نحو برنامج وطني لمعالجة الازمة وليس القفز فوقها/ مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يوليو 25, 2012, 02:23:41 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

نحو برنامج وطني لمعالجة الازمة وليس القفز فوقها




مال اللــه فــرج*
malalah_faraj@yahoo.com


على الرغم من ان الاعصار السياسي العنيف الذي اثارته الازمة الراهنة بكل تعقيداتها وامتداداتها والتي كانت بامتياز ولا تزال من اخطر الاعاصير التي هزت الكيانات السياسية  والقطاعات الشعبية بعنف مهددة بالكثير من الافرازات الخطيرة على حاضر العراق ومستقبله ' قد استنفر جهود جميع المكونات والتحالفات باتجاه العمل لتطويق لهيبه واطفاء حرائقه , بيد ان كل الجهود المتسارعة التي تداعت لها مختلف القوى والكيانات والتحالفات السياسية لم تفلح في احتواء التداعيات  السلبية للازمة التي ما تزال تتفاعل هنا وهناك , رغم تبدل موقف هذا الطرف وتراجع ذاك وتريث هذا التحالف واصرار ذاك وتوجه هذا الكيان لطرح بديل للمعالجة وخروج ذاك من دائرة المواجهة سواء بفعل قناعات متأخرة او تأثيرات محددة او مقايضات سياسية لملفات ولقضايا معينة  او التلويح بمغانم ومكاسب شخصية او باجراءات عقابية , وربما التعرض لضغوط خارجية , لكن القاسم المشترك لكل هذه المواقف المتباينة كان وبتحليل واقعي ابتعادها , وربما فشلها في بلورة حل وطني موضوعي شامل يضمن مناقشة الاسباب ومعالجتها من جهة ومن ثم التوجه لرسم ملامح الحل الواقعي الذي يرضي جميع الاطراف او غالبيتها على الاقل.
بفعل ذلك كله ' هدأ اعصار الازمة قليلا , رافق ذلك تباطأ سرعة الجهود السياسية الملتهبة الساعية لحجب الثقة عن السيد المالكي والتي كانت قد وصلت   ذروتها قبل مغادرة السيد رئيس الجمهورية البلاد لغرض العلاج ' نتيجة التحولات التي شهدتها بعض المواقف السياسية بفعل عوامل ومستجدات مختلفة , لعل في مقدمتها سياسة التحييد والاحتواء التي مارسها التحالف الوطني وبالاخص دولة القانون تحديدا ' ومن ثم التوجه الى التلويح ببرنامج الاصلاحات الشاملة ' لكن الازمة لم تضع اوزارها تماما ' وما تزال تفاعلاتها تتواصل متلمسة ابواب البرلمان الذي من المتوقع ان بقيت الامور على حالتها الراهنة ان يشهد عاصفة سياسية اخرى باطار برلماني لاعادة اذكاء حرائق سحب الثقة عبر بوابة استجواب السيد رئيس الوزراء ' وربما مساءلته , على الرغم من الجهود المكثفة لتحالفه السياسي من خلال العمل باتجاه تقييد معركة الاستجواب الدستورية والتي يمكن ان يتعرض لها اي مسؤول في اية دولة ديمقراطية في العالم ' والسعي لتحويلها الى استضافة , للتهرب من المساءلة اولا واسدال الستار عليها , ولمنح السيد المالكي حرية مساءلة الاخرين وربما محاسبتهم بدل ان يتعرض هو نفسه للمساءلة البرلمانية كما يطمح خصومه , او على الاقل منحه فرصة استعراض الانجازات  والمكاسب التي حققها برنامجه الحكومي , ورسم مبررات الاخفاقات هنا او هناك ' وقد يمنحه ذلك فرصة ثمينة في كيل الاتهامات الى بعض خصومه السياسيين , مما قد يفجر ازمة او ازمات اخرى اعمق واخطر واوسع مدى بدل حل الازمة الراهنة وتعبيد الطريق امام الحكومة لتستعيد الشراكة الوطنية الحقيقية بين مكوناتها السياسية واقتناص فرصة التفرغ لبرنامج وطني حيوي شامل لخدمة العراقيين واجابة احتياجاتهم الاساسية بعد أن خيم القلق والتوجس والجمود الاقتصادي وتلكؤ الخدمات على اجواء المشهد الوطني طويلا. 
   في خضم هذه الاجواء العاصفة التي كانت تنذر بشتى الاحتمالات وما تزال تنذر ببعضها , وبعد تمكن سياسة الاحتواء وتحييد هذا الطرف او ذاك من امتصاص زخم اعصار حجب الثقة وتحويله الى عاصفة ' طرح التحالف الوطني خيار الاصلاحات لاحتواء العاصفة ' وبالتاكيد فان اي طرف او مكون او تحالف سياسي لا يمكن ان يقف ضد الاصلاح ' ان كان على الاقل وفق المعايير التالية :
1 ــ ان يكون اصلاحا وطنيا حقيقيا شاملا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والبرلمانية والحكومية والاجتماعية ' وان لا يقتصر على جانب واحد ' او محدد من قبل الجهة الداعية للاصلاحات.
2 ــ ان لا يقتصر على وجهات نظر واراء وتحليلات وتوصيفات جهة او جهات معينة ' بل يجب ان يضم كل الفرقاء السياسيين واراءهم واقتراحاتهم وتحليلاتهم ورؤاهم للازمات والمشاكل .
3 ــ ان يكون برنامج الاصلاحات , اذا اريد له ان يكون برنامجا وطنيا شاملا ' وليس مجرد جسر لعبور ازمة معينة , مفتوحا لمناقشة كل القضايا من اجل ازالة كل التداعيات والملاحظات السلبية والشروع من نقطة انطلاق ايجابية متفق عليها من قبل جميع المكونات.
4 ــ ان تكون المشاركة في البرنامج حرة ومفتوحة امام جميع الفرقاء السياسيين بدون محددات او شروط مسبقة. وان يخصص فيه محور اساسي حول الفساد السياسي والمالي والاداري, وكشف الجهات المتورطة فيه .
5 ــ توفير الاجواء الايجابية لطرح جميع اوراق العمل وضمان حرية المناقشات الموضوعية والاراء والمواقف ووجهات النظر امام جميع المشاركين مع احترام جميع الاراء والطروحات وعدم استبعاد هذا الرأي واستهجان ذاك والتنديد والاقصاء وتسفيه الاراء الاخرى ما دامت ضمن الاعراف والقيم  الدستورية ووفقا للاساليب الموضوعية والحضارية.
6 ــ ان لا يكون برنامج الاصلاحات مجرد وقفة هامشية امام نتائج الازمة ومحاولة رسم افاق الحركة المستقبليه , بل من الاهمية بمكان ان يكون محطة وطنية موضوعية لاستعراض الاسباب والكوامن الحقيقية التي تفاعلت وافرزت الازمة وتعقيداتها ومعالجتها لضمان عدم تكرارها او بروز اي من افرازاتها مستقبلا وبما يمثل عائقا قد يكون خطيرا امام مسيرة الاصلاحات , فالاهم مناقشة اسباب الازمة قبل الوقوف في محطة نتائجها وافرازاتها.
7 ــ لعل الاهمية الستراتيجية الاساسية لفاعلية البرنامج الوطني الشامل للاصلاحات وضمانات  نجاح مراحل وخطوات تنفيذه تكمن اولا وقبل كل شيئ بالعمل الجدي الموضوعي الميداني الحكيم والمسؤول لازالة الغام الاحتقان السياسي واطفاء حرائق الاتهامات المتبادلة وردم هوة الخلافات وانهاء السجالات الاعلامية وتنقية الاجواء بين جميع الفرقاء , والتأكيد على ان الخلافات السياسية والاختلافات في وجهات النظر لا يجب باي شكل ولا باية صيغة ان تتحول الى عداوات واستهدافات شخصية وبالتالي تصبح العملية السياسية ومصالح البلاد والعباد رهينة ردود الافعال المتشنجة وغير الموضوعية , من خلال تغليب مفاهيم الضربات الانتقامية مما قد يدخل البلاد في متاهات الصراعات الشخصية بعيدا عن المصالح الوطنية.
8 ــ اتاحة الفرصة كاملة امام اطراف الازمة كافة وبالاخص تلك المطالبة بسحب الثقة والمدافعين عن اداء السيد المالكي وفي مقدمتهم العراقية والتحالف الكردستاني والتيار الصدري ودولة القانون , لاستعراض الازمة واسبابها وتعقيداتها بشكل شمولي دقيق ' وتلمس موضوعية وقانونية ودستورية المواقف المختلفة منها , والعمل على حسم افرازاتها دستوريا وبما يرضي الاطراف المعنية بالاخص وان جميع الفرقاء السياسيين يؤكدون على الدوام التزامهم بالدستور واحترامهم له , فمن حق الاطراف المعنية التي اتهمت السيد المالكي بالتفرد والتوجه نحو الدكتاتورية وتهميش الدستور والشركاء الاخرين ان تستعرض المواقف والاجراءات والقرارات الصادرة عن السيد رئيس الوزراء والتي بنت عليها اتهاماتها تلك , كما ان من حق السيد المالكي ان يستعرض مواقفه وقراراته ويرد بوثائقه على اتهامات الاخرين وملاحظاتهم , من اجل بلورة الحقائق وتنقية الاجواء ومعالجة نقاط الخلاف , والشروع الحقيقي بالبرنامج الوطني الشامل للاصلاحات , وبخلاف ذلك فان اي برنامج وطني مهما كان متواضعا او طموحا لن يكتب له النجاح بسبب تشرذم المواقف السياسية وغياب الفعل السياسي الموحد الداعم للاجراءات الحكومية.
