كلمة زهير كاظم عبود في المؤتمر الاول لاصدقاء برطلة

بدء بواسطة برطلي دوت نت, ديسمبر 02, 2013, 07:23:34 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

كلمة زهير كاظم عبود في المؤتمر الاول لاصدقاء برطلة

برطلي . نت / متابعة
عشتارتيفي كوم- خاص
التغيير الديموغرافي المنظم لن يسمح بأن تتسع مساحة السلام والمحبة والتآخي بين المكونات العراقية

النظرة القانونية للتغيير الديموغرافي

زهير كاظم عبود/



مورست عمليات التهجير السكاني المنظم في عدد من مناطق العالم، ولقيت ليس فقط استهجان واستنكار ورفض العالم المتمدن، بل جوبهت بحملة مضادة من رجال القانون الدولي والمعنيين بحقوق الإنسان، بالنظر لكون هذا النوع من الفعل يشكل جريمة انسانية ويعمد الى تغيير معالم مناطق جغرافية بالإضافة الى حالة القسر التي تتم ممارستها في تهجير سكانها الأصليين وترويعهم وإجبارهم على ترك المنطقة لتغيير واقعها الديموغرافي.

ونقصد بالتهجير القسري، تلك الحملات المنظمة في النقل المباشر او غير المباشر على سكان منطقة من المناطق وإحلال سكان آخرين بدائل عنهم أو تركها خالية من سكانها، وذلك لأغراض دينية أو طائفية أو قومية أو سياسية، وذلك بممارسة كافة الوسائل القسرية أو الترهيبية او الترغيبية.

ويمكن ان يكون التغيير السكاني على شكل حملات منظمة وبأوقات ليس بالضرورة ان تكون في زمن واحد محدد، انما يمكن ان تكون بأوقات متفرقة يجمعها وحدة الغرض والقصد، وتعني عبارة التملك الواردة في النص الدستوري , كل اشكال التملك بما فيها عمليات توزيع الأراضي من قبل ادارة الدولة تحت شتى الأسباب والأشكال بما فيها عمليات الأستملاك، وعمليات البيع والشراء التي تتم وفق القانون بين المواطنين لصالح عملية التغيير السكاني المنظم والتي تنتج تغييرا ديموغرافيا في بناء هذه المناطق دينيا او طائفيا اوقوميا او سياسيا، وبالتالي يحدث تغييرا سكانيا مقصودا.

كما ان الحظر الذي ورد في نص الفقرة الدستورية في الدستور العراقي على التملك لإغراض التغيير السكاني جاء ضمن احكام صيانة الملكية الخاصة التي حماها الدستور قانونا، ومن اجل الحفاظ على الهوية السكانية للمناطق الجغرافية في العراق القومية منها أوالاثنية أوالدينية أوالمذهبية، والتي تعرضت الى هذا النوع من التغيير السكاني المرفوض، وقد اوضح المشرع بعدم جواز نزع الملكية إلا لإغراض المنفعة العامة ومقابل تعويض عادل، وان النص اباح للعراقي ان يتملك في اي مكان في العراق الا انه منع منعا باتا وقاطعا التملك لأغراض التغيير السكاني المقصود.

وازدادت في الفترة الاخيرة حالات انتهاك قواعد القانون الإنساني في مناطق متعددة من العالم، وليس بعيدا عنا تلك الحملات التي تقوم بها اسرائيل لتغيير معالم المدن الفلسطينية لأغراض دينية وسياسية وبشكل مستمر، كما لم تزل ذاكرتنا محملة بالجرائم التي ارتكبها النظام الصدامي الدكتاتوري بحق مناطق عديدة في كوردستان العراق في كركوك مثلا، وشملت ايضا قرى مسيحية وايزيدية بطرق تهجير اهلها وإلغاء عقودهم الزراعية وتغيير اصناف الاراضي الزراعية وتحويلها الى اراضي عقارية سكنية وتوزيعها على غير سكانها.

