مشــــــاكسة الجيــــــاع ... والضبــــــاع/مال اللــه فــرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 26, 2016, 03:03:46 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

 
مشــــــاكسة

الجيــــــاع ... والضبــــــاع     
   


برطلي . نت / بريد الموقع
 
  مال اللــه فــرج
Malalah_faraj@yahoo.com



تفجرت عبر مختلف الحقب التاريخية تظاهرات واحتجاجات الجياع الغاضبة وثوراتهم العاتية لتطيح برؤوس وعروش وديكتاتوريات، واذا كانت اولى تلك الثورات عبر التاريخ قد تفجرت في مصر خلال العصر الفرعوني ضد الملك (بيبي الثاني)، الذي حكمها لأكثر من (69) عاما، وتدهورت في عهده الاوضاع الاقتصادية، فامتنع الناس عن الذهاب إلى الحقول ودفع الضرائب، وهاجموا مخازن الحكومة، وصبوا ثورة غضبهم على قصور الأغنياء، لينهوا حكمه، فان جياع فرنسا استطاعوا هم ايضا تفجير ثورتهم التي استمرت من 1789 حتى 1799، مسقطة الحكم الدكتاتوري ولتؤسس على انقاضه الجمهورية، حيث اسقطت الباستيل وأوصلت لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت الى المقصلة بعد ان فشلت نصيحتها التاريخية لجياع بلادها بتناول الكيك بدل الخبز.
من جانبهم، ابى جياع الشعب الروماني الا ان يكون لهم حضورهم المميز على مسرح الاحداث بعد ان ابتليت بلادهم بدكتاتور العصر، (نيكولاي تشاوشيسكو)، الذي أحكم قبضته الحديدية على رومانيا لأربعة وعشرين عاماً (من 1965 حتى 1989)، وأصيب بجنون العظمة، مطلقا على نفسه القاب القائد العظيم والملهم ودانوب الفكر (نسبة إلى نهر الدانوب) والمنار المضيء للإنسانية والعبقري، وكان لا يتقبل أي انتقاد ولا يبدي أي رحمة تجاه معارضيه، ولعل مما زاد في غروره وفي جنون عظمته وجود المنافقين والمطبلين حوله يخلعون عليه اوصافا والقابا ومسميات تعمق من عقدة غروره  وتزين دكتاتوريته،  كوصفهم له بيوليوس قيصر وبالإسكندر الأكبر ومنقذ الشعب، موهمينه بأن عصره هو العصر الذهبي، في الوقت الذي كانت فيه انياب الفقر والجوع تنهش لحوم الملايين من شعبه وتضطر الكثير من النساء والفتيات الصغيرات إلى المتاجرة بأجسادهن لتوفير رغيف الخبز، حيث أكدت احصاءات صحية أن النساء في رومانيا خضعن لأكثر من(22) مليون عملية إجهاض، في دولة يبلغ تعداد سكانها(21.5) مليون نسمة، في وقت اكد فيه مسؤولون صحيون إن العدد الحقيقي اكثر من ذلك بكثير، لأن عشرات الآلاف من النساء الحوامل، اُجريت لهن عمليات الإجهاض في عيادات غير قانونية، ويؤكد خبراء إن ذلك العدد جاء نتيجة السياسة الاقتصادية الخاطئة لدكتاتور رومانيا التي افقرت البلاد واذلت العباد حتى كرهه شعبه وأشعل الثورة ضده.
ومن بين أملاكه الخيالية، كان احد قصوره الفخمة الذي يضم ألف حجرة، وقدرت قيمة بنائه بعدة مليارات من الدولارات في حينها، فقد بلغت مسطحات بناء ذلك القصر الخرافي (45000) متر مربع مرتفعا عن الأرض بمائة متر، وشارك في بنائه خمسة عشر ألف عامل، الى جانب امتلاكه لتسعة وثلاثين فيلا فاخرة وهو يعيش ببذخ فاحش، بينما كان معظم شعبة يعيش تحت مستوى خط الفقر في ظل حكم قمعي لا يرحم، وكان يمتلك تسع طائرات مجهزة كقصور رئاسية طائرة وثلاثة قطارات خاصة به كبيوت متنقلة عبر أنحاء رومانيا.
