د. أسماء جميل رشيد في "المدى": المشكلات الاجتماعية والنفسية لسكان محافظة نينوى

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 06, 2017, 11:35:34 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  المشكلات الاجتماعية والنفسية لسكان محافظة نينوى وآليات معالجتها.. رؤية استشرافية (2- 4)     
      


برطلي . نت / متابعة

المدى /  د.أسماء جميل رشيد*



وتؤكد التجارب السابقة التي شهدها العراق مع النزوح خلال الاعوام 2006-2007 ان 51% من الأسر النازحة استقرت في مناطق هي ليست مناطقها الاصلية التي أتت منها قبل التهجير وان 49% من الأسر عادت الى مناطقها الاصلية التي انحدرت منها (السكان وزارة التخطيط).
في المقابل فان هناك مجموعات سكانية اخرى لن تتمكن من العودة الى مناطقها بسبب عمليات الترحيل والتهجير الجماعي التي ستمارس من قبل بعض الجماعات انتقاماً ممن يعتقدون انهم مناصرين وداعمين لداعش وبهدف خلق مناطق ذات لون قومي او ديني واحد. وهو ماحدث في مناطق تلكيف وسنجار منذ تحريرها قي تشرين الثاني من عام 2015 ، إذ تقوم جماعات غير معروفة بتهجير العرب المسلمين من عشيرة الحديد الذين يمثلون اقلية داخل هذه المناطق بحسب ناشطين مدنيين.

وبشكل عام فان المناطق المتنازع عليها في الموصل بين الحكومة واقليم كردستان من المحتمل ان تشهد عمليات ترحيل للعوائل العربية المسلمة ورفض عودتها الى هذه المناطق، وسيتعرضون للطرد او هدم المنازل كما حدث في ديالى قضاء خانقين لغرض احداث تغيير ديمغرافي  .

وسواء كانت الهجرة الداخلية في الموصل اختيارية او قسرية بوصفها جزءا من العقاب الجماعي او لافراغ المناطق من التنوع السكاني، فان خط الهجرة سيتوجه الى التركز في المناطق الحضرية والمدنية ذات الاغلبية العربية السنّية، والابتعاد عن المناطق الريفية وهو ماسيخلق مشكلات عدة أهمها : أزمة في الخدمات والبنى التحتية نتيجة لعدم قدرة المدن على استيعاب الاعداد المتزايدة. إذ سيخلق التركز السكاني في المدن والحواضر والذي لايقابله توسع في مستوى الخدمات والبرامج والخطط، ضغطاً كبيرا على المدن وزيادة في عدد ساكنيها، وستنعكس الأزمة في الطلب على المساكن وانتشار ظاهرة العشوائيات وأزمة الفقر والتجاوز على الاملاك العامة. كما سيؤدي الى زيادة الطلب والتجاوز على شبكات الكهرباء والماء والطرق والمدارس والمستشفيات مما له انعكاساته على نوعية الخدمات المقدمة .
كما ستكون لهذه الهجرة انعكاساتها الاقتصادية على الموصل إذ ستؤدي الى زيادة في حجم القوى العاملة الحضرية مقابل تناقص في حجم القوى العاملة الريفية والذي يؤدي بدوره الى إعادة توزيع العمل من الزراعة لصالح القطاعات الاخرى، مما سيخلق مشكلتين كبيرتين الأولى تناقص الانتاج الزراعي وزيادة البطالة في المدن وقلة فرص الكسب الذي يهدد بالافقار.