وكان المشرع العراقي قد التفت الى هذه الناحية، وانسجاما مع مقررات المؤتمرات الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جاء نص الفقرة ب / ثالثا من المادة 23 من الدستور يؤكد على حظر التملك لأغراض التغيير السكاني للأفراد والجماعات، يعني هذا أن أي شكل من اشكال التملك يكون بهدف التغيير السكاني يكون باطلا ومخالفا للدستور، وكل عملية انتقال وتمليك من هذا النوع تشكل مخالفة قانونية، حيث ان كل قانون يخالف الدستور يكون باطلا ولا سند اساسي له، ولهذا فأننا نعتقد بأن كل عمليات نقل الملكية وتوزيع الأراضي التي تمت على أساس التغيير السكاني المقصود لاتستند على قاعدة قانونية سليمة، ومبنية على أسس باطلة وكل ما بني على الباطل يمكن ابطاله، وإزاء ما يجري في ناحية برطلة من تغيير سكاني منظم بقصد احداث تغييرات كلية في كافة النواحي الاجتماعية والسياسية والدينية والديموغرافية بهدف اضعاف وإنهاء المكون المسيحي فيها يعد انتهاكا خطيرا وتعديا على مدينة عرفها التاريخ العراقي القديم والحديث، بالإضافة الى كون العملية تشكل سابقة خطيرة في انتهاك وضع المدينة من ناحية التغيير السكاني لأسباب دينية، مما يوجب ان يكون للحكومة والمعنيين حماية الناس والمدينة من هذا الانتهاك المنظم والمستمر باعتبار ان لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، وان هذا التهجير والتغيير السكاني يعتبر من قبيل الحرمان من هذه الحقوق.

وبالرغم من وجود الحظر الدستوري على التغيير السكاني المنظم فان قانون مكافحة الارهاب رقم (13) لسنة 2005 لم ينص على ذكرها ضمن الجرائم الارهابية التي اوردها، كما لم نجد في متن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل نصا يحكم جريمة التغيير السكاني المقصود مما يستوجب انسجاما مع النص الدستوري ان تكون هناك عقوبة رادعة لمن يمارس تلك العمليات وفقا لنص قانوني يعاقب على ارتكاب مثل هذا الفعل.

برطلة التي عرفها تاريخ الآشوريين، وكانت من بين اوائل المدن التي سكنها المسيحيون في العراق، وعرفت بتجمع سكانها وكنيستها وبأسماء رموز كبيرة قدمتها المدينة لتساهم في تاريخ العراق الحديث، وكانت مثالا كبيرا للتسامح والتعايش الديني، وبقيت ملاذا ومرجعا لأهلها ممن هاجروا الى بغداد وبقية المدن، إلا انهم لم يفرطوا بمساكنهم وأملاكهم حيث بقيت مدينة مسيحية بشكل واضح ومعروف لكل ابناء المنطقة والعراق، مع وجود اعداد من المسلمين الكورد والعرب ممن يسكنها معهم بسلام ومودة وانسجام يشكل الغاية الأساسية من هذا التجانس العراقي.

وكانت هذه المدينة قد تعرضت عمدا لتغيير سكاني منظم ومقصود في عهد النظام البائد، اذ قامت السلطة حينها بتوزيع اراضي في المدينة كمنحة لعدد من العسكريين والمسؤولين البعثيين، حيث تم تمليكهم قطع اراضي سكنية أوزراعية بعد التعدي على حقوق مالكيها وأصحاب حقوق التصرف فيها، وبالرغم من ذلك بقيت المدينة معروفة بساكنيها حتى حل الزمن الجديد وبدأت هجرة جديدة للعراقيين ومن نوع آخر طلبا للأمان الذي افتقدته العاصمة ومدن العراق الآخرى، وبقي منهم من رغب بالبقاء وعاد الآخرين الى اماكنهم بعد استقرار الوضع الأمني في مدنهم، ثم بدأت حملة أخرى لشراء الأراضي السكنية والزراعية من قبل سكان مناطق متجاورة على أثر هجرة العديد من سكانها بنتيجة الأعمال الإرهابية والتي طالت اهل برطلة مما افقدها خصوصيتها وغير من تركيبة سكانها أثر تعرضهم للاغتيالات والتهديد.

