تفسير الاصحاح 18 من سفر الرؤيا

بدء بواسطة باسل البرطلي, ديسمبر 24, 2011, 01:34:07 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

باسل البرطلي

الإصحاح الثامن عشر
هذا الإصحاح نرى فيه سقوط بابل عروس الشيطان وخرابها النهائى. والله يظهر هذا لشعبه حتى لا يشتركوا فى خطاياها. وهذه الصورة رأيناها من قبل فى سفر (أشعياء1:21-9 + 1:13-22 + 1:47-15).

بل نجد أن الله يطلب من أولاده أن يخرجوا منها حتى يستطيع أن يضربها كما تستحق. وهذه الصورة رأيناها أيضا فى سفر (أشعياء20:48 + 11:52).

ولقد تم هذا حرفيا وخربت بابل بيد الفرس أولا ثم صارت خرابا تماما وعاد شعب الرب منها ليعيش فى أورشليم.

وطلب الرب الآن لا أن نعتزل العالم ونحيا فى الصحراء، بل أن نحيا فى العالم، على أن لا نشترك فى شر العالم، كقول السيد المسيح "لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير" (يو15:17) ومن يفعل ويعتزل الشر ينجو من الضربات الموجهة لأشرار العالم أى بابل.



آية 1 "ثم بعد هذا رايت ملاكا اخر نازلا من السماء له سلطان عظيم و استنارت الارض من بهائه".

ثم بعد هذا = ما سبق ورآه يوحنا كان ضربات موجهة للأشرار، ولكننا هنا أمام خراب نهائى، لا تقوم بعده قائمة لبابل أى مملكة الشر فى العالم.

له سلطان عظيم = فالسماء مصدر كل السلطات لذلك قال نازلا من السماء وإستنارت الأرض من قوته = فمقاصد الله كلها بهاء ونور وخير حتى لو كانت دمار للشر والأشرار، فهذا الخراب لبابل يعتبر تطهيرا للكون.



آيات 3،2 "و صرخ بشدة بصوت عظيم قائلا سقطت سقطت بابل العظيمة و صارت مسكنا لشياطين و محرسا لكل روح نجس و محرسا لكل طائر نجس و ممقوت. لانه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الامم و ملوك الارض زنوا معها و تجار الارض استغنوا من وفرة نعيمها".

بصوت عظيم = إشارة لرعب الدينونة وتأكيدا للحسم الإلهى.

سقطت سقطت بابل = جاء الفعل سقطت فى صيغة الماضى. وهو ما يسمى بالماضى النبوى، أى هذه هى طريقة الأنبياء فى إستخدام صيغة الماضى إشارة لحتمية سقوطها. وأيضا التكرار سقطت سقطت يفيد نفس الشىء. ولذلك نفهم مما يأتى بعد ذلك أنها مازالت لم تسقط بدليل أنه فى آية 4 يطلب الخروج منها ونلاحظ أن بابل ستصير خرابا تماما وتسكنها الطيور النجسة التى تسكن الخرائب كالبوم والوطواط وهذا رمز لأن الشياطين تسكن الإنسان الذى إستعبد للخطية وصار خرابا. أما الله فحين يسكن فى إنسان فهو يحوله إلى هيكل حى.

مسكنا لشياطين = قد يقصد خطاة البشر، فقد قيل عن اليهود مجمع الشيطان (رؤ9:3) فالأشرار عبارة عن خرائب يسكنها الشياطين ويعيشون فى خراب. عكس أولاد الله فهم هياكل حية لله يحبون السكن فى كنيسة الله، ولا يرتاحون سوى بجوار الله.

وخراب بابل إشارة لخرابها على الأرض وهلاك سكانها فى الأبدية. ونلاحظ أن السبب الأساسى للخراب هو خطايا الزنا = خمر غضب زناها. والإنغماس فى الملذات = إستغنوا من وفرة نعيمها. هؤلاء لم يكن يعنيهم سوى ملذاتهم وشهواتهم وعبادة المال. وظنوا أنهم حين يغترفوا من كل هذا فهم صاروا ملوكا وأسماهم ملوك الأرض (راجع تفسير رؤ2:1) وأطلق على من يتاجر فى هذه تجار الأرض = التجارة ليست خطية لكن هؤلاء كانوا يتاجرون فى الملذات ليسهلوا الأمور لملوك الأرض. وكل هؤلاء نسوا أن هذا العالم باطل وله نهاية.



آيات 5،4 "ثم سمعت صوتا اخر من السماء قائلا اخرجوا منها يا شعبي لئلا تشتركوا في خطاياها و لئلا تاخذوا من ضرباتها. لان خطاياها لحقت السماء و تذكر الله اثامها".

