تداعيات وإيضاحات حول مقالة "المثقفون المخنثون"

بدء بواسطة صائب خليل, نوفمبر 14, 2011, 09:46:58 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

أثارت مقالتي عن المثقفين المخنثين (1) الذين يتجاهلون الحقائق، حتى تلك التي تفيدهم، استسلاماً لما يقول الإعلام السائد ومن يقف وراءه ، أثارت بعض ردود الفعل المعتدلة أحياناً والعنيفة احياناً أحياناً أخرى. وفي الوقت الذي أؤكد فيه استمرار وقوفي خلف الفكرة العامة للمقالة، فإني لا انكر الوقوع في خطأ التعميم الذي لا يأخذ بنظر الإعتبار وقوع الغالبية العظمى من المثقفين تحت التأثير الإعلامي القوي، والقادر على إقناعهم بما هو خطأ والذي يحتاج المرء إلى أستقلالية تفكير عالية جداً ليفلت من الإطار العام الذي يضعه فيه، وبالتالي فأن الجبن لا ينطبق على الكثيرين ممن كتبوا عن الموضوع ضمن الإتجاه العام، وإنما كانت تلك قناعتهم ورؤيتهم وتحليلهم للمعطيات التي قدمها لهم ذلك الإعلام، وكلنا نقع تحت تأثير الإعلام بدرجة أو بأخرى. وقد تسبب هذا الخطأ المؤسف بتجريح مثقفين بعيدين تمام البعد عن تلك التهمة، وأسيء فهم المقالة احياناً، ولذلك أكتب هذه المتابعة لها لتوضيح الأمر.

كانت المقالة موجهة بشكل عام، للكتاب الذين يصرون على توجيه الإتهام إلى الإسلام (الذي يضيفون إليه عادة كلمة "المتطرف") في جريمة كنيسة النجاة، بالرغم من وجود حقائق مثبتة بشكل جيد، بأن الأمر ليس كذلك. وقد أثار الموضوع في ذهني أحد الأخوة المسيحيين في نادي شطرنج على الإنترنت، مطالباً المسلمين بالإعتراف بأنهم من نسل إرهابي وتحدث عن غزو قريش للعراق ووحشية المسلمين في كل مكان وتعاليمهم الدموية، وحين رد عليه البعض وكنت منهم، أجاب بأنه لا يذكر سوى حقائق تاريخية وحاضرة، فلم الغضب؟ تسبب الموضوع بمشكلة في الفريق نتج عنها طرد أحد أعضائه، وسيطرة جو من التوتر بين الباقين، بدل الألفة الجميلة التي كانت تسود بينهم قبل ذلك، وما اشبه حال الفريق بحال العراق كله!

والحقيقة أن الرجل لم يكن ملاماً، فالمسلمون قبل غيرهم، تركوا مثل هذه "الحقيقة" تثبت في ذهن العراقي والعربي وغيره، ولم يدافعوا عن انفسهم رغم وجود وفرة من الحقائق التي تشكك بهذه الصورة الظالمة. فهناك صورة أخرى تؤكدها الكثير من المصادر التاريخية لا تؤكد كذب تلك الرواية فحسب، بل تؤكد العكس منها أحياناً، ومن مصادر ذات مصداقية عالية غير متحيزة من علماء التاريخ، فعند مقارنة تاريخ المسلمين الذي لا يخلو من العنف طبعاً، مع تاريخ بقية الأديان، نجد أن له مكانة لا يمكن أن توصف بالوحشية، نسبة إلى هؤلاء. ويمكننا أن نذكر الكثير من التاريخ، ففي الوقت الذي كان المسلمون يؤمنون بعدم قتل الناس والأشجار والحيوانات في غزواتهم، كقاعدة عامة ربما خالفوها بين الحين والآخر، فأن قاعدة الرومان، أكبر الحضارات الغربية التاريخية، كانت إبادة المدينة التي يتم فتحها، قاعدة وليس استثناءاً. وفي الوقت الذي كان فيه المسيحيون يبيدون المسلمين حين ينتصرون في الحروب الصليبية، كان المسلمون يتعاملون برحمة كبيرة نسبياً مع خصومهم المهزومين، ثم سادت أخلاق المسلمين في تلك الحروب في النهاية بين الطرفين.

