أخرجوا من بلادنا.. لعلنا نتمكن من صداقتكم

بدء بواسطة صائب خليل, يوليو 05, 2011, 10:39:20 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

أخرجوا من بلادنا.. لعلنا نتمكن من صداقتكم


في مثل هذا اليوم الذي اكتب فيه هذه السطور (30 حزيران) من عام 2004 ، إستلم صديقي لطيف رسالة بالبريد، وحين فتحها وجدها من إبنته إناهيد، تهنئه فيها بعيد الأب. هذه التجربة الجميلة لأي أب، ربما كادت تصيب لطيف بالجنون الفوري بدلاً من السعادة، فأناهيد كانت قد غادرت الحياة مع خمسة آخرين من أفراد عائلته قبل اسبوع في حادث من أفضع ما يمكن للخيال من تصوره. فقد أطلقت دبابة امريكية النار على سيارتهم التي تحمل الأطفال مع أمهم في سوق ببعقوبة، لأن السائق اقترب أكثر من اللازم منها دون انتباه. أشتعلت النار في السيارة فوراً، ودفع صراخ الأطفال في هذا الجحيم أحد المارة ليحاول فتح أبواب السيارة، فما كان من الدبابة إلا أن أمطرته برشقة رصاص فخر صريعاً. بقي الأطفال يصرخون في النار حتى الموت...هناك كان الصغير يوسف، الذي أجبره أبوه على صعود السيارة بالقوة، بعد أن كان يرفض ذلك بعنف غريب...وهناك كانت أناهيد...وأخواتها وأمهم.
وكالات الأنباء نسبت "الحادث" إلى "مجهولين"، بينما قالت الجزيرة أن السيارة ضربت في "تبادل لإطلاق النار"!


قبل عام قدم جندي أمركي إسمه إيثان مكورد إعتذاره للشعب العراقي عن جريمة شارك من خلالها بقتل 12 مدنياً عراقياً عام 2007، قائلاً:
"لقد شاهدت مذبحة بكل ما للكلمة من معنى، رأيت بشرا مزقت أجسامهم بطلقات من عيار 30 مليمترا،  لم أكن أعلم أنه مسموح باستخدام هذه الطلقات ضد الناس، ......، كان بإمكانهم ردع هؤلاء الناس بإطلاق عيارات تحذيرية. هؤلاء الناس كانوا مدنيين يحاولون مساعدة شخص مصاب".
أكد مكورد بأن الحادثة ليست فريدة من نوعها إنما تقع يوميا لأن قواعد الاشتباك كانت تسمح للجنود الأميركيين بإطلاق النار حتى على المدنيين، حسب قوله.وأضاف أنه "إذا شعرنا بالتهديد في محيط مجموعة من المدنيين يحق لنا إطلاق النار، وإذا تعرضنا لانفجار عبوة ناسفة نطلق النار في كل الاتجاهات لنقتل كل شخص في الشارع، هذه هي قواعد الاشتباك التي أبلغنا بها".
وكذّب مكورد رواية وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس الذي أكد أن قوات بلاده لم ترتكب خطأ في الحادثة. وكان موقع ويكيليكس الإلكتروني الأمريكي قد بث شريطا مصورا عن عملية قتل 12 مدنيا عراقيا بنيران الجيش الأمريكي في العراق عام 2007 بينهم الصحفيان نمير نور الدين وسعيد شماغ اللذان كانا يعملان لوكالة رويترز للأنباء بنيران مروحية أباتشي. 

كتب إيثان "نكتب إليكم وإلى عائلاتكم وأهلكم مع إدراكنا بأن كلماتنا وأفعالنا لا يمكنها أبدا أن تعوضكم خسارتكم. إيثان مكورد انتشل ابنتكم وابنكم من الحافلة ورأى في وجهيهما وجوه أطفاله في الوطن". وتابع مكورد "... الأفعال الموثقة في هذا الشريط تتكرر يوميا خلال هذه الحرب. قلوبنا المثقلة بالحزن ما زالت تتمسك بأمل أن نرسخ في بلدنا الاعتراف بإنسانيتكم التي علمونا أن ننكرها....قد يكون طلب صداقتكم أمرا مبالغا فيه بسبب الألم الذي تعانونه ولكن رجاء أن تقبلوا اعتذارنا وأسفنا". وقد تعرض الجندي مكورد للتوبيخ من قبل رؤسائه بعد قيامه بنقل طفل سائق الحافلة الذي قتل في الهجوم إلى إحدى المدرعات لإسعافه. (1)

