي,
فمن هو هذا القديس وما هي حكايته ؟
للحديث عن سيرته القصيرة لابد من سرد تاريخي مبسط . بعد أن فشلت كل المحاولات للقضاء على أتباع المسيح في مهد كرازتهم , لجأ الأعداء إلى حيلة وخدعة اكثر تطورا من الاضطهاد العلني وذلك بزرع بذور الشك حول ألوهية السيد المسيح, ومكانة امه الطاهرة السيدة العذراء مريم كي ينقسم الجسد والبيت الواحد على نفسه ويخرب. لكن الحكماء المتنورين تمكنوا من إجهاض هذا المخطط الشيطاني واستطاعوا حل خلافاتهم بانعقاد ثلاثة مجامع مسكونية فكان الأول في عام 325 م بمدينة نيقية والثاني عام 381 م بمدينة قسطنطينية { استنبول} والثالث عام 431 م بمدينة افسس, وخرج المجتمعون بالإجماع على الوحدة والمحبة والروح المسيحية الواحدة وتوج ذلك بوثيقة قانون الإيمان { نؤمن بإله واحد} والذي ما زال متداولاً ومعترفاً به في جميع الكنائس الرسولية والبروتستانتية لهذا اليوم. بيد أن هذا النجاح الذي حقق مزيداً من الوحدة المسيحية أثار غضب وسخط أصحاب النوايا السياسية السيئة, في روما عاصمة أقوى امبراطورية في ذاك العهد وصاحبة صناعة القرار, فلجؤوا إلى إقناع بعض الأساقفة {اوطاخي} أحدهم, لبث روح التفرقة والخلاف بين المؤمنين حول طبيعة السيد المسيح, فتجدد الخلاف العقائدي مرة ثانية داخل الأسرة المسيحية مما أدى إلى انعقاد المجمع المقدس الرابع في عام 449-م بمدينة افسس وخرج المجتمعون بقرارات لم ترضى عنها روما حيث رفضها البابا مما استدعى الإمبراطور {مرقيانوس } لانعقاد مجمع آخر بناء على طلب أسقف روما, فتم عقد مجمع في مدينة خلقيدونية سنة 45 وحضره أكثر من350 أسقفاً. و يعتبر هذا المجمع من أكثر المجامع المثيرة للجدل فقد ذهب البعض إلى أن اوطاخي قد غُرر به وخدع آباء المجمع وكان بمثابة السيف الذي قصم ظهر المسيحية, وما زالت تداعياته تتدحرج وتنجب عشرات البدع والهرطقات الشبيهة بالأجنة المشوهة لهذا اليوم.
و كانت قرارات هذا المجمع كالتالي: {الإيمان بأن للسيد المسيح طبيعتين إلهية وإنسانية بلا اختلاط ولا تغيير ولا انقسام ولا انفصال }مما أدى إلى انفصال الكنائس الشرقية والتي تدعى بالشقيقة { القبطية والأنطاكية والأرمنية} عن الغربية, وانقسمت لاحقاً الإنطاكية إلى عدة أقسام { الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تفرع عنها الموارنة, الروم الأرثودكس والكاثوليك الكنيسة الشرقية التي تفرعت عنها الكنيسة الكلدانية, ومن هؤلاء جميعاً تفرع البروتستان الإنجيليون الخ } وكان السبب الظاهر والخلاف يبدو للعيان لاهوتياً حول كلمة واحدة فقط وهي { طبيعة واحدة بدلاً من طبيعتين للسيد المسيح } إلا أن الخلاف الحقيقي كان سياسي بحت, أما الديني كان غطاءً لفرض وتشديد السيطرة السياسية والعسكرية {الرومانية البيزنطية} على آسية الصغرة وسوريا الطبيعية وشمال افريقيا, مما أدى إلى أبشع اضطهاد ومحو ديموغرافي عرفه مسيحيو الشرق عامة {والسريان} خاصة لاتهامهم بالمنوفيزيين, وكادت أن تمحى عن بكرة أبيها هذه الكنيسة شعباً وإكليروساً, ولم يبقى في عام 544 م لهذه الكنيسة الكبيرة العريقة صاحبة الأرض ذات العشرات الآف من الإكليروس والممتدة الأطراف اكثر من ثلاثة مطارنة فقط وكان يعقوب البرادعي احدهم.
ولد باسم يعقوب بار {ابن} ثيوفيلوس عام 500 مولده في تل موزلت عام /500/، أصبح راهباً في دير فسيلتا الواقع قرب مسقط رأسه (والحالية)، في سنة /528/ انتقل إلى القسطنطينية، ثم بتأثير من الإمبراطورة تيودورة السريانية الأصل وبتوصية من الملك المسيحي العربي الحارث بن جبلة ملك الغساسنة حلفاء الروم، رسمه البطريرك تيودوسيوس الإسكندري سنة /542-543/، رُسم على كرسي الرها ولم يتمكن من الإقامة فيها. اشتُهر بزهده وعلمه ومقاومته البطولية في وجه المصاعب، حتى أصبح يعقوب مغواراً لوقوفه في وجه سياسة يوستينياس, الذي كان يحاول دفع الكنائس إلى القبول بقانون إيمان خلقيدونية.
جال يعقوب بلا كلل في البلاد الشرقية ومصر وسورية، وصولاً إلى أرمينيا شمالاً، وتخوم بلاد فارس. وكان يرسم الآلاف من الشمامسة والكهنة ورسم 27 أسقفاً وبطريركين، وذلك بهدف أن يمد المقاومة المناهضة للخلقدونية بإطار يمهد لإبراز هذه المقاومة على الملأ. وكان ينتقل متخفياً بصفة جوال مرتديا جبة قديمة مرقعة ،{من هنا لقب بالبرادعي و لا يجب دمجه بـ بار آداي أو بار أداي، كما فعل، المعجم اللاهوتي الكاثوليكي } كي لا يلفت أنظار الحرس الروماني لإنه كان مطلوباً حياً أم ميتاً من الحرس الملكي. وكان يتوارى دائماً بفضل أن الشعب معه، لإنه كان ينظم ويرسم ويعزي ويشجع، ويوطد الإيمان ويعلم المؤمنين في كل مكان, واصبح رئيس روحي موهوب أكثر من كونه رئيس كنسي، ومع ذلك لم يكن "بديلاً عن البطريرك الأنطاكي مار سويريوس, المنفي. من الثابت أنه كان أحد عناصر نهضة المجموعة اللاخلقيدونية بعد وفاة مار سويريوس. لكن هذه المجموعة لم تتمكن من تحقيق تنظيمها الذاتي في وجه الكنيسة "الملكية" والكنيسة النسطورية الفارسية، إلا في العام 629، أي قبل الفتح الإسلامي للمدائن.
توفي مار يعقوب البرادعي في 30 تموز يوليو عام /578/ في مصر في دير قسيون، وفي عام /622/ قام رهبان ديره الأصلي وهو دير قسيلتا بنقل رفاته وحملوه إلى ديرهم. اعتبُر يعقوب من قبل خصومه "مؤسس" الكنيسة السريانية وأطلقوا عليها{ المونوفيزية}، ولاحقاً لقب "اليعقوبية"نسبة له. أما السريان الأرثوذكس يفتخرون به كقديس مناضل ويعتبرونه ابن الكنيسة البار، والمجاهد الرسولي الأكبر الذي ثبت الإيمان المأخوذ من مار بطرس الرسول مؤسس كرسيهم الأنطاكي, ويرفضون رفضاً قاطعاً نعتهم باليعاقبة أو المنوفيزيين, ويتم ذكر اسمه في كل قداس يقام حول العالم كمثبت وداعم للإيمان ألأورثوذكسيي القويم. بقلم جوزيف إبراهيم /26/7/2017/