تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

نحن والخوف من طائفية المقابل -1

بدء بواسطة صائب خليل, أبريل 30, 2011, 10:23:23 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

نحن والخوف من طائفية المقابل -1


أستلم باستمرار رسائل الكترونية، يعيد إرسالها، أصدقاء اعلم علم اليقين أنهم أبعد ما يكونوا عن الطائفية، ورغم ذلك فأن محتوى تلك الرسائل طائفي واضح! هي مقالة تنتقد بقسوة، طائفة ما، (هي دائماً غير طائفة المرسل) ، فيها مغالطات واضحة، أو هي عبارة عن خبر يعتمد مصدراً مجهولاً، أو "وثيقة" لا يمكن التأكد من صدقها، أو صوراً لـ "فضائع" يبدو أنها لا تستحق الإهتمام أو أنها مفبركة، مقالات خبرية يختلف معنى عنوانها كلياً عن ما يحتويه متنها، وغير ذلك.
صديق لا يختار من الكتاب على الأغلب إلا كاتباً معيناً وآخر يبدو أنه لا يقرأ إلا موقعاً معيناً، وأحياناً تكون المقالات معقولة، لكنها دائماً تعكس جانباً واحداً من "الحقيقة" الجانب السيء في الطائفة المقابلة!

إستلام تلك الرسائل لم يكن يستحق عناء الكتابة، لولا الجانب المدهش في الموضوع وهو أن من يرسل لي هذه الرسائل (بشكل إعادة إرسال)، مجموعة من الأصدقاء، هم كما قلت لكم، ابعد ما يكون المرء عن الطائفية. البعض منهم مؤمن بشكل "خفيف" لا يتيح له ان يعتقد بالتفاصيل الطائفية، والآخر مؤمن بعمق، يركز في كل أحاديثه وبصدق واضح على الشخصيات غير الطائفية ويعتز بها أيما اعتزاز، وآخر غير مؤمن أصلاً، وليس هناك مكان للإسلام في قلبه فلا يعقل أن يكون فيه مجال للطائفة..
ومع ذلك يرسل كل منهم رسائل متحيزة بشكل واضح.. البعض متحيز في محتواه والآخر متحيز في أنتقائيته للحقائق والبعض مشكوك به والبعض الآخر ليس سوى مغالطات واضحة.

أرسلت يوماً لأحد هؤلاء الأصدقاء قائلاً:"المقالة فيها الكثير من المنطق، كعادة هذا الكاتب الذكي، لكن ألا تلاحظ إنه لا يكتب عن أي شيء سوى البحث عن أخطاء و مساوئ الـ.... ؟ ألا يوجد في العراق مشكلة تثير اهتمامه غير هذه؟ هل انتهت مشاكل العراق ولم يبق سوى هذه المواضيع ليبحثها ويركز عليها ويعطيها كل جهده "الثقافي"؟

لصديق آخر كتبت مستغرباً أن ينشر صوراً من الواضح أنه تم ترتيبها للإساءة إلى الجماعة الأخرى، وقلت له أن ليس من المعقول أن تكون مثل هذه الصور صحيحة للأسباب التالية... وذكرته بأني ارسلت له مقالة كان فيها تنبيه إلى صور تم تزويرها ضد الجماعة .. قال أنه هو أيضاً لا يصدق كل تلك الصور، لكن بعضها.. فسألت لماذا ترسلها للآخرين إذاً؟

واحد من أطيب الناس الذين عرفتهم خلال نصف قرن من الحياة، يرسل لي الكثير وأجيبه معلقاً بشكل لا يسره عادة. وفي مرة أجبته بأن الخبر الذي أرسله غير صحيح، وعنوانه يختلف عن محتواه، فأقر بذلك، فسالته فوراً: "ما يحيرني يا...لماذا اكتشف أنا خلال ثوان أن الخبر مزيف وعنوانه فيه احتيال، ولا تكتشف أنت ذلك حتى أخبرك به؟"

أكرر لكم التأكيد أن ليس أي من هؤلاء طائفي بأي شكل، بل أن كل منهم محصن تماماً ضد الطائفية، ولا يمكن أن أتخيل أي منهم يفضل شخصاً حقيقياً يتعامل معه، أو يرفضه، إستناداً إلى طائفته، ورغم ذلك فما يصل من هؤلاء الأصدقاء، لو لم أكن أعرفهم معرفة يقينة، لأتهمتهم بالطائفية بلا تردد! فماذا أسمي هذه الظاهرة الغريبة؟