3- تغييرات في التركيبة السكانية
هناك تغيير كبير سيلحق تركيبة مدينة الموصل القومية والدينية نتيجة للنزوح والهجرة وعمليات الابادة الجماعية التي شملت الاقلية الدينية الايزيدية ، إذ نفذت داعش حملة (تطهير مكاني) لافراغ الموصل من التنوع الديني والعرقي الذي طالما كان أحد ابرز سمات المدينة الديمغرافية، وواجه كل من المسيحيين والتركمان الشيعة والشبك والايزيديين عمليات نزوح قسري بعد الانتهاكات وعمليات الابادة الجماعية التي تعرضت لها هذه المكونات.
ومع أن القسم الاكبر من الاقليات قد نزحت داخليا متجهة الى اقليم كردستان فان اعداداً كبيرة منهم هاجرت خارج العراق، وبشكل خاص المسيحيون. وقسم كبير من هذه المكونات النازحة داخليا لن تتمكن من العودة الى مناطقها بعد انتهاء العمليات العسكرية بسبب التهديدات الأمنية التي لن تختفي والخوف من تكرار التجربة التي عاشوها في المستقبل القريب، فضلا عن الدمار الذي لحق ببيوتهم ومصادرة املاكهم وانهيار البنية التحتية في مناطقهم .مما سيهدد بأنخفاض نسبة الاقليات في التركيبة السكانية للموصل بشكل عام ونسبة الاقليات الى بعضها الاخر بشكل خاص.على سبيل المثال سينخفض الوجود المسيحي وربما الايزيدي في سهل نينوى قياسا بالاقلية الشبكية والتركمانية.

4- الانقسامات السكانية
ستؤدي الهجرة والترحيل الى خلق مناطق مغلقة ذات لون واحد تقوم على اساس اثني او طائفي ومثل هذا الفرز السكاني سيقضي على نمط المناطق المختلطة وهو ما يساعد على ازدياد حدة التوتر واذكاء روح العداوة والتعصب تجاه المجموعات الاخرى والمجالات الحيوية الأخرى والمناطق الأخرى (مناطق معادية-مناطق خطر-مناطق تهديد).من جهة ويهدد بأنحسار الهوية الموصلية بل الوطنية الى مجرد هوية محلية او طائفية يصاحب هذا الانحسار فقدان مشاعر الانتماء للوطن الكبير من جهة اخرى . والحد من هذه الانقسامات يتطلب من السلطات المحلية والحكومية بذل الجهد لضمان عودة آمنة ومستدامة من خلال الحد من التوترات الاجتماعية والاصلاح الامني ووضع نظم فعالة لحل نزاعات الملكية والتعويض.

ثانيا:الآثار النفسية لازمة الموصل
تركت سيطرة تنظيم داعش على الموصل ومارافقتها من عمليات تهجير اثاراً على البنية النفسية للموصليين وخاصة الاطفال منهم وقد تفوق الآثار المادية للدمار وانهيار البنية التحتية وتردي الاوضاع المعيشية، فالعيش في بيئة النزاع والستراتيجية التي استخدمها تنظيم داعش لترهيب الناس والحاجات الطبيعية غير الملباة مثل الطعام والماء والأمن واستعمال المدنيين كدروع بشرية وتهديدهم والانتهاكات التي تعرض لها نسبة كبيرة من السكان والبنية التحتية المدمرة ، كل هذه الظروف والتجارب تنتج تأثيرات مدمرة على الصحة النفسية فضلا عن  الضغوط النفسية التي قد تؤدي في وقت لاحق الى مشاكل عقلية على المدى البعيد ، وتشير جميع الادلة الى ان الصراعات المسلحة والعنف يزيدان من خطر انتشار الاضطرابات النفسية الخفيفة  والمعتدلة من (5%-10%)  فضلا عن الضغوط النفسية .
وعلى الرغم من صعوبة تحديد حجم الاعباء والاجهاد النفسي الذي يعاني منه سكان المناطق التي خضعت لسيطرة داعش .إلا ان الانتهاكات التي تعرض لها سكان الموصل والتجارب التي كان عليهم مواجهتها تشكل عوامل خطر على الصحة النفسية والعقلية للأفراد.

وقد اظهر المسح الذي اجراه الجهاز المركزي ان 3615 نازحا موصليا من الذكور و 1901 من الإناث فضلا عن 1586 طفلا ذكرا و1542 طفلة انثى افادوا بتعرضهم لانتهاكات حقوق الانسان والمتمثلة بالتعرض للقتل والقصف والاختطاف او الاختفاء والتعرض للإساءة والتعذيب ، والاستغلال والاضطهاد وهي الاعلى بين المحافظات .

كما تكشف التقارير والاخبار التي صدرت اثناء سيطرة داعش على مدينة الموصل حجم التضييق والرقابة والعقوبات التي مارسها التنظيم في مدينة الموصل والمناطق الاخرى الخاضعة لسيطرته وبشكل خاص على النساء.

وبحسب الدراسات فأن مثل هذه الحوادث والمواقف الصادمة تعد من مصادر واسباب حدوث الصدمات النفسية والاضطرابات السلوكية والانفعالية والعقلية قد لاتظهر اعراضها بعد الحدث مباشرة بل احيانا تمتد لفترة ما بين الاشهر وربما لسنوات من  الحوادث التي تعرضوا لها.
وتعد اضطرابات ما بعد الصدمة (التروما) مرضا حقيقيا يصاب به الذين عاشوا او خبروا احداثا صادمة كالحروب ومشاهد القتل والانتهاكات الجسدية ويؤدي هذا الاضطراب الى شعور الاشخاص بالحزن والغضب والابتعاد عن ممارسة حياتهم اليومية وعملهم ويؤثر على علاقاتهم الاجتماعية .وفضلا عن الانتهاكات فقد واجه سكان الموصل خبرات متعددة الاوجة خلال عمليات التهجير الذي رافق سيطرة داعش على مدينة الموصل كان لها تأثير خطر على الصحة النفسية والتكيف السلوكي.

ويُعدّ التهجير بحد ذاته من اخطر التجارب وذلك لما يتركه من اضطرابات نفسية مصدرها الشعور بالاقتلاع وفقدان المجال الحيوي المألوف والمطمئن والعيش في مجال جديد وغريب يفتقر الى مقومات العيش البسيطة  .

وقد كان للتهجير آثار نفسية مباشرة على نسبة كبيرة من النازحين،  اذ بلغ عدد النازحين من مدينة الموصل  الى مناطق العراق عدا اقليم كردستان الذين يعانون من اضطرابات نفسية تتراوح ما بين خفيفة وبالغة الصعوبة ومعيقة 4016 نازحا لغاية نهاية عام 2014، وهي الأعلى بين محافظات العراق . وقد افاد 2118 منهم بأن سبب الاضطرابات كان النزوح، فيما أشار 121 منهم ان السبب كانت الحروب .


* باحثة في مركز دراسات المرأة/ جامعة بغداد
الهوامش:(1) اللجنة الوطنية للسياسات السكانية :تحليل الوضع السكاني في العراق 2012 التقرير الوطني الثاني حول السكان بغداد 2012
(2)  مركز سيسفار لحقوق المدنين والمجموعة الدولية لحقوق الاقليات:أزمة النزوح في العراق الامن والحماية,مصدر سابق
(3)  مجموعة باحثين: النزوح الكبير مصدر سابق ص65
(4)  اللجنة الوطنية للسياسات السكانية :تحليل الوضع السكاني في العراق 2012 مصدر سابق
(5)  كامل مهنا: لا مكان للأطفال في الحرب"حالة لبنان" بحث القي في عمان تشرين الثاني 2008 فندق كمبنسكي متاح على الرابط  www.amel .org.lb
(6)  مركز سيسفار لحقوق المدنين والمجموعة الدولية لحقوق الاقليات:أزمة النزوح في العراق الامن والحماية,مصدر سابق
(7) منظمة الأمم المتحدة للطفولة : تقييم الاحتياجات النفسية- الاجتماعية في العراق التقرير النهائي آب 2016
(8)  المفوضية السامية لشؤون اللاجئين 2013
(9)  وزارة التخطيط الجهاز المركزي للأحصاء : المسح الوطني للنازحين في العراق 2014 :بغداد 2015 ط2
(10)   ناتالي دير ساهاغيان: ماهي اضطرابات ما بعد الصدمة متاح على الرابط afkar.omsar.gov.lb/English/.../Documents/Intervention%20Nathaly%20(Arabic).doc
(11)  كامل مهنا: لا مكان للأطفال في الحرب"حالة لبنان" مصدر سابق
(12)  وزارة التخطيط الجهاز المركزي للأحصاء : المسح الوطني للنازحين في العراق 2014 مصدر سابق