الأديب والكاتب السياسي: 4 - "لماذا يا أبتي لم ترفع قصيدتك العصماء بوجه الشر"؟

بدء بواسطة صائب خليل, يونيو 26, 2012, 03:32:41 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

الأديب والكاتب السياسي: 4 - "لماذا يا أبتي لم ترفع قصيدتك العصماء بوجه الشر"؟   


عزيزي المثقف الذي لا يتدخل في السياسة...معذرة، فهذا الإستفزاز من جانبنا، نحن المتدخلين بالسياسة ليس تعالياً، وإنما هو رسالة استغاثة. القضايا الكبيرة والقرارات الحاسمة والمصائب المتتالية بحاجة إلى رد سياسي - ثقافي، وهي أكبر بكثير من طاقتنا نحن المهتمين بالسياسة فعلاً. إننا لا نستطيع أن نؤسس رداً على كل الهجمات التي تنهال على البلاد وبناء موقف سليم ومدروس منها:

النفط، الإرهاب، الطائفية، العلاقات مع أميركا، مع الناتو، مع صندوق النقد الدولي، هل من السليم أن نشتري الأسلحة الأمريكية؟ هل من الأمين أن نطور علاقتنا بدولة منبطحة لإسرائيل مثل جيكيا؟ هل نعطي التعليم أولوية ام المؤتمرات الدولية؟ هل أجهزة كشف المتفجرات خدعة؟ ما هو الموقف من المتصارعين في البلد؟ التصويت السري في البرلمان، الإشتراكية أم ألرأسمالية أم الليبرالية أم ماذا؟ هل يمكن وكيف يجب أن يتعامل الدين مع السياسة؟ هل هناك طريقة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية وكيف؟ كيف نحل الصراع بين العلمانيين والإسلاميين؟ كيف يجب أن تكون علاقتنا الأنسب مع العرب؟ هل إيران صديق أم عدو أم دولة إعتيادية؟ إلى أية درجة تتدخل إيران فعلاً في العراق؟ ما هوالموقف المناسب من إضطرابات سوريا؟ كيف نتصرف مع "مصر الجديدة"؟ هل فكرة حكومة التكنوقراط جيدة؟ ما هو حجم الخطر الذي يمثله أثيل النجيفي ومشاريعه على الموصل والعراق؟ كيف نتعامل مع الدول الكبرى دون أن نفقد إرادتنا؟ ما هو تاريخ تجارب العالم مع أميركا، وهل يدعو للإطمئان؟ ما هو مصير الحقائق المهددة بالنسيان ، مثل البريطانيان المتلبسان بالإرهاب، والعلاقة المريبة بين الإرهاب وخريجي سجن بوكا الأميركي وكنيسة النجاة والأموال الضائعة لدى أميركا ومواضيع الفساد الكبرى. هل يجب الإنفصال عن كردستان أم أن هناك طريقة للتعايش معها حتى يكتب الله طريقة للتفاهم؟ ماهي كلفة ذلك؟ ماذا عن الدعوات لإنشاء الأقاليم؟ هل إدعاء السنة بالتهميش إعلامي أم فيه بعض الحق، وما حجم هذا التهميش وأين بالضبط؟ المصالحة..إلى أي حد؟ ....

يمكنني أن أستمر إلى الأبد بلا شك... صحيح أنها مواضيع ليست "جميلة"، ولا يصلح أي منها لكتابة أي أثر أدبي، لكنها كما تلاحظ أسئلة في غاية الخطورة، وهذا يعني أن حلها بشكل غير صحيح سوف يكلف البلاد ومستقبلها الكثير..
العراق، وقد صحا على الحياة السياسية بعد ليل الدكتاتورية الطويل، مثل شخص يفتح عينيه ليجد نفسه في هرج سوق الحياة الدولية السياسية، وأن عليه أن يفهم بسرعة ما يتحدث به من جاء قبله بزمن وعرف زواغير السوق وثرواتها ولصوصها، فهو مصدوم بكثرة الأسئلة التي لا تقبل التأجيل.
هذه الأسئلة هي تحديات توجه إلى المجتمع العراقي للبحث عن حلول مناسبة لها. ونحن المهتمين بالشأن السياسي نفعل ما بوسعنا، ولسنا من ذوي الإختصاص وليس لدينا الإطلاع الكافي على كل الأمور وعلينا أن نهتم بكسب معيشتنا أيضاً فلا أحد يدفع إلا لتشويه الصورة وتضليل المواطن بالشكل الذي يناسبه. والإعلام العراقي تم إنشاءه من قبل الإحتلال، والإحتلال ليس مؤسسة خيرية تبني الأجهزة وتصرف عليها من أجل الحقيقة.