لا أريد تضخيم الموضوع، رغم أعتقادي أن نتائجه على المدى البعيد شديدة الأذى، ولا أعتقد أنه مرتبط بالمشاعر الطائفية، فكما قلت لكم، من يقوم بهذا النشاط بعيد عن تلك المشاعر. كذلك لاحظت أن نفس الظاهرة تتوجد ضمن اتجاهات متنافسة أو متعادية من نفس الطائفة، مثلما يحدث بين كل من مؤيدي حزب الدعوة ومؤيدي الصدريين، ومؤيدي المجلس الأعلى، حيث يتبادل أعضاء كل مجموعة رسائل، ويتم تحويل رسائل بينهم، جميعها على حد علمي تدعم مجموعتهم على حساب واحدة من المجموعتين الأخرتين.

هؤلاء جميعاً ليسوا طائفيين كما أن الجماعات المذكورة لا تعتقد بالتمييز (العنصري او غيره) فيما بينها، ومن الممكن تماماً، بل يحدث كثيراً ان يقرأ هؤلاء مقالة أو خبراً لصالح الجانب الآخر، ولا يحتج عليه أو يكذبه أو يرفضه، لكنه حتى حين يقبله ويصدقه ويعترف به في داخله، فهو لا يحدث أن يعيد إرساله إلى مجموعته أو طائفته ابداً! فهو حتى حين يعترف بأن ما جاء في الخبر، حقيقة، فهو يحتفظ بتلك الحقيقة لنفسه ولا ينشرها، فهو يرى أن تلك الحقيقة قد تضلل من يقرأها، وتعطيه انطباعاً "خاطئاً" عن جودة موقف الطائفة أو المجموعة الأخرى. إنه يعتبرها خطراً على "السذج" من الآخرين من طائفته فتغير رايهم بالطائفة حين يعلمون أن فيها خطأً أو نقصاً ما، كما أنه قد "يساء استغلالها" من قبل الطائفة الأخرى لـ "تشويه" صورة طائفته. إنه يتجاوز حقيقة أنها لم تجعله يغير رأيه بطائفته حين قرأها فهو "ليس ساذجاً" كالآخرين، كما أنه لا يعتبر أن ارساله الحقائق المضادة نوعاً من "إساءة استغلال". إنه يضع نفسه فوق الآخرين من الجانبين، لذلك فلا بأس بقراءتها وحتى الإقرار بها لكن إعادة إرسالها غير وارد!

أثناء كتابتي لهذه المقالة مررت على مقالة أميركية تتحدث عن موضوع مشابه تماماً في داخل أميركا، والحديث هو عن النقاش الدائر بحماس حول التشكيك بجنسية اوباما الأمريكية، وتتحدث عن السهولة التي يصدق بها البيض من الأمريكان الإشاعات غير المعقولة والتي تناقضها الوقائع عن أوباما لمجرد كونه أسود وله علاقة ما بالإسلام، ويستغرب الكاتب (وغيره) هذه السهولة في تقبل تلك الأخبار عندما تكون مشككة بـ "الطائفة" الأخرى أو المجموعة الأثنية الأخرى، وشدة المحاسبة والتدقيق عندما تكون الأمور بالعكس، وهو ما يطلق عليه الكاتب إسم "العنصرية بلا عنصريين".(1)
ونستطيع ان نلاحظ في خطاب كولن باول (الداعم لترشيح أوباما) ملاحظات مشابهة تنتقد المجتمع الأمريكي في موقفهم المسبق من السود وترشيح أوباما.(2)

إذن ليس علينا أن نقفز هلعاً، فالظاهرة ليست عراقية إسلامية فقط، ومع ذلك فهي مؤذية وتعرقل التقدم الإجتماعي في أي مجتمع متطور مستقر، اما في المجتمعات التي تغلي، فقد تمثل بالتعاون مع غيرها من المشاكل، ومع تأثيرها على المدى البعيد، ضرراً خطيراً، خاصة في تأثيرها على القرارات عند المنعطفات الحاسمة لذلك الشعب.