مشاكسة زعيـــم النزاهــــــة / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يوليو 18, 2013, 10:00:20 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة
زعيـــم النزاهــــــة



مال اللــــه فـــرج
Malalah_faraj@yahoo.com



مرت قبل ايام الذكرى الخامسة والخمسين لانطلاقة ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958التي كانت منعطفا حاسما في مسيرة العراق والمنطقة ' ومن ثم امست البوابة التي افضت بالعراق بعد ذلك الى ساحة المواجهات والمعارك السياسية والانقلابات العسكرية وصراع الايدلوجيات الاقليمية ' وباطلالة هذه الذكرى تحضر في قلب الاحداث صورة الرجل الذي غير مسار التاريخ ليمسي بعد ذلك جزءا منه ' وهو يحاول بناء اسس تجربة وطنية مستقلة على خط التماس الملتهب بين اقوى واضخم ايدلوجيتين متناقضتين بعيدا عن الانحياز لاحداهما او السقوط تحت جناحي الاخرى ' فكان ان انكفأ مضرجا بدمائه قبل ان يستطيع تحويل ذلك الحلم المصيري الى واقع على الارض برغم نجاحاته في وضع الاسس الاولية الراسخة لكيان دولة ناهضة تحاول ان تتنفس حريتها وتدافع عن استقلاليتها بروحية الحياد بمنأى عن صراع الايدلوجيات المحيطة بها ' ذلك هو الزعيم عبد الكريم قاسم التي ما تزال بعض اثار بنائه الوطني قائمة برغم عواصف واعاصير وعوامل (التعريـــــة السياســــية المتعمــــــدة) التي هبت عليها من مختلف الانظمة والقوى السياسية وحاولت سحقها والغاء ملامحها وتشويه تضاريسها وازالة معالمها ' ومنها مدينة الطب في بغداد ومدينة (الثــــورة) وقانون الاصلاح الزراعي وقانون رقم (80) الذي مهد لتاميم النفط لاحقا ,ووزارة الاعمار وغير ذلك الكثير.
وعلى الرغم من اتفاق القسم الاكبر من العراقيين على النزاهة المتفردة لذلك الزعيم (الاوحـــــــد) ' الا ان البعض من محبيه' ما يزال يحمله المسؤولية عن كل ما اصاب ويصيب العراق من مصائب وكوارث وويلات 'بالاخص الاصطفافات الطائفية وبروز ظاهرة (المراهقـــــة السياســـــية) والعنف والارهاب والجريمة المنظمة والتهجير والاستهدافات والقتل على الهوية , الى جانب انبثاق اخطبوط الفساد الذي بات يمد اذرعه الى مختلف القطاعات والوزارات والمؤسسات حيث لم تنج من شراهته حتى رواتب الرعاية الاجتماعية المتواضعة التي تمثل المورد الرئيس للمعدمين واليتامى والارامل وذوي الاحتياجات الخاصة ,مبررين اتهاماتهم للزعيم (الاوحــــــــد) بطيبته المتفردة ممثلة بتهاونه مع اعداء الثورة والمتامرين عليها والعفو عمن حاول اغتيال الشرعية الثورية ممثلة بزعيم العراق وفق مقولته الشهيرة(عفـــــا اللــــه عمـــا ســــلف)' مما منحهم فرصة اعادة تنظيم صفوفهم والانقضاض عليه واغتياله عبرانقلاب الثامن من شباط الذي ادخل العراق في دوامة العنف والدم والاعتقالات العشوائية وتصفية فصائل ورموز الحركة الوطنية, وما تلا ذلك من مسيرة العنف والدماء والصدامات التي تواصلت بشكل وباخر ليومنا هذا, فضلا عن اتهامه بتحجيم الحركة الوطنية وتغييب صيغة المشاركة الجماعية في ادارة دفة البلاد وعدم انتهاج ايدلوجية سياسية محددة وغياب البرنامج الوطني الشامل الذي كان بامكانه ان يحتضن كل الطاقات والكفاءات الوطنية , ومحاولته الامساك بجميع خيوط القيادة ومراكز صنع القرار بيديه مما سهل لاعدائه عملية الاطاحة به.
على الجانب الاخر ' تتوهج بقوة ' وستبقى تتوهج ابدا في صفحات التاريخ ' وقبله في ضمائر العراقيين , نزاهة وانسانية وتضحيات ووطنية ومصداقية ونبل ذلك الرجل وعفته التي يتناقل العراقيون دائما بمشاعر الاعتزاز ومضات منها ' ويكفيه فخرا  وهو زعيم العراق ومفجر ثورته وقائد مسيرة تحوله من طبيعة نظام حكم لاخر , بانه لم يكن وحتى استشهاده يمتلك دارا للسكن خاصة به , بل كان يسكن دارا متواضعة قرب نصب الجندي المجهول سابقا كان قد استأجرها من دائرة الاموال المجمدة منذ عام 1956ولم تكن تحتوي دار الزعيم (وفق ابن اخته السيد رعد عب الجبار) الا على اثاث بسيطة منها حصيرة عادية وثلاجة وستنكهاوس وجهاز تلفاز وفراش عسكري للنوم ' ولم يطلب من الحكومة مثلا مليار دينار لترميم داره ولا نصف مليار لتأثيثه , ولا ربع مليون دولار لاقتناء سيارة مصفحة ولا فيالق قوات خاصة لحمايته ولا قطعة ارض مميزة بمساحة لا تقل عن ستمائة متر مربع على ضفاف دجلة لانشاء دار سكن لائق له.
اما مرتبه الشهري فقد كان (180) دينارا فقط وهو راتب رتبته العسكرية , دون ان يتقاضى اية رواتب او مخصصات اخرى كونه رئيسا للجمهورية , وكان يوزع راتبه على الفقراء والمتعففين ' وعند استشهاده لم يكن يملك الا دينارا وربع الدينار وهو ما تبقى من راتبه , وكان مدينا لدائرة الهاتف في العلوية بمبلغ (13) دينارا عن قوائم المكالمات الهاتفية التي لم يسددها وقامت شقيقته بسدادها عنه بعد استشهاده.
فضلا عن ذلك بادر الزعيم النزيه الى التبرع بقطعة الارض الوحيدة التي كان يمتلكها في مدينة الصويرة التابعة لمحافظة واسط والتي ورثها عن والده لبناء مدرسة لابناء المنطقة عليها لعدم وجود مدرسة في المنطقة.
اما وجبات الطعام اليومية للزعيم فقد كان يؤتى له بها يوميا من بيت اخيه حامد موضوعة في (سفرطاس صغير مؤلف من ثلاثة خانات واحدة للرز والاخرى للمرق والثالثة لدجاجة صغيرة) لقاء مبلغ شهري كان يدفعه لاخته , اما عشاءه فكان يقتصر على (شيشين تكة بلا خبز) لقاء مبلغ (40) دينارا شهريا يدفعه من راتبه لمطعم الوزارة الذي كان يشرف عليه العريف عبود من هبهب, وكان يصر ان يشاركه مرافقوه او ضيوفه او الوفود التي تزوره طعامه المتواضع ذاك.
وروى لي المصور الصحفي الزميل (رشيد الشبلي) وكان حينذاك احد المصورين المرافقين للزعيم في جولاته الليلية ' بان الزعيم خلال زيارته لاحد المخابز الخاصة في الثالثة بعد منتصف الليل لاحظ ان صاحب الفرن قد رفع صورة كبيرة له على جدار الفرن تعبيرا عن محبتة للزعيم واعتزازه به ' وبعد ان استفسر عن احواله ومستوى معيشته قال له (يا ابني ان كنت تحبني فعلا قم بتصغير صورتي وعوضا عنها قم بتكبير قطعة الصمون الذي تبيعه ليشبع الفقراء).
  قبل ايام جمعتني وعدد من الزملاء جلسة نقاش سريعة حول نزاهة ووطنية وعفة ذلك الرجل الذي صنع تاريخا ووضع اسس الحكم الجمهوري في العراق, وبعيدا عن تقاطع الاراء واختلافات وجهات النظر فقد اجمع الزملاء على الاشادة بعفته والاعتزاز بنزاهته' واقترح احدهم اعادة الاعتبار اليه ' واخر رأى ان تتخذ هيئة النزاهة من صورته شعارا لها ' بينما اقترح اخر ان تدرج نزاهته ضمن الكتب الدراسية التي تتحدث عن تاريخ العراق الحديث ' وان يمنح لقب زعيم النزاهة.
واخيرا شتان بين من يصمه التاريخ بعاره .. وبين من يخلده في اروع صفحاته.