نيويورك تايمز تكشف كيف يختار لنا أصدقاؤنا زعماءنا

بدء بواسطة صائب خليل, أكتوبر 06, 2012, 12:50:25 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

في مقال بعنوان "انسحاب أميركا من العراق، جهود فاشلة وتحديات"،(1) نقلت مجلة نيويورك تايمز قبل يومين مقاطع من كتاب "نهاية اللعبة: الصراع من أجل العراق، من جورج بوش إلى أوباما" للكاتبين ميشيل كوردون والفريق الركن المتقاعد برنارد ترينر، والكتاب يكشف الكثير من الحقائق المرة للإحتلال الأمريكي وكيف تنظر أميركا إلى "أصدقائها".
ال
مقالة زكزت على أحاديث كبار الساسة الأمريكان في أواخر العام 2010، حين كان موضوع تولي المالكي للسلطة يتعرض لتعقيدات شديدة، وكانت أميركا قلقة على تمديد اتفاقية بقاء قواتها مدة إضافية في العراق، والحديث يقول لنا الكثير.
فحول محاولة الدفع بتمديد الإتفاقية، ذكر الكاتب أن بريت ماككرك، مساعد سابق للرئيس بوش، والذي طلب منه العودة إلى بغداد للمساعدة في المحادثات، أقترح أنه يمكن تجنب معركة عنيفة متوقعة في البرلمان، بالعمل على تقديم "مذكرة تفاهم"، تحت مظلة إتفاقية التعاون الإقتصادي والأمني، وهو الإتجاه الذي إقترحه المالكي عدة مرات! لكن إصرار البيت الأبيض على إعطاء الجنود حصانة كاملة، جعل من الضروري، وفق المحامين الأمريكان وآخرين، توقيع اتفاقية جديدة وأن يوافق عليها البرلمان العراقي.

ونلاحظ هنا أنه إن صح هذا الكلام فأن المالكي يقع في نفس الخطأ، أو الخطيئة التي ارتكبتها حين قدم "مذكرة التفاهم" الأولى "غير الملزمة"، والتي هيأت الطريق لضغوط أمريكية هائلة على البرلمان والساسة العراقيين لتمرير الإتفاقية، ومن جملتها قتل النائب الصدري العكيلي، الذي كان يدير معارضة الإتفاقية. وهي نفس الخطيئة التي يرتكبها معظم الساسة الأمريكان مع شعبهم، فيغيرون عنوان الأشياء دون محتواها لمراوغة الدستور وحرمان البرلمان حقه في القرار، وكأن الدستور يكتب من أجل الكلمات فقط. ويبدو أن الحكومات الامريكية تعودت ذلك، فقد استعملته سابقاً لتمرير اتفاقيات العولمة التي لم يعلم بها الكونغرس إلا بعد فترة طويلة من توقيعها، وأحياناً تقدم له قبل يوم واحد من إقرارها ألخ. وربما هي التي اقترحت على المالكي الفكرة في حينها، وأن المالكي اعجبته القضية وأراد استعمالها للتخلص من سلطة الدستور. في كل الأحوال فأن هذه النقطة تحول القانون والدستور نفسه إلى مجرد "جرة قلم"، ولا بد أن يأتي برلمان شريف ليتخذ إجراءاً بشأن هذا، لكن مع برلماننا الحالي، لا امل بأي تغيير دستوري نحو الأفضل. ونذكر أنه في ذلك الحين تم تمرير المعاهدة الستراتيجية، والتي سيدفع العراق ثمنها غالياً في تقديرنا، غلسة وبدون أي ضجيج، وستترك للأجيال القادمة تبعاتها ومهمة الغاءها العسيرة!

لكن لعل أهم ما في المقالة ما نقلته من وقائع مؤتمر فيديو بين كبار المسؤولين الأمريكان عقد في 6 تشرين الأول 2010، وكانوا يتحدثون عن القيادات العراقية ومن يجب أن يحكم العراق! وينقل الكاتب أن (نائب الرئيس الأمريكي) السيد بايدن رأى أن الأمريكان يمكن أن يعقدوا صفقة مع الحكومة التي بقيادة المالكي، ونقل عن بايدن قوله: "المالكي يريدنا أن نبقى، لأنه يرى أن العراق ليس له مستقبل بدون ذلك" وأضاف "أراهنكم على منصبي أنه سيقبل في النهاية بتمديد صوفا" ( اتفاقية سحب القوات).