9 ــ ان برنامج الاصلاحات الوطنية , بما انه يهم العراقيين جميعا ويتعلق بحاضرهم ومستقبلهم , فان الجهة المكلفة بوضع مسودة او مشروع او ورقة العمل الاساسية يجب ان تضم كل الفرقاء السياسيين او ممثليهم , وعدم فرض رؤى مكون بعينه او تحالف محدد , وابقاء الاخرين خارج اطار المشاركة الحقيقية في وضع ارضية الاصلاحات.
10  ـ ان مشاركة كل الاطراف السياسية في وضع مسودة برنامج الاصلاحات الوطنية الشاملة , فضلا عن اكتسابه الصفة الوطنية الحقيقية التي لا احد يستطيع التشكيك بها فانه من جانب أهم سوف يلزم جميع الاطراف الوطنية سياسية وحكومية وبرلمانية في تنفيذ فقراته كل من موقعه وحسب مسؤولياته , والاهم من ذلك كله تحديد التوقيتات الزمنية لتنفيذه والاجراءات والجهات الضامنة للتنفيذ حتى لا يكون عرضة للنقض او التجاهل او التنصل عن تنفيذه مثلما سبقه من الاتفاقات.
       الى ذلك , فان على الفرقاء السياسيين في مثل هذه الازمات المصيرية محاورة بعضهم البعض مباشرة بعيدا عن الخبراء والمستشارين ونصائح واراء وانتقادات الاخرين التي غالبا ما تعقد الازمات بدل حلحلتها بسبب اراء بعضهم المتطرفة ' ولو كنت مثلا محل دولة رئيس الوزراء السيد المالكي لبادرت بزيارة اخي رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني وديا بعيدا عن الاجراءات والمراسم البروتوكولية والحساسيات السياسية لمناقشة الازمة وتداعياتها مباشرة ولتلمس الحلول الواقعية والدستورية للخروج من دهاليزها في اجواء اخوية ' دون الانتقاص من موقعه كرئيس للحكومة ما دام جميع الفرقاء السياسيين شركاء في العملية السياسية , فضلا عن ان الاستقرار السياسي بعيدا عن الازمات يعد شرطا اساسيا لتوفير القاعدة الصلبة والمناخات الايجابية امام اية حكومة لتنفيذ برنامجها الوطني ' مما يستوجب على رؤساء الحكومات الجادين والساعين لخدمة شعوبهم في كل زمان ومكان البحث اولا وقبل كل شيئ عن الاستقرار السياسي وتعزيزه باستمرار حتى لو اضطر بعضهم احيانا لتقديم تنازلات معينة من اجل تنفيذ برامجهم الوطنية الطموحة, من جانب اخر فان من المهم التاكيد على حرمة الحقوق العراقية في كل شبر من البلاد وعدم السماح  المساس بها تحت غطاء الخلافات السياسية  وردود الافعال المتشنجة
  , كما يجب احترام حرمة الخصوصية الوطنية في جميع الازمات بالاخص السياسية منها وعدم السماح بتدخل الامتدادت والتاثيرات والضغوط الاجنبية فيها التي تزيد من تعقيداتها غالبا او تحاول ترجيح طرف بعينه على حساب الاطراف الاخرى ' بالاخص وان جميع الاطراف والقوى الخارجية تسعى لضمان مصالحها اولا حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية للدول والشعوب الاخرى.
بين متشائم ومتفائل ' وراض وممانع وبين من يعلق امالا على الاصلاحات وبين من يرى ان لاجدوى منها ' تبقى المشكلة قائمة ان لم يتم مناقشة اسبابها بموضوعية ونزاهة وتلمس مسارات الحلول الدستورية لها قبل الجلوس الى طاولة الاصلاحات التي يلوح بها التحالف الوطني ,وفي جميع الاحوال فان التساؤل الحيوي والمشروع هو هل يريد التحالف الوطني أن يصنع من برنامج الاصلاحات جسرا باتجاه واحد يوفر لممئله السيد المالكي عبور ازمة الاستجواب التي ربما تفضي لحجب الثقة؟ ام يريده برنامجا شاملا للاصلاح الوطني الحقيقي في جميع الميادين بالاخص السياسية منها ؟
ان اراده برنامجا حقيقيا فان اولى ابوابه وفقراته والمدخل اليه يجب ان يكرس لمناقشة اسباب الازمة ومعالجتها ليتسنى بعد ذلك التفرغ للاصلاحات الوطنية الحقيقية الشاملة باجواء صحية بعيدا عن الحساسيات والتقاطعات السياسية , وبخلاف ذلك فان اية محاولة للقفز فوق الازمة دون حلحلتها سوف لن يؤدي الا الى السقوط في دوامات سياسية جديدة ربما تدفع المشهد الوطني الى تعقيدات ومتاهات اكثر عمقا واشد خطورة.