منتديات برطلي

منتديات برطلي الثقافية.... => مقالات وكتابات........ => الموضوع حرر بواسطة: برطلي دوت نت في أغسطس 27, 2015, 02:20:14 مسائاً

العنوان: فن التظاهر وصياغة الشعارات وتحديد المطالب.../ فخري كريم
أرسل بواسطة: برطلي دوت نت في أغسطس 27, 2015, 02:20:14 مسائاً
   فن التظاهر وصياغة الشعارات وتحديد المطالب... 

برطلي . نت / بريد الموقع


(http://www.almadapaper.net/MediaStorage/NewsImages/494255.jpg?width=88)
فخري كريم

لا أحد كان له أن يكون محركاً، فيستعلي على المتظاهرين بادعاء استنهاضهم للخروج الى الشارع، وقيادة حركتهم الاحتجاجية المطلبية وصياغة شعاراتهم، لولا انبعاث دخان الجمر الكامن منذ اجهاض حراك شباط ٢٠١١.
كان المُحرك وراء ذلك، تضخم الحيف الذي لحق بهم، جرّاء وضعهم على حافة متاهة، لا قرار لها من الفقر والحرمان والاملاق وانتهاك الحُرمات والكرامة، ونهب المال العام واشاعة الكراهية والفساد وهدر الثروات، وجعلها ثقافة سائدة لا تحريم لها في غياب ردع سلطة القضاء والقانون، أو حماية سلطة التشريع ووسائل وأدوات الدولة.
وهذا المحرك هو غالباً في اساس الهبّات الجماهيرية في مختلف المراحل والظروف والأصقاع، حتى وإن توفرت قوى تنظيمية تعبوية محرضة. فقوة التنظيم والتوعية والتحريض، تنمّي الوعي بالذات والحقوق، وترفع من استعداد الافراد والجماعات لاخذ المبادرة في الدفاع المباشر عن قضاياها واعتماد الوسائل والادوات الكفيلة بانتزاع حقوقها وفقاً للظروف الملموسة والامكانات المتاحة، دون القفز فوقهما.
وفي ظروف خاصة واستثنائية، تغيب تلك العوامل، وتخضع هبّات جماهيرية، أياً كانت مستوياتها أو اهدافها، لديناميتها الداخلية وعوامل اندفاعتها، في غياب قوة تنظيمٍ أو ادوات تحريضٍ سوى رهافة الاحساس بما كان وراء قيامتها. وفي مجرى تطورها تصطفي من بين اكثر نشطائها ارتباطاً بقضيتها وبمصالحها واوضحهم استعداداً للبذل والتضحية، دون ترددٍ أو مداهنة أو ميلٍ للتراجع والدخول في دائرة المساومات المخلة، والسعي لالتقاط الفضلات والمكاسب الشخصية أو الفئوية، والقدرة على التقاط مؤشرات ما يحيطها من ظروفٍ موضوعية وذاتية تفرض عليها تكييف او اعادة صياغة الشعارات والمطالب، ووجهة سيرورة الحراك..
كانت انتفاضة الخبز في مصر، منتصف السبعينيات، أحد أبرز الامثلة التاريخية في هذا السياق.
ليس صحيحاً تجريد التظاهرات المتصاعدة منذ اسابيع والتي اجّجها اندلاع المظاهرات في البصرة، من خلفياتها السياسية وما سبقها من استعداداتٍ في شباط عام ٢٠١١ واشتركت فيها قوىً اجتماعية وسياسية عديدة، كانت جموع الشباب في الصدارة منها. تلك التجربة اجهضتها أداة قمعية، بالاعتماد عليها اراد طامعٌ مغامرٌ أن يستولي على ارادة الشعب ويكرس سلطة استبدادٍ، يعيد بها انتاج نظام سقط تحت ثقل اوزاره وكبائره وانحطاط نهجه ووسائله.
لكن رماد التجربة الذي بقي جمره ينتظر فرصة التوقد وانبعاث دخانٍ ظلت المظالم واستمرار الفساد والتعديات تحول دون استعار نيرانه الكامنة. وهذه المرة تهب المظاهرات، وهي محميةٌ من الاجهزة الامنية، باستثناء اختراقات مؤسفة هنا وهناك، كما تبدأ تظللها شعارات تطالب بالاصلاح، ثم تتحول فترفع لافتاتٍ وشعارات تؤيد الاصلاحات ورئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي.
