تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

ماذا لو نام الحارس؟/لويس قليميس

بدء بواسطة برطلي دوت نت, ديسمبر 11, 2019, 08:35:02 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

ماذا لو نام الحارس؟


برطلي نت / بريد الموقع
لويس إقليمس
بغداد، في 16 تشرين أول 2019

يؤمن أهل الكتاب، اليهود والمسيحيون منهم بصورة خاصة، بما جاء في الكتاب المقدس على لسان سليمان الملك الحكيم، من أنه "إنْ لم يحفظ الرب المدينة، فباطلاً يسهر الحارس". وهي مقولة مكمّلة لحكمة قبلها تقول: " إذا الرب لا يبني البيت فباطلاً يتعب البنّاؤون". ما أجملها من حكمة تنفع لكلّ زمان وكلّ مكان. وما أروعها من كلمات تجمع ربّ العباد وخليقته في عمل مشترك ينمّ عن حب الخالق لما خلقه من كائنات حية متنوعة على وجه البسيطة، وما أوجده من مباهج حياة ومن تدابير تكفَّلَت بها جهود البشر الأسوياءإرضاءً لهذا الخالق العجيب والمحيّر حتى الساعة. فالطرفان، الخالق والمخلوق، يشاركان في الخلق وفي إدارة الحياة كلّ من موقعه في جزئيات كثيرة منها، وكلاهما يشتركان في حماية ما أبدعاه على هذه الأرض كلّ وفق قدراته، إلهية كانت أم بشرية. وفيما يبقى الرب الخالق من أعظم البنّائين ومن أفضل الحراس الساهرين على الخليقة وتلبية حاجاتها وحلّ مشاكلها من حيث يدري أو لا يدري البشر، يصطدمُ العالم بخرق هذه المعادلة وبضربِ متلازمتها بشيء من قلّة العرفان بعظمة الخالق وتدبيره للكون على أيدي ناكري الجميل ممّن كان ينبغي أن يؤدوا وكالة هذا البنّاء الكبير وهذا الحارس الأصيل بأمانة بالسهر على رعاياهم وتلبية حاجات مَن صارَ تحت حكمهم وإدارتهم وتسلّطهم، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وتربويًا بل في جميع مجالات الحياة المعقدة.
والسؤال الذي يكاد يعصف بأذهان الكثير من العقلاء والحكماء وأصحاب الغيرة والفكر والثقافة، لا سيّما في هذه الأيام العصيبة التي تمرُّ بها البشرية التي ابتليت بفئات ناكرة العرفان لما آلتْ إليه أحوالُها بعد انتقالها من حال بائس لحالٍ لم يكن في الحسبان ولا في الأحلام: ماذا لو نام الحارس؟ وهل تبقى عيون العناية الربانية شاخصة تحفظ البشر وتسهر على رعايتهم وتوجيههم حيث ينبغي أن يكونوا بموجب هذه الإرادة الإلهية التي تؤمن بها الأديان السماوية وغير السماوية على السواء؟ وبالرغم من كون مفهوم السهر ذا صلة بحلكة الليل وأحلامه وتفرّعاته ودياجيره، إلاّ أنه يأخذ طابعًا معنويًا وحياتيًا في مسيرة الإنسان عندما يقرنُه بحاجاته وتحليلاته وقراراته في إدارة دفّة الحياة وتوجيهها نحو الوجهة الفضلى التي تجلب له الطمأنينة والاستقرار والتوفيق في مسيرة هذه الحياة التي تزداد تعقيدًا وفوضوية مع تقدم العلم والتكنلوجيا وأساليب المعيشة والتعامل.

من سمات البنّاء الجيّد والحارس الأمين
من هذا المنطلق، يمكن الاحتكام بأنّ سمات البناءوالسهر في طبيعة البشر تأخذان حيّزًا كبيرًا في فكر الإنسان وحركته وتفاعله مع المحيط الذي يعيش في أكنافه عندما يسعى كلّ من موقعه كي يكون الحارس الأمين على حياته وحياة محبيه وحياة المجتمع والوطن والعالم كتحصيل حاصل. وهذا ما أحاول تناوله في هذه السطور وليس ما يعنيه سهر الليل والهدوء والسكينة التي تمنحها هذه وغيرها للإنسان الذي يمكن أن ينجح أو يفشل في مهمة الحارس الأمين والحريص الذي يعتمد في رؤيته وفي مساحة تقديره لما يجري حوله وما يمكن أن يتخذه من قرارات ذات قيمة مضافة لشخصيته أو ناقصة في سلوكه.
من المعلوم، أنّ البنّاء الحقيقي الصادق (الأسطة) في مهنته يقدّم أفضل ما لديه من خبرة في باب العمارة من أجل إخراج البيت الجديد بأفضل حالٍ وبرونق يشدّ الناظر ويأسر أهلَ الدار والمحلّة والمدينة. وكذا،مهمة الحارس الأساسية تكون في السهر على مَن أولي الاهتمام بهم من بشر أو رعايا تحت حمايته وإدارته في فترة أو حقبة أو زمن معين، والحرص على تأمين متطلبات حياة الرعية من دون تمييز ولا ملل ولا تعالٍ أو مكابرة. كما من واجبه، العمل على تحقيق الأمن والطمأنينةوالرفاه والعدالة والمساواة لعامّة الناس ضمن المجتمع والوسط الذي يقيمون فيه، ليل نهار. فالحارس الأمين كالكلب الوفي يرافق صاحبًه الذي ائتمنه على حياته وعلى حمايته من أيّ مكروه طارئ. وهذا حال مَن يديرون دفة البلدان والمجتمعات والأديان والمذاهب من منظور عام وشامل. فالسياسيّ وممثل الشعب ورجل الدّين وايّ إنسان في سلّم السلطة والمسؤولية الإدارية هم بالتالي حرّاسٌ للشعب الذي ائتمنهم على إدارة شؤونه والاهتمام بشجونه وحلّ ما يصادفه من مشكلات ومصاعب ومنغّصات. وإلاّ ما قيمة السلطة وما فائدة المسؤولية والإدارة إن لم ترسّخ هذه السلوكيات في مبادئها وتثبتها في أدائها العملي اليومي؟ حينها يفقد القائد والإداري في الدولة أهميتَه ومسؤوليتَه وجدارتَه عند إهمال واجبه وابتعاده عن مصالح الشعب وهمومه وطلباته التي تتلخص بالسعيللعيش الكريم ولشيءٍ من الأمن والاستقرار، تمامًا بحسب المشهد القائم في بلادنا منذ سنوات وفي المنطقة والعالم من دون تمييز مع قيام مفارقات هنا وهناك. ومثلهم، لا ننكر دور رب الأسرة والمؤتَمن على إدارة أية مؤسسة أو جمعية أو جماعة أو دين أو مذهب أو طائفة. فضعفُواجب الحراسة المنوط بهؤلاء على أسرهم وأبناء جلدتهم وهيئاتهم، يحمّلهم مسؤولية نكران العرفان لرب السماء والأرض الذي شاركهم في البناء والخلقة والحراسة على السواء، بأشكالٍ وطرق ووسائل قد لا ترقى لفهمهم وإدراكهم المحدودين.

مسؤولية إدارة البلدان وإدارة البيت
بالتالي، فإنّ إدارة البلدان ومؤسساتها وعلى غرارها إدارة البيت والمجتمع، تتطابقان في العمل والنية وفي تطبيق مبادئ الرعاية التي تعني من جملة ما تعنيه البناءُ الجميل والسليم، وتأمينُ الحراسة المطلوبة لهذا البناء بأشكاله الكثيرة، ورعايةُ الرعية بأفضل السبل والوسائل. وإلاّ لما صحّت هذه المسؤولية على أولي الأمر، أيًا كانت حدود مسؤولياتهم وامتداد باعهم وصلاحياتهم.
قد يبني البناؤون أو يخطّط المعماريون شيئًا صالحًا من وجهة نظرهم. وليس بالضرورةأن يكون هذا صالحًا في كلّ الأحوال والأزمان، إذ قد تبدي الأيام والوقائع عدم صحة هذا الإجراء أو ذاك. ومن ثمّ يكون مثل هذا القرار في غير صالح الاتجاه المقابل أو عامة الشعب والمجتمع. وهذا ديدنُ السياسة والسياسيين ورجال الدين وقادة المجتمعات عندما لا يوفَّقون أو حينما يخفقون عمومًا في وضع الخطوات اللازمة لبناء الأوطان وترصين المجتمعات وسياسة الرعاياعبر آليات غير محكمة أو هزيلة أو مختلّة تسلكها الدولة أو المؤسسة الدينية في سياستها. ومنها تأتي الإخفاقات والاحتجاجات والاعتراضات والانتقادات التي ليس لها حدود ولا يمكن تهدئتها حينئذٍ بإصلاحات ضعيفة وترميمية متأخرة، كما حصل من ردود أفعالٍ حكومية وسياسية إزاء ثورة الغضب والانفجار الوطني التي أبداها الشعب العراقيمؤخرًا والتي نبعت من جوهر طبيعة هذا الأخير الشفافة البسيطة الوطنية حينما "نزل إلى الشارع طالبًا أخذ حقّه". وذات الشيء يُذكر إزاءسلوك الآباء والأمهات في إدارة المنزل، والذي قد لا يكون دومًا في صالح الأبناء عندما يخطئ ربُ المنزل في سياسته وإدارته تجاه أسرته الصغيرة. حينئذٍ تبدأ المشاكل.
ومثلما أنّ إدارة البيت تعني في فحواها السهر على مصلحة الأبناء وتناوب الحراسة على رعايتهم، هكذا الدولة ايضًا تُبنى على ذات النهج. فالدولة أو المؤسسة الدينية أو الاجتماعية وما سواها، والتي تفتقر أساسًا لحرّاسٍ أمناءَ على القطيع، أي على الرعية والمجتمع والمواطن، هي دولة زائفة لا يستحقّ قادتُها وساستُها تسميتَهم أو وصفهم بهذه السمة الرفيعة التي تعني سلطة إلهية تسمح بها السماء في آخر الأمر من وجهة نظر ثيوقراطية ولاهوتية. فالمسؤول عن الرعية لا يستحق تمثيل رعاياه والسهر عليهم وإحاطتهم بالعناية اللازمة عندما يفقد الأمانة ويفشل بالوفاء بها وبالوعود التي قطعها لصالحهم حين اغتصب السلطة او استلمها غدرًا أو في غفلة من شعبٍ بائس. تلكم هي حالة العراق ما بعد الغزو الأمريكي بامتياز. أي بمعنى آخر، يضع مثل هذا المسؤول، وهو الحارس الفاشل، نفسَه مقيّدًاقابعًا في فندق الأحلام، سارحًا يغطُّ في نومه بعيدًا عن مصلحة الرعية وباحثًا عن مصالحه ومكاسبه، تمامًا كما هي حال ساسة البلاد ممّن غزوا المنطقة الخضراء وما حواليها وتقاسموا ثروات البلاد وأملاكها ظلمًا وقهرًا تاركين الشعب البائس يزداد جهلاً في جهله وفقرًا على فقره وحرمانًا على حرمانه.

صحوة أخرى قادمة
فهل من صحوة أخرى قادمة أكثر وعيًا ومواطنة وإحساسًا بضرورة التغيير الجذريّ في نظام العملية السياسية برمّتها والسعي الدؤوب الذي لا يتوقف باتجاه الإتيان ببنّائين صادقين أصحّاء جدد وبحرّاسٍ أكثر وعيًا وقربًا من الشعب وقاعدتِه،بحيث يعرفون قيمة الوطن والمواطن وحاجتَه وطلباته المشروعة وحقوقه المهضومة؟
ولكنْ قبل أيّ شيء،لا بدّ للشعب أن يعود لوعيه فيتعرّف على القصور القائم في فكره وعقله وضميره لدى خنوعه "اللاواعي" لجلاّديه وخضوعه وتأثرهبالخزعبلات وأصناف الترّهات التي يزرعها الساسة وبعض أصحاب العمائم ومّن في مقاماتهم من رجال الدين وأصحاب المذاهب والذيول التافهة من دون تمييز في نفوس العامّة وفي عقول الكثيرين من البسطاء والسطحيين منهم، وبها يؤثرون على جوارحهؤلاء بحجة حماية الدين والمذهب واحترام المرجعيات التي تتشارك أحيانًا مع حكّام السلطة في استخفافها بالشعب المسكين عند عدم تسمية الأشياء بمسمّياتها أو عند مجاملتها لأركان السلطة والإدارات المحلية. فقد اتضحَ للقاصي والداني أنّ لكلٍّ من هؤلاء ومَن في مكاتبهم مِن أتباعهم ومقلّديهم وأذيالهم، حصص من الكعكة الكبيرة المشاعة بإحلال الحرام وفق مفهوم شائع "السرقة من الدولة حلال زلال".
لعمري، عندما ينام الحارس ويترك القطيع فريسة لذئاب خاطفة متوحشة، حينئذٍ يسهل نقبُ البيت وسرقتُه وتدميرُه وإشاعة الفوضى فيه وبمن يستكنُّ به. هكذا يتمّ "فرهدة" بلاد وادي الرافدين وسرقة ثرواتها وتدمير حضارتها بحجرها وبشرها. فالبلاد أضحت بلا حارس أمين ولا بنّاء "أسطة" محترف. والله يبقى نعم الوكيل والنصير والعون. فهو دومًا أفضلُ الحرّاس وأجود البنّائين! وبين هذا وذاك، فالصحوة القادمة ستكون أكثر وعيًا ونضجًا وأشدَّ تعلّقًا بحاجات الوطن والمواطن. وحذارِ مَن يسعى لركوب الموجة لأجل الغدر واقتناص الفرص ثانية وثالثة ورابعة! فالفاسدون والطامعون والسارقون أشباهُ النعامة وأذيالُهم وأتباعُهم أصبحوا مكشوفين. وما على القضاء وروّاد العدل والحريصين على تطبيق القانون، إلاّ البدءُ الجدّي بفتح الملفات الجاهزة وبالمحاسبة من دون تأخير ولا تأجيل. هكذا أرادهم حمورابي العظيم! والمسلّة خير شاهد على الحراسة الجّيدة على القانون وتطبيق بنوده على الجميع من دون تمييز ولا مواربة ولا استثناء ولا مجاملة على حساب الوطن والمواطن.