الخروج من بابل له تفسيران:-

1.     الأول روحى :- الله يحذر شعبه حتى ينفصل عن شرور هذا العالم، وبالتالى لا يصاب من الضربات الموجهة للأشرار (بابل).

2.     الثانى هو هروب فعلى إلى البرية حيث تعال الكنيسة مدة ظهور الوحش. ولكن متى نهرب وإلى أين؟ هذا لن نفهمه الآن بل فى وقته. وهذا معنى قول السيد " متى نظرتم رجسة الخراب... إهربوا للجبال " (مت 15:24).     

تذكر الله أثامها = ليس أنه كان ناسيا بل هو قرر مجازاتها.

لحقت السماء = خطاياهم زادت وإرتفعت لدرجة أن الله ما عاد يصبر على هذا التحدى.



آية 6 "جازوها كما هي ايضا جازتكم و ضاعفوا لها ضعفا نظير اعمالها في الكاس التي مزجت فيها امزجوا لها ضعفا".

جازوها = بحسب التفسيرين السابقين، يصبح هناك تفسيرين لهذه أيضا:-

1.     برفض الكنيسة لشرور العالم ستكون ديانة لهذا العالم وشاهدة عليه يوم الدين فهى لها نفس ظروف الأشرار وإمكانياتهم لكنها رفضت الشر وهم قبلوه وسقطوا.

2.     حين تهرب الكنيسة للبرية مدة ال 1260 يوما (رؤ6:12). يكون متاحا إنزال الغضب على بابل، كما أخرج الملاك لوط وعائلته ليتسنى له إحراق سدوم وعمورة ونلاحظ أن الله سيجازى بابل ضعف ما أذاقت شعبه من آلام.



آيات 8،7 "بقدر ما مجدت نفسها و تنعمت بقدر ذلك اعطوها عذابا و حزنا لانها تقول في قلبها انا جالسة ملكة و لست ارملة و لن ارى حزنا. من اجل ذلك في يوم واحد ستاتي ضرباتها موت و حزن و جوع و تحترق بالنار لان الرب الاله الذي يدينها قوي".

مجدت نفسها = سبب مجازاتها أنها طلبت مجدها الذاتى ولم تطلب مجد الله.

طلبت النعيم الأرضى واللذة الزمنية ولم تبحث عن السعادة الأبدية. ولاحظ أن بابل تمجد نفسها، أما الكنيسة فيمجدها الله، بأن يحل فى وسطها مجدا لها (زك5:2).

ولن أرى حزنا = هى لم تؤمن بكلام الكتاب المقدس أن هناك عذاب معد للأشرار، ولم تصدق أن هناك يوم للدينونة (2بط4،3:3) فما تناله هو ثمرة طبيعية لأعمالها، فهى نسيت أننا غرباء على الأرض وسيأتى يوم نترك فيه هذه الأرض. وهذه حيلة الشيطان الأساسية أنه يدعو النفس لأن تنسى أن لهذه الحياة نهاية وسيأتى يوما للحساب. ويدعو أيضا النفس لأن تفكر فى اللحظة الحاضرة، وكيف تستمتع بها.

أنا جالسة =  مستقرة لن يقدر أحد أن يحرمنى مما أتمتع به.

لست أرملة = لست حزينة فالأرامل حزانى وكان الرد على ذلك.... ستأتى ضرباتها موت وحزن.



آيات 10،9 " و سيبكي و ينوح عليها ملوك الارض الذين زنوا و تنعموا معها حينما ينظرون دخان حريقها. واقفين من بعيد لاجل خوف عذابها قائلين ويل ويل المدينة العظيمة بابل المدينة القوية لانه في ساعة واحدة جاءت دينونتك".

سيبكى وينوح عليها ملوك الأرض = وياليتهم بكوا على خطاياهم.هؤلاء الذين كانوا يستمتعون بشهواتها وملذاتها سينوحون عليها إذ فقدوا السبب الوحيد والمصدر الوحيد للذاتهم.

واقفين من بعيد = إشارة إلى شدة ما أصابها ولفزع الواقفين مما حدث وربما يكون ما أشير له هنا هو صورة إستعارية، إذ حينما تهلك بابل سيهلك معها سكانها، ولكن ربما يهلك مكان ويظل هناك بعض الأحياء من الأشرار وينطبق هذا عليهم حرفيا. وقارن فرحة الأشرار بهلاك النبيين وإرسالهم هدايا (رؤ 11) مع حزنهم على بابل.



آيات 11-14 "و يبكي تجار الارض و ينوحون عليها لان بضائعهم لا يشتريها احد فيما بعد. بضائع من الذهب و الفضة و الحجر الكريم و اللؤلؤ و البز و الارجوان و الحرير و القرمز و كل عود ثيني و كل اناء من العاج و كل اناء من اثمن الخشب و النحاس و الحديد و المرمر.و قرفة و بخورا و طيبا و لبانا و خمرا و زيتا و سميذا و حنطة و بهائم و غنما و خيلا و مركبات و اجسادا و نفوس الناس. و ذهب عنك جنى شهوة نفسك و ذهب عنك كل ما هو مشحم و بهي و لن تجديه في ما بعد".

الله خلق العالم لنحيا بما على الأرض، ليكون وسيلة حياة وليس هدفا فى حد ذاته. ونجد العالم الآن وقد صار هدفا، ويريد الناس أن يكتنزوا ما أمكنهم من كل ما فيه من أموال وخيرات. الناس الآن يطلبون ما يسمى تعظم المعيشة (1يو16:2) أما بولس الرسول فيقول "إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما" (1تى8:6). ويقول "أن محبة المال أصل لكل الشرور" (1تى10:6). ونلاحظ أن يوحنا أورد قائمة بما يتاجر به الناس فى هذا العالم، أو ما يشغلهم أو ما هم مهتمين بالحصول عليه.

ذهب وفضة... القرمز = هذه تستعمل فى الزينة (وإستعملته المرأة الزانية  رؤ4:17)

عود ثينى... المرمر = هذا لزينة البيوت الفاخرة والأثاثات الفاخرة.

قرفة.... ولبانا = هذه للروائح العطرة.

خمر وزيت... وغنم = هذه عن المأكولات الفخمة.

خيلا ومركبات = هذه للعظمة والخيلاء (هذه كالسيارات الآن).

وأجسادا = هى تجارة الجنس واللذة المحرمة.

ونفوس = هى تجارة الهراطقة الذين يغوون البسطاء ليتركوا إيمانهم الصحيح وكنيستهم.

وكون أن الأجساد والنفوس أتت فى آخر القائمة فهذا يعنى أنها أصبحت فى ذلك الزمان أرخص شىء.

ومعنى هذه القائمة أن الناس ما عادت تهتم سوى بأن تأكل أفخر شىء وتلبس أفخم شىء وتتزين وتزين بيوتها، تهتم بالموضة وبالجنس. وهؤلاء ماذا سيعملون حينما يخرب هذا العالم، وتبطل هذه التجارة = بضائعهم لا يشتريها أحد. فملوك الأرض هم من يسعوا لإمتلاك كل هذا وتجار الأرض هم من يتاجروا بهذه الأشياء. وكلاهما ملوك الأرض وتجار الأرض كان كل همهم مكسبهم وأموالهم، سعوا وراء محبة الفضة ناسين الله تماما، فصارت أموالهم إلههم. صار العالم هدفا وليس وسيلة. وحينما تخرب بابل لن يجد كل هؤلاء سوى الندم = ويبكى كل تجار الأرض. ونجد أن حجى النبى أشار لمثل هذا حينما قال " هل الوقت لكم أن تسكنوا فى بيوتكم المغشاة وهذا البيت (بيت الرب) خراب حج 4:1 " وهذا يعنى بالنسبة لحجى النبى أن هؤلاء الناس إهتموا بزينة بيوتهم وتركوا هيكل الرب خرابا ولم يهتموا ببنائه.

كل عود ثينى = هناك إحتمالين أو رأيين أن هذا خشب من نوع قيم كالأبنوس والصندل أو أنه خشب حينما يحترق تنتج عنه رائحة طيبة.

ولنفهم أن الأكل والتجارة فى هذه المأكولات ليست خطية، ولكن من كانت الهتهم بطونهم، لا يسعون سوى للأكل باحثين عن أطيب وأفخم المأكولات،هؤلاء سيبكون إذ يذهب عنهم هذا (رو18:16( + )فى19:3) أما بولس الرسول فعلمنا أن نحيا هكذا " تعلمت أن أكون مكتفيا بما أنا فيه أعرف أن أتضع وأعرف أيضا أن أستفضل.. تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص" (فى12،11:4)

فى اليوم الأخير لن ينفع إلا ما كنزناه من كنوز فى السماء، فلن يكون بعد إشباع للذات ولا للبطن ولا للأبهة والأمجاد الزمنية. ولمن إكتفى بمثل تجارة العالم هذه، أين سيذهب ؟؟ هو يبكى إذ ذهب عنه كل ما هو مشحم وبهى = أى كل ما ظنه مشحم وبهى. أما أولاد الله فلا يشبعهم سوى التلذذ بالروحيات، لا يشبعهم سوى الله. وسوف يجدون الله مصدر فرحهم فى السماء، أما من لم يتذوق السمائيات فى حياته على الأرض فسيبكى وينوح حين تخرب الأرض بما فيها.