ولكن المالكي لم يمددها، رغم أنه كاد، حين قال: "إن وافقتم سأوافق"، والتي لا يفهم منها موقفه الحقيقي، وهذا شأن معظم ما يصدر عن المالكي الذي يريد ترك جميع الأبواب مفتوحة بالنسبة له وترك الصدام للآخرين، حتى حين يكون معترضاً. ولو أن المالكي مددها لما غفر له شيء أمام التاريخ وأيضاً المعارضة الشعبية الكبيرة كما بينتها جميع التقارير الإحصائية في ذلك الوقت.

وفي الجدل حول توزيع المناصب في الحكومة العراقية. كان بايدن قد فضل خطة تتمثل بـ "إبقاء"(!) المالكي رئيساً للحكومة، على أن يكون لمنافسه الأساسي السيد علاوي، مكان قرب قمة هرم السلطة! ولأجل إفساح الطريق للسيد علاوي إقترح بايدن (حسب محضر المؤتمر) بأن يزاح الكرد عن الرئاسة، وأن يعطى طالباني منصباً آخر، فقال: "لنصنع منه وزيراً للخارجية!" ، فاحتجت كلنتون على الإستخفاف بالخارجية قائلة: "شكراً جزيلاً يا جو!"

إقترح نائب وزير الخارجية جيمس شتاينبرغ خطة أخرى، بأن يستبدل المالكي بـ "عادل عبد المهدي"! ويقول الكاتب أن جهداً أميركياً كبيراً بذل لإستقصاء إمكانية تنفيذ هذا الخيار، لكن إيران عارضته وكذلك المتشددين الشيعة. ولم يذكر الكاتب مصدره عن اعتراض إيران أو "الشيعة المتشددين".

وأخيراً وبسبب القلق على الحاجة إلى تشكيل حكومة عراقية، قرر أوباما أن "يقبل"! بالسبد المالكي كرئيس للوزراء، على ان يعمل في نفس الوقت على صفقة تجلب السيد علاوي واعضاء آخرين من كتلة العراقية، إلى الحكم.
ثم يشير الكاتب إلى أن الرئيس اوباما قام بنفسه بالإتصال بجلال الطالباني في الرابع من تشرين الثاني 2010، واستخدم كل قدرته على الإقناع، ليطلب منه طلباً غير معتاد، وهو ان يتنازل عن منصبه! وكانت الخطة أن يقدم هذا المنصب لأياد علاوي، لكن جهده لم يثمر.

ويذكر الكاتب أن أوباما كتب رسالة إلى البرزاني محاولاً إقناعه بأن على الطالباني أن يقبل بالتنازل عن الرئاسة، وقال أن أميركا ستستمر بالدعم الذي تقدمه للكرد، ولكن السيد برزاني رفض الطلب، قائلاً أنه يجب أن لايطلب منه أن يحل مشاكل الشيعة والسنة على حساب الكرد.

يلاحظ من كل هذا بضعة نقاط اساسية، الأولى هي اختفاء أي إحساس بأنهم يتدخلون في شؤون شعب آخر ليس لهم اي حق في التدخل فيه، وأختفاء أي إحساس بكرامة هذا الشعب أو التساؤل كيف كان شعورهم لو عكسنا الأمور. ولا كذلك هناك أي إحساس باحترام أصوات الشعب الذين يفاخرون بأنهم كان لهم فضل في وصولها إلى القرار السيادي.

ورغم كل ذلك، وكما يشير الكاتب، فأن رئيس الديوان في حكومة مسعود البرزاني فؤاد حسين شكى من "ضعف" سياسة أميركا : "ليس من الواضح بالنسبة لنا كيف يحددون مصالحهم في العراق". أي أن فؤاد حسين كان أحرص من الأمريكان على مصالحهم، ورغم كل هذا التدخل الواضح، فهو يريد سياسة "أقوى" لدعم ورفع أكبر لمن يخدم مصلحتها، ويقصد جماعته بالطبع!

عدا هذا ننتبه إلى الإصرار المطلق على تولية "رجلهم في بغداد" كما يسمون أياد علاوي، منصباً يكون فيه مؤثراً بشكل حاسم، ومعرقلاً لاي قرار قد يصدر من الحكومة، وميزته الوحيدة كما قال أحد الصحفيين الأمريكان، هو انه "سافل" ، وفي اي مكان يدخله الأمريكان فأن همهم الأول هو البحث عن "سافل"، ثم رفعه إلى أعلى سلطة ممكنة. فخبرتهم وتجاربهم مع الشعوب أكدت لهم دوماً أن هذا النوع من الرجال هو الذي يخدم مصالحهم بشكل افضل.

ونلاحظ ايضاً أنهم قبلوا بالمالكي بعد تردد، رغم كل ما أبداه من تساهل معهم، وكونه خيار الشعب العراقي. كذلك فأن ترشيح عادل عبد المهدي له دلالته الكبيرة، وكان قد قدم فروض الطاعة سابقاً لديك تشيني بشكل مثير للخجل. أما عن رفض إيران له فيذكره الكاتب دون أن يشير إلى مصدر له، وعلى الأكثر فأنه يذكر ذلك ليؤكد صورة سلطة إيران المبالغ بها على الجانب العراقي، وهو ما يناسب القارئ الغربي. وليس هناك سبب لإيران للرفض، حتى بفرض قدرتها على ذلك، نحن نعلم أن المجلس الأعلى الذي ينتمي إليه عادل هو من اقرب الجهات إلى إيران، بل ربما أقربها بلا منازع.

هذه هي الديمقراطية التي يريدها الأمريكان للدول التي "يحررونها"، والتي تستطيع أن تفسر قبولهم بكل تلك الخسائر من أجلها، وليس الكلام الفارغ عن "حب الديمقراطية" أو أن مصلحة أميركا في جعل البلدان ديمقراطية، وأمثالها من العبارات التي يلوكها بلا خجل حتى اليوم، دعاة "الصداقة" مع أميركا، فـ "صداقة" أميركا وكل اتفاق معها مشبوه وخطر وملغوم ويختلف عن المتوقع منه تماماً كما تختلف ديمقراطيتهم عن ما يفهم الإنسان من الديمقراطية: حكم الشعب. يريدون ديمقراطية يمكن التباهي بصنعها، بشرط "أن لا تعمل"، ويقدمون دستوراً يعلمون أنهم قادرين على تفسيره كما يشاءون، وبرلماناً يستطيعون تجاوزه متى ما يريدون بتغيير الكلمات فقط!
صحيح أنهم لا ينجحون دائماً، لكن من الواضح حتى للأعمى أن هذا هو الهدف وهذا هو السعي هذه هي الإرادة التي تسيرهم. ألم يبرهن ذلك موقفهم حين الإنتخابات الأخيرة وتدخلهم الذي فاق حدود الخيال في عملها، حتى أن الحكومة هددت بطرد السفير؟ لكنهم لا خيار آخر لهم، فالشعوب تكرههم إلا من استثناءات نادرة، وخاصة تلك التي يتواجد تأثيرهم الضاغط عليها، وليس لهم أن يعطوا "الحكم" لمن يكرههم. هؤلاء "أصدقاؤنا" الذين لا يتدخلون، والذين وقعنا معهم إتفاقات وفق مبدأ المساواة والندية! واحد يريد أن يستبدل المالكي بـ "عادل عبد المهدي"، والآخر "يقبل ببقاء المالكي في منصبه" وثالث يريد أن "يصنع من الطالباني وزيراً للخارجية"! هكذا يلعبون بمناصب البلد، ويحركونها كقطع لعبة الشطرنج، أو هذا ما يريدونه على الأقل. ولو كان الأمر بيدهم، لوضعوا لنا "علاوياً" في كل مركز حساس في العراق، وليس ذلك غريباً إن رأينا المصائب التي قدمها لهم هذا القميء ورفاقه، والتي تستمر حتى اليوم بجهود من بقي من "عراقيته" الذين يملأون لجنة الطاقة وغيرها في البرلمان ومؤسسات الدولة، والذين أتمنى أن أسعد برؤيتهم ورؤية كل لص أو محتال أو عميل يلبس القاط والرباط، يقاضى على جرائمه بحق هذا الشعب، فعندها فقط أعلم أن هناك أمل للعراق.

(1) http://www.nytimes.com/2012/09/23/world/middleeast/failed-efforts-of-americas-last-months-in-iraq.html?nl=todaysheadlines&emc=edit_th_20120923&_r=0