مواطنون أسرى الحديث عن أزمة تتلو أزمة.. أميركا بلد مدمن على الأزمات

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, يناير 25, 2013, 11:17:13 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

مواطنون أسرى الحديث عن أزمة تتلو أزمة.. أميركا بلد مدمن على الأزمات




إذن لم نبتعد نحن عن الهاوية. ولكن ردة الفعل على نبأ الصفقة يشير إلى إننا أصبحنا مدمنين على ثقافة الأزمة، لأننا نصوت فقط حين يتعالى الغضب من السياسيين ومن وسائل الإعلام الرئيسية وحين تتعالى الأصوات الناشزة من الشبكة العنكبوتية.
ويُقال إن المشكلة هي: واشنطن، التحزب، حزب الشاي، العقائديون، سياسة الديمقراطيين: انفق كما تريد وافرض ضرائب ثقيلة، النقابات، الاغنياء، اميركا، البطالة، البطالة المقنعة، خداع الطبقة الوسطى، التفويضات غير الممولة والتوقعات غير المعقولة. لكن ربما لم تكن المشكلة أيا من تلك، وربما تكون علاقة حب عميقة مع الأزمة. إن الإغراء المنحرف وعدم القدرة على الخروج من هذه الدورة بات تهديدا سينتصر علينا.
فماذا أنجزت الصفقة في الواقع؟ لقد ارتفعت الضرائب بشكل كبير على الأثرياء وبشكل متواضع  بالنسبة لمعظم المواطنين، ولكن تم الابقاء على جوهر المعدلات المنخفضة بالنسبة للغالبية العظمى من الأميركيين. وكان رد فعل الأسواق المالية دائخا ولفقت بعض ما فقدته. وبالنسبة لجميع الانتقادات المشروعة عن الاختلال الوظيفي والاستقطاب في واشنطن، فإن الصفقة كانت امرا تم بين الحزبين في الواقع. وحصلت على دعم الأغلبية الساحقة من الجمهوريين والديمقراطيين معا في مجلس الشيوخ، فيما قسَّمت الصفقةُ التجمع الجمهوري في مجلس النواب. لقد إنقسم تصويت الحزب وبعد ذلك  ضمدته أغلبية من الديمقراطيين.
وفعليا، وجد الاميركان انفسهم يواجهون ازمة. لكن بدلا من الإقرار بإن شيئا ما قد انجزْ، فإن ردة فعل سايرت المثل القديم: «لا تدع الحقائق تقف في طريق نظرية جيدة».
والنظرية في هذه الحالة هو أن أميركا انقسمت، وإن كارثة الهاوية المالية هي دليل آخر على ذلك. وكانت اللازمة التي تكررت كثيراهي: «الصفقة كارثة.» وفي الواقع، إذا قمت بالبحث في غوغل عن عنوان «كارثة الهاوية المالية» فإنك ستحصل على مجموعتين من النتائج: من بعد الصفقة مباشرة وأسابيع قبلها. من قبل، كان الناس يقولون أنه إذا فشل الكونجرس في التوصل الى صفقة، فإن الأمر سيكون كارثة. بعد ذلك، قال الناس إن ما قام به الكونغرس كان كارثة.
ولعلك كنت تعتقد أن نبأ  استقبال الصفقة سيكون مفعما بالشعور بالفرج  وبدرجة من الارتياح من أن أسوأ المخاوف لم تتحقق. ولكن لا. فبدلا من ذلك، حصلنا على جوقة من الانتقادات يرافقها نغمة قاتمة تقول: أن الأسوأ ينتظرنا في المستقبل، حيث تلوح في أفق الكونغرس قضية مناقشة الديون وكذلك التقشف في شكل ضرائب جديدة،  مع بقاء الضيق الاقتصادي العام من دون معالجة.
إذا كانت ردود الفعل هذه مجرد جزء من الطيف، حينها يمكنك القول انها مجرد ضجيج صحي للديمقراطية عند التطبيق. ولكن أية طيف ضيق هي، فلقد تميزت بخيبة الأمل، والازدراء والتسيب في أحد طرفيها، وبالغضب والخوف واليأس بالطرف ألآخر. هذ ه الضوضاء ليست صحية، بل جوقة تنعق بالتشاؤم.
لنبتعد خطوة إلى الوراء، فهل الوضع ينذر بالشؤم حقا في الولايات المتحدة إلى هذا الحد؟ وبالتالي فإن صفقة الهاوية المالية  كانت غير مكتملة وناقصة، وتركت مسألة الإنفاق المستقبلي برمتها من دون حل. إن أميركا لديها عمل لتقوم به. ولكن هل شكله ينذر بالشؤم ؟ الوضع في سورية وخيم العواقب، فهناك الآن حرب أهلية قد تكون أكثر دموية في المستقبل. وإيران مريعة، ففيها نظام للملالي غارق في الفساد والتعصب ويشعر المواطنون بقرف كامل. ودول كوريا الشمالية والصومال وأفغانستان – تستحق ان نفرك إيدينا حسرة وأن نشعر بالغضب والتعاطف. أما جنوب أفريقيا، حيث انعش مانديلا الكهل الآمال سابقا، فإنها راحت تتحطم نتيجة البيروقراطية المتصلبة والفساد، هناك أذن سبب حقيقي للقلق.
هناك كوارث حقيقية في العالم، تجسدها الحكومات والدول، والولايات المتحدة ليست قريبة حتى.
إن المواطنين النابضين بالحياة، الصريحين المتمتعين بالنقد الذاتي هم عنصر ضروري وحيوي لديمقراطية مزدهرة. ولكن عندما يركز الحديث العام اهتمامه بشكل كامل على دعارة كوارث التحديات السياسية والاقتصادية، سيكون قد عبر خطا غير مرئي ولكنه يظل مهما. إن التركيز قصير النظر على الازمة المقبلة والمعارك التي تلوح في الافق مع إحساس خال من التوازن ليس وصفة للعمل الجماعي، بل صيغة للشلل الجماعي.
وعود على بدء، فإن دراما الهاوية المالية - التي سنقوم بعد فترة وجيزة بنسيانها والتي كانت البؤرة المركزية التي تركزت عليها السياسة والأخبار والأسواق المالية خلال الأسابيع الستة الماضية - ستؤدي حتما إلى استنتاج مفاده إننا أصبحنا مدمنين على الأزمة. ومثل أي إدمان، نحن بنا حاجة ألان إلى التخلي عن هذه العادة.  ومع ذلك وعلى عكس المدمن،لا أحد سيرتب لنا تدخلا. (وهذا كان واضحا كثيرا في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر في الكونغرس، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى المناطق غامضة الولاء.)
وغني عن القول: نعم، لدينا قضايا، وهي كلها او بعضها ستتوضح في مشكلات تكون أسوأ بكثير في المستقبل. هناك عشرات الملايين داخل الولايات المتحدة يعانون، إذ ليس لديهم وظائف، إو لديهم وظائف برواتب قليلة مقابل الكثير من العمل، ملايين لا تحظى برعاية صحية كافية، أو المهارات غير متطابقة  مع سوق عمل هذه الأيام. ولكن كل المجتمعات تعاني من الفجوة بين العالم الذي ترغب بإنشائه وبين العالم الذي تسكنه في الواقع. واشنطن ليست كاملة؟ فلماذا تكون الأخبار هل؟ لماذا يتكرر ذلك الى ما لا نهاية ويعد تحليلا لاذعا؟ لأنه ببساطة يملأ فراغا كبيرا في مجتمع مدمن على الأزمة.
وسيتم تزويد شغفنا بما يكفي في الأسابيع المقبلة،  فهناك نقاشات عن سقف الديون وعن البيانات الاقتصادية التي ستبقى على الأرجح أقل قوة مما كنا نأمل أو نحتاج. وسيتم إشباع حوصلة الأزمة. ولكن لحين إن نبدأ بوضع متاعبنا ضمن دائرة النظر، و لغاية أن نبدأ بتغذية أفضل ملائكة طبيعتنا وان نعترف بما هو مطلوب وبما هو غير مطلوب، سنبقى عالقين في المكان، غير مدركين لنبوءاتنا التي تتحقق ذاتيا، وما يزال عجيبا كيف يمكن للاشياء ان تتغير اكثر من أي وقت مضى.


ترجمة: عبد علي سلمان
عن صحيفة حريت التركية

http://www.newsabah.com/ar/2482/10/88745/مواطنون-أسرى-الحديث-عن-أزمة-تتلو-أزمة-أميركا-بلد-مدمن-على-الأزمات.htm?tpl=13
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة