تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

الدكتور عبد الجبار عبد الله -1

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, أبريل 30, 2011, 04:03:29 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

الدكتور عبد الجبار عبد الله

يقول الدكتور سيار الجميل (1)
" ان العلامة العراقي المندائي الأصيل ابن ماء دجلة وابن طين الجنوب والرستة الصُبيّة البيضاء عبد الجبار عبد الله، يعد نموذجا تاريخيا حيا ومريرا من نماذج العراق العلمية البارزة الذين دفعوا الأثمان الباهظة في حياتهم، سواء في تكوينه وتألقه وإبداعه.. وانعدام الوفاء إزاءه في بلده ومن قبل العراقيين أنفسهم، ليسجن ويشتم ويهان، ثم يشرد إلى ما وراء البحار ليرحل إلى بارئه هناك، ولكنه يأبى إلا أن يدفن جسده في تراب العراق."
دعونا نتوقف عند تجربته في  الذكرى المئوية لميلاده والمصادف في 4/5/2011.

عاش الصابئة المندائيون جنوب العراق على ضفاف أنهاره. في العمارة والبصرة والناصرية، ما جعل العراق يحتضن مرجعية الصابئة الدينية في العالم .جمع الجنوب بين وداعة الصابئة وطيبة أهله.حتى صار من الصعب أن تميز صابئيا عن غيره في اللغة و اللباس و العادات والتقاليد. انه لفخر عظيم ان يكون هذا العالم الكبير،من ابناء الطائفة المندائية ليكون امتداداً لمن سبقوه من علماء العراق المندائيين،امثال:ابو القاسم عبد الرحمن بن محمد منده،الذي كان يسمى طوَّاف الدنيا وعبد الله محمد بن اسحاق بن منده - 395 هجري - وثابت بن قرة العالم الموسوعي الكبير في الترجمة وعلوم الفلك والطب والهندسة والرياضيات والأنواء الجوية والفلسفة،وسنان بن ثابت عالم الطب والفلك والرياضيات والهندسة والأدب،وجابر بن حيان عالم الكيمياء الشهير وابو الاسحاق الصابي الأديب الفقيه العالم،وعالم الفلك والأرصاد محمد بن جابر بن سنان البتاني،وابو حيان التوحيدي فيلسوف الادباء(الذي جمع كتبه ومؤلفاته واحرقها جميعاً قبل ان يموت كردة فعل للاضطهاد الذي كان يعانيه)وغيرهم من العلماء والعباقرة المندائيين،الذين لم ينصفهم تأريخ العراق،ولم يفخر بهم،وكان الاجدر ان يجعلهم قناديل فخر وهيبة على مر العصور(2)

نشاته
و لد الدكتور عبد الجبار عبد الله في قلعة صالح – لواء العمارة في الرابع من ايارعام 1911.
في بيت رئاسة دينية للطائفة المندائية، فوالده الشيخ عبد الله كان الرئيس الروحاني الأعلى للطائفة في العراق والعالم. والدته السيدة (نوفه رومي الناشيء) وهي من عائلة معروفة بين ابناء طائفتها، شقيقها غضبان الرومي، المثقف والسياسي المعروف، اما زوجته فهي السيدة (قسمة الشيخ عنيس الفياض) والدها أحد الصاغة المشهورين عاش عبد الجبار في كنف اسرة فقيرة، عانت من شظف العيش، وانعكست تلك المعاناة على صباه، يتذكرها بالقول: كنت ارتدي الثياب الصيفية في الشتاء، والتجوال حافي القدمين في سنوات طفولتي الأولى.

أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة قلعة صالح في محلة الصابئة المندائيين، و التي تعد أول مدرسة ابتدائية تؤسس في (لواء) العمارة. دخل المدرسة عام 1918 وتخرج فيها عام 1925, وهو في الرابعة عشرة, و كانت تلك المحلة تؤلف اكبر محلات تجمع بشري بتلك المدينة، ومن ثم محلة اليهود في ذلك الوقت. وبحكم المكان والزمان تعايشوا جميعا بوئام وسلام أديان وأقليات من إسلام ويهود وصابئة مندائيين وقلة من المسيحيين