والشعارات التي تصدرت المظاهرات دعت الى تطبيق الاصلاحات وتعميقها، وملاحقة الفاسدين وتطهير الدولة بمختلف مؤسساتها واجهزتها من الفاسدين ومعدومي الكفاءة، وانهاء المنظومة السياسية التي تعيد انتاج الفساد وتخلق بيئته .
وتتميز شعارات التظاهرات بطابعها العام، المجسد لارادة واسعة من المغلوب على أمرهم، وهم بالاساس الفقراء وذوي الدخل المحدود والمتقاعدين والارامل والعاطلين من الخريجين وعوائل الشهداء وسواهم، نساءً ورجالاً، شباباً وشيوخاً، ومن كل المكونات والفئات والطوائف، ومن كل المحافظات خارج المناطق المرتهنة لداعش. لكن قاعدة التظاهرات الاحتجاجية والمطلبية هي اوسع من ذلك بكثير. فهي تضم كل اوساط المجتمع العراقي، باستثناء الطغمة الفاسدة المستفيدة من استشراء الفساد وانتهاك الحرمات والتعدي على الحريات. وهي ظاهرة تعبر بوضوح عما يصيبهم جميعا من ضرر بالغٍ. فانعدام الامن والاستقرار وتفشي الرشى والفساد ونهب المال العام وتصدع منظومة المجتمع الاخلاقية، وانهيار البنى الخدمية من كهرباء وماء صالح للشرب وصحة وتعليم وكل ما له علاقة بالحياة اليومية للناس دون استثناء يمس الجميع، الفقير والميسور غير الناهب، بغض النظر عن ولائه او طائفته وقوميته ومنطقته ومكونه.
وهذه الحال تفرض على النشطاء، والنواتات الاوعى من المتظاهرين أخذ ذلك بنظر الاعتبار، وهم يساهمون باقتراح الشعارات والمطالب والاهداف النهائية للحركة. ويفرض على الجميع تجنب كل ما يشتت القوى والجهود، وابعاد ما يستفز اطراف وقوىً تؤيد الاصلاح بحذر، او انها تتردد من التقدم خطوة باتجاه مطالب الاصلاح، وكذلك القوى التي تشعر بالقلق من احتمالات خروج عملية الاصلاح عن خطها، وايجاد قاعدة سياسية للانفراد والتسلط.
الشعار في مثل هذه الحال، يتطلب ان يتنبه لكل هذه الهواجس ويعالجها بحكمة، ويأخذ في الاعتبار ان الاصلاح لا يمكن ان ينجح دون ضم أوسع القوى، وخصوصاً من بين الاحزاب والكتل المعنية بالعملية السياسية القائمة عبر اجراء فرز في صفوفها، واعادة اصطفافها مع حركة الاحتجاج والاصلاح. فالاوساط الواسعة المتضررة من الوضع القائم بمنظومته السياسية القائمة على المحاصصة، ومن استشراء الفساد مع الفقر ونقص الخدمات وانهيار منظومات الدولة هي جزء من القاعدة السكانية والمناطقية للأحزاب المشاركة في السلطة دون استثناء. وهذه الاوساط لا يمكنها ان تتفهم اي شعارٍ ينال من قناعاتها العقائدية ويوحي باغترابها عن الحركة واسهامها النشيط فيها لصالح من يندد بقيمها او ما يبدو كذلك، ويسعى لعزلها عن تصدر الحركة.
ان ما يجمع الكل هو الاصلاح والتغيير اللذان يُطهران الدولة والعملية السياسية من كل مظهرٍ كان في اساس الانحدار السياسي والاقتصادي والقيمي، وتمكين الارهاب وداعش من اقتطاع اجزاء عزيزة من محافظاتنا واراضينا مؤقتا.
وتحقيق هذا الهدف يصب في صالح كل قوى العملية السياسية، باسثناء من لا مصلحة له باخراجها من أزمتها، لان البديل عن اصلاح المنظومة السياسية ليس سوى الانهيار الكامل..