كنيسة أم الأحزان تعانق شقيقتها مار يوسف بصلوات المسلمين

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 06, 2013, 09:39:11 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

كنيسة أم الأحزان تعانق شقيقتها مار يوسف بصلوات المسلمين


برطلي . نت / متابعة
المدى- يوسف المحمداوي/

كم جميلةً تلك السمراء التي توسطت جنوب القلب أو الوطن، كم ساحرةً بكل ما فيها، تغفو كأميرة سومرية ساحرة الفتنة على ضفاف دجلة العظيم، لا أخفي عشقي وولعي بفتنة تلك الأميرة، لم تمنع شيبتي عيوني من رصد الجمال سواء كنتُ أسيرُ في سوقها الكبير أو في هورها الحزين، السحر والعفة والزهو والبراءة في تسابق إلى ملامح المرأة الميسانية، ولكل واحدة خصوصية في ذلك السباق، وكأن لسان حال كل واحدة منهن يصيح بكل كبرياء الزهو "أنا الملكة"، وأنا أصيح بحرقة الاشتياق مع مسعود العمارتلي "عزيزين بويه والله عزيزين".

خلو  المدينة من التمييز

هناك في جنون أو جنوب القلب لا تستطيع التمييز بين المسلمة الشيعية أو السنية أو بين الصابئية والمسيحية أو بين العربي والكردي والتركماني. فالجميع كتب في عقله وقلبه (ميسان منزلي)، فهي طاهرة مطهرة من عهر التخندقات الطائفية ولم تشهد أية حالات تهجير أو تمييز ديني أو قومي.

تذكرت وأنا أسير في شارع المعارف والدتي وهي تأخذني معها في ستينيات القرن الماضي إلى محلة التوراة لزيارة كنيسة أم الإحزان ووشم بابها بالحناء وإشعال عيدان البخور فيها وطلب المراد منها.. تذكرت وتساءلت وأنا أسير مع صديقي نصير الخفي هل بقيت الكنيسة؟ وهل ما زالت تلك العادات العراقية الجميلة يمارسها أبناء المجتمع الميساني؟ أسئلة أجوبتها وجدناها ونحن نسير باتجاه الكنيسة الواقعة في محلة التوراة التي تتوسط محلتيْ الجديدة والمحمودية.

خراب المعبد اليهودي

خرجنا من الشارع باتجاه أزقة التوراة الضيقة التي تتميز بيوتها بالشناشيل لكونها كانت مركزا سكنيا لليهود قبل أن يهاجروها مرحلين في خمسينيات القرن الماضي، كما تورد اغلب الروايات، في حين يؤكد الموسوعي العماري محمد بريدي بأن رجال الدين اليهود هم من اجبروا اليهود على ترك المدينة والهجرة الى إسرائيل، وجميع من هاجر يقر بذلك ويبدي ندمه وحزنه على مغادرة المدينة بحسب قول بريدي. مررنا على معبدهم وكان معنا أيضا الزميلان صباح السيلاوي رئيس البيت الثقافي في ميسان والشاعر والإعلامي نصير الشيخ، فضلا عن نائب رئيس مجلس السلم والتضامن الصديق نصير جاسم الخفي الذي أشار الى محل في بداية الزقاق، وقال انه كان محلا لقصابة اليهود، ثم صورنا الخراب الذي يعيشه المعبد وكذلك المدرسة اليهودية التي يطلق عليها أبناء المدينة (السكول اليهودي)، المعبد والمدرسة أصبحا معْلميْن مدمرين تماما وبعض مساحة المعبد والمدرسة استغل لسكن بعض العوائل والبعض الآخر مكبّ للأنقاض.

مقبرة داخل الكنيسة

تركنا خراب المعبد ومدرسته وسرنا باتجاه الكنيسة الملاصقة للمعبد تماما، فوجدنا شرطيين عند باب الكنيسة يتوليا حمايتها بإيعاز من الحكومة المحلية، ووجود وائل ابن جلال دانيال الذي يتولى أمور المسيحيين في ميسان، سهّل أمر زيارتنا لأقدم كنيسة في جنوب العراق وهي كنيسة أم الأحزان.

