تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

ليلة عرس في برطلي بعد العودة

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, أغسطس 19, 2018, 07:32:29 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

ليلة عرس في برطلي بعد العودة


بهنام شمني

بدأت حفلات الاعراس تتوالى في برطلي هذا الصيف، وغطّى صوت الموسيقى والفرح اجواء الحزن التي سادت البلدة خلال السنوات الثلاث الاربع السابقة التي تلت احتلال داعش لها وسنوات التهجير وما تلاها من مرحلة العودة ثم الاعمار، وبدأت الحياة تعود الى البلدة السريانية المسيحية برطلي رويدا رويدا.  وعادت حفلات الاعراس وبقوة في كل تفاصيلها وكأن المحتفلون يقولون لاعداء الجمال والسلام والفرح، انكم لا تستطيعون ان تنزعون الفرح من نفوسنا. 
كل شيء في عرس اليوم هو جميل، المكان، الحضور البهي، الجميلات بازيائهن وتصفيفات الشعر التي تخطف الانظار، وتفنن الشباب في اناقتهم بدءا من قصات الشعر وحتى الحذاء.  ويتسابق الرجال والنساء مع الشباب في اثبات الحضور فما زال في العمر بقية  .

يتخذ نجم الغناء البرطلّي ( ايفان بنوشا) او (ايفو) كما يحلو للبعض ان يسميه تحببا مكانه في وسط المنصة. يضبط ( جمانو) بسمان شمني اجهزته الصوتية، تبدأ اصابع (سام) العازف تتراقص على لوحة الكيبورد بهدوء.  وما ان يبدأ ايفان وصلته الغنائية ب (شويقالي بشينا) حتى تتعالى اصوات الاعجاب في القاعة وتتمايل الاجساد وهي في مكانها وتبدأ سلسلة الدبكة (الخكة) تتشكل وتزداد طولا مع الوقت وهي تسير بهدوء يقودها (ريشا دخكة) محترف، وهي مهمة تتطلب منه الاداء المتميز لقيادة سلسلة الراقصين ومتى يُسرع او يُبطيء في خطواته لذا يتوجب عليه ان يجيد اداء جميع الرقصات والتنقل ما بينها بين حين واخر ووفقا لايقاع الاغنية، وفوق كل هذا عليه ان يمتلك المطاولة في الرقص والقوة في الاداء وتوجيه الراقصين. وهذا ما يتطلب منه لياقة بدنية عالية ورشاقة في نفس الوقت. لذا تجد ريشا دخكة المحترف يجعل الراقصين يؤدون حركاتهم وكانهم شخص واحد.  يستمر ايفان في موّاله ويزداد الشَجن في كلماته وتزداد سلسلة الخكة طولا.

وهناك في زاوية القاعة البعيد حيث طاولات المدعوين يقف احدهم وقد علا الشيب رأسه ويرفع يديه متمايلا مع نغمات الموسيقى وكلمات الموال وخصوصا تلك التي تتحدث عن الحبيب ولقاءات الخلسة بينهما ليقابله اخر في الزاوية المقابلة وتواصل بين الاثنين في الحركات تتصاعد كلما تصاعد اداء المغني للموال، ربما تذكر الاثنين قصص الحب التي عاشاها كل منهما في شبابهما ولم تكتمل. 
يتسارع الايقاع ويبدأ ايفان باغنية (زورتا زورتا) التي وصفها احدهم بنشيد برطلي. ليتحول ذلك الهدوء في الخكة فجأة الى الحركة ذهابا وايابا الى الامام والى الخلف، ويتسابق الجالسون في القاعة الى اتخاذ اماكنهم مع سلسلة الراقصين لتظهر الخكة من شدة الحركة وكانها امواج بحرٍ تتلاطم. ولحالة الانتعاش التي يعيشها الراقصين يخرج بعضهم من الحلقة لينزلوا في وسطها وهو يؤدون حركات في الرقص جيئة وذهابا ودورانا واصواتهم تتعالى في تشجيع المشاركين في الخكة لتقديم افضل ما لديهم بحركات اشبه ما تكون بوهيمية يتفنن كل واحد في ادائها وتصل بالبعض الى الجلوس او الانبطاح على الارض والضرب عليها باياديهم او باجسادهم . وهنا يصيح جمانو صاحب الدي جي ( يقذلا يقذلا يقذلا)، ما الذي احترق لا احد يعلم. ولكنه تعبير عن اجواء الفرح التي سادت ارجاء القاعة. المهم الاجساد ترتفع عن الارض وتنزل ترافقها ضربات ارجل الراقصين عليها بشدة. 

لا تنفع اجهزة التكييف في القاعة من تبديد الحرارة المنطلقة من اجساد الراقصين ومن شدة العرق المتصبب منها فقد ابتلت ملابس بعضهم بالكامل حتى وتظن وكان احدهم قد صب سطل ماء على اجسادهم. اما النساء فيظهرن في القاعة وكانهن في مسابقة لعرض الازياء. ولكن عندما يكون ايفان بنوشا يغني وزورتا زورتا هي الاغنية، يتغاضين عن كل ذلك ويلفن اطراف فساتيهن الطويلة حول ايديهن ويجارين الرجال بالرقص. ويزداد التحدي عند بعضهن في مجارات الرجال ومنافستهم بالرقص، ويتخلين عن احذيتهن ذات الكعوب العالية، ويرقصن وهن حافيات. كل هذا وايفان يتنقل من اغنية الى اخرى وكلما وجد حركة الراقصين في الخكة تميل الى البطء يشحنها باغنية اخرى. فزورتا زورتا ثم كبَنُخ وأو هلّي وسنجاقي وهرا ليلي وهكذا. 

اجواء من الفرح يسود المكان ويجعل الجميع في الصالة يرقصون. ولو كان الفرح رجلا لرقص هو ايضا بينهم.  يستمر الوضع كذلك حتى ساعة متاخرة من الليل لينسحب بعدها الجميع الى دورهم وليسجل ليلة العرس هذه في دفتر ذكرياته.