اكمل دراستة الاعدادية في بغداد عام 1930, متفوقاً بنتائجه على زملائه في الامتحانات، وتشير بطاقة درجاته الامتحانية إلى ميله الواضح للدروس العلمية، وخاصة في مادتي الرياضيات والفيزياء, . ويبدو واضحا أن عبد الجبار عبد الله قد سبق عبد الكريم قاسم بسنة واحدة أو سنتين في دراستهما بالثانوية المركزية التي كانت قد تأسست ببغداد عام 1918 لتدريس العلوم المدنية، وان الاثنين مع زملائهما المتميزين آنذاك قد شهدا زيارات الملك فيصل الأول للثانوية، إذ يقال انه كان يزورها يوميا ويسجل اسمه بلقب المعلم الأول ويراقب التدريسات والأنشطة الطلابية، ويتحدث إلى المدرسين ويتابع شؤون الطلبة، ويراقب ميولهم وتطلعاتهم، وهم يستمعون إليه والى توجيهاته.

تحصيله العلمي ووظائفه
تم ترشيحه إلى بعثة دراسية خارج العراق. وقد شملت البعثات ستة وعشرين طالباً، من بينهم عبد الجبار عبد الله إلى الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1930، لدراسة العلوم، وخصوصا علم الفيزياء.
وشهد عام 1930 تأسيس أول جمعية طلابية عراقية خارج العراق. ضمت عبد الفتاح إبراهيم ومحمد حديد وعلي حيدر سليمان إلى جانب عبد الجبار عبد الله, وسيكون لكلّ واحد من هؤلاء شأن كبير في تطور العراق
نال شهادة البكلوريوس في العلوم بدرجة امتياز من الجامعة الامريكية في بيروت عام 1934. ومن المفارقات، ان يعود عبد الجبار لوطنه بعد تخرجه في الجامعة عام 1934 ليعين مدرساً للغة الانكليزية في المتوسطة الشرقية ببغداد، بعيداً عن اختصاصه الذي شغف به فقرر العودة إلى مدينة العمارة ثانية والعمل في ثانويتها كمدرس للرياضيات والفيزياء. حتى عام 1938، وهنا نذكر حدثا طريفا, إن الطلبة كانوا يتعجبون عندما يرون أستاذهم يأتي صباحا وهو يحمل بيده مظلة والدنيا مشمسة ، فيقولون له : أستاذنا الدنيا اليوم مشمسة ، فلماذا تحمل الشمسية ؟ فيقول لهم : عندما أعود إلى بيتي ستكون الدنيا ممطرة ، وما أن يأتي عصر اليوم حتى تتلبد السماء بالغيوم لتنهمر مياه الأمطار ، فيمضي الأستاذ عبد الجبار إلى بيته وقد حمل مظلته تقيه المطر ، فكانوا يعجبون لتنبؤاته ! ويبدو أن هوايته وشغفه بالأنواء الجوية ومعرفته بحركة الرياح قد تمكنّت منه قبل أن يذهب للتخصص في هذا المجال, إذ ينتقل إلى وظيفة جديدة في الانواء الجوية بمطار البصرة، وعلى الرغم من ان وظيفته هذه ابعدته عن زملائه من رواد الثقافة والفكر السياسي الوطني فانحسرت نشاطاته الثقافية العامة، الا انه عاد مجدداً لنشر مقالاته العلمية في مجلة (التفيض) البغدادية، فقد نشر مقالته العلمية الأولى تحت عنوان (مبادئ النظرية النسبية من بطليموس إلى انشتاين) ويبدو انه اكتسب خلال هذه المدة عضوية الجمعية الانكليزية للانواء الجوية، كما منحته احدى الجامعات الانكليزية شهادة عليا في الانواء الجوية عن طريق المراسلة, وفي مرحلة مضطربة من تاريخ العراق في اثناء الحرب العالمية الثانية. وضمن حملات التعبئة العسكرية التي اقدمت عليها الحكومة آنذاك، ينخرط عبد الله في خدمة الاحتياط كضابط في الجيش، يعود بعدها إلى مطار البصرة حتى عام 1941. ثم ينتقل إلى بغداد للتدريس في الاعدادية المركزية لغاية أيلول 1943. وكان عبد الجبار عبد الله قد عيّن مشرفا على امتحانات الباكالوريا للصف الخامس الثانوي عام 1942 في مدينة.

