تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

صناعة ديكتاتور ......

بدء بواسطة baretly.net, يناير 09, 2011, 07:51:41 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

baretly.net

صناعة ديكتاتور ......


بقلم: هيفاء الحسيني

كثير المدح ذم وقليل الذم مدح .. هكذا كانت العرب تصنف المذموم والممدوح ، وهو نتيجة لتجربة حياتية مريرة في وسط قبلي وبدوي عاشها العربي وسط أرض غير ذي زرع كما وصفها القرآن الكريم ، ولكن لماذا وقع العربي بين هذا وذاك ، وأعني بين المدح والذم ؟ أليس جديرا بنا أن نتعرف الى جذر هذه الصفة التي اتصف بها العربي وأفرزت قلائد الشعر منها ماهو مديح ومنها ماهو هجاء؟
هذا عمرو بن كلثوم يقارع الملك النعمان قائلا
أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا
وذاك المتنبي يمدح سيف الدولة بقوله
واحر قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي وحالي عنده سقم
مالي أكتم حبا قد برى جسدي وتدعي حب سيف الدولة الأمم
وانتقلت عدوى المدح والذم عبر أجيال متعاقبة حتى وصلت الينا ورحنا نقلد أجدادنا فنمدح الحاكم رغم هفواته بل وظلمه ونقدح من لايشاركنا في مدحه .. ابن خلدون يعزو ذلك الى صراع في القيم ، ليطلعنا علي الوردي بعده بمئات السنين ويكشف الأمر على أنه فوق جهل الجاهلينا .. على حد تعبير ابن كلثوم في القصيدة نفسها،لقد تعمقت لدينا جاهليتنا وهي بلا شك منافية للديموقراطية حتما والا فمامعنى أن نتزلف للحاكم ونمدحه بصفات هي فوق صفات البشر فالجواهري الكبير مثلا قال في الملك فيصل الثاني
ته ياربيع بعطرك الغض الندي وربيعك الزاهي ربيع المولد
وبعد خمس سنوات من مقتل الممدوح يقول في من تسبب في قتله
باق وأعمار الطغاة قصار من سفر مجدك عاطر موار
أليس ثمة مايثير التساؤل في أن العربي هو من يصنع الديكتاتور أكثر من غيره .. أولم يقل المؤرخ الألماني الشهير كارل بروكلمان الشعوب تصنع ديكتاتورها ..
مرة وفي حفل متواضع في القصر الأبيض ببغداد حضره الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم في نهاية عام 1958 وكان الى جانبه وزير المالية آنذاك المرحوم محمد حديد وقد استقبل بالهتاف والتصفيق فالتفت الزعيم الى وزير ماليته وقال أخشى أن اصدق مايقول الناس عني.. فضحك محمد حديد وقال : أنت أهل لهذا .. سيادة الزعيم
لاحظوا هذا الأمر كم ترك في نفس الحاكم شعورا بالتفوق ! وهكذا الحال مع حكام العراق المتعاقبين حتى وصلت نرجسية الحاكم الى أن يوصف بأنه ظل الله على الأرض
أن مديح الحاكم اذا ماتجاوز الحد يصبح كارثة على شعبه ، هذه هي عبارة الأديب المصري توفيق الحكيم خلال عرض مسرحيته الشهيرة ( بجماليون ) في خمسينات القرن الماضي ، وقد قالها عن ايمان بها حيث عاد وكررها في كتابه ( عودة الوعي ) . اذن ، العربي مجبول على تمجيد الحاكم اما طمعا بالحظوة أو خشية منه خصوصا اذا كان وجها اجتماعيا كالأدباء والشعراء والفنانين ، ولنا في فترة حكم البعث أمثلة عديدة . كم نود أن نتجاوز هذا المرض . نعم انه مرض كما يصفه الغربيون حين يتزلف مواطن لرئيسه أو حاكم بلاده ، واذا ماتجاوزناه نستطيع بناء انفسنا ووطننا معا ، أما اذا بقينا نستنسخ ماضينا التليد في صنع حاكم يضطهدنا ويبيع وطننا بأبخس الأثمان ، فأننا سنظل نزحف على بطوننا بحثا عن هواء نقي ينعشنا .. وويل ثم الويل لنا من أجيال مقبلة ترفض انحناءنا حتى تمس جباهنا حذاء الحاكم مذلة وخنوعا وتبدو تباشير ذلك واضحة للعيان ونحن نشهد اقطارنا العربية خانعة تحت جبروت الحاكم بامر الله ومن ورائها نلمح تململ جيل جديد



هيفاء الحسيني - واشنطن دي سي


http://www.sotaliraq.com/articlesiraq.php?id=80403