لست عدونا يا إيثان، فمن يحمل طفلا رغم الخطر ليس عدونا. لكنه عدونا وعدو الإنسانية كلها من يعاقب شخصاً على مثل هذا العمل، أما أنت، فبالتأكيد لست عدونا، رغم ما فعلت يداك وأيدي زملائك من فضائع بنا وبأخوتنا، ورغم ما اثارته دبابات جيشكم من رعب وسفكته من دم ودموع. إن اعتذارك وألمك، ومعاناتك ومعاناة زملائك تشير إلى أننا جميعاً ضحية جهة واحدة، هي إله الحرب في هذه الأرض، الذي دمرنا ودمركم كبشر.

رغم ان وقع الجرائم الحربية الأمريكية على ضحاياها كان شديد العنف والقسوة والدمار، إلا أن ذلك التخريب لم يقتصر على الضحايا المباشرين أمام فوهة البندقية وتحت الطائرات القاصفة. فقد دمر الجنود الأمريكان في كل مكان ذهبوا للقتال نيابة عن شركاتهم الكبرى ومصالحها، دمروا حياتهم أيضاً كبشر أسوياء، فالكثير منهم امتهن الجريمة، والآخر صار يعاني من تانيب ضمير مزمن يمنعه من احترام نفسه، وآخرين أصيبوا بأمراض نفسية مختلفة.
في تقرير له، يكتب مارك بوال تحت عنوان "فريق القتل" عن الجنود الأمريكان في أفغانستان وإدمانهم على القتل وتمزيق جثث الضحايا وعجز رؤوسائهم عن إيقافهم (2)، وتفاخر الجنود بعمليات القتل وتصويرها (3)
ويكتب ديف فيليبس تحت عنوان "جحيم الحرب يصل إلى الوطن":
"كان الغالبية العظمى من هؤلاء الجنود أطفالاً لم يبلغوا من العمر ما يسمح لهم بشراء البيرة عندما تطوعوا في أحد أكثر الأعمال خطورة في العالم. لم يكن لأي منهم تقريباً أية خلفيات جرمية، والعديد منهم كان قد حصل على ميداليات حسن السلوك" لكنهم في العراق صار "القتل جزء من الحياة" بالنسبة لهم وكان تعذيب وقتل المدنيين العراقيين امراً طبيعياً. وحين عادوا إلى "كولورادو سبرنغس" فأن البعض منهم "إستمر بالقتل" وصار الكثير منهم خلف القضبان. "ماركيز" الذي يقضي حكماً بثلاثين عاماً، قال أنه "لم يكن ممكناً ان يسحب الزناد لو أنه لم يذهب إلى العراق...كنت سأتردد في إطلاق النار... لكن بعد العراق أصبح ذلك أمراً طبيعياً".
لويس بسلر(24 عام) ، أختار جنديا يسير في الشارع في كولورادو سبرنغز وقام بالسطو عليه ثم قتله. وقام مع جنديين سابقين من زملائه في ديسمبر 2007 بتمزيق جسد جندي من وحدتهما بالرصاص. وفي مايس قام أثنان أخران بإطلاق النار عشوائياً على الناس من سيارتهما، وضرب جون نيدهام صديقته السابقة حتى الموت. (4)

كذلك أشارت العديد من التقارير إلى الوضع النفسي الذي يصيب الجنود بعد عودتهم وإحساسهم المزمن بالذنب وتفهم من يقاتلونهم واحتقار الذات: "لو أن شخصاً إجتاح مدينتي، ماذا سأفعل (غير ذلك)؟"   
"الناس لم تكن تريدنا هناك.. لقد كانوا سعداء بالتخلص من صدام لكنهم لم يريدونا أن نبقى. الفقر في العراق شيء لا يصدق".. "لم أعد أثق بحكومتي".
"عندما عدت إلى الوطن، لم أدر ما الذي جرى لي.."
وتقول "تينا كارنانز" التي خدمت في الجيش الأمريكي في تكريت: "أن تكون في شبابك، وترسل للحرب ثم تعود للوطن متوقعاً أن تعود كما كنت، أمر مستحيل. الحرب تغيرك..ولا يمكنك أن تعيش يوماً واحداً بعد ذلك بعيداً عن تاثيرها عليك. أتحدث دائماً مع زملائي في الحرب في العراق، عن قصص تقطع القلب في مأساويتها، وماتزال تحدث كل يوم في العراق. إنه لما يثير حزني أن أحس أن علينا أن نعيش بقية عمرنا كله مع ذلك الإحساس بالذنب والألم والغضب والإضطراب". (5)
هؤلاء هم الذين حولوا العالم إلى ضحايا ومآس، وحولوكم إلى مجرمين وقتلة، فخربوا العالم بكم وخربوا حياتكم.

