مشاكسة / زهايمـــر ســــياسي / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 23, 2013, 10:01:08 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة
زهايمـــر  ســــياسي



مال اللــه فــرج
Malalah_faraj@yahoo.com



لعل من المثير للدهشة والاستغراب والتوجس والارتياب , التطور الكبير والخطير في الجينات الوراثية لقطاعات كبيرة من الشخصيات السياسية والقيادية والبرلمانية في معظم الدول , بالاخص    المنكوبة منها والمسلوبة والجائعة والضائعة , مما ادى بالتالي الى الانتشار المثير والخطير لنوع جديد فريد من وباء (الزهايمر الثنائي) الذي ظهر لاول مرة في عصرنا الراهن الزاهر الباهر , ليضرب بقوة مراكز الذاكرة في عمق التلافيف الدماغية لهذه النخب القيادية الرفيعة , وليمسي بامتياز (زهايمرا سياسيا) , مما اثار اعصارا من الخوف والهلع والذعر والفزع ليس بين ابرز العلماء والاطباء و اختصاصي هذا الوباء وحسب , وانما بين صفوف الاقتصاديين والاجتماعيين ومنظمات المجتمع المدني والطبقات المسحوقة والمحروقة , نظرا لخطورة متغيراته الجينية وسرعة انقسامات خلاياه العصبية وعمق تاثيرات افرازاته الدماغية على طبيعة التصرفات الشخصية بالاخص لمن هم في مواقع المسؤولية.
فداء الزهايمر التقليدي (الاحادي التأثير) ,الذي اكتشف على يد العالم الالماني الذي سمي باسمه عام 1906   يضرب ,كما هو معروف المخ اولا ويتطور ليفقد الانسان ذاكرته وقدرته على التركيز, واذ يعد من اكثر الامراض شيوعا واثارة للقلق مع تقدم السن خاصة في غياب أي عقار فعال باستطاعته وقف عملية التدمير التي يحدثها في الذاكرة , الا انه يمثل ربما انجازا لبعض الازواج والزوجات وهو ينسيهم نكد ومشاكل شركائهم وذكرياتهم الحزينة , وبحسب الاحصائيات فان هنالك قرابة الاربعة ملايين امريكي مصاب بهذا المرض مع احتمال تصاعد عدد المصابين  الى اربعة عشر مليونا في منتصف القرن الحالي ان لم يتم ايجاد العلاج الشافي له.
اما الزهايمر (الثنائي) الجديد , وهو الاخطر والاكبر والأمر ,والذي اطلق عليه بامتياز اسم (الزهايمر السياسي) , حيث كان وما يزال السبب الرئيس لاندلاع الثورات والانتفاضات والاحتجاجات والتظاهرات المليونية المطالبة بالتغييرات الفورية وباسقاط الانظمة والحكومات الدكتاتورية والتسلطية والاحتكارية والفسادية المتشحة بالعباءات الثورية والمتخفية وراء الشعارات التقدمية والمتاجرة بالخطب والايحاءات والبيانات الديمقراطية فأن خطورته تكمن في اتجاهين ستراتيجيين , الاول كونه يضرب من هم في موقع المسؤولية , والاخر كونه ثنائي التاثير وباتجاهين متضادين في الوقت نفسه وبنفس القوة , مما حير العلماء واذهل الاطباء وافزع البسطاء.
فخلال الثورات والانتفاضات والتغييرات السياسية والحملات الانتخابية , عمد ويعمد معظم السياسيين ,بالاخص في الدول النائمة والجاثمة والمنكوبة والمنهوبة الى تسويق افضل ما تنتجه مخيلاتهم الخصبة التي تنافس افضل افلام ومسلسلات الخيال العلمي عمقا وتنوعا ومبالغة , من الشعارات والوعود والتعهدات والخطط والبرامج والبيانات والتصريحات والستراتيجيات الثورية الاقتصادية التقدمية الطموحة التي تضع في مقدمة اهتماماتها خدمة الفقراء والجياع والمسحوقين والمعدمين والعاطلين واليتامى والارامل والمعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والعاجزين , حتى ليخيل للبعض ان تطبيق عشر هذه العروض الثورية والاهتمامات الانسانية والبرامج الستراتيجية كفيل بجعل كل الدول الاوربية تتدافع على ابواب هذه الدول (الثورية) لتتعلم من تجاربها اسس ونظريات ومفردات الستراتيجيات النهضوية.
لكن ما ان تنجح الثورات والانتفاضات والانتخابات والتغييرات في الاطاحة بتلك الرموز (الدكتاتورية) واحلال النماذج الثورية التقدمية الديمقراطية صاحبة الشعارات والستراتيجيات والملاحم والوعود والخطب والبيانات الملحمية التي هزت بعنف كل الهياكل التقليدية ' حتى يبرز بقوة وباء (الزهايمر السياسي) بتأثيره الثنائي المباشر ,ليضرب بسرعة ضوئية في تلك الدول المنكوبة والمنهوبة التلافيف الدماغية لقطاعات واسعة من السياسيين والمسؤولين والوزراء والبرلمانيين وليصيبهم بفقدان الذاكرة من جهة وبالنشاط الدماغي الخارق من جهة اخرى واضعا العالم كله امام العجب العجاب والدهشة والارتياب .
فهذا الزهايمر السياسي بتاثيراته الثنائية المضادة يجعل السياسيين والمسؤولين والبرلمانيين ورؤساء الحكومات المصابين به,ينسون تماما من جهة , كل عهودهم ووعودهم وشعاراتهم وخطبهم وبياناتهم التي قطعوها لشعوبهم وبالاخص ما يتعلق منها بالنزاهة والعدالة والمساواة وسيادة القانون والامن والاستقرار والخدمات ومعالجة الازمات والحريات وحقوق الانسان والبناء الثوري التقدمي الاشتراكي والامانة المهنية والوطنية والاستغلال الامثل للخيرات والتوزيع العادل للثروات واجتثاث الفساد وخدمة العباد.
لكن من جهة اخرى فان هذا الزهايمر اللعين يعمد في تأثيراته المضادة الاخرى الى تنشيط ذاكرة اولئك المسؤولين انفسهم بوتائر تفوق بسرعتها استيعاب المخيلة الطبيعية حول وعودهم الداخلية لانفسهم ولعوائلهم , واذا بهم ما ان يتبوأوا مواقع المسؤولية حتى يبادرون باسرع من الصوت والضوء بعمليات الاستحواذ المنظمة على المواقع والامتيازات والمناصب والاملاك العامة والثروات , والمغانم والحصص والنسب والصلاحيات.
تبعا لذلك ففي الوقت الذي ينهض فيه الزهايمر السياسي بدوره في زيادة غنى المسؤولين وثرواتهم وشركاتهم واملاكهم وارصدتهم المليارية , فانه بالمقابل يزيد الفقراء فقرا والمحتاجين احتياجا والمسحوقين انسحاقا والمعدمين عدما والجياع جوعا والعاطلين معاناة والمشردين تشردا واليتامى والارامل وذوي الاحتيجات الخاصة الما وضياعا , اما ازدهار الاقتصاد والاستغلال الامثل للخيرات والتوزيع العادل للثروات وحقوق الانسان والحريات فتبقى مشاريع مؤجلة ' وربما اشبه ببضائع موسمية لا تظهر الا في مواسم الانتخابات فقط.
ازاء ذلك فقد اصبح الزهايمر السياسي في هذا الزمن الردئ القاسي اعمق وامر واخطر من كل الفواجع والكوارث والماسي.