وفي الوقت الذي تشير فيه أكبر آثار المسلمين في اسطنبول، إلى مدى الإهتمام بالفقراء ، وتوفير الطعام المجاني والطبابة لهم في الجوامع الكبيرة، فأن أكبر الأثار في مدينة روما، "الكولوسيوم" كان المحل الذي  كان يلقى فيه خصومهم ومخالفيهم في الدين من أسرى ومسيحيين، إلى الأسود ليأكلوها تحت هتاف الجماهير المتمتعة بذلك المنظر الدموي المتوحش...فمتى ألقت الحضارة الإسلامية بالمسيحيين إلى الوحوش لتأكلها أمام هتاف الجماهير المهووسة بالدم؟ في تاريخ الحضارة الإسلامية بالمقابل، وبالرغم من كل كارهيها ومشوهي صورتها، يسود الأمان للديانات الأخرى أكثر من اية حضارة أخرى من الحضارات الكبرى. فالمسيحيين ذبحوا اليهود في اسبانيا وفي المانيا وكل أوروبا، ورفضت أميركا سفنهم الهاربة من هتلر، وكان المسلمون من قدم لهم الملجأ الآمن. وفي الوقت الذي نشهد وحشية لم تعهدها الإنسانية حين اكتشف الأسبان أميركا، فوصل الأمر إلى أن يلعبوا برؤوس الهنود الحمر الذي رحبوا بهم كضيوف، كرة القدم في نيويورك ، وكانوا كلما "أنتصروا" على قبيلة هندية ومزقوها بعد أن غافلوها في الظلام بأسلحتهم المتطورة واحتلفوا بـ "عيد الشكر" لربهم الذي نصرهم على تلك القبيلة، وصارت أعياد الشكر من الكثرة ما حدا بحكومة الولايات المتحدة أن تضع حداً لعددها المسموح به. فأين تاريخ الإسلام من هذا؟ متى لعب المسلمون كرة قدم أو أي لعبة أخرى برؤوس أطفال من يهزمونهم؟ لو أن المسلمون من كانوا قد بنى الكولوسيوم، ولو أن المسلمين كانوا يصرخون سعادة كلما مزق أسد ضحيته أمامهم، ألن يجعل هذا الإعلام أحفادهم يلعنون اليوم الذي ظهر فيه أجدادهم على وجه الأرض، خجلاً؟ فلماذا إذن لا ينبس أحد بشيء اليوم حين يقارن وحشية المسلمين بغيرهم؟
أنا رجل علماني، إن دافعت عن الإسلام فدفاع عن الحق، بدون أي تحيز ديني، أو أقل ما يكون من التحيز، أنا أرى التاريخ فأعجب لحال المسلمين اليوم في استكانتهم لصورة ظالمة بحق أجدادهم الذين يستحقون ان يفخروا بهم بدلاً من أن ينكسوا رؤوسهم مطأطئين كلما تحدث أحد عن ذلك التاريخ...لقد بنى هؤلاء الأجداد حضارة عظيمة لم يكلف أبناءهم المهزومين نفسياً حتى النخاع، أنفسهم حتى قراءة تاريخها، وحتى حين يعرفون ذلك التاريخ فأنهم ينسونه أو يتجاهلونه، لإلا يقال عنهم متخلفين أو متطرفين. أقول الحق إني لم أهتم يوماً بقراءة هذا التاريخ إلا بفضل ذلك الكذب الإعلامي الذي يفرض سيطرته اليوم، وإني أشكره لأنه جعلني أعرف الحقيقة من خلال رد فعلي على إلحاحه بالكذب.

هذا عن التاريخ، أما الحاضر، فقصته أخرى. وقبل كل شيء أنا لا أنكر عنفاً إسلاميا في الوقت الحاضر، لكني أشعر أنه من ناحية، أمر مبالغ به، ومن الناحية الثانية فأن الأمم المهزومة تصبح عنيفة بطبيعة الحال، والإسلام في حالة هزيمة كبرى اليوم ويشعر أبناؤه بالدونية التي تستدعي العنف والوحشية أحياناً. لكن هذه الوحشية لم تصل إلى ممارسات الشعوب الأوروبية حين كانت مهزومة في ما يسمونه "العصور المظلمة"، لأن الحضارة الأساسية فيها كانت حضارة المسلمين، وكانت منطقتهم هي المضيئة، بل حتى حين كانت حضارتهم منتصرة. ففي الفترة الأوروبية "المظلمة" تفننت الكنيسة في اختراع آلات التعذيب كما يؤكده سجل طويل موثق من الصور والشروح لتلك الآلات. وكانت شخصيات مثل إيفان الرهيب يتعبد في الكنيسة ساعات كل صباح وليس كل أحد فقط، ويجبر رعاياه على عبادات مطولة يومية، ليعود في المساء إلى هوايته المفضلة في غلي خصومه أو من يريد التسلية بهم، أحياءاً أمامه عند العشاء. أظن أن الكثير منكم لم يسمع بهذا، ولا غرابة، فلا يكتب الكثير عن ذلك، لكن لو أن من قام بذلك كان مسلماً لما بقي رجل في الأرض لا يعرف القصة عن ظهر قلب، ولا كتب "مثقف" في التاريخ دون أن يستشهد بها، أما والحال هذه فلن يكتب عنها أحد، فليس للإسلام من يدفع بمثل هذه القصص إلى طاولة المقارنة، ولا من يشير إلى أن المسلمون لم يقوموا بأخذ الصور التذكارية مع رؤوس مقطوعة على نطاق واسع في الإحتلال الياباني لمنشوريا، في العصر الحديث...كل هذه الصور الإعلامية، تشوش على الصورة الأصلية المطلوبة: أن يكون الإسلام هو الدين الوحشي الوحيد أو الأكثر وحشية، والمسلمون هم الإرهابيون في التاريخ وفي الحاضر.

المثقفون المسلمون لا يكتفون بالإنقيادية لما يقوله الغرب، وإنما بالإنقيادية لمزوري التاريخ في الغرب فقط. فبالتأكيد ليس الغرب كله مزور للتاريخ.
في ويكيبيدا عن توينبي ما يلي: "وُلِدَ أرنولد تُوينبي في لندن، في عام 1889، ودرَسَ اليونانية واللاتينية في أكسفورد، وتقلَّب في عدَّة مناصب، منها: أستاذ الدراسات اليونانيَّة والبيزنطيَّة في جامعة لندن، ومدير دائرة الدراسات في وزارة الخارجية البريطانية؛ وتُوفِّيَ في عام 1975. يُعتبرُ تُوينبي أحدثَ وأهمَّ مُؤرِّخ بحَثَ في مَسألة الحضارات بشكلٍ مُفصَّلٍ وشامِل، ولاسيَّما في موسوعته التاريخيَّة المُعنونَة "دراسة للتاريخ" التي تـتألَف من اثـني عشرَ مُجلَّدًا أنفق في تأليفها واحدًا وأربعين عامًا."
هذا الرجل كتب: "كان المسلمون أرحم الفاتحين في التاريخ" ! إنها شهادة يفترض أن يعتز بها أي مثقف، بل أي إنسان سوي ينتمي إلى الجهة التي امتدحها توينبي، فهو لا يلقي الكلام على عوانه، لكن المثقفون المسلمون يفضلون ان يأخذوا دروس تاريخهم من توماس فريدمان، " واحد من أشد المفكرين اليهود الأمريكان تطرفاً في صهيونيته" حسب ويكيبيديا، وهو يوصيهم بضرورة الإستمرار بجلد انفسهم وتاريخهم إن ارادوا أن يكونوا "مثقفين معتدلين"...وأن يبعدوا عنهم شبهة دعم الإرهاب.

وبعيداً عن الدين، والتاريخ القديم كانت الرأسمالية في الغرب الحديث نسبياً، في قرون النهظة الصناعية تقتل الإنسان كباراً وأطفالاً، وتجبر حتى الأطفال على العمل لفترات تتجاوز أحياناً 16 ساعة في اليوم، وفي ظروف سيئة للغاية، دمرت أجيالا عديدة وشوهتهم وقصرت أعمارهم وأصابتهم بأمراض لا حصر لها، وأحدثت المجاعات في عموم بلدان عديدة في الوقت الذي تفرض تصدير محاصيلها الغذائية إلى حيث الربح أوفر، وهذا ما كتبه مؤرخوهم الإنسانيون، وليس "متطرفوا المسلمين"، وانا مسؤول عن كل كلمة في هذه التفاصيل.

وأخيراً تأتي قصة كنيسة سيدة النجاة، وتفتضح أكاذيب الإرهاب إبتداءاً من قصة فراس الغضبان عن ذبح الضحايا بالسيوف، وحتى الغرائب المتمثلة بتصرفات القتلة الذين كانوا يرهبون الضحايا لساعات ولا يقتلوهم رغم التمثيلية التي تدعي حقدهم ورغبتهم "الإسلامية" في قتل كل مسيحي، وصراخهم الهستيري المسرحي "ألله وأكبر"، لينتحروا "مفجرين أنفسهم" بعيداً عن المسيحيين الذين جاءوا خصيصاً لقتلهم، بل والتضحية بحياتهم من أجل قتلهم، فأي حاقدين هم هؤلاء؟ وأي انتحاريين هم هؤلاء؟ مسلم يصل به الحقد على المسيحيين أن يقتل نفسه من اجل أن يقتل بعضاً من المسيحيين في كنيسة، ثم حين تأتيه الفرصة "الذهبية"، يتلاعب بقنابل الصوت ويترك معظم الضحايا أحياءاً، ليذهب ويفجر نفسه بعيداً عنهم في مكان بحيث لا يروه، كما روى الناجون من المذبحة!! كل هذه الحقائق، تذهب إلى المزبلة، فهي تبرهن شيئاً ليس من مصلحة سيد الإعلام ان تتم البرهنة عليه، أما من كانت مصلحته في تثبيته وبرهانه، فهو أضعف وأجبن من أن يشير إلى تلك الحقائق ولو إشارة أو يستفهم عنها ولو استفهاماً!

