عيد القيامة والإرهاب ومستقبل المسيحيين المشرقيين

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 22, 2017, 09:04:22 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  عيد القيامة والإرهاب ومستقبل المسيحيين المشرقيين   

      
برطلي . نت / متابعة
عشتارتيفي كوم- أبونا/

بيت لحم - د. شارلي يعقوب أبو سعدى



يوم الأربعاء 22 آذار الماضي كان يوماً مميزاً في التاريخ المسيحي على الصعيدين المحلي والعالمي. ففي هذا اليوم اجتمع العديد من رؤساء الكنائس في القدس لإعلان إنتهاء أعمال ترميم القبر المقدس الفارغ. احتفالٌ رمزيٌ شهدته كنيسة القيامة، لكن ما ميّز ذلك اليوم كان تجديد المسيحيين وكوحدة واحدة لإيمانهم بقيامة يسوع المسيح على حسب ما قال القديس بولس: "لو كان المسيح ما قام، فتبشيرنا باطل وإيمانكم باطل" (1 كورنثوس 15، 14). وعلّق قداسة البابا فرنسيس على هذا الحدث التاريخي الذي عاشته كنيستنا المقدسة والمقدسية الجريحة مؤكداً أن القبر الفارغ والمرمم حديثاً يجب أن يمنحنا الشجاعة للمضي قدماً ويقيناً أن التوترات والصراعات والحروب التي نعيشها في مشرقنا العربي لن تطفئ أبداً نور القيامة. وبكل تأكيد فإن هذا الحدث قد نسّانا ما جرى قبل سنوات قليلة من صراع داخل كنيسة القيامة يوم سبت النور. خلافٌ ونزاعات لا نريد أن نراها تحدث مجدداً في كنيستي القيامة والمهد، فإما أن نؤمن ونكون أمينين لإيماننا، فنترفع ونتواضع ونخضع لله ونحترم الإنسان، فلا نتقاتل على حجر هنا وهناك، بل لنخف حجر الزاوية أي يسوع المسيح وحكمه علينا في اليوم الأخير.

وجاء يوم 9 نيسان الماضي المشؤوم. كان من المفترض أن نحتفل في ذلك اليوم بذكرى دخول يسوع المسيح إلى مدينة القدس، لكن أحداث طنطا والإسكندرية طغت على العيد وبهجته. دمٌ وشهداء وأشلاء على جدران وكراسي وأيقونات الكنيستين، رسالة من جبناء تبغي تهجيرنا وتخويف المواطن المسيحي. تكفيريون جهلاء بكل معنى الكلمة بالتاريخ وبالإنسانية وحتى بالإسلام، فنسي هؤلاء أن أجدادهم كانوا مسيحيين يوماً ما. علّق الصديق العزيز رفعت قسيس على هذه الأحداث في مقاله هنا كنّا وهنا سنبقى، فهو يرى أن التاريخ يشفع لنا في هذه المرحلة، فكتب: "مرّت الكنيسة والمسيحيون في أوقات أقسى وأشد من هذه الفترة، ولم نرفع أصوات البكاء والعويل. هل يمكن لتأثير هذا المرحلة أن يكون أقسى من تهجير أغلبية المسيحيين من فلسطين عام 1948؟ وهل يمكن أن تكون نتائجه أقسى من الحروب الاستعمارية الاوروبية "الصليبية" مثلاً؟ لم تستطع كل الظروف السابقة والإمبراطوريات والحروب والشدائد من الفت في عضد المسيحيين وإنهاء وجودهم، وليس هناك ما ينبئ بأن هذا الوجود سينتهي مستقبلاً".

