موعظة القيامة لقداسة البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثالث البرطلي

بدء بواسطة ابو افرام, مايو 04, 2013, 02:36:51 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ابو افرام

موعظة القيامة لقداسة البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثالث البرطلي




الموعظة التي ارتجلها قداسة الحبر الأعظم المثلث الرحمة البطريرك العلامة مار اغناطيوس يعقوب الثالث البرطلي بمناسبة عيد القيامة المجيد وذلك في كاتدرائية مار جرجيس للسريان الارثوذكس في سوريا.


بسم الأب والأبن والروح القدس الاله الواحد امين

(( عالمين انكم قد افتديتم ليس بما يفسد من الفضة او الذهب بل بدم كريم دم حملٍ لا عيب فيه ولا دنس وهو المسيح ))

بهذه الألفاظ العسجدية، وصف مار بطرس الرسول الفداء العجيب الذي من به كلمة الله المتجسد على البشرية التعساء مبينا ان ما قدمه في هذا السبيل لم يكن ما يفسد من الفضة او الذهب، بل كان دما كريما دمه الكريم بالذات ذلك الدم الثمين الذي قال عنه تعالى لتلاميذه ليلة آلامه (إنه يهرق عن كثيرين لمخفرة الخطايا) كانت البشرية اسيرة قد سباها ابليس من حضيرة الله القدسية، بل كانت مكبلة باغلال الاثم والخطيئة ومحكوما عليها بالموت الزؤام. ولم يكن في مقدور احد من السماويين والارضيين ان يفتديها، لذلك نزل كلمة الله من السماء واتخذ ناسوتها وتعهدها بعناية فائقة، ثم مات من اجلها. ثم قام حيا واصعدها معه الى السماء في شخص ناسوته. فتم بذلك ما قاله داؤد النبي: (صعدت الى العلى سبيت السبي). اجل، إنه مثل شخص ناسوته في عودتي البشرية السبية الى حضيرة باريها.
كانت البشرية قبل ذلك قد مرت بمرحلتين خطيرتين هما مرحلتا الأباء والانبياء. ولكن ابراهيم لم يستطيع وكذلك موسى، لم يستطيعا ان يسعفاها لأنهما هما الآخران كان ينظران بعين الروح الى فداء المسيح. فإبراهيم مثلا رأى يوم تقديم ضحية الفادي الكريم وتهلل، وذلك حين أمره الله ان يقدم له ابنه اسحق ضحية، وقد اكد المسيح ذلك بقوله ليهود: (ابراهيم أبوكم ابتهج ان يرى يومي فرأى وفرح). اما موسى فرأى في سماء جبل سيناء كلمة الله في حضن ابيه مستعدا ان يتجسد من عذراء ليوتي البشرية نعم الفداء، وقد دل منظر العليقة التي كانت تتوقد بالنار ولم تكن تحترق. دلت على ذلك فتدخل في الأمر فقال: (رحماك يا رب ابعث من انت باعثه). ثم رسم سر ضحيته العظمى التي كان عتيدا ان يقدمها على الصليب، رسمها بمختلف الذبائح الحيوانية. بل صور بنفسه صلب المسيح وهو واقف على راس اليفاع ويداه مبسوطتان شبه الصليب حتى قهر قومه العمالقة.
هذا كلما استطاعت البشرية ان تسعف به في المرحلتين الأوليين. ولكن المسيح في المرحلة الثالثة ضمد جراحاتها وتعهدها وحملها الى فندق الكنيسة، واعتنى بامرها ثم اهرق دمه الكريم لاجلها. وقد مثل له المجد هذه المراحل الثلاث في المثل الذي قاله عن الرجل الذي كان نازلا من اورشليم الى اريحا فوقع بين لصوص، فعروه وجرحوه ومضوا وقد تركوه بين حي وميت.
فاتفق ان كاهنا مرا في ذلك الطريق فأبصره وجاز. وكذلك لأوي فأبصره فجاز. ثم إن سامريا حين راه تحنن ودنى اليه وضمد جراحاته وصب عليها زيتا وخمرا ثم حمله على دابته الى الفندق واعتنى بامره. وفي الغد اخرج دينارين اعطاهما الى صاحب الفندق وقال له اعتنِ بامره فاذا انفقت فوق هذا سادفعه لك عند عودتي. اجل، ان المسيح افتدى البشرية من اثمها، افتداها من تصرفها الباطل، وافتداها من لعنة الناموس، وافتداها من ابليس عدوها الألد، واخيرا افتداها من طغيان الموت واعطاها سر جسده ودمه الأطهرين قوتا للحياة الابدية. ذلك لانه تحنن عليها. أي انما قام به نحوها من التعاطف انما كان نتيجة المحبة كقول يوحنا الانجيلي: (هكذا حب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية).
قال مار بولص الرسول (وكل شي تقريبا يطهر بالدم على حسب الناموس، ولا مخفرة بدون سفك الدم). وعلى هذا المنوال خصص الناموس ذبيحة عن كل خطيئة، لا لان في مقدوري دم العجول والتيوس ان يغفرها، بل لان ضل ضحية المسيح كان يخيم عليها. بل ان خروف الفصح الذي ذبحه موسى ليلة خروج العبرانيين من مصر انما ذبح بسرِ هذه الضحية العظمى التي سماها مار بولص الرسول (فصحا) بقوله (اذ قد ذبح فصحنا المسيح). ليس هذا فحسب بل ان الذبيحة التي قدمها هابيل بالذات انما قدمت بالايمان لهذه الضحية كما اكد هذا الرسول الجليل. ولا بدعى، فانها ضحية حمل الله الذي يرفع خطية العالم كما سماه المعمدان، هي ضحية حمل لا عيب فيه ولا دنس كقول مار بطرس الرسول. لم يكن المسيح الضحية العظمى، وحسب لكنه كان كاهنا كقول الكتاب العزيز: قال داؤد (اقسم الرب ولن يندم ان انت كاهن الى الابد على رتبة ملكصادق). وعلى هذه الرتبة قدم ليلية ألامه ضحيته الغير الدموية اي الخبز والخمر اللذان رسما بهما سر الذبيحة العظمى سر جسده ودمه الاقدسين. وكان تقديم هذه الذبيحة قد انحصر في ملكصادق، فستأنفها المسيح وأمر تلاميذه بتقديمها حتى مجيئه الثاني. في حين أنه ختم الذبائح الموسوية بذبيحته العظمى الدموية التي قدمها في اليوم التالي. أيها المؤمنون والمؤمنات إننا حين نذكر هذه الأمور لابد لنا من وقفة نتأمل فيها العمل العظيم الذي أتاه المسيح كلمة الله للبشرية. لقد اتى له المجد الى خاصته كقول الكتاب أي الى شعب اليهود، شافيا كل ضعف فيهم، منافحا عن شرائعهم وشعائرهم، حتى إنه دعاهم بنين وغيرهم كلاباً كقوله للمرأة الكنعانية في تخومِ سور وصيدا: (ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويلقى للكلاب). ومع هذا فإن خاصته لم تقبله، تأملوا كيف كفرت بنعمته. تأملوا لونه الشاحب وهو يساق كشاة الى الذبح وفقاً لنبوءة اشعيا. تبصروا صليبه الثقيل ثقل الخطية الآدمية التي (حملها بعاهاتها واوجاعها). والذي كان مزمعا ان يسمرها على الصليب. انظروا الى راسه المكلل بأكليل الشوك، مجروحا (لاجل معاصينا ومسحوقا لأجل اثامنا). مع انه ملك الملوك وعاقد التيجان. لاكنه ابى الا ان يحمل على راسه لعنة الارض ولعنة الاجيال، التي سببتها خطيئة الأنسان الاول الذي سمع من الله: قوله له (ملعونةٍ الأرض بسببك ... وشوكا وحسكا تنبت لك). وهكذا ففي حين أنه جاء ليفديا شعبه من ابليس ومن لعنة الناموس، تكالبوا هم ضده وكبلوه ثم سمروه على خشبة الصليب وهم يريدون استئصال شأفته من أرض الإحياء لا تحقيقَ غايته الشريفة في الفداء. ولكن ولا إن مات ودفن في قبرٍ لكنه قام في اليوم الثالث حياً ممجداً ونقض الهاوية ولاية ابليس. فكانت قيامته أيةً للعالمين وتأكيدا لوعده السابق القائل: (الجيل الشرير الفاسق يطلب أيةً ولا يعطى أيةً الا أية يونان النبي. فكما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاثة ليالِ كذلك يكون ابن البشر في قلب الأرض ثلاثة ايام وثلاثة ليالِ).
إن هذه التضحية العظمى التي قدمها المسيح في سبيل البشرية بما أنها منبثقةٌ من حبه الجم لنا، كذلك وجب علينا نحن ايضا ان نحبه من كل قلبنا وكل نفسنا وكل ذهننا، لكي نحظى بمفاعيل هذه التضحية كاملة غير منقوصة. واذا احببناه احببنا قريبنا كنفسنا. وقريبنا هو كل انسان على وجه هذه البسيطة مهما كان دينه ومذهبه كما أكد المسيح في مثل السامري الصالح. ذلك لانه هو سلامنا هو وفق بين العلويين والسفليين بل وبشر بالسلام للقريبين والبعيدين.
الا هنأكم الرب الإله واخوانكم في كل مكان بعيد فصحه المجيد، وأتاكم نعمة الحظوة بأمثاله اعواما عديدة وانتم ببرود العافية رافلون، ورفع في العالم ألوية سلامه خفاقةً، وصان بلادنا العربية من جميع المكاره ونعمته تشمل جميعكم أمين.