وفي فلسطين، بذل الإحتلال الإسرائيلي كل طاقته لكسب المسيحيين ضد المسلمين، لكن إسألوا مسيحيي بيت جالة، لتكتشفوا مدى الفشل الذريع الذي حاق بتلك المحاولة، وكيف أن المسيحيين يتعاونون بكل ترحاب حتى مع حماس التي تعتبر إسلامية متطرفة لدى الكثيرين، ويهاجمون الإحتلال الإسرائيلي بقوة وصراحة لا تقل بأي شكل عن مهاجمة المسلمين له. فمن هو المتطرف في فلسطين ضد المسيحيين إذن، حماس أم المنظمات اليهودية اليمينية؟ بل حماس أم الحكومة الإسرائيلية "المعتدلة" ؟ لا تقولوا كلاماً من عندكم، إسألوا مسيحيي فلسطين وأنا راض بحكمهم!

بذل "محللوا" جريمة كنيسة سيدة النجاة جهداً كبيراً لإكتشاف "الحقد الإسلامي" على المسيحيين في العراق، وبحثوا في بطون كتب التاريخ ليصلوا إلى الجينات الخبيثة. لكنهم كانوا يبحثون عن شيء أخترعوه في رؤوسهم فقط. فتجاه المسيحيين في العراق ليس هناك سوى الإحترام والتقدير والمحبة. وليس هناك أي مشاعر مضادة حتى بسيطة لتكون قاعدة لعصابات يمكن ان ترتكب الإرهاب ضدهم، كما يحاول أن يقنعنا منظروا جريمة كنيسة سيدة النجاة، وسيوف فراس الغضبان الكاذبة. أنا كنت في العراق لعقود طويلة، ولم أشعر بوجود أي جو حقد تجاه المسيحيين فيه، ببساطة لأنهم لم يؤذوا المسلمين بشيء، ولم يكن هناك في التاريخ فترة عداء بينهما. ليست هناك في ذاكرتي حتى نكات تستهين بالمسيحيين، كما نجد بين السنة والشيعة بكثرة، كما توجد بين أي مكونين لوطن في أي مكان في العالم. فكرة المسلمين عن المسيحيين أنهم جماعة طيبة ذكية مثقفة نظيفة، أنيقة، حلوة الكلام ، جميلة الفتيات، تثير رؤيتهن صدى أغنية عراقية قديمة شهيرة، عن "سمراء من قوم عيسى" قتلت بجمالها "مسلم عانى بها ولها". فمن اين جاء الحقد الذي يحاولون إقناعنا بتحليله والبحث عن "جذوره"؟

وتأتي الثورة المصرية بحقائق جديدة خطيرة، وتبين أن من كان يدير إرهاب "المسلمين المتطرفين" في مصر، ليس سوى وزير الداخلية المصري، عدو المسلمين المصريين الأول وعميل اسرائيل المباشر، فلا يهتم أحد. وتكشف قضية أخرى أن لهذا العميل علاقة مباشرة بقضية كنيسة سيدة النجاة، ولا يهتم أحد. .. يقرأ المثقفون المسلمون والمسيحيون هذه الاخبار، ثم يذهبون للنوم، وعندما يصحون في اليوم التالي يعودون لشتم التطرف الإسلامي وإرهابه وجريمته في كنيسة سيدة النجاة، ويحلل "كبارهم" تاريخ "المسلم الوحشي" ويكتشفون في جيناته بقايا الصحراء القاسية، فيصفق لهم القطيع لـ "عمق التحليل" و "رصانة المقالة" و "الإعتدال"....أما من يقول : "مهلاً...ماذا عن هذه الحقائق"؟ فهو شخص قومي إسلاموي متطرف يرفض "القاء اللوم على نفسه"، و يريد إلقاء اللوم كله على أميركا وإسرائيل حتى في ثغرة الأوزون، ويكرر القصص المملة عن الجنديين البريطانيين الذين أمسكا متلبسين أثناء قيامهما بتفيذ عملية "إنتحارية" قرب حسينية في البصرة....إنه يثير الريبة والقلق، فإن تاب في المقالة القادمة، و "القى اللوم على نفسه" كما يفعل "المعتدلون"، فبها، وإلا إنبرى له فريق من "المؤدبين" "الهادئين" الذين يطاردونه في كل موقع لينصحونه بالعدول عن هذا الجنون، ويؤكدون على إنعزاله ووحدته وغروره داعين الآخرين لإبداء العطف عليه رغم ذلك، فهو "لا يخلو من طيبة"...فإن سكت، تأكد للناس اعترافه بمرضه، وإن رد بهدوء، كان ذلك تأجيلاً لإتهامه إن كرر ما فعل، وإن غضب، ثبتت التهمة عليه...

هذه هي الحال اليوم، فهل من عجب أن يغضب الإنسان عليها، وأن يكتب كلاماً لا يتصف بالنعومة واللطف؟
من يهتم بالحقيقة، يبذل الجهد في البحث عنها، فإن وجدها، فإنه يعاملها ككنز حقيقي ثمين، يأمل منه أن يزيل به بعض الظلام والخوف التي تحيط ببلده وشعبه. ولذلك فعندما يشعر أن تلك الحقيقة التي تعب في البحث عنها وتقديمها للآخرين سعيداً، أن يتم إهمالها وليس حتى مناقشتها ورفضها، وأن يستمر الوضع الجائر المخيف كما كان قبل اكتشافها، فإنه يشعر بالغضب.
ليس هذا هو الحال مع من يكتب ليبرهن للناس أنه كاتب "متمكن" من كلماته وعباراته، فتلك الكلمات والعبارات يمكن تركيبها على اية "حقائق" صحيحة أو خيالية، وبنفس القوة، ولذلك فهو لا يغضب لتجاهل أية حقائق ولا يصطدم بأحد ولا يفقد اعصابه ولا يلجأ غلى كلمات "مخرشة للذوق العام". الجمهور يطالب بالحقائق عندما تعصره الأزمات، بل ويطالب الآخرين أن يكونوا شجعاناً وناكري الذات ومستعدين للتضحية بمصالحهم وحياتهم من أجل "كشف الحقيقة"، لكن عندما تأتيه تلك الحقائق مجاناً وبلا جهد، يعاملها وكأنها أشياء رخيصة او مزعجة أو مقلقة، خاصة عندما تخرج عن الخط القطيعي العام للإعلام. تصبح عندها حقائق متعبة، تتطلب التفكير واتخاذ موقف، وهو متعب يريد أن يرتاح بقراءة شيء يؤكد له فقط صحة ما يحمله هو من أفكار، ويساعده على إفراغ غضبه بمن يتصور أنهم سبب مشكلته، لا أن تثار له مشاكل جديدة يجب أن يفكر بها ، وصور جديدة للواقع يجب أن يتأملها ويعيد حساباته على أساسها.

غضب الإنسان يأتي من حرصه، فليس يغضب من لا يهمه شيء..وغضبي على التجاهل المستمر للحقائق، والشعور بالعجز أمام الإعلام المضاد الذي يعمل على قتلها. لامني البعض لأني اغضب حين يختلف معي أحد في الرأي، وليس هناك رأي طرح على طاولة البحث لنختلف عليه. طرح البعض حقائقه، وحين طرحت حقائقي، رفض مناقشتها واصر على أن يقتصر "التحليل" على "حقائقه" فقط دون غيرها، واتبع كل الوسائل لكي لا يسمح لتلك الحقائق أن تقول كلمة، أن تصل إلى تلفزيون، ان يمثلها أحد وأن يدافع عنها أحد، إلا ما ندر، لكي لا تكشف شدة أحادية الطرح، زيف المناقشة وغشها. إطرحوا الحقائق المسيئة للإسلام ايضاً، لكن لا تكتفوا بها، وإطرحوا الحقائق الاخرى معها لكي لا تكونوا شهود زور على الأقل!

من ناحية أخرى، الإنسان المتعب يريد "حقيقة لذيذة" ، "حقيقة مسلية"...يريد مقالة يخرج بعد قراءتها أكثر راحة وقد أفرغ الكثير من توتره بمساعدة الكاتب، الذي يجب أن يلعب دور الملاية التي تساعد على إستدرار الدموع لتأخذ معها الألم الذي يشعر به. ولكن للأسف الحقائق قلما تكون لذيذة، خاصة عندما يكون الواقع مراً، وما أمر الواقع الذي نكتب عنه! لقد كانت مقالتي دعوة، بل صرخة استنجاد تطلقها الحقائق الجديدة المهددة بالإنقراض تحت بساطيل الإعلام الكبير، كما انقرضت الكثير قبلها في تاريخ البشرية، وهو ما أوصلها إلى هذا الحال المأساوي المتفجر في كل مكان. لم تكن لدي حقائق جديدة لأقولها بهدوء، فكل ما لدي هو حقائق قديمة تستغيث، وواقع يتدهور بسرعة إلى الفوضى والإتجاه للحرب الأهلية، ومثل هذه المادة لا أعرف كيف أوصلها بالهمس الرقيق.

تاريخ الإسلام ، وإن كان لا يخلو من العنف والتطرف والتخلف، شأنه شان اي تاريخ لأية جماعة بشرية، فأنه بشكله العام أدعى إلى الفخر مما هو إلى الخجل، كما تؤكد مصادر عالية المصداقية مثل المؤرخ توينبي وغيره عديدون، بينما نجد في الجانب المقابل شخصيات سياسية هزيلة يرفعها الإعلام إلى قيمة لا تستحق جزءاً منها، تعيش على تأكيد إرهاب الإسلام والمسلمين، ويستمع إليها مثقفون مسلمون وغير مسلمين دون روية أو تفهم.
كذلك العلاقة الإسلامية المسيحية تاريخ جميل يدعو للفخر والإعتزاز للطرفين، ولا شك أن لكل من الحضارتين فترات تاريخية عنيفة، لكن أي تأكيد على اقتصار ذلك العنف على جهة دون غيرها، ليس إلا كذب، وليس سوى محاولة من أعداء الجانبين لإثارة المشاكل بينهما. تاريخ جميل وإنساني وسلمي في خطوطه العامة، وليس هناك من مبرر لرفض الحقائق المؤكدة لذلك التاريخ، ولا تلك المؤكدة أن الحاضر لا يختلف عنه في ذلك الأمر، بسبب روايات مشبوهة مليئة بعلامات الإستفهام مثل الرواية الإعلامية الرسمية لجريمة كنيسة سيدة النجاة. أنا لا أدعوا المسلمين والمسيحيين أن يكذبوا على انفسهم من أجل سلامة علاقتهم، لكني أدعوهم على الأقل أن لا يتقبلوا الكذب وتجاهل الحقائق الموجه لتحطيمها. أدعو الجميع منذ اليوم إلى التحلي بالشجاعة اللازمة للدفاع عن الحقائق التي تؤكد الجانب الإيجابي المظلوم في القضية، والتي تتعرض إلى الإضطهاد والخنق.

(1) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=56697


ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

ممنون لك استاذي العزيز، ماهر اسعدتني حقاً ، فقد كنت شديد القلق ان يساء فهمي في هاتين المقالتين. اشد على يدك وأشكرك من كل قلبي.

ماهر سعيد متي


بأسم الله احرق البشر وقتلوا ومثل بهم مهما تعددت تسميات الأديان والتوجهات .. والله براء منهم

استاذي الفاضل بصراحة انا قد بدأت افهمك بشكل جيد .. اتمنى ان يكون لدينا عددا من المثقفين بنفس حرصك .. شكرا لك تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

صدقني يا استاذ ماهر لا احمل أي تمييز ضد أي مسيحي، إلا اللهم ربما تمييز إيجابي. وصدقني أننا كنا لا نكتشف أن اصدقاءنا مسيحيين أو شيعة أو سنة إلا بعد فترة طويلة. هذا ما عاشه جيلنا، ونعجب لجنون اليوم الذي يريد أن يطمس تلك الحقائق الجميلة لحساب أجندات أجنبية خطرة. تحياتي ومودتي لك.

Emad Dawoud

الاخ الاستاذ صائب المحترم
بداية اقدم لك شكري وتقديري العميقين لجهودك في أغناء الموقع بآرائك السديدة ومواقفك الرشيدة وكتاباتك التي تدل على نضوج فكري عصري نحن بأمس الحاجة اليه هذه الايام لبناء بلدنا الجريح على قاعدة ان الجميع يتمتعون بحقوق المواطنة بغض النظر الى انتماءاتهم الدينية والقومية .
اسمح لي من باب احترام حرية التعبير عن الرأي ان اعلق على موضوعك المعنون - المثقفون المخنثون - الذي نشرته مشكورا في منتديات برطلي نيت .
اعجبني جدا ردك الاخير للاخ ماهر والذي تبرز فيه افكارك العلمانية التي هي حجر اساس لبناء دولة مدنية معاصرة بعيدة عن تأثيرات الدين والقومية . وانا مثلك احمل افكارا علمانية ولي نشاطات كبيرة ومتميزة مع جاليتنا العراقية بمختلف اطيافها ,

لكني اختلف معك في نقطتين

- النقطة الاولى . لقد ذكرت في مقالتك عدة امثلة عما ارتكبته ايادي مجرمة تنتمي لاديان وجنسيات مختلفة من جرائم يندى لها الجبين في رفضك لمصطلح الاسلام المتطرف حيث يسارع الكثيرون لالصاق تهمة العنف بالاسلام منسبين ما يفعله المسلمون لدينهم . الحقيقة اني اوافقك الرأي في ان في كل دين توجد مجموعة متطرفة ولكني لا اتفق معك في مسألة ربط المجموعة هذه بالدين بشكل عام . ولكي نكون منطقيين وعادلين وعلميين علينا ان نتبع المصدر او الفكرة وليس التطبيق . هل تستطيع ان تجد سند من الكتاب المقدس او اقوال السيد المسيح له المجد ما يدعو الى قتل او اضطهاد كل من لا يؤمن بالمسيحية او المسيح . وتستطيع كذلك البحث في الاديان الاخرى كالبوذية الهندوسية والزرادشتية واليزيدية لتتحقق من ذلك. كما انك تستطيع ان تقرأ المصادر الرئيسية في الاسلام واقصد بها القرآن والاحاديث والسنة لترى هل فيها ما يدعو الى قتل واضطهاد من لا يشهد لله ولرسوله وماهي عقوبة المرتد ومن هم الكفار وماهو قصاصهم . ارجو منك وانت الكاتب والباحث ان تستقصي هذه الحقائق وتكون عادلا في كتاباتك .

النقطة الثانية . اثار انتباهي واستغرابي مصطلح - الحضارة الاسلامية - الذي ورد في المقالة . فنحن نعرف ان الاديان لا تصنع الحضارات بل الشعوب ولم نسمع يوما بحضارة مسيحية او يهودية او بوذية او هندوسيه .
ولكي اسلط المزيد من الضوء على هذا الموضوع الذي كنا مضطرين ان نقرأه في كتب التاريخ لننال درجة النجاح رغم عدم ايماننا ولو حتى بكلمة واحدة من هذه الكتب اورد هذه النقاط

١ - المعلوم ان الكثير من الآثار ماتزال شامخة في منشأ الحضارات خذ مثلا الحضارة الفرعونية واثار مصر والحضارة البابلية واثار بابل والاغريقية واثار اثينا والرومانية واثار روما فأين هي الاثار التي تركتها ما تسمى الحضارة الاسلامية في الجزيرة العربية . لا يوجد غير الكعبة وهي اصلا قد بنيت قبل الاسلام ولا يمكن ان تقارن بأي اثر من الاثار التي خلفتها حتى اولى الحضارات .

٢ - ما نشاهده في البلدان العربية واسبانيا من ما يسمى الحضارة الاسلامية ليس الا اثار شعوب وحضارات اخرى سابقة . مثلا الجامع الاموي ماهو الا كنيسة ارثوذكسيه استولى عليها المسلمون وحولوها الى جامع . ونفس الكلام ينطبق على جامع السلطان احمد في اسطنبول الذي كان بالاصل كنيسة ايا صوفيا . في الهند وحدها تم تحويل ثلاثة آلف معبد هندوسي الى مساجد، و تبعات هذه الأعمال لا تزال قائمة الى اليوم بين الهنود المسلمين و الهندوس.  الهنود كانوا يعيشون بسلام  ووئام الى ان جاءهم الإسلام فجعلهم يتقاتلون و يتفرقون الى فرقتين  ومن ثم دولتين: واحده تعتبر اكبر ديموقراطية في العالم( الهند)  والثانية اكبر مأوى ( للتطرف) الباكستان.   وكل ما هو موجود في بلاد الإسبان مثل قصر الحمراء   هو صناعة اسبانية بحته ممزوجة بثقافة الموريسكيين، يعني اهل شمال افريقيا من الأمازيغ وغيرهم ، ولا علاقة للعرب المسلمون بها بتاتا.

٣ - بعض الانجازات التي يدعيها العرب لانفسهم الحقيقة انها ليست لهم فالصفر مثلا هو اختراع بابلي والارقام العربية - الانكليزية حاليا - كانت هندية في الاصل اخذها العرب ونسبوها لانفسهم .

٤ - اكثر العلماء الذين نسبوا لما يسمى الحضارة الاسلامية . فالاطباء في العصر العباسي كان جلهم من المسيحيين الاشوريين . ويتباهى من يدعمون فكرة الحضارة الاسلامية بالكثير من العلماء الذين لم يكونوا عربا ولا حتى مسلمين مثل يتباهى المسلمون بالرازي (فارسي) و ابن سينا (فارسي) و البيروني (فارسي) و أبو حامد الغزالي (فارسي) والفارابي (ما هو الآن كازاخستان) و الخوارزمي (ما هو الآن اوزبكستان) ، والبخاري، والترمذي، والسجستاني، والطغرائي، وابن المقفع، وبشار بن برد، وابو نؤاس، وابو حنيفة، والتفتازاني، وابو الفرج الاصفهاني، وابن الرومي، وابن بختيشوع، وحنين ابن اسحاق - السريانيين .

٥ - العصر الذهبي لما تسمى الحضارة الاسلامية كانت في العصر العباسي والسبب ليس بسبب الدين بل بالابتعاد عن الدين . حيث فتح الخلفاء الذين كانوا يركضون لاهثين امام ملذاتهم الابواب على مصراعيها لكل العلماء بغض النظر عن قومياتهم واديانهم فنشطت العلوم وترجم السريان امهات الكتب التي اغنت المكتبات والمعارف الى مختلف اللغات .

هذه بعض الحقائق التي اوردتها لتفنيد فكرة - الحضارة الاسلاميه - والقبول بأن الشعوب وليست الاديان هي التي تصنع الحضارات .
ابراز الحقائق واجب على كل انسان علمي ووطني بغض النظر ما اذا كانت هذه الحقائق تنطبق مع افكارها . وسكوتنا جعل من ناس جهلة يسيرون حياتنا وبلدنا مستغلين انقياد الناس الاعمى ورائهم ومصدقين ما يصدر منهم من تراهات وخزعبلت لم تعد تنطلي على اناس يعيشون في زمن الانترنيت والاقمار الصناعية والتكنولوجيا .

اخيرا اقدم لك سيدي الكاتب تحياتي وامنياتي لك وشكري العميق لسعة قلبك في تقبل ارائي . وفقنا الله جميعا لنخدم بلدنا وشعبنا والنهوض بهما الى مصافي البلدان لنصنع لانفسنا حضارتنا الجديدة - حضارة العراق الجديد - لأننا بكل اسف لم نضف الى ما استلمناه من اجدادنا السومريين والاكديين والاشوريين والبابليين ما يستحق ان يكتب في سجلات التاريخ . وشكرا
عماد داؤد

صائب خليل

الأستاذ عماد داؤد المحترم،
شكرا جزيلاً على ردك المفصل الكريم.
بالنسبة لنصوص عنيفة في الكتاب المقدس، أود أن أقول نقطتان: الأولى هي أن الإسلام ، إن صح تاريخه، اصبح دولة في عهد نبيه، في حين ان المسيحية لم تكن كذلك. فما احتاجته الدولة الإسلامية غير ما احتاجه الداعية الإنساني السيد المسيح، فبناء الدولة وإدارتها تفرض احياناً ، أو فرضت احياناً بعض العنف. وأشير إليك بأن الباحثين يقسمون الآيات إلى مكية ومدنية، وتغلب على المكية الروح الداعية للسلم والتسامح وليس العنف تجاه المقابل ، وهو ما اكتفى المسيح به حسب تقديري ، ربما لأنه لم يعش المرحلة الثانية.
النقطة الثانية هي وجود العنف في الكتاب المقدس، حسب علمي. وفي هولندا، رد الرافضون من الهولنديين لمحاولات تشويه الإسلام في فلم "فتنة" بإنتاج نسخة مسيحية من فلم "فتنة" تشير إلى نصوص العنف في الكتاب المقدس

بالنسبة للحظارة وكونها إسلامية أم غير إسلامية، أتفق معك جزئياً فقط، فالحضارات خليط من عوامل عديدة ، قومية ودينية وغيرها، ويصعب تسميتها بأي منها دون بعض الظلم للعوامل الأخرى. فعندما نقول : ألحضارة العربية، فإننا نظلم الكثيرين من غير العرب الذي أسهموا بها، وكذلك عندما نقول الحضارة الإسلامية.
لكن كما يبدو لي من قراءة التاريخ المتواضعة لي، ان وصفها بالإسلامية أقل ظلماً. فمن ذكرتهم من "فرس" كانوا مسلمين، ولم يكونوا عرب! فأمثلتك نفسها تشير إلى ما اقول.
مع تأكيدي بلا شك أن أية حضارة هي حاضنة للعديد من المكونات، وغالباً ما تلعب تلك المكونات دوراً أكير من حجمها العددي بكثير في تكوين تلك الحظارة.

لك تحياتي وتقديري وشكري على تعليقك الجميل