وفي الوقت الذي كان تشاوشيسكو فيه يبني النصب التذكارية التي تخلده ويقيم الحفلات الباذخة، كان الكثير من الرومانيين يعانون الجوع بسبب توزيع الطعام بنظام الحصص، ويتحملون صقيع الشتاء دون مواقد تدفئة، مما فجر تظاهرات الطلبة الاحتجاجية الغاضبة لتنضم اليها جموع الشعب اثر مقتل (20) طالبا برصاص قوات حماية الدكتاتور، لتشتعل ثورة الجياع مرغمة اياه على الهرب وزوجته (ايلينا) بطائرة عمودية، لكن ذلك لم ينقذه من مصيره المحتوم بعد ان استطاع عدد من المزارعين إلقاء القبض عليه ليواجه محاكمة سريعة لم تتجاوز الساعتين، تم على إثرها الحكم بإعدامه وزوجته وتنفيذه فورا يوم 25 كانون الاول (1989)، أي يوم عيد  ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وكان أحد أفراد جهاز أمنه الداخلي هو من تم تكليفه بإعدامه رميا بالرصاص، ونقلت مشاهد الإعدام عبر شاشات التلفزة مباشرة  ليتأكد الشعب بأن الدكتاتور قد أعدم وأنه انتهى وإلى الأبد.
في بلادنا، مع الأسف الشديد التي تمتلك واحدة من اضخم الثروات النفطية وكان بامكانها لو استغلَّت بعقلانية ووظفَت بشكل صحيح في بناء الاقتصاد والبنى التحتية ان تجعل شعبنا يحتل المرتبة الاولى على قائمة الدول الاشد رفاهية في العالم، لاسـيما وان بعض ميزانياتها السنوية كانت بحدود الـ(150) مليار دولار، في حين سبق لبعثة الأمم المتحدة (يونامي)، أن افادت ان (6) ملايين عراقي ما يزالون يعيشون تحت خط الفقر، وأفاد تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) عن (حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم 2015) أن ثمانية ملايين عراقي من إجمالي عدد السـكان البالغ 32.5 مليون نسمة كانوا يعانون من الجوع في (2015)، بسـبب الظروف الأمنية التي تعيشها البلاد، حيث ارتفع عدد الجياع في العراق إلى أكثر من خمسة أضعاف منذ(1992) حين كان عددهم مليونا ونصف المليون جائع في زمن النظام الدكتاتوري المقبور، وسبق لمحافظة بغداد أن أكدت عام 2014 وجود اكثر من مليون و500 ألف عاطل عن العمل في العاصمة وقد ارتفع هذا العدد بالتأكيد في ظل الازمة المالية والاقتصادية الراهنة، يجيء ذلك متزامنا مع حالات الترف والبذخ غير الاعتيادي التي يتقلب في احضانها بعض المسؤولين الغافلين عن معاناة الجياع والمعدمين، وعلى سبيل المثال ووفقا لتأكيد مسؤول برلماني، امتلاك مكتب مسؤول رفيع (123) سيارة وامتلاك مكتب نائبه الاول (70) سيارة ومكتب نائبه الثاني(43) سيارة، وغير ذلك الكثير الكثير مما قد يشعل شرارة غضب مدمر خطير لدى الجياع والمعدمين والعاطلين والنازحين والمهجرين الذين لم تعد (بالونات) الاصلاحات السرابية المملوءة بالهواء قادرة على خداعهم بعد ان تطايرت حولهم كثيرا وفشلت في تخفيف معاناتهم وفي محاسبة سراقهم من المسؤولين الفاسدين.
ختاما، استعيد تأكيداً سابقاً لمسؤول رفيع بان (المارد قد خرج من القمقم)، لاهمس في اذان المسؤولين الاكارم الافاضل، لقد سبق للمارد ان خرج مرتين، احذروا من خروجه ثالثة، واجعلوا من اصلاحاتكم انجازات فعلية لا وعودا سرابية.
وللحكام الدكتاتوريين والفاسدين في العالم اقول، احذروا ثورات الجياع قبل ان تحولكم من اسود الى ضباع.