الكنائس العراقيّة تتكبّد حاليّاً عبء إعادة الإعمار

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 14, 2018, 08:19:14 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

الكنائس العراقيّة تتكبّد حاليّاً عبء إعادة الإعمار     
         


برطلي . نت / متابعة
عنكاوا دوت كوم/وكالة الصحافة المستقلة /جوديت نورينك

صحفية هولندية مقيمة في اقليم كردستان



قال المطران يوحنا بطرس موشي من الكنيسة السريانيّة الكاثوليكيّة في قراقوش: "كنتُ أوّل من أصلح منزله وعاد إلى هنا". وأشار إلى منزله في هذه المدينة المسيحيّة الواقعة في سهل نينوى حيث بات طلاء حديث وصور دينيّة جديدة تغطّي الآن آثار سنتين من المعاناة بسبب تنظيم الدولة الإسلاميّة. وأضاف: "أعددنا هذا المنزل وبدأنا نقيم مراسم دينيّة مجدداً لكي نشجّع الناس على العودة مع عائلاتهم. وعندما رأوا ذلك، أتوا هم أيضاً".

تمّ تحرير قراقوش قبل 18 شهراً، لكنّ المدنيّين لم يبدأوا بالعودة إلا بعد بداية العام الدراسيّ في تشرين الأول/أكتوبر. ويسعى موشي إلى جذب أكبر عدد ممكن من المسيحيّين من أجل إعادة الحياة إلى المدينة. لكنّه يواجه صعوبة بسبب الشائعات. وقال: "عندما يقول الناس إنّ الوضع خطر، أجيبهم بأنّ هناك مطاعم ومتاجر كثيرة وأنّ الناس يستمتعون بالحياة من جديد".

لقد عاد حوالي 5 آلاف عائلة و22 ألف شخص بفضل جهود المطران وكنيسته بشكل أساسي. وتتولّى لجنة لإعادة إعمار الكنائس مساعدة المدنيّين على إصلاح المنازل التي تعرّضت للنهب والضرر، وقد اضطلعت بدور مهمّ في إعادة فتح المتاجر. يشرف المطران على العمليّة شخصيّاً، وقد قال إنّ الأولويّة هي للمنازل، لا للكنائس، موضحاً: "نريد أن يتواجد هنا مدنيّون يشهدون على التنمية. وأنا أحاول استحداث وظائف وتوفير فرص للاستجمام أيضاً. ويُعتبَر افتتاح المتنزّهات خطوة مهمّة من أجل الجيل الشابّ".

وفي اليوم الذي أجرى فيه المطران المقابلة مع المونيتور، كان يفتتح مركز تسوّق صغيراً للملابس الرجاليّة بإدارة رجل الأعمال المحليّ مهند يوسف. وقد عاد وسط مدينة قراقوش إلى الحياة من جديد، فبات يضمّ متاجر تبيع الفاكهة والخضار الطازجة، والملابس، والألعاب وحتّى الدراجات الهوائيّة، بالإضافة إلى مقاهٍ وأكشاك تبيع الخبز التقليدي. ويوم أحد الشعانين، تجمّع الآلاف في وسط المدينة لحضور الاحتفال الأوّل في الهواء الطلق منذ ثلاث سنوات.

وقال يوسف: "أحبّ هذه المدينة وهذا البلد"، موضحاً سبب عودته من ولاية شمال الراين-وستفاليا الألمانيّة على الرغم من أنّه أتقن اللغة الألمانيّة وأحبّ حياته هناك. فقال: "نعم، كانت حياتي أفضل هناك، لكنّ عائلتي وأصدقائي هنا. انتظرتُ بفارغ الصبر أن يتحسّن الوضع في قراقوش".

يشكّل يوسف مثالاً على أنّ الكنيسة، التي نجحت في استقطاب الناس الذين هربوا إلى إقليم كردستان المجاور عندما وصل داعش سنة 2014، تنجح كذلك في إعادة أبنائها من الغرب الذي هاجر إليه حوالي نصف المسيحيّين الذين فرّوا من نينوى. وأشار المطران إلى أنّ 15 عائلة عادت من فرنسا و13 عائلة من ألمانيا، متوقّعاً أن يرتفع هذا العدد. وقال إنّ الكثيرين من أبناء رعيّته ليسوا سعداء في الخارج، شارحاً: "عندما أزور عائلاتنا في أوروبا، يقول لي الكثيرون، 'نحن نبكي عندما نصحو من النوم ونبكي عندما نخلد إلى النوم'".

قبل الإطاحة بالدكتاتور العراقيّ صدام حسين سنة 2003، بلغ عدد المسيحيّين في العراق حوالي 1.5 ملايين نسمة. وبعد اندلاع الحرب الأهليّة بين الشيعة والسنّة وبروز تنظيم القاعدة، لم يبقَ في العراق سوى 600 ألف مسيحيّ تقريباً. ويُعتقد أنّ نصف هؤلاء غادر البلاد منذ سيطرة داعش على أجزاء كبيرة من العراق.

يشكّل الأمن الشّاغل الأساسي والعامل الذي يحدّد بقاء العائلات في الخارج أو عودتهم. فمع أنّ رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي أعلن انتهاء الحرب ضدّ داعش قبل أشهر عدّة، ما زال أفراد سريّون في المجموعة الإرهابيّة ينفّذون عدداً متزايداً من الهجمات، مثل قتل طبيب مسيحيّ وزوجته ووالدته في منزلهم ببغداد في شهر آذار/مارس.

وبسبب هذه الحوادث، يتردّد الناس في العودة، وقرّرت زوجة يوسف البقاء في ألمانيا مع أولادهما. وقال يوسف: "تسري شائعات عن أنّ الوضع ليس جيداً. لكنّ هذا ليس صحيحاً لأنّ الوضع أفضل بكثير الآن. وبإذن الله، ستنضمّ عائلتي إليّ في نهاية العام الدراسيّ المقبل". ويحاول يوسف الآن، بعد استقراره في قراقوش، التصدّي للشائعات وإقناع الآخرين بالعودة أيضاً. وقال: "أتّصل بالناس عبر الهاتف وأحاول إقناعهم. أنا الآن أكثر اقتناعاً شخصياً، ما يساعدتي على إقناع الآخرين".

ومع أنّ الحكومة العراقيّة بالكاد تحرّكت لمساعدة قراقوش، نرى أنّ يوسف متفائل في ما يتعلّق بمصير مسقط رأسه. فالدولة غائبة هناك بقدر غيابها في المدن العراقيّة الأخرى التي استعادتها من داعش، مثل الموصل المجاورة حيث اتّخذ المدنيّون المبادرة ويتحمّلون عبء إعادة إعمار مدينتهم بأنفسهم. أمّا في قراقوش فالكنيسة هي التي تتولّى عمليّة إعادة الإعمار بفضل أموال مانحين أجانب ومساعدتهم.

لقد خسر يوسف أكثر من 400 ألف دولار عندما أضرم داعش النار في متاجره أثناء تحرير قراقوش سنة 2016. وفي مركز التسوّق، حيث تمتزج رائحة الطلاء برائحة الحلويات العربيّة الطازجة المعروضة بمناسبة الافتتاح، تمّ تخصيص غرفة خاصّة لخسارته عُرضت فيها صور للأضرار. وافق يوسف على مساعدة الكنيسة له لأنّ الإرث المسيحيّ الأشوري في بلاد ما بين النهرين عزيز على قلبه. وقال: "إرثنا وثقافتنا هنا. نحن موجودون في هذا البلد قبل أيّ شخص آخر. ومن الخطأ أن نترك كلّ هذا خلفنا".

لطالما حاولت الكنائس العراقيّة إقناع رعاياها بعدم المغادرة، مشيرة إلى أنّ الحياة ستكون أكثر خطورة بالنسبة إلى الذين قرّروا البقاء إذا استمرّت الأقليّة المسيحيّة في التقلّص. لكنّ هذه الحجّة لم تعد مجدية عندما أصبح داعش الخطر الأكبر منذ قرون، وفي السنوات الثلاث الماضية، سعى الكهنة جاهدين إلى مساعدة رعاياهم على الهجرة حرصاً على سلامتهم. لكنّ موشي لم يذكر هذا السبب كدافع للجهود التي يبذلها من أجل إقناع الناس بالعودة إلى ديارهم، بل قال إنّ المسألة تتعلّق بإرث مسيحيّي العراق التاريخي والديني. وأوضح قائلاً، "تتعلّق المسألة بالإيمان وبأن تكون شاهداً وبأن تكون مسيحيّاً هنا".

لكنّ مقاربته الفاعلة أدّت إلى خلافات كبيرة بين قراقوش والمدن المجاورة، حيث ينصح الكهنةُ المسيحيّين بعدم العودة بسبب الخطر الذي يطرحه المسلمون الذين عادوا واستقرّوا هناك. لم تعد إلى برطلة المجاورة سوى 500 عائلة تقريباً، ويودّ بعضها المجيء إلى قراقوش والعيش فيها، لكنّ المطران لا يريدها أن تستقرّ هنا، موضحاً: "عليها العودة إلى ديارها. فإذا لم تعد، من سيقوم بإعادة الإعمار ومن سيحميها؟" وأضاف أنّ هذه حلقة مفرغة ينبغي كسرها. وهو يوجّه منظّمات الإغاثة نحو تلك المدن "لكي تعود الحياة إلى هناك أيضاً".

لقد حلّت الكنيسة في قراقوش مكان الحكومة موقّتاً في انتظار أن تتحمّل هذه الأخيرة مسؤوليّاتها. لكنّ جهودها لا يمكن أن تتخطّى إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار نظراً إلى نقص الاستثمارات. وأقرّ المطران بأنّ العبء كبير، قائلاً: "إنّها معضلة. حتّى في الخارج، يسود اعتقاد بأنّ الكنيسة قادرة على تولّي هذه المهمّة بسهولة. لكنّ الضغط هائل وما زلنا بحاجة إلى الكثير من المساعدة".