الإيزيديون يلونون حزنهم بأحمر شقائق النعمان والبيض الملون في عيد 'سه رسال'

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 20, 2017, 11:56:03 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

 
الإيزيديون يلونون حزنهم بأحمر شقائق النعمان والبيض الملون في عيد 'سه رسال' 

   
      
برطلي . نت / متابعة
شيخان (العراق)- العرب

يستقبل الإيزيديون فصل الربيع بفرح كبير من أجل الاستعداد للاحتفال بعيد رأس السنة ومجموعة مناسبات متعددة، حيث تستعد كل عائلة لإقامة مراسم عيد رأس السنة باعتباره العيد الذي يرمز إلى تاريخها وأصالتها. ويقوم الإيزيديون خلال هذه المناسبة بتلوين البيض، وتعليق شقائق النعمان على أبواب البيوت ونحر الذبائح، وتبادل الزيارات بين الأقارب والأصدقاء وترتيل الطقوس الدينية الخاصة بالعيد في معبد لالش اﻟﻤﻌﺒﺪ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ لهم.

احتفل الآلاف من الإيزيديين بأول أربعاء في السنة الإيزيدية، وذلك باعتباره عيد رأس السنة لديهم ويطلقون عليه اسم "الأربعاء الأحمر"، وهو يصادف أول يوم من شهر نيسان الشرقي الذي يتأخر عن التاريخ الميلادي الغربي ثلاثة عشر يوما.

وبلباس أبيض وشعلات نار، بدأ الإيزيديون احتفالاتهم منذ ليلة الثلاثاء في معبد لالش بمنطقة شيخان في شمال العراق بعيد "سه رسال" بمعنى الأربعاء الأحمر. ويقول لقمان سليمان المتحدث الإعلامي باسم معبد لالش الإيزيدي إنّ "عيد الأربعاء الأحمر يعدّ أقدم وأقدس عيد بالنسبة إلى الإيزيديين".

طبيعة نيسان تشبه جمال العروسة، لذا لا يجوز الإشراك بهذه العروسة، حتى قطع الورود يشوه زهو الطبيعة
وفي ما يتعلق بتسمية "الأربعاء الأحمر"، يرجح الباحثون الإيزيديون بأنها تعود إلى زمن إمبراطورية ميديا، حيث يقال إن معركة كبيرة نشبت في مثل هذا اليوم وأريقت دماء كثيرة، وبعد أن انتصر الكرد وانهزم العدو سادت البهجة على الشعب الميدي آنذاك وأضيفت كلمة "أحمر" بالكردية "سور" نسبة إلى الدماء الكثيرة المهدورة في المعركة.

ويضيف أن "العيد يرمز إلى رأس السنة الإيزيدية وبداية الخليقة، وأن سكان الشرق الأوسط وخصوصا بلاد ما بين النهرين، منذ القدم يحتفلون بالأربعاء الأحمر". وفي هذه المناسبة لا تحرث الأرض في مناطقهم ولا تقطع الأشجار ولا يسمح لأبناء الطائفة بالتزاوج خلال هذا الشهر.

وبشأن عدم جواز الزواج في شهر نيسان يقول الباحث الإيزيدي بير خدر سليمان إن "الطبيعة في نيسان تشبه العروسة وجمالها وزهوها، لذا لا يجوز الإشراك بهذه العروسة كما لا يجوز الحرث والحفر وقطع الأشجار والورود لأنها تشوه جمال وزهو الطبيعة". ويتم حسب العقيدة الإيزيدية خلال يوم العيد تسليم السلطة إلى الملك طاووس ليدير شؤون الدنيا.

وبحسب معتقداتهم، فإن "طاووس ملك رئيس الملائكة قد بعث من قبل الرب إلى الأرض التي كانت سرابا ليحولها إلى أرض حية من ماء وتراب كما هي وينبت فيها الربيع بألوانه، وكان ذلك في الأربعاء الأحمر". وكلمة نيسان لدى الإيزيديين تنقسم إلى كلمتين "ني" أي الجديد، و"سان" أي الولادة، ويعطي الإيزيديون أهمية كبيرة لشهر نيسان ويلقبونه بعروس السنة في إشارة إلى جمال فصل الربيع.

ويرمز هذا العيد القديم عند الإيزيديين إلى يوم بعث الخليقة ونزول ملك الحياة إيذانا بنهاية البرد والعواصف وبداية الخصب. وهو يمتد ويشمل الإيزيديين في العراق وسوريا وإيران، وتشعل النيران بحلوله لأنها ترمز في الديانات القديمة إلى الطهارة والحكمة.




نيسان الشرقي موسم الخصب

وتبدأ طقوس العيد قبل ليلة حيث تخبز الإيزيديات عجينة خاصة توزع على الفقراء، كما تقوم كل عائلة بقطف شقائق النعمان لتعليقها الأربعاء مع قشور البيض الملونة أعلى عتبة البيوت.

ويقول الباحث الإيزيدي عيدو بابا شيخ إن مراسم الاحتفال بعيد رأس السنة الإيزيدية تعود إلى الآلاف من السنين، ويرمز إشعال الفتائل إلى بداية الحياة والكون، حيث أن الإيزيديين يتصوّرون أن الكون كان شيئا مظلما وبدأت الحياة بالنور.

وأضاف شيخ أن "المحتفلين يستكملون مراسم احتفالاتهم صباح العيد، حيث يقومون بتعليق باقات من أزهار شقائق النعمان حمراء اللون على أبواب منازلهم بإلصاقها بكمية قليلة من الطين".

وتقول بيان إلياس حسن، امرأة إيزيدية في الأربعين من العمر "هذا تقليد توارثناه عن آبائنا وأجدادنا، ولزاما علينا إلصاق باقة من أزهار نيسان (شقائق النعمان) فوق مداخل البيت والغرف الداخلية أيضا".

ومن الواجب على كل عائلة إيزيدية أن تقوم بذبح خروف في ليلة العيد، يطبخ قسم منه ويوزع قسم آخر على الفقراء، غير أنّ الظروف السائدة في السنوات الثلاث الأخيرة منعتها من إقامة معظم تلك الطقوس. ومن الطقوس الخاصة أيضا زيارة القبور في الصباح، وزيارة المزارات القريبة من قراهم، ومن ثم تبادل الزيارات بين العائلات والأقارب.

وتقول إحدى الأبيات الدينية الإيزيدية الخاصة بهذا اليوم "إن الأربعاء هو يومٌ بلا حساب (أربعاء العيد) أبواب الخير فيه مفتوحة من المشرق إلى المغيب". وبحسب باحثين، تعدّ الديانة الإيزيدية من الديانات الكردية القديمة، وتتلى جميع نصوصها في مناسبات الإيزيديين وطقوسهم الدينية باللغة الكردية.



بأي حال عدت يا عيد

اختصر الإيزيديون خلال السنوات الماضية احتفالهم بحلول رأس السنة عندهم بإقامة بعض الطقوس الدينية فقط، بسبب صعوبة ظروف التهجير والقتل والخطف التي قام بها تنظيم داعش.

يقول الأستاذ في الدراسات الإيزيدية شير إبراهيم كشتو "كلنا نعيش في ألم وحزن ومأساة حقيقية في المخيمات"، في إشارة إلى 16 مخيما في المنطقة تستقبل نحو 400 ألف إيزيدي من سنجار في شمال غرب العراق.

ومن المشاركين في الاحتفال زوان مساعيد التي تعتبر أن "الشعور ليس جميلا، ليس كما كان قبل أن نهرب بسبب داعش. تقريبا ليس لدينا عيد لكننا مجبرون على ألا ننسى عاداتنا وتقاليدنا". وتضيف بزيها التقليدي "أمنيتي أن يعود الذين مازالوا في أيدي داعش فقط، لا نريد شيئا آخر". وفي أسفل الطريق الجبلية المؤدية إلى معبد لالش، يخلع الإيزيديون أحذيتهم ويواصلون السير حفاة الأقدام كنذر للتقرب إلى الإله.

الطبيعة في نيسان تشبه العروسة وجمالها وزهوها، لذا لا يجوز الإشراك بهذه العروسة كما لا يجوز الحرث والحفر وقطع الأشجار والورود لأنها تشوه جمال وزهو الطبيعة
ويقول أكرم باشو، وهو من نازحي سنجار أيضا، "كل عام نزور لالش، لكن تقريبا الاحتفالات لم تكن مماثلة لما كانت عليهفي السنوات السابقة قبل داعش وقبل أن يحتلوا سنجار ويأخذوا إخوتنا وأخواتنا".

ويعرب تحسين باشو عن فرحه بالاحتفال، لكن "مازلنا حزينين من أجل سنجار، ومن أجل أقربائنا الذين اختفوا والذين اختطفوا". والإيزيديون أقلية ليست مسلمة ولا عربية، تعد أكثر من نصف مليون شخص، ويتركز وجودها خصوصا قرب الحدود السورية في شمال العراق.

ويقول الإيزيديون إن ديانتهم تعود إلى الآلاف من السنين، وأنها انبثقت من الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، في حين يرى آخرون أن ديانتهم خليط من ديانات قديمة عدة مثل الزرادشتية والمانوية.

ويناصب تنظيم داعش العداء الشديد لهذه المجموعة الناطقة بالكردية، ويعتبر أفرادها "كفارا". وفي العام 2014، قتل التنظيم أعدادا كبيرة من الإيزيديين في سنجار بمحافظة نينوى، وأرغم عشرات الآلاف منهم على الهرب، فيما احتجز الآلاف من الفتيات والنساء سبايا.

ووفق إحصائيات غير رسمية، يقدر عدد الإيزيديين بنحو 600 ألف نسمة في العراق، تقطن غالبيتهم في محافظتي نينوى ودهوك في العراق، فضلا عن وجود أعداد غير معروفة في سوريا وروسيا وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا وبعض الدول الأوروبية.

الدرة البيضاء

بين التلال، يتجمع الإيزيديون للتضرع إلى الإله، حاملين حجارة عليها عيدان نار، ويضيئون 365 قنديلا، طلبا للخير والأمان على مدار أيام السنة. ومن بين التقاليد التي يقومون بها في هذا اليوم، سلق البيـض وتلوينـه، إذ يعتقـد الإيزيديون بأن البيضة ترمز إلى ما يسمونه "الدرة البيضاء" والتي منها تكوّن العالم بأسره بحسب اعتقادهم.



الجمال أخو النار

ولفت الباحث عيدو بابا شيخ "إلى أن الإيزيديين يقومون خلال العيد بسلق بيـض الدجاج وتلوينه بشتى الألوان والأصباغ، لأنهم يعتقـدون أن البيضـة تمثل أصغر وحدة فيها روح، كما أنها تشبه الكرة الأرضية من حيث احتوائها على مكونات سائلة وأخرى صلبة".

ويقـول الباحث محمد عبدو علي حول استخدام البيض الطقوسي عند الإيزيديين "يصادف أول أربعاء من شهر نيسـان الميـلادي الشرقي الذي يتأخر 13 يوما عن شهر نيسـان الميـلادي الغربـي عيـد رأس السنة الإيزيديـة والذي يسمى الأربعاء الأحمر". وحـول هذه المناسبـة تقول الرواية الدينيـة الإيزيدية إنها يوم ولادة شيث بن آدم جد الإيزيديين وميلاد جميع الخلائـق.

وفي هذا الشهر تتجدد الطبيعة ويفقس البيض، ولذلك تعتبر البيضة رمزا هاما لهذا العيد حيث يقوم الإيزيديون بتلوين البيض بهذه المناسبة بالأخضر والأصفر والأحمر، إضافة إلى اللون الأبيض. ويرمز سلق البيض أيضا في المعتقـد الإيزيدي إلى تشكل الأرض والولادة وانبعاث الحياة، وكل ما هو موجــود في داخل الكرة الأرضية يوجد في محتويـات البيضة منها القشرة والمواد العضوية المختلفـة والحياة المنبثقـة من داخل البيضـة.

وطقـس التلوين دلالة على الألوان التي تتزين بها الطبيعة في شهرها الخصب، أما قشور البيض فيتم تجميعها ورشها على الأراضي الزراعيـة لجلـب البركة في المواسم الفلاحية.وللدلالة على حلول عام جديد، يعلـق الإيزيديون قشور البيض الملون مع زهور شقائق النعمان بواسطة العجين على أبواب البيوت.

وقالت شيلان نوري "سلقـت نحـو 40 بيضة وقمت بتلوينها بألوان مختلفة، فهذه المناسبة لا يمكن أن تمرّ دون بيض مسلوق وملون، فبهذا العيد ينتصر الإيزيديون للحياة رغم أهوال ما يفعله الدواعش بنا وبالشعوب في المنطقة عموما".

[نُشر في 2017/04/20، العدد: 10608، ص(20)]