أمّا الدكتور مروان المعشر فكتب في جريدة الغد الأردنية: "حان الوقت في الوطن العربي للعمل الحقيقي من أجل ترسيخ مواطنة متساوية في كافة الأوجه، ليس تشريعياً فقط، وإنما ممارسةً أيضاً. فذلك وحده الكفيل بإقامة شرق يليق بتنوعه وغناه". وبدوره فتسائل الأرشمندريت أغابيوس أبي سعدى عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول إستراتيجيّة بقاء المسيحي في الشرق عامّة وفي أرضنا المقدّسة بشكل خاص. أمّا الأب بشار فواضلة فكان متشائماً حين كتب: "الإنتماء الى الوطن إنتماء الى كل إنسان فيه... وإنتماء إلى كل قضاياه وهمومه... هل يوجد هذا الشيء؟ برأي الشخصي قارب هذا على الانتهاء! للأسف". وإذا ما رجعنا إلى مقالاتي السابقة فكنت وما زلت أؤيد ما كتبه رفعت قسيس حول ضرورة التفكير والتخطيط لاستراتيجية ورؤية مسيحية مشرقية موحدة وواحدة يخرج منها وثيقة "وقفة حق" شرق أوسطية. فهل آن الأوان للبدء بهذا المشروع الضخم؟

بعد عيد الشعانين يأتي عيد القيامة، عيد الأعياد وموسم المواسم. كان هذا العيد مميزاً هذه السنة لأننا عيّدنا جميعاً في نفس اليوم، وهذه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة. لكن ما جرى في هذا العيد لهو إثبات أننا نستطيع أن نكون وحدة واحدة، لأننا نؤمن بقيامة واحدة لشخص واحد ونحن يجب أن نكون شهوداً لذلك كما فعل التلاميذ من قبلنا. كتبت سابقاً حول التطورات المتعلقة بالاحتفال بالعيد بنفس اليوم، كما تطرقت لطروحات البطريرك تواضروس الثالث وبطاركة الشرق الكاثوليك. الجميع وحتى الفاتيكان ينتظر موقف بطاركة الروم الأرثوذكس. غير أن المجمع الأرثوذكسي الكبير الذي انعقد في حزيران الماضي لم يتطرق لهذا الموضوع وبكل أسف. فالخلافات الأرثوذكسية الأرثوكسية هي كبيرة وكثيرة وقد يكون ذلك المجمع قد أججّ الأوضاع الداخلية والصراعات بين البطريركيات الأرثوذكسية المختلفة. الكرة الآن في ذلك الملعب... في انتظار ما يحدث مستقبلاً، لكن اطمئنوا... لن نرى مثل هذا الاتفاق في المستقبل القريب.

ما يزال البابا فرنسيس يفاجئنا، فسيقوم خلال الأيام المقبلة في زيارة إلى مصر العروبة. الزيارة لم تلغى بسبب أحداث يوم الشعانين. إن البابا فرنسيس على يقين أنه لا ينوي تقوية الرئيس السيسي سياسياً، ولا إلى دعوة المسيحيين إلى الهجرة أو إلى التقوقع والإنعزال والانكماش. إنه يعرف الفتنة في داخل التيارات الفكرية الإسلامية في الوقت الحالي وأثرها على الأقليات في دول المشرق العربي وتحديداً في العراق وسوريا ومصر. والمسيحيون اليوم هم كبش الفداء، فالجماعات المتطرفة تنوي كسب نقاط سياسية على حساب المسيحيين العزل. إن قداسة البابا سيذهب إلى مصر حاملاً معه راية الحوار والانفتاح على الآخر. وهو يدرك أنه على المصريين والعرب أن يعملوا على المصالحة فيما بينهم، أمّا في الطرف الثاني من المعادلة فسيقوم البابا بدعوه المسلمين إلى مغفرة بعضهم البعض. وهذا وحده سيضمن بقاء المسيحيين في المشرق العربي، وربما ستبدأ عندها النهضة الثانية للمسيحيين المشرقيين بعد تلك النهضة الكبرى في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

على المسيحيين أن يكونوا مسيحيين بكل معنى الكلمة خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا وأن لا يضعوا أنفسهم في خندق واحد ضد آخرين، وأن لا يخافوا من قول الحق والحقيقة. وعلى المسلمين بكافة أطيافهم الدينية أن يعترفوا بالوجود المسيحي المشرقي وأن يحموا ذلك الوجود بكل الطرق والوسائل. علّ زيارة البابا فرنسيس تفتح صفحة جديدة بيضاء في العلاقات الإسلامية المسيحية والإسلامية الإسلامية.