بعد خسارته لصديق طفولته في هجوم في الحرب العالمية الثانية، بقي إيرل شافر يعاني من ذلك كثيراً، فقرر أن يسير نحو جبل "أوكلثورب" في جورجيا، وكان ذلك عام 1947، فسار لأكثر من ثلاثة أشهر بمعدل 25 كيلومترا في اليوم الواحد لكي "يهزم شياطين الحرب" وأن يزيل "نظام الجيش من جسده" بالمشي الطويل، كما وصف الأمر.(6)

فهل يكثر أمثالك وأمثال شافر ويصبح صوتهم عالياً بما يكفي لإيقاف الحروب وويلاتها ووضع المتسببين فيها خلف قضبان محاكم البشرية؟ هل من أمل في أن نراكم أصدقاء يا إيثان؟

من يقف بيننا وبينكم ويجعل من الصداقة بهذا البعد والحياة أيضاً شديدة العسر لنا ولكم أيضاً، هم نفس مجموعة الأشرار التي تقود بلادكم للأسف، وتجعل منها ذلك الوحش العالمي الذي يضرب يميناً وشمالاً وينشر الدمار والدم والدموع حيثما مرت قدماه.
ذلك الوحش الذي لا يملك أحد ما يملك من سلاح وجيش، ورغم ذلك، يصرف من أموالكم على آلته الحربية كل عام ما يعادل ما يصرفه بقية العالم على الحرب، ويدفع ببقية العالم إلى سباق تسلح مجنون، فلا أحد يأمن حياته في هذا العالم الذي يقوده، إلا من كان مسلحاً، وبشكل خاص بالقوة النووية...تلك القوة التي تهدد الوجود البشري التي لم يكتف هؤلاء باختراعها، بل استعملوها فوراً ضد مدينتين خاليتين من اية قوة عسكرية، في دولة كانت تسعى إلى التفاوض معهم حول شروط استسلامها.

لقد كنا نأمل كل الخير من مجيئكم، ونعقد عليه الأمال في تخليصنا من الوحش، لكننا أكتشفنا أننا كنا كمن "يستجير من الرمضاء بالنار". حين جاء جيشكم لم يكن العراق قد عرف أي عنف طائفي، فإذا به ينتشر كالنار في الهشيم مع توالي الشهور. ولم يعرف العراق إرهاباً ووحشية إلا من الحكومة، فإذا بالإرهاب يصبح في كل مكان. لقد كان الجميع يتساءل كيف يمكن أن لا تتمكن أكبر قوة في العالم من وقف ذلك الإرهاب؟ وكان الجواب لدهشتنا في تكرار الشواهد على أن احتلالكم كان يشارك في الإرهاب ويدعمه، وكانت حادثة البصرة حيث أمسك ببريطانيان متنكران بزي رجال الدين، متلبسان بتنفيذ عملية إرهابية "إنتحارية" عن طريق اجهزة التفجير عن بعد!

