العميد المتقاعد شارل أبي نادر: أبعاد استهداف البلدات المسيحية السورية

بدء بواسطة برطلي دوت نت, سبتمبر 11, 2018, 09:10:33 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت


  العميد المتقاعد شارل أبي نادر: أبعاد استهداف البلدات المسيحية السورية     
         


برطلي . نت / متابعة

tayyar.org/ العميد المتقاعد شارل أبي نادر -

ليست المرة الأولى التي تُستهدف فيها بلدات سورية اغلب ابنائها مسيحيون، فمسار الأزمة الدامية والحرب القاسية في سوريا يشهد الكثير من تلك الإستهدافات.

بالامس استُهدفت بلدة محردة في ريف حماه الشمالي، وقبلها استهدفت بلدات صدد والقريتين في ريف حمص الشرقي، وقبلها بلدات معلولا ومحيطها في ريف دمشق الشرقي، وغيرها الكثير من البلدات والمدن المختلطة، أو تلك التي تحمل طابع مسيحي، في الحسكة مثلاً أو في حلب والسلمية في حماه وغيرها، ولا ننسى الإستهدافات المركزة على أحياء دمشق القديمة في باب توما ومحيطها من مواقع الارهابيين في الغوطة الشرقية قبل تحريرها.



البُعد الميداني

في متابعة دقيقة لتلك الاستهدافات، يمكن القول إن للموضوع معطيات مختلفة، منها لأسباب ميدانية بحتة، ومنها الآخر يحمل في بعض الاحيان خلفيات حساسة، تتعلق بكون أبناء هذه البلدات المستهدفة هم من المسيحيين بشكل عام.

بداية، ولناحية الأسباب الميدانية، من المعروف تاريخياً ان المسيحيين في الشرق، في سوريا كما العراق او لبنان حتى، تمركزوا في مناطق أقل ما يقال عنها إنها استراتيحية، من الناحية الاقتصادية الزراعية، ومن الناحية الامنية الجغرافية، وذلك لاسباب تتعلق بصراعهم الوجودي في الشرق عبر التاريخ، اولاً لتأمين متطلبات الحياة والمعيشة، فكانت المناطق الزراعية القريبة من الأنهار او الينابيع قبلة التواجد المسيحي، وثانيا لناحية حماية وجودهم في مواجهة الاضطهاد والاستهداف الجسدي والثقافي، فكانوا يفضلون العيش في المناطق المحصّنة جغرافياً والتي يمكن حمايتها طبيعياً، او على الاقل يمكن الفرار منها عندما يتعرضون للضغوط المختلفة، باتجاهات آمنة ومحمية وبعيدة عن مستهدفيهم.



من هنا يمكن ان نضع تلك الاستهدافات للبلدات ذات الطابع المسيحي، اي لاسباب ميدانية تتعلق بقيمة مناطقهم واهميتها الجغرافية، لناحية المعركة والمناورة في الحرب القائمة بين الجيش العربي السوري من جهة وبين الارهابيين من جهة اخرى.



البعد السياسي

لناحية الاستهداف بسبب الطابع المسيحي لتلك البلدات، يمكن ايضا اعتبار الموضوع من إتجاهين:

الأول يتعلق بوقوف اغلب تلك البلدات في الحرب الدائرة في سوريا مع الدولة والجيش والنظام، الامر الذي إستدعى حُكماً إستهدافها من قبل المسلحين، تحت طابع المواجهة العسكرية، اكثر منه تحت طابع الاستهداف على خلفية مسيحية.

لثاني وهو بيت القصيد في إشكالية موضوعنا، هو الاستهداف فقط على خلفية طائفية...

هنا، يمكن ان نضع هذه الاستهدافات في خانة استهداف المسيحيين بوجودهم وبثقافتهم الدينية، وهذا يرتبط بشكل عام باستراتيحية واسعة تجتاح الشرق بكامله، من مصر الى العراق الى سوريا ولبنان، ابطال هذه الاستراتيجية دول كبرى، لم يظهر انها مؤيدة لثبات المسيحيين في الشرق، لا بل ظهرت في احيان كثيرة، متواطئة وعدائية ضد هذا الوجود وضد حمايته.



سلبيات مواقف الدول الغربية

هذه الاستراتيجية التي تتبناها دول وأطراف إقليمية ودولية فاعلة، تعمل من خلال العناصر والاساليب التالية:

اولاً: عبر المواقف الديبلوماسية والسياسية، إذ تنأى بنفسها عن التدخل لحماية الوجود المسيحي في الشرق، وهي تضغط عليه بطريقة غير مباشرة عبر انخراطها ودعمها لأجندات إثارة الفوضى والتوتر في مناطق تواجد المسيحيين. ومن ناحية اخرى، تنشط تلك الأطراف الفاعلة لتأمين ما يغري المسيحيين للهجرة والتوجه الى الغرب، والعمل على مساعدتهم للإندماج في المجتمعات الغربية وإبعادهم عن جذورهم وعما يجمعهم أو ما كان يربطهم بالشرق، وهذه الإستراتيجية تنجح الى حد ما، والدليل على ذلك، تناقص عدد المسيحيين في مناطق الشرق في شكلٍ كبير وصادم.



ثانياً: من خلال توجيه المجموعات الإرهابية التي هي مخترقة بالكامل لصالح تلك الاطراف الفاعلة، وذلك في الميدان عبر استهداف البلدات أو الأحياء المسيحية، ضمن المعركة وفي خضمها، بحيث يظهر الموضوع وكأنه لاعتبارات ميدانية عسكرية بحتة، ولا يرتبط باستهدافها على خلفية مسيحية، وفي الحقيقة يكون الموضوع بهدف تدمير وتخريب ممتلكات تلك المجموعات المسيحية في شكلٍ يصعب إصلاحه، الأمر الذي يضطر باصحاب تلك الممتلكات الى النزوح بداية الى الداخل السوري، وحيث الضغط السكاني والاجتماعي جراء النزوح والحرب هو ضخم وتصعب مواجهته، يتوجه هؤلاء المسيحيون نحو الغرب في هجرة طويلة او دائمة.



التمسك بالدولة

من هنا، لا يمكن قراءة تلك الإستهدافات اللافتة للبلدات المسيحية في سوريا في معزلٍ عن مخطط استهداف الوجود المسيحي في الشرق.

وتبقى فكرة ومعادلة الدولة القوية المسيطِرة على كامل جغرافيتها هي الحل الوحيد لتلك المعضلة، أولاً من خلال المساهمة الفعالة والقتال مع الجيش السوري في مواجهة الإرهابيين، بهدف استكمال سيطرته على الجغرافيا السورية كاملة، وثانياً من خلال الصمود الفردي على صعيد البلدات والقرى والاحياء والذي طالما طبع تاريخ المسيحيين في الشرق.