حول التعليم/حقائق مؤلمة... تطلعات محبطة.....و لكن إلى متى؟

بدء بواسطة حكمت عبوش, أكتوبر 16, 2012, 04:42:57 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

حكمت عبوش

حول التعليم
حقائق مؤلمة... تطلعات محبطة.....و لكن إلى متى؟
 
                                 

حكمت عبوش
                                   
لا يختلف اثنان يمتلكان الحد الأدنى من المعرفة و الشعور بالمسؤولية حول أهمية التعليم الكبيرة و كونه إحدى الأسس الهامة لنهوض و تطور و تحضر أي مجتمع من المجتمعات في عصرنا الراهن و لكن ماذا فعلنا نحن من اجل انتشال تعليمنا من الدرك الأسفل(خراب شبه شامل) الذي كان قد أوصله إليه (صدام العابث)؟ رغم بعض الإصلاحات التي أجريت على العمل التعليمي بعد 2003 و منها زيادة رواتب المعلمين و المدرسين و إدخال قسم منهم دورات مهنية و التي كان من المفروض-على أثرها- أن يزداد اهتمام المعلم بتلاميذه و متابعته لهم و رفع مستواهم المدرسي بشكل عام و لكن هذا التحسن لم يحدث إلا بشكل نسبي و الدليل على ذلك إن التعليم الخصوصي لا زال موجودا و المدارس الخاصة يزداد عددها و لا زال  تلاميذ  في صفوف متقدمة في المدارس الابتدائية يجهلون قراءة و كتابة الحروف العربية و لا زال الاهتمام بالأنشطة اللاصفية معدوما و شبه معدوم في معظم المدارس العراقية و المدارس الألفية (التي عدد تلاميذها 1000 تلميذ و أكثر) موجودة و لا زالت الصفوف التي فيها 125 تلميذ و أكثر في المناطق الشعبية تفرض نفسها أيضا و استمرار الدوام المزدوج الثنائي و الثلاثي و حتى الخماسي ساريا كما تقول (نسرين هادي) عضو لجنة التربية في محافظة بغداد مما يجعل مدارس ينتهي دوامها في الساعة الثامنة مساء و لا زالت المدارس الطينية و الآيلة للسقوط موجودة و لكن معالجة مشكلة هذه المدارس و هدمها لا تاتي من خلال انعدام التخطيط و عدم بناء المدارس البديلة فيبقى التلاميذ بدون مقاعد دراسية و يضاف الى هذا الحاجة الطبيعية التي يفرضها النمو السكاني و هذا كله هو ما يجب أن تضعه وزارة التربية نصب عينيها عندما تفكر في حل أساسيات المشكلة التعليمية(قال وزير التربية محمد تميم يوم 28/9/2012 على قناة الحرة إن الموجود من المدارس هو 22000 مدرسة و الأبنية المدرسية الجاهزة هي 17000 مدرسة) و الحاجة الحقيقية للابنية اكبر من هذا كما سنرى و لذلك يبقى نقص المدارس و الوضع المعاشي المتدني لأهل الأطفال و انتشار الأمية بينهم و جهلهم و قلة وعيهم تجعل التسرب من المدارس أمرا طبيعيا و إن كان هذه السنة اقل من قبلها حسبما يقول وزير التربية في الحديث نفسه(4% بنين و 6% بنات في المدارس الابتدائية) ما عدا المتسربين من المدارس المتوسطة و الإعدادية التي تضاف كلها إلى الـ10% للأطفال المتسربين من مجموع الأطفال في العراق البالغ عددهم 14 مليون طفل كما قال السيد (عبد الرحيم ياسر) نائب مدير عام دار ثقافة الأطفال في حديث سابق لنفس القناة. إن هذه الحقائق المؤلمة و غيرها الكثير التي تواجهنا كواقع صلب تؤشر استمرار عجزنا مع الأسف عن تجاوز الواقع المأسوي الذي تركه (العهد المباد) و تؤشر العجز عن فهم ما للتعليم من أهمية قصوى في نقل العراق إلى مصاف الدول المتقدمة، فبدون التعليم سنبقى نعيش جباة القرون الوسطى و اكرر للمرة الألف إن النفط مادة ناضبة و اسأل: كم سنة سيبقى يساعدنا في توفير الغذاء 50 أو 100 سنة (تشكل أموال النفط أكثر من 90%من موارد الميزانية منذ سنوات عديدة و إلى الآن) و بعدها لنسأل ثانية: ماذا سيأكل أحفادنا و أحفاد أحفادهم؟ و على ماذا سيعتمدون في توفير الغذاء إذا بقي التعليم عندنا مهلهلا كما الآن، و كيف سنعتمده أساسا قويا لبناء العراق زراعيا، صناعيا،صحيا، تعليما و ثقافة، عمرانا، طرقا و مواصلات إلى غيرها من جوانب الحياة الأخرى؟ لنكرر تقييمنا أيضا -و هذا ليس عيبا- لكل من اليابان و ألمانيا حيث لا يستخرج من أراضيهما قطرة نفط واحدة و لكن اقتصاد اليابان ثاني اقتصاد في العالم و اقتصاد ألمانيا أول اقتصاد في أوربا و ثالث في العالم، و هذا بفضل ماذا؟ بفضل العلم و التقدم التكنولوجي الذي تحقق فيهما و أساسه التعليم في المدارس هل هناك من يحتاج إلى التذكير بان اليابان بعد خروجها مهزومة من الحرب العالمية الثانية كان أول شئ أعطته الأهمية القصوى هو التعليم و كان من نتاج حرصها عليه هو المستوى المتقدم المشار إليه و في ألمانيا عندما سئل الكاتب الألماني البارز (غونتر غراس)* عن سبب حدوث الوحدة الألمانية عام 1990، أجاب: الذي صنع الوحدة الألمانية هو المارك الألماني القوي و لو كان قد سئل: هذا المارك كيف أصبح قويا لأجاب بفضل الاقتصاد الألماني القوي الذي صنعه التقدم العلمي و التقني و الذي أساسه التعليم طبعا. إن ما يجب أن يعرفه كل العاملين في تسيير المجتمع و العمل التربوي: إن علينا أن ننطلق بسرعة قصوى لكي نلحق بالتطور العلمي الذي يشهده العالم و ما يجب أن نعرفه إن انطلاقتنا لم تبدأ من واقع موضوعي كل الحاجات التعليمية و التربوية مقبولة بشكل لا باس به بل انطلقنا من وضع (ما دون الصفر) في جوانب كثيرة بسبب الخراب الكبير الذي أوصلنا إليه العهد المباد. و لذلك علينا أن نعمل بجديه قصوى لتجاوز هذا الواقع المرير و لنحارب و نجتث المحاصصة التي أوجدت الفساد السياسي و المالي و الإداري و بذلك نستطيع تنفيذ كل ما نضعه من خطط ليس لتطوير واقعنا التعليمي بل تطوير كل واقعنا المجتمعي في كل العراق.
عند تقديم السيد رئيس الوزراء لقانون البنى التحتية أمام البرلمان في الخامس عشر من أيلول الماضي تضمن كلامه، ان العراق بحاجة لبناء 7000 مدرسة و هذه تتطلب جهودا خاصة و استثنائية من اجل بنائها و طبعا كان عجز وزارة التربية عن تنفيذ بناء المدارس المخطط لها في السنوات السابقة و هذه السنة ماثلا و مرئيا أمام الجميع من مسؤولين و أولياء أمور التلاميذ و عامة الشعب و هذا سببه كما اشرنا هو الفساد الذي أنجبته المحاصصة و التي تدعي كل الكتل المتنفذة ابتعادها عنه في الكلام و لكنها في الواقع اغلبها تعمل خلاف ذلك و ما قاله السيد احمد الجبوري النائب عن دولة القانون و عضو لجنة النزاهة البرلمانية يوم 26/9/2012 من على قناة البغدادية من إن 5% من الموازنة السنوية يهدر سرقة و فسادا  (رغم تواضع هذه النسبة) فانه يؤكد وجود الفساد في مؤسسات الدولة.
و هناك جانب أساسي آخر لا يقل أهمية عن بناء المدارس ألا و هو إحداث التغيير العميق و الإصلاح الجذري و تطهير-الساحة التعليمية - من الارث الصدامي الفاسد الذي نشر قيم الأنانية و التسيب و اللاابالية و عدم الشعور بالمسؤولية و المحسوبية و المنسوبية و غيرها من القيم الضارة في الوسط التعليمي و التربوي إن القضية اكبر من زيادة رواتب المعلمين و المدرسين او ادخالهم في دورات قصيرة انها قضية خلق كادر تعليمي و تدريسي مؤمن بالتعليم و رسالته الخطيرة و هذه ليست قضية سهلة و تحتاج الى دراسات معمقة و واسعة و نقول ان ما تحقق من معالجات في هذا المجال لا يتناسب لا في الكم و لا النوع مع طول الفترة التي اوشكت على بلوغ العشر سنوات منذ 2003 في بناء جيل قادر على قيادة مستقبل العراق جيل مسلح بالعلم و القيم الإنسانية النبيلة المتمثلة بالسلام و احترام الآخر و قيم المواطنة و المساواة بين أبناء الشعب العراقي الواحد جيل مؤمن بالحق و العدالة و الجد و الإخلاص في العمل أبناءه متكاملي الشخصية. إن الإرث الفاسد لا زال يجول في الكثير من مدارسنا و أخطاء كثيرة تعج بها المدارس و تعرقل عملية التربية و التعليم الرفيعة. إن كل الكتل المتنفذة تتحمل مسؤولية مراوحة كل واقعنا العراقي في مكانه و منه الواقع التربوي إن ما كان علينا انجازه كخطوة أولى هو القضاء على كل التشويه و الثغرات التي أوجدها النظام البعثي في الخارطة التعليمية لنصل إلى خط البدء من اجل التحضير و التهيئة لخوض غمار الخطوة الثانية و هي المهمة الأكثر بروزا من اجل ترسيخ أسس قوية لتعليم عال متقدم و متطور يساهم بقوة و فعالية على صناعة مجتمع عراقي متحضر مستخدمين كل طاقات الوطن البشرية في الإبداع و كل إمكانياته الطبيعية الغزيرة، و لنستفيد من تجارب المجتمعات المتطورة التي سبقتنا في ميدان الحضارة و خاصة في مجال العلم فنحن في القرن الواحد و العشرين قرن استمرار الثورة العلمية و الكمبيوتر و الانترنت و المعلوماتية الغزيرة في كل مجالات الحياة و استخدامها لخير البشرية و عيشها بتفاهم و سلام و سعادة. ان تاثر الشعوب ببعضها كان و سيبقى من أهم سمات الحياة البشرية منذ القدم و الى الان حيث تزداد وتيرتها عن سابقاتها آلاف المرات و تتبادل مع بعضها الخبرات و المنجزات و الثقافة في كل ميادين الحياة.

*غونتر غراس: كاتب ألماني بارز حائز على جائزة نوبل في الآداب عام 1999 من رواياته (قبو البصل).     

صائب خليل

استاذ حكمت عبوش، شكرا لمقالتك القيمة وشعورك الإنساني والوطني الكبير

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة