لكل ملة وديانة رأسُ سنَتِها/رشيد الخيون

بدء بواسطة برطلي دوت نت, ديسمبر 29, 2017, 10:11:19 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت


لكل ملة وديانة رأسُ سنَتِها     
   
      
برطلي . نت / متابعة

رشيد الخيون



إذا نظرنا في تعدد تقاويم الزمن بين الشعوب، على أساس الدين والعنصر، مع اجتماعهم على عدد أيام السنة، ودورتي الشمس والقمر، سيأخذنا العجب ممَن يريد البشرية تسير على منهجه ووفق عقيدته، فكم بشر سحقوا في حروب معاندة الاختلاف والتنوع.

لكن ما أن تقارب العالم اقتصادياً، والاقتصاد المؤثر الأول في حياة الشعوب والدول، حتى صار الاتجاه إلى الفصل بين التقويم الديني والتقويم الرسمي، ولأن التقويم الساري لدى الغرب، يُحدد الحركة الاقتصادية والمالية أصبح لا مناص من استعمال التقويم الميلادي إلى جانب التقاويم المحلية، ومنه من له ثلاثة تقاويم: هجري شمسي وهجري قمري وميلادي. ومع الزمن فُصل بين العيد الديني (25 ديسمبر) ميلاد المسيح المفترض، و1 يناير رأس السنة، ولو ظل البابليون مثلاً الحضارة الفاعلة في الاقتصاد العالمي لقبل العالم أن يكون أبريل رأس السنة، وكذلك الحال بالنسبة لبقية الحضارات.

كانت بغداد العباسية، وهي عاصمة إمبراطورية مترامية الأطراف، تألف ليلة الميلاد، فقد تحدث عنها أبو منصور الثعالبي (ت 429هـ) في «ثمرات القلوب»، ولأبي نواس (ت نحو 199هـ): «يا ليلة الميلاد هل عَرفت/ أشهر مني عاشقاً مُذ كُنتِ/ ألم أُصابركِ فما صبرتِ/ حتى بدت غُرةِ يوم السبتِ»(الزمخشري، ربيع الأبرار). كذلك كان المسيحيون في العهد العباسي يحتفلون بعيد (القلنداس)، على أنه رأس السنة الميلادية (الصابئ، رسوم دار الخلافة).

وإلى جانب هذا العيد كانت بغداد تحيي عيد الربيع، رأس السنة الزرادشتية، أو ما عُرف بالنوروز، وموسمه مارس لجبي الخراج، فترى الفلاح يستدين خراج أرضه قبل الحصاد، حتى رأى جعفر المتوكل (ت 247هـ) «زرعاً لم يدرك بعد، ولم يستحصد، فقال: استأذنني عبيد الله بن يحيى في فتح الخراج، وأرى الزرع أخضر، فمن أين يُعطي الناس الخراج، فقيل له إن هذا أضر بالناس»(البيروني، الآثار الباقية عن القرون الخالية)، فأمر في تأخير النوروز والخراج حتى يونيو. أما المعتضد بالله فجعل في سنة 282هـ للنوروز تأريخاً ثابتاً (11 يونيو)، وسماه النُّوروز المعتضدي (ابن الأثير، الكامل في التاريخ).

انتقل هذا التقليد إلى تقويم البهائية، التي أُعلنت في منتصف القرن التاسع عشر، فجعلوا النوروز 21 مارس رأس سنتهم، وأسموه بشهر البهاء، الذي تبدأ فيه السنة، وهم يقسمون السنة إلى 19 شهراً، وكل شهر 19 يوماً (كتاب بهاء الله والعصر الجديد).

أقدم من هذا، يُذكر أن رأس السنة السومرية والبابلية هي التأسيس الأول للفرح بتجدد الدُّهور، وكان الاحتفال بها في (1 أبريل)، وخلاله يقدم الملك تاجه للآلهة، ليجدد عهده، بصفع الكاهن له، عندها يحصل على رضا الآلهة عن طريق الكاهن (حضارة العراق). وخلال العيد تُقرأ قصة الخليقة، مما يعني أنه احتفال بذكرى التكوين. اقتبس اليهود من بابل التقويم الشمسي، وجعلوا تقويمهم القمري خاصاً بالدين (معجم الكتاب المقدس).

ولا تبتعد الإيزيدية عن احتفالات الربيع القديمة، فيتم الاحتفال برأس السنة في أول أربعاء من أبريل، وهو حسب عقيدتهم بداية التكوين، عيد ملاك التجدد «طاووس ملك»، حيث تجدد الأرض (باقسري، الإيزيدية).

كذلك يربط الصابئة المندائيون عيد رأس سنتهم بأول الخليقة، ويسمى العيد الكبير، والكرصة، و«نوروز ربه» أحياناً، وهو الاحتجاب في المنازل 36 ساعة. فخلالها خلق الحي الأزلي العالم المادي، فصعدت الكائنات النورانية، وظلت الأرواح الشريرة طليقة على الأرض. وما المكوث في المنازل إلا للحماية من تلك الشرور (دراوور، صابئة المندائيون).

أما تأسيس التاريخ الهجري، المقترن بالهجرة النبوية على أنها التاريخ الأوضح، فقصته مشهورة، حصلت في عهد عمر بن الخطاب (اغتيل 23هـ)، بعد رسالة الصحابي أبي موسى الأشعري (ت 44هـ) إلى الخليفة، والتي جاء فيها: «تأتينا منك كُتب ليس لها تاريخ» (الآثار الباقية).

هذه أعياد الناس، ارتبطت بالديانات والمذاهب، وما تشابك فيها من العقائد. ويعطي هذا التعدد دافعاً للتعايش، وأن الاحتفال في رأس السنة الميلادية، ليس مثلما يصوره بعضهم على أنه تقليد للغرب، بقدر ما أنه السنة التي يجري وفقها التعامل العالمي، في السياسة والاقتصاد، فليس أكثر من الصينيين ولا اليابانيين اعتزازاً بتقاليدهم، لكن رأس السنة الميلادية، والتقويم الميلادي فرض نفسه، في جواز السفر وشهادة الميلاد، أما السنة الصينية أو اليابانية أو العبرية أو البوذية أو الهجرية بشقيها الشمسي والقمري، فالاحتفال بها محلياً ودينياً يظل قائماً، في الوقت الذي لم تعد فيه السنة الميلادية أو الغريغورية خاصة بالغرب أو المسيحية.

إنها أسماء واصطلاحات اتفق عليها الناس لتنظيم الدهر، وحساب سنينه، وهو يسكن ويتحرك وفق شعور الإنسان به، ولله در أبي صخر الهُذلي (ت 80هـ): «عَجبتُ لسعي الدهر بيني وبينها/ فلما انقضى ما بيننا سكن الدَّهر» (الأصفهاني، كتاب الأغاني).