البائع المتجول بين اليوم والبارحة!

بدء بواسطة MATTIPKALLO, أكتوبر 22, 2012, 08:21:50 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

MATTIPKALLO

البائع المتجول
بين اليوم والبارحة!

متي كلو
1-2

عمو"داود" جاء الى كركوك من احدى بلدات الموصل مع ولديه في المرحلة الثانوية واستطاع ان يحصل على موافقة شرطة حي "عرفة" الذي يقطنه بعض الموظفين من الدرجة الثانية وبعض العمال العاملين في شركة نفط العراق"IPC" وكان هذا الحي مغلق امام اي بائع متجول لوجود محلات متنوعة انشاتها الشركة خصيصا للقاطنين في هذا الحي المغلق وكان يطلق عليه ا"كانتين" كان عمو داود يحمل سلتان يدويتان "علاكة الخوص" ويضع فيهما بعض الانواع من الجرازات"المكسرات" وخاصة "حبة الخضرة" واحيانا حبات جوز الهند او الجوز المشهور في شمال العراق"البلوط" ، وفي ايام الشتاء كان يستبدل احدى السلتان بصفيحة من الطحينة"الراشي" الموصلية ألمشهورة وأحيانا يحمل في سلته المليئة"بالكستانة" الايرانية، وكان يعرفه جميع القاطنين في"عرفة" صغارا وكبارا وكذلك عدد من افراد الشرطة الذين كانوا يقفون عند بوابة حي عرفة، جاسم وحسين وطرفة وزيدان وإسماعيل وقبل ان يدخل الى الحي للترويج عن بضاعته كان يقف بعض الوقت يتحدث مع هؤلاء الشرطة يلاطفهم ويمزح معهم ويسال عن موعد عقد قران حسين ويوفي بوعده بجلب له صفيحة من "طرشي طه الملك" *خصيصا له ثم يغرف بكفه حفنة من الفستق او البندق ويوزعه على هؤلاء الافراد وهم مرحون وكان يسألهم السبب في ان سروالهم ثلاثة ارباع، فكان يجيبه طرفة وكان الوحيد بينهم قد انهى السنة الخامسة من الدراسة الابتدائية فيقول، ان قيافة الشرطة الملكية هي نفسها قيافة الجندي الهندي في صفوف الجيش ألبريطاني وكانت بدلة الشرطة تتكون من بدلة رسمية وتتكون من قمصلة بأزرار ذهبية اللون وبنطلون ثلاثة ارباع كما يسمى اليوم !!
كان العم داود يغيب عن سكان عرفة كل شهر يومين او ثلاثة لكي يطمئن على عائلته المتكونة من زوجته و اطفاله  الثلاثة ولكي يجلب بضاعة جديدة من مدينة الموصل وكان سعيدا في حياته وبالرغم من تعبه اليومي المرهق بحمل تلك السلال،كان يستمر عمله اليومي اكثر من الساعة الثامنة صباحا لغاية السادسة او اكثر ولكن عندما يعود الى غرفته ويرى ولديه منكبان على الدراسة ينسى تعبه، وياكل لقمة قبل ان يضع رأسه على مخدته ويحلم بغد افضل واجمل عندما يتخرج ولديه ويتم قبولهما في كليات مميزة وثم يتعين كل منهما في وظيفة مرموقة ويفتخر بان تعبه لم يذهب هباء بل اثمر عن مستقبل مشرق لولديه كما يفتخر امام عمومته واقرأنه.
في صبيحة يوم الاثنين الموافق 14 تموز 1958 أستيقظ على صوت مذيع لم يألف صوته يعلن عن حدوث ثورة ، وتسمر في فراشه وتوالت البيانات ولم يبارح منزله لأكثر من اسبوع وهو يستمع الى البيانات تلو البيانات وعلم بمقتل الملك فيصل الثاني الذي كان يحبه كثيرا لأنه كان يشبه"سامر" ابن اخيه الذي يدرس في دار المعلمين العالية في بغداد ولكن ذلك الحزن لم يشمل مقتل خال الملك "الوصي عبدالاله، لان سمعة الوصي كان يشوبها الكثير من الشوائب والكلام الذي لا يليق بهذا المنصب ولا بالعائلة الهاشمية ، وعندما سال ولده الكبير "مروان" عما يحدث بعد هذا التغير ، اجابه ولده:
- ان الشعب قام بثورة وانتهى عهد الملكية وأصبح العراق جمهورية يحكمها الشعب ولم يبقى بعدها فرق بيننا وبين عمو يوسف"( الموظف من الدرجة الاولى في شركة نفط العراق والذي يسكن في حي محاط بأسلاك شائكة ولا يستطيع احد زيارته إلا بموافقات خاصة) وبيننا وسوف نكون متساوون مع عمو يوسف وأولاده في كل شيء وسوف تستطيع ان تشتري سيارة مثله كما نستطيع نحن ايضا ان نشتري دراجات هوائية ، كما نستطيع ان نزور لينان مثلهم في كل صيف، وربما نستطيع ان نسافر مع عمو يوسف وعائلته الى مصيف "شتورا" في لبنان ..و.. و .                     تابعونا ---
* اشهر طرشي في الموصل


http://panoramanews.com.au/oldsite/index.php?option=com_content&view=article&id=2319:2012-10-21-02-56-50&catid=36:mati-kalo-articles&Itemid=80