أن هذا التغيير المقصود والمخطط له لم يكن اعتباطيا أو عفويا أنما جاء بقصد تهجير اهلها وقسرهم على الهجرة والرحيل، بالإضافة الى تعمد مضايقتهم في طقوسهم ومناسباتهم الدينية، وتحويل المدينة الى غير ثوبها وشكلها بقصد التغيير الديموغرافي المنظم وفقا للمنهج الشوفيني الذي كانت تنهجه السلطة في حينها، وكذلك المحاولات التي تسلكها السلطة وبعض الأحزاب اليوم.

وإزاء ماتقدم فأننا أمام حالة من حالات الخرق الدستوري تتطلب منا ان نقف نتصدى لتلك الظاهرة، وأن نطالب الحكومة الالتزام بنصوص الدستور وتطبيق القوانين بدقة وبعدالة المساواة بين العراقيين في الحقوق والواجبات، وأن نطالب ايضا حماية وضع المدينة والناس الساكنين فيها من هذا التغيير الذي يفقدها خصوصيتها وتاريخها بإيقاف حالة الزحف والاستحواذ والتعدي على اراضيها، وذلك بمنع تحويل الاراضي الزراعية الى سكنية وتمليكها لغير سكان المدينة، ورفع التجاوزات الحاصلة من محافظة نينوى التي تتبعها الناحية، ومنع منح اجازات بناء جوامع وأماكن دينية في غير محلها، إذ ليس من مصلحة العراق ولامصلحة اهله تحويل مدن دينية مسيحية الى ديانة او مذهب آخر، كما لايخلق هذا الفعل انسجاما ووئاما بين المتعايشين في هذه المدن، ويعكس لنا تصرفا شوفينيا او دينيا متطرفا بالنتيجة، وبنفس الوقت نطالب ايضا كل الأصوات والأقلام الشريفة أن ترفع صوتها وتعلن وقوفها مع اهل برطلة لحمايتهم من تغيير مدينتهم والتجاوز على تاريخها، مع ان التجاوز حاصل في عدة اماكن ضمن سهل نينوى، إلا ان التركيز على مدينة برطلة واضحا وفاضحا وفي وضح النهار، ونجد ان بقاء مدينة برطلة على حالها يعزز من حماية المكونات الدينية الأخرى، ويثبت بالملموس احترامنا لهم وفقا للدستور، كما يؤكد التزامنا بحماية المدينة من التغيير السكاني الحاصل ليس بسبب السكن والتعايش السلمي انما بقصد إيقاف الضغط على الناس ومضايقتهم وتهجيرهم منها، وهو قصد لاتقره الشرائع ولا القوانين ويخالف الدستور ومبادئ العدالة، كما أن ممارسة عملية التغيير السكاني تعتبر بمثابة إنكار لحق المواطن في العيش الآمن والكريم وتجاوزا على الكرامة، كما يعد تفضيلا لديانة او قومية على أخرى الأمر الذي يتعارض مع مبدأ المساواة.

أن هذه الممارسات التعسفية تضع عبئا على الدولة يتطلب منها أن تسعى الى حماية المكونات العراقية وتحمي وجودها وتحرص على هويتها القومية والثقافية، وهي قبل غيرها معنية بتطبيق بنود الدستور ونصوصه الآمرة التي تستند عليها جميع القوانين، كما لايمكن ممارسة حرية العقيدة والفكر والضمير مع ممارسة اعمال التغيير السكاني المنظم.

وأخيرا فأن كل فعل من افعال التغيير الديموغرافي المنظم لن يسمح بأن تتسع مساحة السلام والمحبة والتآخي بين المكونات العراقية، بل سيكون سببا أكيدا من اسباب تفاقم الكراهية والحقد والضغينة، ويجعل الناس في حالة قلق وخوف دائم، لنحرص على بقاء اهل برطلة ونتمسك ببقاء كنائسهم فهم من اهل العراق الاصلاء، وهذا الأمر يتعارض كليا مع مناهج الأديان كلها ومع مقررات الأحزاب كلها ايضا ومع مبادئ حقوق الإنسان، ولهذا فأن اعادة وجه برطلة الجميل بمكونها المسيحي الداعي للسلام ليس مطلبا شعبيا فحسب بل انه حق قانوني نجد انه في اعناق العراقيين من اصحاب الضمائر الحية، لنتمسك بأهلنا المسيحيين فهم ملح العراق.

23تشرين الثاني 2013

مؤتمر أصدقاء برطلة