لسنا مستعدين في هذه اللحظة لصداقتكم، بعد كل الذي رأيناه منكم. كذلك لا تشجع تجارب من حاول من إخوتنا صداقتكم، على تكرار تلك التجربة. فالبلد الذي اسلم اموره بيدكم بدعوى الصداقة، ذبح شعبه فقراً وذلاً وهواناً. فما يبدو لنا إنكم تحولون حكام البلاد التي تتورط بصداقتكم إلى عملاء أذلاء، وتحولون بلدانهم إلى قبور للسكن وسجون للشعب ومراكز لـ "التعذيب بالنيابة" (7) وتسرقون من أموالهم أضعاف مضاعفة مما تقدمون لهم من مساعدات تذهب جلها إلى شركات الأسلحة لديكم، مقابل بضاعة لاحاجة لشعبها بها، وتشترطون نظاماً إقتصادياً يؤمن أن تذهب كل الثروة إلى الأثرياء فيتكاثر الفقر والعنف وتحولون القادة إلى سجانين وجلادين وتبني البلدان سجوناً أكثر مما تبني من جامعات، وتحرصون على أن لا يصطلح شعبا بلدين جارين فخلافهما بركتكم وأسباب بقاء جيوشكم وتمرير أجندة أثريائكم وشركات الأسلحة وما أحاط بها من مجرمي الإنسانية الأكثر تدميراً. 

هذه تسجيلات لرجل أفغاني يتساءل: "ماذا كانت جريمة أبي" والذي كان عمره 92 عاماً عندما قتلته قواتكم الخاصة (8) وهذا تسجيل لقواتكم يتسلون بقتل سجنائهم من العراقيين ويضحكون بوحشية، (9) ، وأتصور أنك تذكر فيديو الجندي الذي كان يطلق النار على الناس في العراق وهو يصيح بمتعة متهيجة : "هذا يشبه صيد الديكة!". استطيع أن استمر في تقديم ادلة الجرم والوحشية المتناهية لتملأ كتباً وليس مقالة، لكن لنتوقف هنا.
كتب أحد المعلقين الأمريكان بعد قراءته مقالة عن القتل بواسطة الطائرات بدون طيار الذي أصبح كثير الإستعمال من قبل جيش بلاده، كتب قائلاً: "أميركا ترتكب نفس الجرائم التي مات جنودها في المعارك من أجل منعها..هل تتذكرون (مبررات الحرب)"؟ (10)

أتعلم يا إيثان من ارسلت بلادك لنا كأول سفير لها، ليساعدنا في بناء هذا البلد المخرب حتى العظم؟ إنه جون نيكروبونتي، المتهم المطارد حيثما حل في العالم ، بتنظيم التعاون مع الحكومات الإرهابية والمنظمات الإرهابية وفضائعها في أميركا الوسطى في الثمانينات من القرن الماضي، والتي جعلها قادتكم من أمثال ريكان وفريقه، عقداً كارثياً على شعوب العالم، كما ثبت كلنتون عقد التسعينات عصابات المال الدولية بعقود عولمة سرية حتى على الكونغرس لتمتص الشعوب وتمكن شركاتكم العظمى من ابتزاز عمالكم وموظفيكم بالتهديد بنقل أعمالها لدولة أخرى، ولم يقصّر في شن الهجمات العسكرية حتى على مصانع الأدوية، وأخيراً كان بوش الصغير هديتكم المفجعة للعالم ليبدأ الألفية الثالثة بالإرهاب الدولي والحروب الإستباقية وأحتقار القانون الدولي، كما احتقر قوانينكم ودساتيركم وجعل من بلادكم الدولة الأكثر كراهية وخطراً في العالم بعد ان تعاطف الجميع معها ضد "الإرهاب".

عندما اراد البعض في العراق الدفاع عن احتلالكم لم يجدوا شيئاً يتحججون به، فاخذو صوراً لمكتبة صغيرة وارصفة بناها الجيش الياباني في مدينة عراقية، وقدموه كدليل، بين الجد والهزل، على "حسن الإحتلال" بشكل عام، ولم يجدوا حتى شيئاً مماثلاً بسيطاً قامت به قواتكم ليكون ولو مثالاً مظللاً على "حسن احتلالكم". فما الذي كانت قواتكم وفرق اقتصادييكم تفعل في البلاد كل هذه السنين؟ الكارثة يا إيثان إنهم لم يكتفوا بسرقة المليارات التي "إختفت" من أموال العراق المحتجزة لديكم، بل أصروا أن تتاح الفرصة كاملة للصوصنا أيضاً ليتصرفوا فيما بقي من ثرواتنا، ولم يكتفوا بوضع من اختاروه من اللصوص في مراكز السلطة ولا تهريبهم بقوة السلاح حين يمسكون متلبسين بسرقات بمئات الملايين من الدولارات، في وقت كان مواطنونا يموتون جوعاً، بل أصروا على تثبيت قوانين اقتصادية تزيد فقرهم وإغناء اللصوص الأثرياء وبشكل دائم للمستقبل في البلاد، كأنهم يرون أنهم فريق واحد معهم. رجالكم الإقتصاديون يفعلون ذلك في كل مكان يتواجدون فيه في العالم، وكأنه دينكم الجديد، بغض النظر عما تسبب ويتسبب به ما يفعلون من مآس إنسانية رهيبة في تلك البلدان. في هذه الأثناء تقوم شركاتكم الإعلامية الكبيرة بإعماء البشرية عن تلك الكوارث الإنسانية والتركيز على الفنادق الفخمة والثراء الفاحش الذي حصل عليه اللصوص في تلك البلاد وتصويره على أنه "تقدم" حصلت عليه "البلاد". لم نعد ندري يا إيثان، أيهما أخطر على بلادنا، عساكركم أم إقتصادييكم!