شاهدنا قبل أن ندخل الى الباحة حناء النذور على باب الكنيسة وحيطانها، وحتى في داخلها وعلى اليمين هناك مقبرة خاصة بالطائفة المسيحية وهي مجاورة للمعبد اليهودي المنهار من جهة الكنيسة، وتجري عمليات ترميم مستمرة في المقبرة وكذلك الكنيسة، ولأن الليل أرخى سدوله آثرنا المجيء لها صباحا وتصويرها واللقاء بمتولي أمور المسيحيين فيها.

صليوه الدراجي ودانيال البهادلي

هناك أمر كان غريبا بالنسبة لي ولكنه أمر طبيعي في شريعة وتقاليد أبناء المدينة، والحقيقة أنا عرفته عن طريق الصدفة حين سألت صديقي ومرشدي وسائقي وائل جلال دانيال: هل المسيحيون ينتمون إلى قبائل وعشائر خاصة بهم، فردّ عليّ طبعاً فأنا - والكلام لوائل - من عشيرة البهادل التي ينتمي لها والدي وجدي منذ عشرات السنين، وعائلة المرحوم صلاح صليوه تنتمي إلى عشيرة البودراج، مضيفا بأنهم جزء لا يتجزأ من تلك العشائر يشاركونا بأحزاننا وأفراحنا ويقومون بالدفاع عنا في حالة حصول أي مكروه لا سمح الله، وعن الصابئة يقول دانيال: اغلبهم ينتمون إلى عشيرتي البومحمد والسواعد، وهذا الأمر مثبت حتى في هويات أحوالهم المدنية وشهادات جنسياتهم، ولا يختلفون عن تلك العشائر إلا في حقل الدين، فالجميع يمارس طقوسه الدينية بكل حرية ونحترم طقوسهم وهم كذلك يحترمون طقوسنا، تحت يافطتي (لا إكراهَ في الدين) و(لكم دينكم ولي ديني).

تأريخ التأسيس

(المدى) التقت بممثل الطائفة المسيحية في محافظة ميسان السيد جلال دانيال توما الذي بيّن لها أن في المحافظة توجد كنيستان هما كنيسة أم الأحزان للكلدان، وكنيسة مار يوسف للسريان، وعن أم الأحزان قال إنها أنشئت عام  1880 في منطقة ضمت العديد من مكونات الشعب العراقي كالمسلمين الشيعة والسنة والمسيح والصابئة، ويتعايشون جميعا بهوية عراقية خالصة بعيدا عن أي تناحر أو تفرقة طائفية، مضيفا ان مساحة الكنيسة تبلغ (1600) متر مربع، المنطقة التي فيها الكنيسة كانت تسمى بالتوراة وحاليا يطلق عليها منطقة اليرموك، مؤكدا ان الجميع يمارسون شعائرهم بحرية تامة سواء كان مسلما أو مسيحيا أو مندائيا، وأوضح توما بأننا نحضر في أفراح إخوتنا المسلمين والصابئة وكذلك نحضر أحزانهم فنحن متشاركون ومتآلفون بالسرّاء والضرّاء، وكذلك بالمناسبات الدينية.

دعم حكومي مستمر

وعن الدعم الحكومي للكنائس بيّن توما: أن الحكومة المحلية خصصت لكنيسة أم الأحزان مبلغا ضمن موازنة 2011 قدره (400) مليون دينار عراقي وذلك  ببناء قاعة للمناسبات، وروضة مصغرة للأطفال وملحق خاص بالراهبات، وتم ترميم الكنيسة بطبقة من المرمر، وتأثيث الكنيسة وكذلك الروضة وقاعة المناسبات، وفي موازنة عام 2012، تم تخصيص (200) مليون دينار لإقامة السياج وبناء نافورتين وسط الكنيسة وتجديد أثاثها، مؤكدا ان المحافظ ورئيس مجلس المحافظة متعاونان جدا ويوليان عناية خاصة للكنائس الموجودة وكذلك المعابد على مختلف دياناتهم، ومن خلال المدى باسمي وباسم جميع المسيحيين في ميسان نتقدم بالشكر والتقدير للسيدين المحافظ ورئيس مجلس المحافظة.

ويؤكد توما انه على امتداد تاريخ الكنيسة لم تشهد مثل حالة الإعمار التي تمر بها الآن، وبالنسبة لكنيسة مار يوسف للسريان التي تضم العديد من اللوحات القديمة وكذلك القبور التاريخية، لكنها تعاني من الإهمال وتحتاج إلى ترميم مماثل لما حدث لكنيسة أم الأحزان.

المسلمون يؤدون الصلاة فيها

في قاعة المراسيم المشيدة حديثا شاهدت صورتين كبيرتين تمثل السيد المسيح والسيدة مريم العذراء وكتب عليهما مهداة من احمد صابر راضي الساعدي، ولاحظت وجود سجاجبد وترب داخل القاعة وحين سألت جلال دانيال توما عن مبررات وجودهن قال إن الكثير من المسلمين الذين يزورون الكنيسة يقومون بأداء صلاتهم في القاعة، مؤكدا ان الكنيسة هي ملك لجميع أبناء ميسان بمختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم.

تمنيت لحظتها أن تأتي الطبقات السياسية الطائفية لزيارة تلك الكنيسة والتعلم من أبناء تلك المدينة قوانين المحبة والتعايش بهوية عراقية خالصة.

ويذكر توما أن محافظة ميسان تضم 21 عائلة مسيحية يبلغ عدد أفرادها المئة وتتوزع ضمن مركز واقضية ونواحي المحافظة، ويبين توما ان عدد العوائل في السابق يبلغ 45 عائلة في عموم المحافظة، والعوائل تضاءلت الى النصف بسبب هجرة البعض خارج البلاد، وعن احتفالية أعياد الميلاد أكد أن هذا العام سنكتفي بالصلوات والدعاء لتزامن أعيادنا مع أربعينية الإمام الحسين (ع)، لذا سنشارك إخوتنا المسلمين أحزانهم، مبينا بان الامام الحسين (ع) هو رمز للإنسانية جمعاء.

الكنيسة ملك جميع الأديان

وعن  أصول العوائل المسيحية الموجودة هناك يشير توما إلى ان اغلب العوائل هي من محافظة نينوى وسكنت المنطقة منذ عقود مختلفة.

وبشأن الزيارة إلى كنيسة أم الأحزان أكد توما أن العوائل المسلمة شيعة وسنة هي أكثر زيارة من العوائل المسيحية للكنيسة وخاصة يومي الخميس والجمعة، وكذلك تأتي عوائل من الصابئة لزيارة الكنيسة، فتجد على باب الكنيسة وجدرانها الحناء كنذور لمريم العذراء عليها السلام، وتجد أعواد البخور تملأ الجدران وكذلك الشموع التي تشعلها العوائل الزائرة تبركاً وتطهراً بهذا المكان المقدس وكذلك المكانيس، لان البعض منهم يقوم هو بكنس ارض الكنيسة طلبا للأجر والثواب لان أم الأحزان تعد ملكا لجميع الأديان الأخرى وليس للدين المسيحي فقط، فأدياننا سوى الإسلامي أو المسيحي أو الصابئي كلها أديان محبة وألفة وسلام، والتفرقة التي حصلت هي ظاهرة مستوردة وغريبة على مجتمعنا الميساني وحتى العراقي، والى الآن عشائر ميسان والمرجعيات الدينية والأحزاب تكنّ محبة خاصة للأقليات من غير أي تفرقة، فهم إخوة لنا ونحن أيضا نبادلهم الشعور ولن يتغير موقفنا إلى يوم الدين.

قبر المرحوم حنا الشيخ

ويوميا ما يقارب العشر عوائل تأتي من جميع مناطق ميسان لزيارة الكنيسة، وتطلب من السيد المسيح (ع) والسيدة مريم العذراء(ع) نذورها، وبعد فترة تأتي نفس تلك العوائل تبشرنا بتحقيق المراد، وتجاور أم الأحزان كنيسة أخرى هي ماريوسف للسريان الكاثوليك وقد بنيت كما يقول توما عام 1940 على يد عائلة المرحوم حنا الشيخ وقد نقلت قبور حنا الشيخ وزوجته والعائلة إلى داخل تلك الكنيسة، والكنيسة الآن مهملة بل آيلة للسقوط وقبل  (6) أشهر قام السيد المحافظ بزيارتها وبعد اطلاعه على حجم الضرر الذي أصاب الكنيسة اجتمع برئيس مجلس المحافظة وتم تخصيص مبلغ قدره (400) مليون دينار لإعادة تأهيل الكنيسة كما يقول توما، كما قام السيد وزير السياحة والآثار بزيارة الكنيسة وقد تم تشكيل فريق عمل مؤلف من محافظة ميسان ودائرة الآثار ومهندسين متخصصين لإعادة بناء الكنيسة وتأهيلها على صورتها القديمة وكلّفتُ أنا بالإشراف عليها. بحسب قول توما.

وعن فرص العمل للمسيحيين في المحافظة يقول توما إن أربعة اشخاص فقط تم تعيينهم في محافظة ميسان، وانه راجع وزير الداخلية السابق في سبيل تعيين 6 أشخاص آخرين لكنه حصل على الوعود فقط، مشيرا الى أن التعيينات تأتي من الوزارات وليس من الحكومة المحلية، وكذلك طلبنا تعيينات من ديوان الوقف السني ولم نحصل على أية ردود، وشكر توما قائد شرطة محافظة ميسان السيد علي الهاشمي لتخصيصه الحماية الكافية للكنيسة.

السرقة ذنب لا يغتفر

وعن القداس قال توما يقوم بالقداس الأب آرام والقس عماد اللذان يقيمان في محافظة البصرة، ولكنهما في كل قداس ومناسبة يحضران لإحيائها داخل كنيسة أم الأحزان.

الداخل لكنيسة أم الأحزان سيبهر بجمالية وقداسة المكان فاللوحات والنصب التي تشير إلى رموز الديانة المسيحية معبرة ومؤثرة جدا، وتزيين كل مكان فيها وهناك سلم خشبي جميل يؤدي إلى الناقوس، صديقي الذي رافقني في زيارة الكنيستين الزميل نصير جاسم الخفي وكذلك وائل جلال دانيال أكدا ان زيارة الكنيسة من المسلمين لم تنقطع ابدا سواء من الاهالي او المسؤولين، مؤكدين ان يومي الخميس والجمعة هما اليومان الأكثر زخما بالزائرين.

في الجهة المقابلة للمذبح يقع هناك كرسي الاعتراف حيث يجلس القس داخل صندوق خشبي كبير كما يقول وائل ويأتي المسيحي المذنب للاعتراف بذنبه ويقوم القس بغفرانه على ما اقترف من الذنوب إلا جريمة السرقة فلا يغفرها له كما أوضح وائل.

أصبحتْ برجا للطيور

خرجنا باتجاه كنيسة ماريوسف للسريان وهي ملاصقة لها تماما وهناك باب داخلي يربط الكنيستين، في أول دخولنا  الكنيسة وجدنا قطعا من الرخام تشير إلى قبور عائلة حنا الشيخ وكما ورد في القطع الرخامية نذكر نص ما نقش عليها، حنا عبد الله الشيخ وعقيلته رفقة وولدهما عبد الله وكما مسجل على القبر ولد حنا الشيخ في الموصل عام 1829 وتوفي  في العمارة عام 1914، وولدت المرحومة عقيلته رفقة نعمان في الموصل عام 1857 وتوفيت في العمارة عام 1937، المرحوم عبد الله حنا الشيخ ولد في العمارة عام 1876 وتوفي في بغداد عام 1938 ونقلت قبورهم للكنيسة بعد بنائها عام 1940 من قبل عائلة حنا الشيخ، للأسف هذه الكنيسة فيها من اللوحات القديمة والنادرة ما يذهل الزائر والحال الذي عليه الكنيسة لا تدعونا فقط  الى مناشدة الحكومة المحلية بالإسراع لإنقاذ ما تبقى من كنز تراثي، بل ندعو ما تبقى من أولاد وأحفاد حنا الشيخ الى أن ينقذوا ما تبقى من ارثهم في كنيستهم، ولاحظنا  ان بعض اللوحات الزيتية تعود لبدايات القرن الماضي، والبعض منها اودع في كنائس اخرى وقد بدت الكنيسة من الداخل كأنها برج للطيور، وبالفعل وجدنا العديد من الطيور في داخلها، وفضلات الطيور تملأ اللوحات المقدسة بدلا من الشموع، ومع ذلك لاحظنا وجود امرأة مسلمة من المنطقة لزيارة كنيسة مار يوسف، شعرت حينها بتباهٍ لا يوصف بانتمائي لتلك المدينة ومجتمعها الرائع.



والى حكاية أخرى من حكايات هذا وطني