آيات 16،15 "تجار هذه الاشياء الذين استغنوا منها سيقفون من بعيد من اجل خوف عذابها يبكون و ينوحون. و يقولون ويل ويل المدينة العظيمة المتسربلة ببز و ارجوان و قرمز و المتحلية بذهب و حجر كريم و لؤلؤ".

الأشرار هنا يتأملون فى حبيبتهم بابل التى خربت ويندمون على جمالها السابق الذى خرب. ينوحون بلا رجاء وبلا أمل.



آيات 18،17 "لانه في ساعة واحدة خرب غنى مثل هذا و كل ربان و كل الجماعة في السفن و الملاحون و جميع عمال البحر وقفوا من بعيد. و صرخوا اذ نظروا دخان حريقها قائلين اية مدينة مثل المدينة العظيمة".

وكل ربان وكل الجماعة فى السفن والملاحون = إذا كان العالم هو البحر، فالربان وكل الملاحون وجميع عمال البحر هم الذين يساعدون فى عملية التجارة. والمعنى أن كل من ساعد على الشر سيندم فى هذا اليوم حين تحترق بابل.



آية 19 "و القوا ترابا على رؤوسهم و صرخوا باكين و نائحين قائلين ويل ويل المدينة العظيمة التي فيها استغنى جميع الذين لهم سفن في البحر من نفائسها لانها في ساعة واحدة خربت".

البحر هو العالم والبحارة هم جماعة الوسطاء الذين يساعدون الناس على شرهم، وهؤلاء سيبكون على ما كانوا يحسبونه مصدر غناهم وسعادتهم فصار لهم موضوع شقاء وهلاك وضيق وندم بلا فائدة.



آية 20 "افرحي لها ايتها السماء و الرسل القديسون و الانبياء لان الرب قد دانها دينونتكم".

إفرحى لها أيتها السماء = لقد إشتهى السمائيون وطلبوا أن تأتى هذه الساعة ليتمجد الله ويظهر عدله (رؤ9:6) والرسل القديسون والأنبياء = الذين طالما تنبأوا وانذروا بهذا الخراب، وها قد ثبت صدق نبواتهم. وظهر عدل وصدق وقداسة الله الرافض للشر. قد دانها دينونتكم = بقدر ما عذبتكم يا أولاد الله بقدر ما سيدينها الله.



آية 21 "و رفع ملاك واحد قوي حجرا كرحى عظيمة و رماه في البحر قائلا هكذا بدفع سترمى بابل المدينة العظيمة و لن توجد فيما بعد".

عمل رمزى يشير لأن سقوط بابل سيكون بدفعة واحدة، وهذا العمل الرمزى قام به أرميا من قبل (أر64،63:51).



آيات 22-24 "و صوت الضاربين بالقيثارة و المغنين و المزمرين و النافخين بالبوق لن يسمع فيك فيما بعد و كل صانع صناعة لن يوجد فيك فيما بعد و صوت رحى لن يسمع فيك فيما بعد. و نور سراج لن يضيء فيك فيما بعد و صوت عريس و عروس لن يسمع فيك فيما بعد لان تجارك كانوا عظماء الارض اذ بسحرك ضلت جميع الامم. و فيها وجد دم انبياء و قديسين و جميع من قتل على الارض".

صورة للخراب التام. إذ سيختفى صوت اللهو بل صوت الصناعات، بل الحياة عموما، فلا حياة بدون خبز = صوت رحى لن يسمع فيك فيما بعد.

وتصير فى ظلمة تامة = نور سراج لن يضىء فيك فيما بعد. وقارن هذا بما ستكون عليه أورشليم اسمائية أى الكنيسة المنتصرة فى السماء، فهى كعروس مزينة لرجلها، والله يسكن معهم، وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، بلا حزن وبلا وجع (رؤ2:21-4) بل لن يحتاجوا إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم (رؤ5:22). والسبب أنها أضلت كثيرين = بسحرك ضلت جميع الأمم. وطالما إستشهد فيها قديسيين = فيها وجد دم أنبياء وقديسيين.

ملوحظة:

قارن أية 9 مع أية 20 فخراب الشر فى العالم هو سبب لحزن الأشرار الذين كانوا يتمتعون بالخطية فيه، وهو فى نفس الوقت فرح للسمائيان لأن عدل الله وقداسته يظهران فى خراب بابل الزانية العظيمة.



الإصحاح التاسع عشر
آيات