مشاهدات وانطباعات اولية من الموصل وعنها.. (الجزء الاخير)

بدء بواسطة jerjesyousif, مارس 27, 2017, 04:27:09 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

jerjesyousif

مشاهدات وانطباعات اولية من الموصل وعنها.. (الجزء الاخير)


Emanuel Youkhanaالاب عمانوئيل يوخنا

بداية اعتذر على تاخري في نشر هذا الجزء الثالث وهو الاخير من الانطباعات والاستنتاجات الاولية التي استخلصتها من زيارة الساحل الايسر لمدينة الموصل بعد تحريره من سيطرة الدولة الاسلامية. وهو تاخر حصل بسبب التزامي المشاركة في عدة نشاطات في بيروت التي بقيت فيها اكثر من اسبوع. فمعذرة.
لا يختلف اثنان على ان عملية تحرير الساحل الايسر جرت بسلاسة وباسرع من المتوقع لها من المواطنين وحتى "الخبراء" و"المحللين" الذين تعج بهم شاشات التلفاز هذه الايام، وكذلك، والحمد لله، بخسائر ومعاناة اقل مما كنا نتوقعه في نقاشات وخطط عمل المنظمات الانسانية.
من المؤلم حقا ان عمليات تحرير الساحل الايمن لا تسير بذات السياق، ونتالم للارواح البريئة من المدنيين التي تزهق.
بينما استنتجنا، ويتعزز وللاسف استنتاجنا يوم بعد آخر، ان لا عودة لمسيحيي الموصل اليها، وكذلك لا عودة لايزيديها ولشيعتها، بل ولا عودة للغالبية الكبرى من اكرادها المسلمين الذين هجروا منها او هجروها، لتبقى الموصل مدينة اللون الواحد ومعقل العرب السنة ببيئة اسلامية متطرفة رافضة للآخر المختلف، بل وان هذه الموصل لن يعود اليها المتنورين من العرب السنة.
بالتاكيد ان موصلا كهذه وبرمزيتها العروبية السنية وبثقلها السكاني لن تكون طيعة ومتناغمة مع حكومة مركزية شيعية الهوى والاجندة في بغداد.
موصل ما بعد الدولة الاسلامية ستكون اكثر خصومة وتنافرا مع بغداد مما كانت عليه قبل الدولة الاسلامية.
خاصة بوجود عوامل ترافقت وما زالت ترافق عملية تحريرها من الدولة الاسلامية من الخسائر البشرية والدمار الحاصل في عمليات تحرير الساحل الايمن بحسب ما تتناقله وسائل الاعلام، ومن سلوك طائفي استفزازي للوحدات العسكرية لما يفترض ان يكون جيشا "وطنيا" وهذا بحسب ما شهدناه بام اعيننا في زيارتنا للموصل.
على طول الطريق المؤدية الى الموصل من ما قبل مفرق الحمدانية (حيث يبتدأ خط العمليات العسكرية الفاصل بين البيشمركة والجيش العراقي وميليشيا الحشد الشعبي والميليشيات المنضوية تحتها) الى ساحل دجلة الايسر ترتفع الرايات الشيعية الطائفية بصورة متعمدة لا يمكن تبريرها باي شكل سوى بانها بغاية استفزاز متعمد للبيئة السنية في الساحل الايسر من الموصل، وهي رسالة سياسية من ساسة عراق المركز الى "شركاء" حكم العراق.
ان حجم ومستوى ومظاهر الاستفزاز الطائفي لا يمكن التغاضي عنه او اعتباره ممارسات فردية دون علم او موافقة المرجعيات العسكرية للجيش او الحشد الشعبي:
- كيف يمكن لاي انسان يمتلك الحد الادنى من الحس بالمسؤولية انه في حي الشرطة حيث زرنا كاتدرائية مار افرام للسريان الارثوذكس وحيث تتمركز وحدة عسكرية عراقية في محيط وبيئة عربية سنية خالصة تقوم المدرعات العسكرية للجيش "العراقي" بالتجوال وهي تحمل اعلاما شيعية كبيرة وترفرف استفزازا للمواطنين؟
- وكيف يمكن تبرير او قبول ان منتسبا للجيش "العراقي" يرتدي الزي العسكري الرسمي لقوات مكافحة الارهاب ويقف في الشارع المؤدي الى حي العربي كنقطة سيطرة وارشاد للعربات المدنية والافراد ولاستقبال الفارين من الساحل الايمين ايضا ولكنه يرتدي طاقية منسوج عليها شعارا طائفيا شيعيا؟
- وكيف يمكن التسامح بان المعلق في مكبرات الصوت في ساحة الاحتفالات وضمن احتفالية رفع العلم العراقي فيها (حيث تزامنت زيارتنا معها) يردد اهازيج مديح لمليشيات الحشد الشعبي؟ من الملاحظات التي تستحق الانتباه اليها ان هذه الاحتفالية لم يحضرها الا العدد القليل من المجتمع الموصلي، وكأن الموصليون يقولون احتفلوا لانفسكم فهذا لا يعنينا او ربما لسنا فرحين به معكم او من خلالكم.
- وكيف يمكن تبرير عبارات التهديد بالانتقام والثأر للديوانية وسبايكر؟ فهل الجيش "الوطني" والحشد الشعبي جاءا قوة تحرير ام احتلال وانتقام؟
- يمكن لنا ان نفهم ان يضع مقاتلو الجيش علامة (اكس) على شعار الدولة الاسلامية الملصق على تانكر مفخخ تم ابطال مفخخاته، ولكن كيف يمكن تبرير ان يقوم العسكريون ذاتهم بكتابة اسم ايراني على ذات التانكر؟
وغيرها من المظاهر والممارسات الاستفزازية الطائفية دون ان تبادر المرجعيات العسكرية والسياسية الى ايقاف ومحاسبة القائمين بهذه الاستفزازات. بل وحتى السيد النائم الذي استنكر بانتقائية رفع البيشمركة للعلم الكوردستاني في المناطق التي حرروها في سهل نينوى (وهو علم رسمي ودستوري)، فانه لم ينبس ببنت شفة مستنكرا، ولو بشكل خجول، هذه الاستفزازات الطائفية التي طالت ليس البيئة العربية السنية بل وحتى مدنه وبيئته المسيحية في سهل نينوى (تحديدا في برطلة، كرمليس، الحمدانية)
ماذا يترتب على هذا الاستفزاز الطائفي؟
في الوقت الذي تؤكد هذه الممارسات ان الفرز والعزل والتمترس الطائفي بات عاما وشاملا في كل مؤسسات "الدولة العراقية" (اذا جاز لنا افتراض وجود مؤسسات ووجود دولة)، وان هذا الفرز ستكون له نتائجه على الارض من حيث اعادة تشكيل الديموغرافيا على اساس التطهير الطائفي، فانه وعلى المدى القريب جدا، وفيما يخص الموصل، لن يكون هناك استقرار امني داخل المدينة.
اذا كان هذا الفرز والصراع الطائفي قد بلغ حد انتاج شيعي واخر سني لـ(علكة بوبي) (شاهد الصور) فكيف تراه سيكون في السياسة والعسكر والادارة!!!!
اذا كان ليس بيد العرب السنة في الموصل من حيلة او قوة الان لرفض هذه الاستفزازات، فانه لن يمر وقت طويل حتى تبدأ عمليات استهداف للوجود العسكري "العراقي" ولمؤسسات "الدولة" واداراتها التي تلي تحرير الموصل من الدولة الاسلامية. مرة اخرى، وفي السياق الامني والصراع الطائفي ايضا، فان موصل ما بعد الدولة الاسلامية ستكون اسوأ مما كانت عليه قبلها.
وهو عامل اضافي اخر يؤكد استنتاجنا ان لا عودة لاي من المسيحيين والايزيدية والشيعة وغالبية الاكراد المسلمين والمتنورين العرب الى الموصل.
من اولى النتائج المباشرة على هذا الفرز والصراع الطائفي المستمر لاجيال قادمة والذي يتوجب اخذه في الحسبان بجدية وموضوعية في مناقشة الهيكلية الادارية لمرحلة ما بعد الدولة الاسلامية، هو ان سهل نينوى، وتحديدا الكلدان السريان الاشوريون والايزيدية والكاكائية، لن يكون له مستقبل آمن ومستقر ومستديم اذا ما بقي تحت الهيمنة والتبعية الادارية للعرب السنة.
ومن النتائج الاخرى التي لا بد من الانتباه اليها الان وتخطيط البدائل لها هو ان هذا الفرز والصراع الطائفي ورفض المجتمع الموصلي قبول الآخر يعني فرزا في السوق الاقتصادية والمؤسسات الخدمية ايضا.
فمن السذاجة ان نتوقع ان طلبة سهل نينوى من الكلدان السريان الاشوريين او من الايزيدية او الكاكائية او الشبك الشيعة سيرتادون جامعة الموصل. وذات الشيء للخدمات الاخرى من صحية ومهنية وغيرها.
ومن السذاجة ان نتوقع ان ابناء سهل نينوى سيتواصلون اقتصاديا مع الموصل.
فهل نحن واعون الامر والتحدي الواقف امام عتبة دارنا؟
ام ترانا نتحرك بالفوبيا التي يديمها ويغذيها بعض المنتفعين من "رجالات" السياسة في جشعهم للسلطة وامتيازاتها وفي استثماراتهم المالية. مثلما يغذيها، بالتنسيق معهم، المهجر الاشوري الذي ولحد هذه اللحظة لم يخلق فرصة عمل واحدة لشعبنا في الوطن، ولكن وبدون خجل او وخزة ضمير فانه يملأ فضاء الانترنت بمواقف "قومية" و"نضالية" وصولا الى اعادة تشكيل حدود دول المنطقة في خرائط تشتم منها رائحة اقداح الويسكي واصوات مكائن البوكر في ساعات المساء المتاخرة في سدني وشيكاغو وكاليفورنيا واريزونا ولاس فيجاس!!!
ام ترانا، وبفعل الفوبيا، نستمر في عمى الالوان السياسي فلا نتلمس ولا نتعرف ونعترف بالفوارق بين مركزي القرار وتوجهاتهما وامكانات التلاقي مع من منهما.
ام ترانا من السذاجة ان نلغي حقائق الواقع ونطمئن بتصريحات منمقة لمرجعيات سياسية في بغداد وتصريحات منافقة لمرجعيات دينية من هنا او هناك تزايد في "عراقيتها" في عراق قام وما زال على اضطهادنا وذبحنا والتمييز ضدنا دستوريا وتشريعيا واداريا.
العراق، هذا الزواج القسري، بين مكوناته القومية والدينية والمذهبية والثقافية فشل ان يكون وطنا للجميع.
فبعد تسعون عاما على تشكيله، ربما نكون نجحنا الى حد ما في بناء دولة عراقية (كانت في اغلبها فاشلة)، فاننا فشلنا بالتاكيد ان نبني شعبا عراقيا يتشارك الذاكرة الجمعية والطموحات المستقبلية.
شخصيا ومع هكذا زواج قسري فاشل فاني لست مع ان يكون زواجا كاثوليكيا.
يجب البحث عن خيارات اخرى واعادة تشكيل البنية الهيكلية لما يسمى "العراق".
الوطن يكون وطنا فقط عندما يضمن الكرامة لابنائه.


منقول من الفيسبوك/ جرجيس يوسف/ كندا