كل هذا التسونامي من التحديات، تجد الشاعر يكتب، لا عنه وعن البحث عن طريقة لمجابهة هوله، بل عن ضرورة الإبتعاد عن المعارك "لأبعد نقطة" ،  لعله "يكتشف ذاته" في "الكتابة الجليلة"، وحيث يكون "أكثر تعقلاً من العقل" حيث يطرد "القلق"!:

الكتابة الجليلة قدر المستطاع تطرد المعارك
الجليلة بمعنى تستطيع الذهاب الى أبعد نقطة
هناك أنت أكثر تعقلا من العقل
هناك أنت أكثر رأفة من القلب
هناك كيف تطوّر الصبر وتتقلد الشجاعة
أيْ أنك تستمر بالإبتسامة رغم ملامح وجهك الباكية
أيْ أنك المستقبل
بلا قلق
بلا تردد
بلا تكلف

ليست هذه القصيدة مثالا معزولاً متطرفاً، بل تكاد تكون القياس لنسبة كبيرة من القصائد والقطع الأدبية الرائجة. إننا نشعر بالإحباط أمام هذا الجيش من الأدباء الذين لا يكتفون بإهمال ما يجري، بل يتغنون بالإبتعاد عن معارك أهلهم. ومن جهة أخرى نشعر بالعجز والتعب أمام هذا السيل الجارف من التحديات، ونشعر بالفشل في إثارة أنتباه الناس إلى الأخطار.

كثرة وتشعب المواضيع التي تتحدانا، تجعلنا غير قادرين على مجابهة القصف الإعلامي بأي قصف مضاد بكثافة مؤثرة. ففي افضل الأحوال يحصل كل موضوع على مقالة أو بضعة مقالات لا تصل إلا إلى عدد محدود جداً من الناس وسرعان ما ينساها حتى هؤلاء لان هناك دائماً مشاكل جديدة وتحديات جديدة يتوجب التعامل معها، وهكذا تمر تلك التحديات دون أن يتاح للمجتمع العراقي أن يؤسس رداً مناسباً عليها، وبالتالي يترك ساحة اتخاذ الموقف لجهات لا تهتم بمصلحته، ويتوجب عليه دفع الثمن غالياً في مرحلة مفصلية حاسمة من تاريخه....
كنا في الماضي نلجأ إلى اليسار حين نحار، فنجد عنده بقعة ضوء ترشدنا للإتجاه العام الإنساني الصحيح وتضع بعض النقاط على بعض الحروف. لكن اليسار ترك الكتابة، أو تحوّر "ليبرالياً" فصار بنفسه هماً وتحدياً كبيراً ومسألة تحتاج إلى حل!

أيها الأديب والشاعر...إننا نأمل أن تلقي بنفسك في معركتنا، فتستعلم خطوطها، ثم ترفع قصتك وقصيدتك لتضرب بها الظلم والشر، فالمنعطف خطير وزلق، ومن للمجتمع غير مثقفيه في منعطفاته الخطرة؟

هذا عصر شهود الزور (...) الدول الكبرى - الجنرالات - الآلات.
لماذا يا أبتي لم ترفع يدك السمحاء بوجه الشر القادم من كل الأبواب؟
لماذا تُنفى الكلمات؟ يصير الحب عذابً؟ والصمت عذابً؟ في هذا المنفى؟
وتصير الكلماتْ طوق نجاةْ.
للغرقى في هذا اليم المسكون بفوضى الأشياء؟
(عبد الوهاب البياتي)


الحلقات السابقة:
(1) : http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=65082
(2) : http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=65212
(3) : http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=65347