التعليم الديني.. سرطان العقل العراق/رشيد الخيّون

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يوليو 26, 2017, 02:47:33 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  التعليم الديني.. سرطان العقل العراقي     
         
برطلي . نت / متابعة

رشيد الخيّون
تاريخ النشر: الأربعاء 26 يوليو 2017

لا ينكر أحد، في الظاهر، وجود حرية وديمقراطية داخل العراق، بغض النظر عن طبيعة الحُكم ووسائله وأدواته ودستوره المحير، لكن على أرض الواقع نرى المتحكم في ممارسة هذه الحرية القوى الدينية فقط، ويمكن للقوى المدنية أن تمارس حريتها، لكن بقيود عدم تخطي تقاليد المنابر الدينية، وعلى وجه الخصوص تلك التي تمتلك السلاح والنفوذ، فتهمة الإلحاد والتجاوز على الدين جاهزة، وقد راح ضحية هذا الخطاب العديد من أهل الثقافة والفن والأدب والنشاط العام، وها هو الاختطاف والاغتيال يُمارس بلا رقيب ولا حسيب.

كان التعليم الديني، للمسلمين، بلا منافس، فحينها المتعلم لا يزيد على قراءة وكتابة القرآن والفقه، إلا ما ندر، حتى برز لقب العالِم مختصاً برجال الدين، والعديد منهم، وحتى هذه اللحظة، يستهجن لقب «رجل دين»، إنما يفضل لقب «العالم». غير أن الأمر اختلف مع التعليم الحديث برعاية الدولة، سواء في المدارس العامة الرسمية أم الخاصة الأهلية. أما غير المسلمين، فكان لليهود والمسيحيين مدارسهم، ومناهجها كانت متقدمة، تُعلم اللغات الأجنبية، والعلوم الحديثة.

بُحثت قضية التعليم الديني منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، على أنقاض فترات سابقة، كان العراق خلالها عاصمةً للدولة العباسية، ثم تابعاً، كإقليم، يتقيد بالدولة المهيمنة، من عثمانية أو صفوية. دخل التعليم الحديث، وكانت المواجهة مع التعليم الديني بالذات، ولهذا وقف رجال الدين ضد مدير التعليم العام آنذاك ساطع الحصري (ت 1968).

فبسبب خطوة الدولة نحو مدنية التعليم وتحديثه، وإخراجه من الكتاتيب والمدارس الدينية إلى المدارس الحديثة، حشد الفقهاء الناسَ إلى الشوارع يهتفون: «لا إله إلا الله ساطع عدو الله» (المشايخي، الشيخ أمجد الزَّهاوي). وإن الشيخ أمجد الزهاوي (ت 1967)، أحد كبار رجال الدين السُّنة قابل الملك فيصل الأول (ت 1933) طالباً تنحية الحُصري، وإن للشيخ المذكور قولاً في الحصري: «انظروا مدى ما يولي أعداء الإسلام التوجيه التربوي والعلمي والإعلام من أهميته» (المصدر نفسه).

أما الجانب الشيعي من رجال الدين، فركزوا على طائفية الحصري ضدهم، وليس أكثر مما كُتب فيه، حتى أصبح الكلام عن طائفيته حقيقة لا تُناقش! لكن السؤال: كيف يكون الحصري طائفياً ضد الشيعة، وموقف رجال الدين السنة منه مثلما تقدم؟! نتحدث عن الموضوعية، لا إطلاق الكلام على عواهنه. يغلب على الظن أن الحصري كان مرفوضاً من الجانبين، لأنه كرس التعليم المدني على حساب التعليم الديني، وفُهم ميله القومي بالمذهبية الدينية، مع أنه كان بعيداً عما يتعلق بالدينِ، وإلا ما مجّد العديد من مثقفي الشيعة فكره.

تأثر التعليم العراقي بالأيديولوجيا، وحسب المواسم السياسية، وعلى وجه الخصوص خلال فترة سلطة البعث الثانية (1968-2003)، ومنها ضخ المناهج بالنصوص الدينية في ظل الحملة الإيمانية (1993)، وهي مستمرة حتى الوقت الحاضر، لأنها الممارسة الإيجابية الوحيدة لدى الأحزاب الدينية، الموروثة من الفترة السابقة، فاحتفظوا بها من دون إعلان، مثل استماتتهم على العلم العراقي، الذي جاء كمظهر مِن مظاهر الحملة المذكورة.

لقد بلغ التعليم الديني ذروته بعد 2003، وصار مشاعاً بلا أدنى قيد، حوزات دينية بالمنطقة الجنوبية والوسطى، ومدارس دينية بالمنطقة الغربية، ولا نغفل المدارس التي وجدتها «داعش» مفتوحةً قَبلها بالموصل واستمرت بها، ناهيك عن إقليم كردستان العراق، فالمدارس الدينية والجامعات تنتشر، وكل حزب وجماعة لها مدرستها السلفية، ومنها المدارس التي تديرها جمعيات الإخواني «علي القرداغي» نائب رئيس «هيئة علماء المسلمين» التابعة للقرضاوي.

لا أظن أن قرية من قُرى العراق، من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ناهيك عن مدنه، لا توجد فيها حوزات ومدارس ومعاهد دينية، فأصحاب العمائم الذين عادوا من إيران فتحوا لهم حوزاتهم، كما أن قوى الإسلام السياسي، من الإخوان والسلفيين، توسعت بفتح المدارس، حتى غدت معاهدَ لتعليم النّفرة من العلِم والثقافة والفن، ومنابرها تبث سموم التكفير والطائفية، والتعلق بخارج الحدود، من مراجع ومشايخ.

بكلمة موجزة، ليس كثيراً إذا أطلقنا على التعليم الديني بوضعه الحالي أنه سرطان العقل العراقي. نعلم أن عبارة: «لا إله إلا الله ساطع عدو الله»، ستُطلق ضد مَن يتفوه بكلمة ضد سرطان التعليم الديني اليوم، مع أن أجيالاً تنشأ على خطاب ديني هابط، مدارس وحوزات، خارجة عن القيود، تُغذي الميليشيات، وأنماط «داعش» مِن المسلحين، وآخر ما خَرج، مرشحاً للانتخابات بعنوان حزب «الإمام الداعي الرباني»!

يقول أبو العلاء المعري (ت 449ه) في نماذج وأشباه هؤلاء: «كم أُمةٍ لعبت بها جهالُها/ فتنطست مِن قبلِ في تعذيبها» (العلوي، المنتخب مِن اللزوميات)، ومعلوم أن النَّطاسة تعني الفطنة. أقول: بماذا يُبشر العراقيون، بأي نموذج كارثي من الحياة؟!