وقد تبلورت شخصيته وأفكاره إضافة إلى نبوغه العلمي،وقد جسد ذلك بانتمائه إلى لجنة تحرير مجلة (الرابطة)التي اجتمعت حولها شخصيات وطنية وثقافية كبيرة ضمتهم (جمعية الرابطة الثقافية) التي جذبت اليها كبار المثقفين الذين لعبوا دورا فكريا وثقافيا كبيرا أمثال عبد الفتاح إبراهيم  واعلن عن تأسيسها في كانون الأول 1943، وضمت قائمة المؤسسين إلى جانب إبراهيم، خدوري خدوري، مخلف العبيدي، جمال عمر نظمي، حازم نامق، جميل عبد الله، فضلاً عن عبد الجبار عبد الله، وناظم الزهاوي ومحمد توفيق حسين، وفاضل حسين وكامل قزانجي. وعبد القادر اسماعيل البستاني, اختلفت توجهات أعضاء الرابطة المؤسسين الفكرية والسياسية، بين اليمين والوسط واليسار. إلا ان القاسم المشترك الذي كان يجمع هؤلاء، هو الهدف في اشاعة الثقافة الديمقراطية، وتشجيع النشاط العلمي والاجتماعي. فكان عبد الجبار عبد الله من انشط أعضاء مجلة الرابطة الشهيرة والمهمة. وعملت تلك المجموعة الشبابية النشيطة باكثر من اطار لتأكيد توجهاتها الثقافية الديمقراطية والتقدمية. دون ان تكون لها طموحات سياسية،  ضمت الرابطة كذلك عدداً مهماً من الشباب المثقف في العراق، نذكر منهم على سبيل المثال: طه باقر، كوركيس عواد، عزيز شريف، حسين جميل، هاشم جواد. ولابد لمثل هذا التجمع ان يترك بصماته على الحياة الثقافية العراقية امتد إلى خارج العراق، بعد ان توسعت نشاطاتها، من خلال المناقشات والمحاضرات وتشكيل لجان التأليف والنشر، وتأسيس مكتبة خاصة بها، ثم تأسيس شركة للطباعة هي (مطبعة الرابطة). التي احتلها انقلابيو 8 شباط   1963 فآلت ملكياتها إلى الدولة لاحقا باسم دار الجماهير للطباعة.

إن ثقافته ووعيه السياسي الوطني اكسبه روحا علمية في معالجة مختلف مناحي الحياة،وقد جسدت ذلك مقالاته وكتاباته التي راح ينشرها في الصحف والمجلات،إضافة إلى مجلة الرابطة التي شغل منصب سكرتير تحريرها،وهذا ما جعله شخصية معروفة على مختلف المستويات التي تميزت بالوعي والثقافة فضلا عن سلوكه المتوازن والخجول الذي لازمه حتى أخر حياته.

اثبت الدكتور عبد الجبار عبدالله بأنه لم يكن عالما فحسب ،بل رجلا تربويا له استقلاليته الفكرية التي تقوم على أسس ومبادئ جوهرها الإيمان بدور العلم في تطور الحياة.ومؤكدا أهمية مواكبة التطورات العلمية المختلفة في جميع بقاع العالم ،فالشعوب إنما تتفاوت في مراتب رقيها على قدر استيعابها في الأخذ بأساليب العلم وأسبابه ،لذلك استغل فرصة غيرت الشيء الكثير في حياته ،فقد حصل على بعثة دراسية إلى أمريكا للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم الطبيعية ( الفيزياء ) من معهد مساتشوست للتكنولوجيا MIT في الولايات المتحدة الأميركية ، وهو من أهم المعاهد العلمية في العالم عام , 1946، وحصل عبد الجبار عبد الله على شهادة الدكتوراه, كان اختصاصه العام في الأنواء الجوية،إما اختصاصه الدقيق فهو في الانواء الحركية،وهو العلم الذي يهتم بدراسة وتفسير ما يجري من ظواهر جوهرية في الغلاف الجوي من خلال تطبيق النظريات الفيزيائية  عليه. ولنبوغه العلمي وابتكاره العديد من النظريات ،وخصوصا الإنذار المبكر لهبوب العواصف الهوائية التي اشتهرت بها بعض الولايات في أمريكا،إضافة إلى نظرياته في الأمواج الهوائية البحرية،بقي في أمريكا ممارسا للبحث العلمي الذي رحبت به مختلف الجهات العلمية حتى سنة 1949. وأن كل من يريد أن يدرس أو يبحث في علم الأنواء الجوية الديناميكي في الوقت الحاضر عليه أن يبدأ بحل المعادلات الرياضية التي وضعها الدكتور عبد الجبار عبد الله, مما يشير إلى مكانته وشهرته العالمية(3).

عين استاذا ورئيسا لقسم الفيزياء في دار المعلمين العالية في بغداد سنة 1949 وكانت تلك " الدار " تعد من أمهات المدارس الأكاديمية في الشرق الأوسط كله إبان النصف الأول من القرن العشرين نظرا لقوة مكانتها العلمية، وثقل أساتذتها اللامعين، وإبداعات طلبتها الرائعين, ولعل من الطريف ان نشير إلى رأي الفريق نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة بعد تموز 58 حين اعترض على ترشيح عبد الجبار عبد الله باعتباره ينتمي إلى الطائفة (المندائية) فرد علي احمد محيي الدين وزير الداخلية بالقول: نريد إماما للجامعة، لا إماما لجامع يؤم المصلين! وكان رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، قد حسم مسألة الاختيار على أساس موضوعي ومتجرد وغير منحاز، من منطلق معرفته الأكيدة بكفاءة عبد الجبار ومنجزه العلمي وموهبته النادرة، حين رد بالقول: ان الثورة لا تفرق بين مذهب، ومذهب، ودين وآخر، بل جاءت لوضع كل انسان عراقي مهما اختلف دينه وقوميته، وشكله في المحل المناسب وان الثورة ستزيل من أمامها كل من يقف في طريقها لتحقيق هذه الغاية.

لم يمكث في بغداد أكثر من سنتين حتى جدد رحيله إلى أمريكا عام 1952 لمتابعة أبحاثه وحضور المؤتمرات العلمية إضافة إلى الإشراف على البحوث والدراسات الفيزيائية وقد قابل العالم اينشتين هناك .الذي أهداه قلمه الشخصي للذكرى وهو من بين أربعة أشخاص حصرا تتلمذوا على يد العالم الكبير (البيرت اينشتاين)(4)

و في خلال هذة الفترة رشح استاذا باحثا في جامعة نيويورك الامريكية
إما في العراق فقد شكلت أول لجنة علمية للاهتمام بشؤون الطاقة الذرية كان احد أعضائها عام 1957،وحين أعيد تشكيلها في العهد الجمهوري اشغل منصب نائب رئيس اللجنة فيها،وكذلك كان عضوا في اللجنة الوطنية لليونسكو عام 1955،وعضوا في المجلس التأسيسي لجامعة بغداد عام 1957-1958.
في العام 1958 عين امينا عاما لجامعة بغداد و وكيلا لرئيس الجامعة و استمر في هذين المنصبين حتى العام 1959.
في العام 1959 عين رئيسا لجامعة بغداد. وثاني رئيس  لها منذ تأسيسها عام 1956, وكان رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، قد حسم مسألة الاختيار على أساس موضوعي ومتجرد وغير منحاز، من منطلق معرفته الأكيدة بكفاءة عبد الجبار ومنجزه العلمي وموهبته النادرة، حين رد بالقول: ان الثورة لا تفرق بين مذهب، ومذهب، ودين وآخر، بل جاءت لوضع كل انسان عراقي مهما اختلف دينه وقوميته، وشكله في المحل المناسب(5).
ويقال ان متى عقراوي (اول رئيس جامعة بغداد والذي احيل على التقاعد)  ارسل تبريكاته لزميله عبد الجبار عبد الله من خارج العراق الذي تركه بعد 14 تموز / يوليو 1958 ، قائلا في رسالته : " انا مطمئن ان جامعة بغداد الان في ايد امينة سهر عليها، لقد وجدت الحكومة الشخص المناسب والاحسن في العراق، الذي يستطيع المضي بمشروع  الجامعة على اسس سليمة"(6)
استمر بمنصب رئيس جامعة بغداد حتى قيام انقلاب 8 شباط الدموي حيث اقيل من منصبة واعتقل و عومل معاملة مهينة عند اعتقاله بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي.  وبقى في سجون الانقلابيين حوالي ستة شهور دون سبب مبرراو توجيه تهمه معينه ، وتحت تاثير ضغوط الرأي العام المحلي والعالمي اخلي سبيله.
يتبع
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير