رباعية سوريا – 2- الغرب أيضاً يقاد من أنفه إلى الحرب

بدء بواسطة صائب خليل, أبريل 02, 2013, 09:07:53 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

الفكرة الأساسية في نظرتنا إلى الحرب على سوريا هي أن قيادتها الأساسية تتمثل بإسرائيل وأمتداداتها داخل الولايات المتحدة أولاً، وأوروبا الغربية إلى حد ما، متمثلة بفرنسا وبريطانيا بشكل خاص. وتؤمن هذه الإمتدادات تبعية دولها للأجندة الإسرائيلية. وهذه التبعية تشمل فرنسا وبريطانيا وأميركا إلى حد ما.

المؤشر الذي نستنير به في وضع هذه الصورة هو موقف كل حكومة من القضية، وما إذا كان هذا الموقف يمثل "مصالح البلد ضمن أجندة مستقلة". فالأجندة الإسرائيلية العدوانية في المنطقة، أجندة مستقلة لا يفرضها عليها أحد (هناك أعتراضات لجومسكي على هذه النقطة، فهو يفترض أن هذه الأجندة مفروضة من أميركا على إسرائيل، وأنها في غير صالح الأخيرة، لكننا لا نتفق معه ولا نجد مجالاً هنا لمناقشتها). الأجندة الأمريكية تبدو غير مستقلة تماماً، فكل ما تكسبه أميركا من دعمها لإسرائيل يبدو أنه لا يزيد عن كسب العداء من قبل الشعب العربي وتقديم دليل آخر للعالم على أن أميركا دولة عدوانية خطرة على الشعوب ولا تعرف شيئاً عن العدل والأخلاق.
أما أوروبا فتبدو تابعة بشكل كبير. فمصلحة أوروبا تقتضي في هذه اللحظة التاريخية أن تسارع إلى ملئ الفراغ في حاجة الشعب العربي إلى الدعم واستعداد هذا الشعب لتقديم الكثير لمن يقدم له هذا الدعم. وهي أيضاً فرصة لإتخاذ موقف أخلاقي هام على المستوى الداخلي لأوروبا نفسها. كما أن أميركا وإسرائيل واجندتهما الهادفة إلى الإستيلاء على ثروات العالم ومركز قراراته، يهدد أوروبا أيضاً.
أما بقية اللاعبين مثل تركيا وقطر والسعودية والأردن ونصف لبنان فهم عملاء رخيصوا الثمن يحطمون المنطقة بموقفهم ويحطمون بلدانهم خضوعاً للرغبة والضغط الإسرائيليين، ليس إلا. أما العراق وموقفه فسنفرد له مقالة خاصة لاحقاً.

في هذه المقالة سوف ننظر إلى الثيمات الأساسية التالية: أساس الضغط الإسرائيلي الأمريكي على الحرب على سوريا، الموقف القانوني والشعبي للغرب من هذه الحرب واخيراً الأكاذيب التي يتم تهيئتها لمجابهة الموقف الشعبي.

خطة تدمير سوريا كانت في حقيقة الأمر جزء من الخطة العامة لحرق المنطقة وإعادة بنائها لصالح إسرائيل،(1) والتي وضعتها عصابة "المحافظون الجدد" الأمريكيون المعروفون أيضاً بجماعة "إسرائيل أولاً" (قبل أميركا)، والذين كانوا يشغلون مناصب هامة في حكومة رونالد ريكان، ثم عادوا لشغلها في ولايتي بوش الأب ثم الإبن، حيث وجدوا الفرصة المناسبة لتنفيذ مشاريعهم بأنفسهم، فأرسل "الله" لهم بن لادن لإطلاق الشرارة اللازمة لهجومهم على العالم، والذي مازال مستمراً بشكل الحرب على سوريا وعلى أفغانستان والتحطيم التدريجي المستمر للحقوق المدنية لشعوبهم نفسها. وسوريا من الضحايا الأوائل في خطتهم تلك كما تبين الوثائق.

وفي اليوم التالي لإعلان الرئيس جورج بوش على ظهر بارجة حربية أميركية أنّ «المهمة قد أُنجزت» في العراق، وصل وزير الخارجية كولن باول إلى دمشق وأعلن في المطار عند وصوله قائلاً: «سأوضح للرئيس بشار الأسد جلياً كيف تنظر الولايات المتحدة إلى تبدل الوضع في المنطقة مع رحيل نظام صدام حسين». وعند عودة باول إلى واشنطن أوضح: «ما قلته للرئيس الأسد هو أننا سنراقب ونقيس الأداء خلال فترة من الزمن لنرى ما إذا كانت سوريا مستعدة الآن للتحرك في اتجاه جديد في ضوء الظروف المتغيرة... لم تعد هناك أوهام في ذهنه (أي الرئيس الأسد) بشأن ما نتوقعه من سوريا... وأضاف باول في سلسلة مقابلات تلفزيونية بواشنطن أنه أبلغ الرئيس السوري قائلاً: إنك تستطيع أن تكون جزءاً من مستقبل إيجابي، أو أن تبقى في الماضي مع السياسات التي تتبعها... الخيار لك»(2)
الكلام اقرب طبعاً إلى كلام مبعوث مافيا مما هو إلى مبعوث دولة يتكلم مع دولة، ولكن هكذا كان الحال وهكذا بقي. فالقضية إذن قضية مخططة مسبقاً، وقضية تهديدات صريحة صلفة، وليس لها أية علاقة بالشعب السوري وانتفاضته، مثلما لم يكن لـ "تحرير" العراق أية علاقة بالشعب العراقي، ولا بأسلحته الكيمياوية ولا بحب الديمقراطية، بل فقط رغبة قديمة شديدة لفريق العمل الإسرائيلي في الولايات المتحدة، ويتوجب الإذعان لها.

لكن هناك مشكلة صغيرة. الموقف الشعبي للدول المكلفة بتنفيذ تلك المهمة مازال غير مغسول الدماغ تماماً، فهو رغم تعاطفه الإنساني مع "الشعب السوري" الذي يلتف حول الثوار كما صورته له أجهزته الإعلامية، ومع ضرورة حمايته، فهو يصر على معارضة الدعم العسكري للمتمردين السوريين.
لحل هذه المشكلة، تذكر الأمريكان طرقهم التي نجحت في تسويق حرب العراق، فكرروا الأكاذيب نفسها بدرجة مدهشة تثير الشعور بنقص القدرة على إبتكار اساطير جديدة – تذكروا الكيمياوي! فقامت الأجهزة العاملة وراء الستار لإثارة الحروب، بسحب قصة "السلاح الكيمياوي" من الرف ونفض الغبار عنها وتسليط الضوء وتسويقها إعلامياً
لم تكن النسخة الجديدة مطابقة للقديمة في خطوطها العريضة فقط، بل في التفاصيل أيضاً. فمثلما كذب توني بلير كذبته المشهورة عن إمكانية صدام استخدام أسلحة الدمار الشامل خلال 45 دقيقة، أكدت الإستخبارات الأمريكية، كما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» انه تم تحميل الذخائر الكيماوية على عربات قرب قواعد جوية سورية، (أي جاهزة للإطلاق)، وان الامر قد يتم "في غضون ساعتين"، وهو وقت لا يتيح للولايات المتحدة القيام باي شيء! (3)

الكلمات الأخيرة تشرح "ألحكمة" من الحديث عن "ساعتين" هنا و "45 دقيقة" هناك. الفكرة هي أننا لا نستطيع أن ننتظر الضربة، لأننا عندها "لن نستطيع القيام بشيء". وهذا المنطق يبرر الضرب الإستباقي، وهو ليس سوى تعبير منمق ينتظر منه أن يكون أكثر قبولاً في أسماع شعوب تلك البلدان المعارضة للحرب والعدون، من التعبير المباشر عما يريدون حقاً، أي "بدء الحرب بدون سبب"! وهو ما كان يخطط له وتم تنفيذه في حالة العراق، وما يخطط له الآن حول سوريا.
قام أوباما في مناسبات عديدة بتوجيه تحذيرات شديدة اللهجة إلى الحكومة السورية فقال: "إن استعمال الأسلحة الكيمياوية ليس ولن يكون مقبولاً، وإن ارتكبتم الخطأ المأساوي باستعمال تلك الأسلحة، فسوف تترتب على ذلك نتائج، وستكونون مسؤولين عنها"! وأكدت وزيرة خارجيته حينها: "لن أدخل في التفاصيل، لكنني أؤكد أننا سنتخذ إجراءات في حالة حدوث ذلك (إستعمال السلاح الكيمياوي من قبل حكومة سوريا)".(4)
وبالطبع فقد كانت الحكومة السورية (وكذلك روسيا) مدركة للّعبة. وهي ليست فقط حذرة وممتنعة عن اعطاء اعدائها مثل تلك الفرصة لضربها، بل وتنتظر اللحظة التي سوف يقوم بها المتمردون باستعمال السلاح الكيمياوي وتشويش الصورة الإعلامية لإلقاء اللوم على الحكومة وتقديم الحجة لأميركا للتدخل.
لذلك سارعت الحكومة السورية فور وقوع الحادث المنتظر، في خان العسل في محافظة حلب، إلى اتهام المتمردين به، مرفقة ذلك بالمطالبة بتحقيق اممي حول الهجوم الكيمياوي الذي وقع.(5)
وأكدت روسيا اتهامات سوريا للمعارضين  وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان"سجلت في الساعات الأولى من صباح يوم التاسع عشر من مارس حالة استخدمت فيها المعارضة المسلحة أسلحة كيماوية في محافظة حلب." وحملت سوريا تركيا وقطر المسؤولية الشرعية والمعنوية والسياسية لهجوم المعارضة الكيماوي على حلب. (6)
ويبدو أن الناتو قدّر أن الحيلة لم تمر كما كان مخططاً، وأن العالم سوف لن يصدقها، وربما يحتفظ الروس بأدلة على مصدرها، فأصابه التردد. قال القائد الأعلى لقوات حلف الناتو "جيمس ستافريدس" أن بعض دول الحلف تنوي مهاجمة سوريا بشكل فردي، وذلك بعد وقوع اعتداء بصاروخ كيمياوي في مدينة حلب. (7) بينما نقل "بريس تي في" عن مسؤول سوري، أن الميليشيات السورية (المعارضة) قد استخدمت الأسلحة الكيمياوية ضد الجيش السوري في دارايا قرب دمشق(8)، وتمت الإشارة إلى عدم منطقية ادعاءات امريكية نسبت إلى "خبير مجهول" حول طريقة استخدام  القوات السورية للأسلحة الكيمياوية – من الناحية التكنيكية(9) وأجابت سوريا بلسان نائب بالقول ان سبب عدم اعتراف الدول الغربية الداعمة للمسلحين السوريين بانهم من اطلقوا صاروخاً كيمياوياً لانهم هم من جهزوا وهيئوا لمثل هذه الاعمال، مشيراً الى ان واشنطن وبدلا من ادانة الاعتداء الكيمياوي اتهمت الحكومة السورية بالتورط في هذا الامر، تمهيداً لتدخل عسكري في هذا البلد. (10)
وتم كذلك نشر فلم فيديو قديم يبين أن المتمردين السوريين كانوا يقومون ببعض التجارب على الأسلحة الكيمياوية! (11) وبدا أن المحاولة قد فسدت، وأشارت سي إن إن إلى أن المعلومات الإستخبارية الأولية لم تؤكد استعمال الأسلحة الكيمياوية(12)
وهكذا تم نسيان الموضوع ولم تطالب الولايات المتحدة حتى التحقيق بشأنه، وصار مثيراً للضحك مشاهدة جدية وجه اوباما وهو يلقي التحذيرات للحكومة "قلقاً على الشعب السوري" من ذلك "الخطأ المأساوي"! فـ "الخطأ المأساوي باستعمال تلك الأسلحة" لن يكون "مأساويا" كما يبدو إن قامت به عصابات الناتو، و "سوف تترتب عليه نتائج" فقط إن كانت تلك النتائج في صالح الأجندة الإسرائيلية!

وتبين نتائج استطلاع للرأي أن الخطة لم تنجح على المستوى الشعبي الداخلي في أميركا وأوروبا، فقد بقي الرأي العام في أميركا وأوروبا، حتى بعد تلك العاصفة الإعلامية المختلقة، معارضاً للتدخل العسكري في سوريا. وتزداد نسبة تلك المعارضة مع ازدياد نوعية التدخل وعسكرته، فمثلاً كانت نسبة معارضة الأمريكيين لتقديم الذخيرة للمتمردين ثلاثة أضعاف نسبة مؤيديها. وبلغت نسبة معارضي تسليح المتمردين في اوروبا، حوالي أربعة أضعاف نسبة مؤيديها. الشعب الأمريكي والشعوب الأوروبية - ومن تجارب سابقة قريبة، لم تعد تثق بحكوماتها ولم تعد مستعدةً لإعطائها صك على بياض في تصرفاتها في الموضوع. (13)

كذلك فشلت هذه الأكذوبة في دعم الجهد الفرنسي البريطاني في رفع حظر السلاح عن سوريا في اجتماع وزراء الخارجية للإتحاد الأوروبي مؤخراً. (14) فاعتبر وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز ان رفع الحظر يتطلب ضمانات حول طريقة تتبع السلاح ومخاطر انتشاره، موضحا: "لم تتوافر لدينا هذه الضمانات حتى الان". وعبر نظيره الالماني غيدو فيسترفيلي عن تحفظ شديد، واضاف "انها فعلا مسألة من الصعوبة بمكان تسويتها". وقال نظيره النمساوي مايكل سبيندليغر "ان الاتحاد الاوروبي لم يتأسس لتسليم اسلحة، وليس واردا ادخال تعديلات على هذا المبدأ". وهدد الوزير بسحب 400 جندي نمسوي ينتشرون في اطار قوات الامم المتحدة في هضبة الجولان المحتلة على الحدود السورية مع الكيان الاسرائيلي اذا ما رفع الحظر عن السلاح. اما الوزير الايرلندي ايمونت غيلمور فحذر من ان الامعان في عسكرة الوضع لن يساعد بالتأكيد في البحث عن حل سياسي يسعى اليه الاوروبيون. وهكذا لم تجد لندن وباريس أمامها سوى أن تمهل الاتحاد الأوروبي حتى نهاية ايار المقبل للقبول بالتسليح قبل أن تقومان بالتسليح بشكل منفرد!
إنه ما يذكرنا بتصريح سوزان رايس، السفيرة الأمريكية فى الأمم المتحدة من إن بلادها قد تعمل بشكل منفرد ولن تنتظر إلى حين اتخاذ دول مجلس الأمن، الموقف الصحيح من الأزمة السورية. (15)

مدهش هو مستوى الفشل وانعزال الحكومات المتآمرة عن شعوبها وعن العالم، مثلما مدهش هو إصرار حكومات دول "ديمقراطية" "عظمى"، على تبعيتها لإسرائيل وتنفيذ أجندة ليست في صالح شعوبها!

(1) http://tinyurl.com/cleanbreak
(2) http://www.al-akhbar.com/node/180336
(3) http://www.alestiqama.com/news.php?cat=siasy&id=5965
(4) http://www.guardian.co.uk/world/2012/dec/04/barack-obama-syria-chemical-weapons-warning
(5) http://www.alalam.ir/news/1456992
(6) http://www.alalam.ir/news/1456652
(7) http://www.alalam.ir/news/1456913
(8) http://www.presstv.ir/detail/2012/12/23/279711/syria-militants-use-chemical-weapons
(9) http://www.informationclearinghouse.info/article33215.htm
(10) http://www.alalam.ir/news/1456978
(11) http://www.informationclearinghouse.info/article33507.htm
(12) http://security.blogs.cnn.com/2013/03/21/preliminary-results-show-chemical-weapons-not-used-in-syria/
(13) http://www.guardian.co.uk/uk/2013/mar/22/us-uk-reject-stronger-syria-support
(14) http://www.alalam.ir/news/1457685
(15) http://www.ipairaq.com/index.php?name=inner&t=neighborssyria&id=61633


صائب خليل

الأعزاء في الإدارة، لم أتمكن من نشر الحلقة الثالثة ولا أعلم السبب، أحصل على إشعار بأنها "تركت خالية" ، شكرا لتعاونكم