حيثما كان هناك أصدقاء أقرب لكم كان هناك نهب أكثر للبلاد. لقد قال ذلك القائد الهندي نهرو عن الإستعمار الإنكليزي لبلاده، ولم يختلف الأمر في كل الأزمنة إلا لبضعة شواذ تؤكد القاعدة، وحيثما وجدت قدمكم مكان لها، كان الفساد أكبر والسرقة أسهل وأكثر تنظيماً، ولم يختلف الأمر في العراق. فلم تحدث في العراق سرقات بحجم تلك التي حدثت خلال الحكومة الأولى التي اصر قادتكم على توليتها السلطة في العراق، ولم تسرق ثروات منطقة بقدر ما حدث لنفط كردستان التي يتواجد فيها أقرب "أصدقائكم" فوقعت عقود النفط السرية في كردستان دون غيرها من العراق، ولم يسمح حتى للبرلمان الكردستاني بالإطلاع عليها، وتم تزوير الوثائق لتتحول الآبار المكتشفة إلى مناطق استكشافية رخيصة الثمن لشركاتكم، وتولى سياسيوكم السابقون المشاركة في تلك العقود في مخالفة بغيضة حتى لقواعدكم الأمريكية في منع "تضارب المصالح" لمنع المسؤولين الأمريكان من اساءة استغلال مناصبهم لإثراء أنفسهم.
حين كانت البلاد تستعد للإنتخابات، قامت سفارتكم بالضغط على المؤسسات البرلمانية والقضائية لتمنعها من إصدار القرارات بشأن منع بقايا النظام السابق من محاولة الوصول ثانية إلى الحكم، ووصل الأمر أن تجرأت الحكومة العراقية لأول مرة منذ مجيئكم أن تهدد السفير الأمريكي بالطرد من البلاد. لقد كان رجالكم مصرين على إعادة القائمة الأقرب إلى البعث الذي أمل العراقيون أنكم قادمون لتحريرهم منه، رغم علمهم أنكم أنتم من أتيتم به ودعمتموه في أسوأ أيام دكتاتوريته، وباعترافات قادته.
وحين حان موعد الإنتخابات، انتخب الناس بطبيعة الحال الحكومة الأبعد عن من تريدون، فجاءت وزيرة خارجيتكم كونداليزا رايس لتغير بنفسها رئيس الحكومة المنتخبة. لكن البرلمان لم ينتخب أحد المرشحين الذين كنتم تأملون بهم، فعانى رئيس الحكومة الثاني الأمرين من تدخلاتكم وضغوطكم القبيحة المهينة لأي إنسان يحس ببقية كرامة في نفسه. وحين حان موعد الإنتخابات الثانية لم يأل رفاقكم جهداً في تزويرها وتقديم الرشاوي الهائلة بالمال السعودي فأفسدوا الهيئة المستقلة للإنتخابات والتي تتعرض برئيسها وموظفيها اليوم لمساءلات محرجة جداً من البرلمان حول فسادها، بل أفسدتم معها حتى الأمم المتحدة وممثلها الذي كان مصراً على تمرير التزوير دون تحقيق، وافسدتم القضاء العراقي ليصدر قراراً مضحكاً مبكياً بالسماح باعادة العد دون المقارنات اللازمة لكشف التزوير.

