تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

شمـــــوع الخضـــــــر

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, أكتوبر 20, 2012, 04:36:33 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

شمـــــوع الخضـــــــر

وليدخالد حمادي



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توارث العراقيين العديد من العادات والتقاليد جيل بعد جيل ومن بين تلك العادات الموروثة التي حافظ على بقائها سكان المدن والأرياف القاطنين على ضفتي نهري دجلة والفرات هي إيقاد (شموع الخضر) , ولا يعرف بالتحديد أين بدأت هذه العادة الشعبية وكيف أخذت بالانتشار إذ أنها ليست محصورة بسكان إقليم العراق فقط بل تمتد على امتداد الشع
وب القاطنة على ضفتي النهرين الخالدين من إقليم الأناضول وإقليم بلاد الشام إلى آخر نقطة يطل فيها العراق على الخليج العربي عبر شط العرب , وفي غالب الظن أنها عادة مكتسبة من شعوب أخرى بخاصة الشعوب الهندوسية التي تمارس هذا التقليد في إطار ديني منذ عصور ولحد الآن إرضاء" لألهتهم.
إن إيقاد الشموع في دور العبادة أو مراقد كبار الشخصيات الدينية هي ظاهرة ارتبطت بالإنسان أينما كان على سطح البسيطة سواء أكانت تلك الديانات سماوية أو وضعية , إذا" من حيث المبدأ أن إيقاد الشموع في الأماكن الدينية المقدسة هو ظاهرة إنسانية عامة لها ارتباط بعلاقة الإنسان بالديانة التي يؤمن بها, والمسلمين اعتادوا أيقاد الشموع في المناسبات الدينية في مقدمتها مولد سيدنا الرسول محمد ابن عبدالله (صلى الله عليه وسلم ) ,كما أنهم يوقدون الشموع عند أضرحة ومقامات الأنبياء والأولياء الصالحين , لكن بالنسبة لسيدنا الخضر عليه السلام أو(مار جرجيس كما يعرف عند المسيحيين) فلا يوجد له ضريح معين ولا حتى مقام رمزي محدد وكل ما يعرفه الناس انه يتواجد عند ضفاف الأنهار , وبحسب الروايات الدينية المنقولة عنه فهو يعرّف على أنه من الملائكة وقد هبط على الأرض بهيأة إنسان كي يرشد سيدنا موسى عليه السلام إلى ديانة التوحيد, ومنهم من يعرّفه على أنه من البشر ومن عباد الله الصالحين الذين توارثوا ديانة التوحيد من سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام , وارتبط وجود سيدنا الخضر عليه السلام بنهر الفرات بالدرجة الأولى كونه يمر ببلاد الشام التي شهدت ظهور العديد من الأنبياء والأولياء الصالحين من بينهم الخضر عليه السلام الذي كان يعمد الناس في نهر الفرات لتنقيتهم من ذنوبهم وتهيئتهم للدخول في ديانة التوحيد بالله , ومن هنا جاء ارتباط سيدنا الخضر بنهر الفرات ومن ثم بنهر دجلة .
اعتاد سكن المدن السورية من بينها (دير الزور) التي تتشابه معها مدن محافظة الأنبار في العراق الواقعة على نهر الفرات بإقامة هذا الطقس في كل أيام السنة ولكنها في 15 شعبان تأخذ شكلاً جماعياً أشبه بالمناسبات الاحتفالية يشارك فيه كل من كان عليه نذر ويدعوا إليها أصدقاءه وأهله وأقربائه ويتوجه بهم إلى ضفة النهر كأنهم يتوافدون على يوم عيد أو عرس بأزياء زاهية خلابة المنظر وبكامل الزينة التي تليق بهذا اليوم, و يتخلل هذا الاحتفال( الغناء والدبكات) وتستخدم الآلات الموسيقية ( الطبل والمزمار والدف ) ويقضي المشاركين سهرات يسودها الود والتصالح والتسامح , وينشد الحاضرين الأغاني الشعبية من بينها أغنية من التراث الشعبي خاصة بالمناسبة تقول كلماتها :
يأهل الخير وفينا وفينا الأنذور العلينا
هنونا هنونا يأهل الديرة والله والله جينا
جينا نوفي إنذور لي هي علينا علينا
يا سيد الخضر الدارك اليوم جينا
من خيرك وزعنا وهدينا
وزعنا خبز العباس واللحمة شوينا
ربي بجاهك من تقبل ما أهدينا
أما في بغداد ومدن العراق الأخرى فان إيقاد شموع الخضر تختص به المرأة التي ترجو تحقيق أمنية كعودة غائب أو نجاح ولد أو تخليصها من ظرف قاهر وما شابه ذلك من أمنيات ليس للشر محل بينها فتنذر بإيقاد الشموع لسيدنا الخضر إذا تحقق طلبها , ومن ثم تقوم بترقب يوم الأربعاء من كل أسبوع لإيقاد شموع الخضر بعد مغيب الشمس مباشرة ,وجرت العادة البغدادية أن يتم وضع الشموع على كربة سعفة نخيل كبيرة أو على لوح خشبي وتنزله إلى الماء أو تنوب عنها أحد أولادها من الصبية مع ترديد عبارة (ها يا لخضر ... جاك النذر ومني اتقبله.... ) عند وضع الشموع في النهر, وتظل تراقبها حتى تغيب عن الأنظار، وانطفاء تلك الشموع تعده المرأة إشارة إلى أن أمنيتها التي طوفت الشمع من أجلها لن تتحقق، أما إذا ظلت الشموع مشتعلة حتى تغيب عن النظر فإن هذا يجعلها تتفاءل بإمكانية تحقيق تلك الأمنية.
كانت عائلتي تسكن في جانب الكرخ منذ عقود طويلة بالقرب من نهر دجلة في محلة التكارتة التي كان زقاقها يبدأ من شارع الإمام موسى الكاظم (الذي كان يربط ساحة الشهداء بالكاظمية) وكان ذلك الزقاق يفضي إلى نهر دجلة مباشرة إذ كان يوجد مرسى للزوارق النهرية يسمى (شريعة ابن طوبان) وعلى امتداد قرابة ثلاثمائة متر إلى اليمين تمتد محلة خضر الياس التي تهدمت منها أجزاء كبيرة منها وطمرت في قاع النهر بسبب الفيضانات المدمرة التي كانت تشهدها بغداد قبل بناء السدود الكبيرة في العراق , ومن بين الأطلال التي كانت تظهر في فصل الصيف بعد انحسار مياه النهر هي بقايا مقبرة وجامع كان يحمل تسمية (خضر الياس), وكان يظهر سلم من الطابوق (الآجر) الطويل يفضي إلى باحة مربعة الشكل من الطابوق المربع الشكل يسمى(الفرشي) وكانت توجد طاقة صغيرة بمحاذاة السلم اعتادت النسوة ممن لديهن نذر لسيدنا الخضر وضع الشموع فيها ,وكنا نترقب يوم الأربعاء لنتمتع برؤية أسراب الشموع الموقدة تتهادى في النهر وهي قادمة من محلة الجعيفر أو منطقة العطيفية أو الأعظمية أو الكاظمية ,وكنا نحدد بالتقريب مكان وضعها في الماء من طول الشموع التي كانت محمولة على ألواح الخشب أو الكرب ,وكنا نفرح بعبور أطواف الشمع من أمام محلة خضر الياس وهي موقدة معتقدين بأن صاحبة تلك الشموع ستتحقق أمنيتها وكنا نأسف على الشموع المنطفئة وعلى صاحبتها بسبب حظها العاثر , وبعد بناء جسر 17تموز الذي يربط جانب الكرخ بساحة الباب المعظم في جانب الرصافة عام 1978م واندثار ذلك السلم ,عمدت سيدة كريمة من سكنة محلة خضر الياس تدعى (أم ثامر) زوجة السيد نعمة الجسّوم السامرائي رحمه الله إلى تخصيص بقايا غرفة خارجية من منزلها لاستقبال النسوة القاصدات زيارة الخضر وإيقاد الشموع له وكانت تقدم يد المساعدة لهن وأصبح مع الأيام هذا المكان أشبه بالمقام فكثرت على حائطه بقايا الشموع المحترقة والحناء التي لطخت بها جدرانه ولجأت بعض النسوة إلى عقد أشرطة من القماش الأخضر عند باب وشباك تلك الغرفة , وبعد أن تم هدم جميع البيوت القديمة في