أسد بابل، أسد كلّ العراقيين، عَودٌ على خاطرة! /لويس إقليمس

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يوليو 14, 2017, 09:26:17 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

أسد بابل، أسد كلّ العراقيين، عَودٌ على خاطرة!     
   

برطلي . نت / بريد الموقع

لويس إقليمس
بغداد، في 11 تموز، 2017


عجبي على زميلي وصديقي الأب نويل فرمان، أن يزلّ يراعُه هذه المرّة، فينزل إلى حدّ الاتهام في مقارعة الغير المختلف عن كنيسته ورئاسته وطائفته، فيصفهم ب"مستهدِفين  (بكسر الدال) ناكري جميل يلهثون وراء كلّ ريح". فهؤلاء "المستهدِفون"، سواءً كانوا من ذات الكنيسة أو من خارجها، فهُم لا يستحقون كلّ هذه القساوة، كما لا تليق بهم هذه التوصيفة التي يُشعَر منها الكثير من العنجهية والقصد  الدفين المسبَق بطرد ورفض كلّ فكرٍ مختلف عن المنهج والطريقة التي تُسيّر بها شؤون الكنيسة الكلدانية في الداخل والخارج. أمّا إنْ كان المقصود بالمستهدِفين، أفرادًا وجهاتٍ من كنائس أخرى مختلفة متواجدة على الأرض الرافدينية، حالُها حال تاريخ الكنيسة الكلدانية، فهذا اتهام خطيرٌ وغير مقبولٍ وإن يكنْ فيه شيء من القصد أو النية لدى بعض النفر الغيور. فليسَ كلُّ مَن تحسّس من مسيرة الكنيسة الكلدانية ورئاستها، يستحقّ مثل هذا الوصف الجائر، هذا إذا مازالت الرئاسة الكلدانية تؤكّد تمسَّكَها بالخطّ الذي أعلنته مرارًا، وتعهّدت فيه تكرارًا، بلمّ اللحمة المسيحية وتوحيد خطابها، "بدلَ انتظارمزيد من التراجع والانقسام والتشرذم، وبدعوة رئاستها للتحرك السريع من أجل عودة المسيحيين الى أراضيهم ومسكها قبل أن يستولي عليها آخرون"، حسبما كتب وذكّر غبطة رئيس هذه الكنيسة حديثًا جدًا، ونشره موقع البطريركية الكلدانية في ذات الصفحة الأولى لهذا اليوم الثلاثاء 11 تموز 2017، أي بعد يومٍ واحد فقط من تحرير الموصل، وهي يلا منارة الحدباء هذه المرّة.
كانت كنيسة المشرق "السريانية" بفروعها الثلاثة، قبل الانقسام الرئاساتي "الزعاماتي"، الشجرة الوارفة المورقة التي يستظلّ تحت أفيائها جميعُ أبنائها. وهي ستبقى كذلك برغم الانقسامات المذهبية القائمة واختلاف الزعامات، إن التزم أبناؤُها المخيّرون لا المسيَّرون، الواعون لا الخانعون، المثقفون لا الجهلة بالتاريخ والجغرافية واللغة والهوية، من حيث أهمية الوجود الواجب دون قيود أو شروط أو فرض انتماء وكينونة. والسبب، كما أشار البطريرك ساكو " لأنهم أصلُ البلاد، وأصحاب حضارات قديمة، وينتمون الى أقدم كنيسة مسيحية في العالم. من هنا واجبٌ عليهم ان يتشبثوا بشكل فاعل بأرض آبائهم وأجدادهم وبهويتهم وتاريخهم وتراثهم."
أية توصيفات استفزازية تحملُ شيئًا من رياح الطائفية ومن عدوانية واضحة تجاه مَن يوصفون بأعداء الكلدان، أمرٌ غير مقبول. فهذا خروجٌ واضحٌ عن الأجماع الذي خرج به رؤساء الكنائس مجتمعين في أربيل قبل اشهر، وفيه تمّ إقرار التحدّث بمصير "المكوّن المسيحي" ككلّ وليس بجزء منه في أية مناسبات رسمية وتداولية، في الداخل والخارج. وبهذه الروحية، يمكن الوقوف بإزاء أية تجاوزات أو اجتهادات شخصية وتجزيئية تصدر من هنا وهناك. فكيف إذا نطق بها أصحاب الشأن وأصحاب الدعوة للتلاحم والتوحّد ولمّ الشمل المتناقص مع الأيام؟ فمَن منّا لا يطيب له التفاخر بأسد بابل، رمزًا لعظمة بلاد ما بين النهرين؟ فهو علامة قوّة كل العراقيين، وليس للكلدان فحسب. فبابلُ الأمس لا يمكن حصرُها بحاضر كلدان اليوم، وبالكنيسة الكلدانية الحالية، كما لا يجوز تقييدُ أسدِها بعظمة الكنيسة الكلدانية وحدها دون غيرها من شقيقاتها. ولِماذا نحن لا نكتبُ وننشر ونغنّي مجتمعين بعظمة أسد بابل "العراقيين" جميعًا، مسيحيين ومسلمين وطوائف وأديان أخرى عاشت ومازالت تسكن وتأكل وتشرب وتتفاعل بحضور وخلود أسد بابل وتاريخ المنطقة وحضارتها؟ أمْ إنّ نفرًا متعصّبًا، هاويًا أم محترفًا، ماتزال تختلج في طياته وأساريره نوازعُ الاستعلاء والترفّع والغلبة على ما سواه بمناسبة ومن دون مناسبة، إن يكنْ بحجة الأغلبية والأقلية وما سواها من مبرّرات في القدرات البشرية والاقتصادية والإعلامية والتقرّب والعلاقات من أصحاب القرار والنفوذ؟
العقلاء والمثقفون وأصحاب الرؤية المستقلّة من المسيحيين، وبخاصة الملتزمون منهم بالدفاع عن هوية المكوّن المسيحي بصورة أقرب إلى الاستيعاب، يعوّلون كثيرًا على جهود رأس الكنيسة الكلدانية، ويقدّرون عاليًا ما يسعى إليه من أجل لمّ اللحمة بعد النكبة التي حلّت بقساوةٍ عليهم وعلى مواطنيهم في البلاد، وبخاصة في الموصل وتوابعها، وهي مهد تواجد هذا المكوّن وقوّتُه بشريًا وكنائسيًا وتعايشيًا من حيث الجغرافيا والتاريخ والتراث والحضارة. من هنا، فإنّ أية إشارة إلى تعزيز أركان كنيسة أو رئاسة على ما سواها من شقيقاتها، وتحت أية ذريعة كانت، يبقى أمرًا غير مقبول وغير مستَحَبّ. ومثلُه، تدخل كلُّ دعوات الحيطة والتحذير أو حتى أنواع التلويح بالاستقلالية في الرأي والقرار الذي يخصّ مستقبل عموم المكوّن المسيحيّ، ضمن دائرة تجزئة هذا المكوّن وإضعاف دوره الوطنيّ والدينيّ والحضاري، باختزاله بكنيسة أو طائفة دون سواها، بسبب ادّعاء تقدّم هذه على غيرها عدديًا أو شخصيًا أو تراتبيًا. فكيف إذا كانت مثل هذه الدعوة هجومية وتحذيرية صادرة من أشخاصٍ مقرّبين من مصادر كنسية، تحذّر من "هجمة ثعلبية، ومن طعنات في الظهر، ومن عفونة، ومن حمّى آتية من الرِجلين، تسببت بحمّى الجسم الذي رعى وآوى وسقى..."، كما ورد في خاطرة الصديق والزميل نوئيل فرمان. تُرى أين هي هذه الثعالب، ومَن ذا الذي طعنَ في الظهر وتسبّبَ بحمّى باقي الجسم، ومن الذي رعى وآوى وسقى؟؟؟
لا شكَّ، أنَّ تحرير الموصل وقبلها بلدات سهل نينوى من براثن عصابات داعش الإرهابية بجنونها وهوسها وبشاعتها، هي خيرُ مناسبة مؤاتية لكلّ المعنيّين، من رئاسات كنسية وزعامات دينية وحزبية، لمراجعة ذاتية وللوضع القائم بما فيه من توترات بينيّة في صفوف رئاسات مختلف الكنائس بسبب تعدّد ولاءاتها واختلاف ميولها وتنوّع تصوّراتها، بحسب المنفعة الخاصة لهذه الكنيسة أو تلك، ورغبة هذه أو تلك بالتسيّد على غيرها وتمرير آرائها وفرض أجندة معينة خارج نطاق الحوار والنقاش.
بودّي المرور هنا، على عجالة على ما يطلعُ به علينا رأس الكنيسة الكلدانية مشكورًا بين فترة وأخرى من أفكارٍ ومبادرات تستحق الثناء والمتابعة والتطبيق. وهذا من صميم الخاطرة التي نشرها موقع البطريركية للزميل الكاتب وضمن مقالة غبطة البطريرك بصدد حال المسيحيين ما بعد داعش. هناك إشارة بمقترح من غبطته إلى المطلوب في هذه المرحلة: "تشكيل فريق صغير فعّال من 7-10 من أشخاص حكماء ومقتدرين وشبعانين وسياسيّين متزنين ومخلصين ليكونوا ناطقين باسم المسيحيين ويتحملوا المسؤولية بروح الفريق الواحد، ويتصلوا بالمعنيين في الداخل والخارج."
هل من كلام أكثر وضوحًا وحنكة ورصانة ومنطقا مثل هذا؟ وهل من دعوة أكثر رفعةً وحكمة وواقعيةً ممّا أورده رأس العقلاء في كنيسة المشرق "العراقية" في هذا النشر لهذا اليوم الثلاثاء 11 تموز 2017، أي بعد يومٍ لتحرير الموصل كاملاً؟ مَن يتابع أنشطة كنيسة العراق، وجهود رأس الكنيسة الكلدانية، يدرك أنّ مثل هذه الدعوة الملحة قد تكرّرت وأُشبعت دراسة وآراءً ونقاشًا، منذ مبادرة غبطته المفتوحة قبل أكثر من سنتين ودعوته الأولى لتشكيل "هيئة رأي" أو "مجلس استشاري سياسيّ مسيحي علمانيّ مستقلّ". وقد سبق لي أن تطرّقت مثل غيري، إلى هذه المبادرة في كتاباتٍ عديدة، كوني كنتُ أحد أعضاء لجنة التنسيق فيها مع زملاء آخرين حريصين على تحقيق هذه الدعوة وإنجاز مضمونها وغايتها. وفي حينها قمنا بجهود كبيرة لتحقيقها بعد الاتصال بجميع الرئاسات الكنسية ونيل بركتهم. لكنّها ارتطمت بتنصّل صاحب المبادرة منها بعد حين، حينما أرخى سدولَها وترك الفكرة بأعذارٍ غير وافية وحجج غير مقنعة، بالرغم من تحقيق لجنتنا نتائج إيجابية في حينها. وعلى إثرها، سعت جهات أخرى مقرّبة من سهل نينوى وفي كردستان، إعادة إحياء ذات المبادرة ولم تصل إلى نتيجة هي الأخرى.
في اعتقادي، أنّ أية محاولة لترميم البيت المسيحي سوف لن يُكتب لها النجاح إلاّ إذا مَنحت الرئاسات الكنسية تفويضها الواضح ومباركتَها الكاملة بهدف تشكيل مثل هذه اللجنة أو الفريق الموحد الذي يتبنّى بصورة رسمية رأي المكوّن المسيحيّ والنطق باسمه لدى الجهات الرسمية والمنظمات والدول والحكومات في الداخل والخارج. وهذا غير ممكن التحقيق أيضًا، من دون مشاركة نوعية لممثلين من الأحزاب القائمة التي في أغلبيتها ليس لها الأركان القوية والفاعلة على الساحة السياسية، بسبب ضعف قياداتها، إلاّ القليل منها من التي خبرت سوح النضال ولها برامج وخطط وأهداف. ومن المؤسف، أنّ هذه الأخيرة أيضًا، لم تلتزم دومًا وحدة الصفّ والكلمة والخطاب، شأنها شأن بعض الرئاسات الكنسية التي تصرّح وتعمل وتسير وفق مصالحها وتبعًا لأجندة مَن يقف وراء تمويلها وتكريمها ودعمها.
لذا، لا أجد في هذه الدعوة الأخيرة، القديمة- الجديدة، ضيرًا من تحقيقها على الفور، وعلينا جميعًا دعمَها ومباركتَها والتمنّي بنجاحها هذه المرة، "في مسيرة مشتركة من أجل بناء الثقة وخلق واقع جديد أفضل مبني على خبرتنا التاريخية في العيش المشترك" مع باقي المكوّنات الأخرى. ففرصة إثبات الوجود وتعزيز الهوية المسيحية في هذه المرحلة من التحوّل في الفكر والسياسة والمجتمع، قد لا تتكرّر.