إننا لا ننكر يا إيثان أنكم أنجبتم وتنجبون أكبر العبقريات الإنسانية في العالم، لكن سفاراتكم لا تقدم لنا جومسكي و هوارد زن، بل بريمر ولصوصه الكبار وتشيني وفرق الموت الخاصة به. عندما يسمع العراقي كلمة "أميركا"، فأنه لا يذكر شارلي شابلن أو مارك توين أو توم باين بل يذكر بلاك وواتر، عصابة الجريمة المنظمة الأولى في العالم، وبكتل، التي نهبت ثرواته وخليل زادة ولصوص نفطه وسفيركم  وأمثالهم ممن ترسلون لنا. لا تذكرنا كلمة "أميركا" بمبادئ ويلسون في الحرية أو حلم مارتن لوثر كنك الإنساني، بل نتذكر صور سجن أبو غريب ونتذكر فضائع الفلوجة وحديثة...نتذكر اليورانيوم المنضب وضحاياه ذات المصير المخيف، لا نتذكر أفلام توم و جيري، بل أفلام "صيد الديكة" وقصف السيارات، ومصفحاتكم المجنونة المتهورة القاتلة حين تسير في شوارع بغداد. نتذكر أيضاً دعمكم للوحشية الإسرائيلية المغرقة في مذابحها في بيروت وغزة، نتذكر نفاق سياسييكم بتهديد إيران ومقاطعتها والسعي لتجويعها لأنها قد تمتلك يوماً سلاحاً نووياً تدرأ به خطر تهديداتكم التي لا تتوقف، وتجاهلكم لمئات الأسلحة النووية الإسرائيلية منذ نصف قرن من الزمان.

لستم المثال الجيد للعدالة والأخلاق في هذا العالم، بل لقد أفسدتم حتى المنظمات العالمية الإنسانية ومقاييسها فيحصل مجرميكم الكبار من أمثال هنري كيسنجر ، بقدرة قادر، على جائزة نوبل للسلام ، وهو الذي نسق قصف كمبوديا لسنة ونصف بحرب غير معلنة حتى بالنسبة للكونغرس، وأطال حرب الفيتنام خمسة أعوام، بمئات الآلاف من القتلى من أجل أهداف إنتخابية فقط! هذا بالنسبة لنا ما نركز عليه مما تقدمونه للعالم وتفرضونه عليه، فأي احتقار هذا للعالم وللسلام يا إيثان؟

لو أننا فعلنا بكم واحد بالمئة مما فعلتم بنا، لكرهتمونا كره الموت، لكن رغم ذلك فلو أتيح لك ان تسير في العراق وتكتشف سريرة الناس لما وجدت ذلك الشعور بيننا، ولو تغيرت الظروف وقدمتم شيئاً مناقضاً لكل هذا الأذى، بل لو قدمت لنا ما نتحجج به لنتصور أنكم تغيرتم، لما كان أحد أسعد منا بصداقتكم. أزيحوا قواعدكم وسفارتكم البغيضة وابنوا مكانها سفارة لا يزيد حجمها عن بيت، ولا يعمل فيها أكثر من عشرين موظفاً، فالعلاقة إن كانت طبيعية بيننا لا تتطلب اكثر من ذلك، أما الآن فكل عراقي يتساءل: ما الذي يفعله كل اؤلئك الآلاف في بلادي؟ أؤكد لك أنه لن تقوم علاقة طبيعية بيننا وبينكم مادامت هذه القلعة المخيفة قائمة في عاصمتنا تستثير قلقنا. ولا تنسوا أن تستبدلوا سفرائكم الوقحين بأشخاص كما ينتظر من الدبلوماسيين أن يكونوا.

توقفوا عن دعم كل السيئين واللصوص الكبار في بلادنا، أعطوا اهتماماً للصالح العام وانتعاشه الإقتصادي وليس للخصخصة اللصوصية، فالشعب كان ينتظر أن يحصل منكم على المزيد، لا أن يكون هدف لكم ان تنزعوا منه حتى ما كان يملك من أمور بسيطة لتشترطوا تسليمها للأثرياء من اللصوص والطامحين. ضعوا لنفسكم هدفاً بأن يكون تعاوننا مفيد لنا ولكم وليس سرقة كل ما نملك، كما نفهم الآن، أشعرونا أنكم تقيمون الإنسان العراقي كما تقيمون حياة الأمريكي، لا تطالبوا بتعويض عن رجالكم يصل الف مرة بقدر ما تعطون من تعويض عندما تقتلون عراقياً. أرسلوا لنا رجالاً محترمين يمثلونكم وليس وحوش السياسة الأكثر تطرفاً وقسوة، خبراء في البناء وتأسيس البلدان وليس خبراء في بناء الإرهاب وتأسيس الرعب والشقاق في البلاد.

ولكن قبل كل شيء، أزيحوا عن صدورنا صور وذكريات جنودكم ووحوش بلاك ووتر، ليس بتغيير أسماء شركاتهم أو تغيير وصف جنودكم وتسمياتهم، بل بإزاحتهم تماماً من بلادنا، فمنظر جندي واحد يكفي ليذكرنا بفضائع الآلاف من جنودكم. لا نريدهم بأية تسمية كانت، لا التدريب ولا حلف الناتو ولا حماية السفارات بأكثر من عشرة أو عشرين فرد، لا نريد تدريباً يفرض علينا قبول عشرات الألوف من الجنود، فأي تدريب هذا؟ على ماذا تدربونا بعشرات الآلاف من المدربين؟ إن كان عدد المدربين هكذا فكم هو عدد المتدربين؟ كل هؤلاء يحتاجون الى ذلك التدريب التقني المتقدم الذي لا يستطيع أحد في العراق تقديمه لهم؟ هل سيكون لدينا إذن مئات الآلاف من المقاتلين المتدربين بأعلى التقنيات العلمية وآخر تطورات الإلكترونيات العسكرية؟ من تريدون أن تخدعون يا إيثان بأكذوبة التدريب هذه؟ لسنا مصدقين لتلك الخرافات عن التدريب ولسنا مهتمين أيضاً لا بالناتو ولا بأهداف الناتو ولا باخلاقياته ولا نثق شعرة واحدة بقياداته التي لم يتم انتخابها إلا من بين أشد كارهي شعوب هذه المنطقة من المسلمين والعرب. وإن كانت سفارتكم لا تستطيع التواجد بيننا فعلاً إلا مع ألاف الحمايات فلنوقف العلاقة بيننا إذن حتى ينسى العراقيون كرهكم لكم، وليمثلكم في العراق سفارة لا يجد العراقيون فيها ذلك العداء الذي يحتاج إلى كل تلك الحماية، فكرامتنا أهم لدينا من العلاقة معكم وسنختار كرامتنا على علاقتكم إن لم يكن ممكناً الحصول عليهما معاً، فأزيحوا من أمامنا تلك السفارة وارقامها الخيالية، ازيحوا علامات إهانتكم وعدائكم.

إننا نعلم ان أكثركم ليسوا وحوشاً، وربما أخطأ سائق سيارة عائلة صديقي يا إيثان فاقترب من دبابة لكم في وسط المدينة، وقد نصدق أنكم حين أطلقتم النار من المروحية على الصحفيين، إنما فعلتم ذلك ببراءة لأنكم توهمتم أن كامرتهم قاذفة. ربما لم يكن في دبابة بعقوبة من يتلذذ بإحراق الأطفال أحياءاً، ولا في تلك المروحية من يريد القتل للتسلية، لكننا لا نستطيع أن نعيش في حالة استنفار قصوى، يكون فيها على كل سائق سيارة أن يخشى أن تفجر سيارته إن فاته رؤية الدبابة في زاوية الطريق، أو ان يتأكد كل من يسير في الشارع أن ما يحمله لا يمكن أن يفهم خطأً على أنه يبدو كسلاح من طائرة مروحية بعيدة! ربما كانت قواعد اشتباككم الإستباقية ضرورية لأمنكم فعلاَ، لكن من يستطيع أن يعيش مع "قواعد اشتباككم" الرهيبة والمحتقرة للإنسانية هذه؟ إذن أخرجوا الآن وتصرفوا مستقبلاً بشكل لا يتطلب معه وجودكم كل هذا الإستنفار المستحيل من مضيفيكم.

هذا سيتطلب منكم الكثير بلا شك، لكن دعني أخيراً أستعير حكمة من سكان بلادكم الأصليين، من أوائل من عانى من تلك الوحشية التي عانينا منها مؤخراً:
كان أحد شيوخ الشيروكي من الهنود الحمر يلقي الموعظة على أحفاده فقال لهم: "هناك معركة في داخلي، معركة رهيبة بين ذئبين. أحدهما يمثل الخوف والغضب والحسد والأسف والطمع والغرور والذنب والمرارة والإحساس بالنقص والكذب والتفاخر والتفوق. ويمثل الذئب الآخر الفرح والسلام والحب والأمل والمشاركة والهدوء والتواضع والعطف وحب الخير والصداقة والإحساس بالآخر والكرم والحقيقة والتعاطف والإخلاص. ونفس هذه المعركة تدور في كل منكم وفي كل شخص آخر ايضاً.
فكر الأطفال لدقيقة، ثم سأل أحدهم جده: "أي الذئبين سوف ينتصر"؟ فأجاب الشيخ: "ذلك الذي أطعمه".
أي الذئبين يطعم الآن في بلادكم يا إيثان؟ أي الذئبين يحظى بالأفضلية في نظامكم الإقتصادي والثقافي، وأي الذئبين يرعاه من يملك السلطة والأمر في بلادكم من شركات أسلحة ونفط وغيرها؟ قل لي أنت يا إيثان، وأصدقني القول، ثم قل لي إلى أين تسير بلادكم إذن؟ وإلى أية صداقة تطمحون يا إيثان؟
ربما يمكن في المستقبل، ربما، أما الآن فأنتم لا تصلحون للصداقة لشعوركم بالغرور وعدم الحاجة إلى أحد، ولا نحن نصلح لها لأننا لا نشعر أننا أحرار تماماً في رفضها أو قبولها...فاخرجوا الآن، ودعونا نحاول أن ننسى. سيروا إلى جبل بعيد لعل المسيرة تغسل ما علق في نفوسكم من نظام العسكر ورغبات الهيمنة والحروب الإستباقية، وعودوا بعد ان ينتصر ذئب الإنسانية فيكم...إن تمكن الخيرون من أمثالك يا إيثان من إطعامه وتربيته وتفضيله على ذئب السوق المتوحش، أما الآن فاخرجوا وساعدونا لكي ننسى..لعلنا نتمكن من صداقتكم يوماً.



US soldier arrested over Iraq video
http://english.aljazeera.net/news/middleeast/2010/06/20106815818808270.html

A military spokesman said the helicopter crew mistook a camera for a rocket-propelled grenade launcher. Later the video showed the helicopter opening fire again on a van carrying unarmed civilians who tried to help the wounded.http://abcnews.go.com/print?id=11095913

(1) http://alforattv.net/index.php?show=news&action=article&id=44865
(2) http://www.informationclearinghouse.info/article27773.htm
(3) http://www.rollingstone.com/politics/photos/motorcyle-kill-20110327/0692075
(4) http://www.informationclearinghouse.info/article23154.htm
(5) http://www.informationclearinghouse.info/article13748.htm
(6) http://www.informationclearinghouse.info/article25871.htm
(7) http://www.alsiasi.com/index.php/press/arab-press/33686-2011-07-03-08-27-16/
(8) http://www.informationclearinghouse.info/article25989.htm
(9) US soldiers have fun shooting live rounds & throwing grenades at POWs.
(10) http://www.informationclearinghouse.info/article25873.htm





ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

د.عبد الاحد متي دنحا

شكرا استاذ صائب على المقال
لكن علينا ان ندفع لهم 1.8 تريليون دولار, ثمن تدمير البنية التحتية لعراقنا الحبيب بالاضافة الى الاف الشهداء وملايين المهجرين والارامل واليتامى!! واعطاء الفرصة لنهب اقدم حضارة في تاريخ البشرية, وكما قال المرحوم دوني جورج بانها جريمة القرن.

مع تحيات

عبدالاحد
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير

صائب خليل

الأساتذة الأعزاء ماهر سعيد متي و د. عبد الأحد متي المحترمين،
شكرا لكما على التعليق والإهتمام، ومعك حق يا دكتور، إننا ندفع الثمن غالياً، ومازلنا ندفع ولا نعرف كم سيكون هذا الثمن.
تحياتي وتقديري

ماهر سعيد متي

استاذ صائب المحترم ... اضم صوتي الى صوتك بضرورة خروج المحتل الذي استنزفنا بحق .. تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

الأستاذ ماهر سعيد متي المحترم،
الف شكر لك للمساندة وتحياتي لجهودكم الكبيرة.