المحلة من قبل الدولة عام 1992 لإقامة بيوت جديدة منحت مجانا" لسكانها ,فقد لجأ أحد سكنة المحلة بإقامة كازينو عائلي يطل على النهر أسفل جسر 17 تموز مباشرة يدعي (علي محمود سويدان الحيالي) والملقب بـ( علي ماما ) ,ولأجل استقطاب الناس إلى المكان من خارج المحلة قام شقيقه (الحاج محمد ماما) باستغلال مسناة قديمة وهي عبارة عن بناء بابلي نقشت على طابوقه الكتابات المسمارية وكانت تلك المسناة يقوم عليها بيت السيد(توفيق السويدي) وهو من الشخصيات السياسية المعروفة في العهد الملكي , وقام الحاج محمد ببناء غرفة فوق تلك المسناة رفع عليها العلم الأخضر كرمز للخضر عليه السلام وأصبح قيما" على المكان وحاول جاهدا" الحصول على موافقة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لاعتبار هذا المكان من الأماكن الدينية وبأنه القيم الرسمي عليه لكنه فشل في مسعاه لعلم الوزارة المسبق بأوليات الموضوع بأكمله, ومن اللطيف أن رواد الكازينو كانوا من الزوّار لما اعتقدوا بأنه مقام الخضر عليه السلام والذين أخذت أعدادهم في تزايد مستمر من داخل وخارج بغداد وكانوا يتبركون بالمياه القريبة من المسناة ويغرفون من ماء النهر للاغتسال أو للشرب والبعض كان يحظر معه القناني ليعبئها بالماء الذي اعتقدوا بأنه مقدس فلجأ أبناء الحاج محمد إلى حيلة ظريفة فقاموا بمد أنبوب من المياه العذبة التي تغذي المنطقة وتم دفن الأنبوب تحت الرمال ليتدفق في أسفل بركة دائرية قاموا بحفرها بمحاذاة النهر, والشخص الغريب عن المحلة يعتقد بأن المياه تتدفق من عين ماء تخص سيدنا الخضر عليه السلام فتشاهد النساء والرجال والأطفال منكبين عليها للتبرك بمياهها وهم في جهل مطبق.
اقترنت شموع الخضر بالأدب الشعبي العراقي وكتب الشعراء والأدباء العديد من الأعمال الأدبية التي تتغنى بشموع الخضر أو تشير إلى حدث قصصي أو ملحمي يرتبط بها , ومن أبرزها قصيدة رائعة غناها المطرب العراقي الذي اقترن أسمه باسم سيدنا الخضر عليه السلام في مفارقة لطيفة وهو المطرب ( ياس خضر), وتقول أبيات هذه القصيدة التي ألفها الشاعر صباح سعيد الزبيدي ولحنها كمال السيد :
عاشكَـ وجيتْ أمشي بحرارة صيف وبظهريه
ياناس أحدي الشوكَـ وبريسم صفت رجليه
جيتك يشط متعتني انذرلك نذر
ليلة اربعا واعلكَـ اشموع الخضر
بلجت يعود الغايب الـ عيني إعلَ دربه ربيه
حدرت وي الماي وي جرف النهر
وعيني الـ هجرها النوم رك بيها النظر
خايف عله الشمعات يطفن بالهوه
خايف من الروجات تسبح بالضوه
سيسن شمعاتي ومشن
لروحيتي وياهن خذن
روج وشمع
جرح ودمع
بلجت يعود الغايب الـ عيني إعلَ دربه ربيه
جيت اطلب مراد وي اهلي وديرتي
واتكابر وي الروح واجمع قوتي
كَمت أوكَع إبـ نازوز واعثر بالرهط
ونكَلت اجدامي اتصيح مو كَلبك فحط
والشمع غط وما اجه
والولف راح وما اجه
روج وشمع
جرح ودمع
بلجت يعود الغايب الـ عيني إعلَ دربه ربيه
عاشكَـ وجيتْ أمشي بحرارة صيف وبظهريه
ياناس أحدي الشوكَـ وبريسم صبغ رجليه
جيتك يشط متعتني انذرلك نذر
ليلة اربعا واعلكَـ اشموع الخضر
بلجت يعود الغايب الـ عيني إعلَ دربه ربيه
بلجت يعود الغايب الـ عيني إعلَ دربه ربيه


https://www.facebook.com/photo.php?fbid=544548705572096&set=a.464224440271190.124133.464220130271621&type=1
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة