"يا سيِّد نريد أن نرى يسوع" كلمة المطران يوحنا ابراهيم بمناسبة عيد القيامة

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 16, 2012, 06:32:58 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

"يا سيِّد نريد أن نرى يسوع" كلمة المطران يوحنا ابراهيم بمناسبة عيد القيامة





كنيسة جامعة :

في عيد قيامة ربِّنا يسوع المسيح من بين الأموات، أعلن بولس الرَّسول نُعلن: وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ (1). فلا حاجة إلى أن يُثَبتَّ للعالم حقيقة قيامة الأجساد، أو حقيقة قيامة السيِّد المسيح من بين الأموات، الذي أصبح جزءاً هامّاً من عقيدة كل المؤمنين بيسوع المسيح الفادي والمخلِّص.

فالميلاد كان في محيطٍ يهوديٍّ بحت، والسيِّد المسيح كان يتحدَّث مع اليهود أوّلاً، ويعالج أمراضهم النفسيّة والجسديّة ثانياً، ويعيش معهم ومع طبقات مجتمعهم اليهودي بكلّ فئاته. أمّا قادة اليهود فقد أسمعوه كلاماً مؤلماً فيه كلّ معاني المعاداة، وهو أيضاً وجّه إليهم اللوم الشديد بـ كلمات قاسية جداً أقل هذه الكلمات كان: الوَيْلٌ لَكُمْ (2). ولكنَّ رسالة السيّد المسيح كما بدت منذ الولادة في مغارة بيت لحم، لم تكن محصورةً في جغرافية اليهود، ولا في العرق اليهودي، أو ما كان يُعرف في ذلك اليوم بأبناء إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ (3)، بل كانت رسالة عامّة شاملة وجامعة. من هنا نرى أنّ الكنيسة أيضاً أخذت صفة الجامعة. فالمؤمنون بالقيامة يردِّدون أنّنا نؤمن بــــ كنيسة واحدة جامعة؛ لأنّها تضمّ قبائل وشعوباً وأمماً وحضارات وثقافات ولغات، دون تمييزٍ في الجنس، أو العرق، أو الإثنيّة، أو الدّين، أو اللون، أو المكان، ونقرأ عنها مرّات في العهد الجديد.

من هم اليونانيون ؟

ففي أكثر من مكان استخدم الإنجيليّون عبارة: يونانيّون ولم يكونوا من اليهود الذين سكنوا في غير اليهوديّة، وتكلّموا باليونانيّة، كما ورد في سفر أعمال الرّسل عندما تكاثر عدد التلاميذ: وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ (4). وبولس الرّسول عندما كان بعدُ شاوول، حتّى بعد إيمانه بيسوع الفادي، حاول أن يلتصق بالتلاميذ، وَكَانَ الْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ... وَكَانَ يُخَاطِبُ وَيُبَاحِثُ الْيُونَانِيِّينَ فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ (5). واليونانيّون ليسوا من الوثنيّين الذين تهوَّدوا وسُمُّوا دخلاء، وكانوا معروفين في المجتمع اليهودي وعددهم يزداد كلَّ سنةٍ. وقد أشار إلى أولئك السيِّد المسيح، عندما وبّخ الكتبة والفرّيسيّين المرائين قائلاً: لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِداً وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْناً لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفاً! (6).

ولكنَّ الكلام يدور حول اليونانيِّين الوثنيِّين الذين كانوا يتكلّمون بلغاتٍ غير العبرانيّة، وقد أشار إليهم العهد الجديد في أكثر من مكان. فيشرح يوحنّا الإنجيلي أنّ اليهود فسّروا كلام السيِّد المسيح: سَتَطْلُبُونَنِي وَلاَ تَجِدُونَنِي وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا (7). بقولهم: أَلَعَلَّهُ مُزْمِعٌ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى شَتَاتِ الْيُونَانِيِّينَ وَيُعَلِّمَ الْيُونَانِيِّينَ؟ (8). ونقرأ في سفر أعمال الرّسل: أَمَّا الَّذِينَ تَشَتَّتُوا مِنْ جَرَّاءِ الضِّيقِ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ إِسْتِفَانُوسَ... لَمَّا دَخَلُوا أَنْطَاكِيَةَ كَانُوا يُخَاطِبُونَ الْيُونَانِيِّينَ مُبَشِّرِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ (9). وكان بولس الرّسول في رسالته إلى أهل رومية واضحاً في فصله بين اليهود وغير اليهود، بقوله: لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ. لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ لإِيمَانٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا (10). ومرَّةً أخرى يفصل بين المجتمعين اليهودي واليوناني يكتب: شِدَّةٌ وَضِيقٌ عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ الشَّرَّ الْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ الْيُونَانِيِّ (11). وفي الرسالة ذاتها كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالْيُونَانِيِّ لأَنَّ رَبّاً وَاحِداً لِلْجَمِيعِ غَنِيّاً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ (12).

موقف المجوس من القيامة ؟

إذاً هذا اليوناني هو: غير اليهودي الساكن خارج جغرافية اليهوديّة والسّامرة، ولغته اليونانيّة أو غيرها، وغير اليوناني المتهوِّد المُسمّى بالدخيل، أين هو هذا اليوناني الحقيقي من رسالة السيّد المسيح، وموقفه من القيامة المظفّرة ؟

كان كل الشهود في حدث الميلاد يهوداً، بدءاً من يوسف البّار، وزكريّا الكاهن وزوجته إليصابات، ومروراً بأهل الناصرة وأهل بيت لحم، وانتهاءً بالرّعاة الذين جاؤوا ليلاً إلى مغارة بيت لحم بعد أن سمعوا البشارة من الملائكة في السَّماء، وحتّى شمعون الشيخ والنبيّة حنّة بنت فنوئيل، ولكنَّ ظهور حكماء من المشرق أو كما سمّاهم متى الإنجيلي: مجوسٌ من المشرق غيَّر في المفهوم العام عند اليهود، وبيَّن أنّ رسالة المسيح ليست محصورة في أمَّةٍ سمَّت نفسها باليهوديّة، وإنّما تمتدُّ هذه الرّسالة إلى كلِّ العالم. فهؤلاء الحكماء الذين عرّفهم الإنجيل بـــ: المجوس، جاؤوا من بلاد المشرق، ولا يُعرف إن كانوا من بلاد مادي وفارس، أو من بابل، أو من بلاد ما بين النهرين، وكم كان عددهم، وما هي خلفيّاتهم الدينيّة أو الاثنيّة، ولكن حكماً لم يكونوا من أبناء إبراهيم وإسحق ويعقوب، أي لم يكونوا يهوداً، بل كانوا من المهتمِّين بعلم الفلك، والمولعين برصد حركات النجوم، وعلاقتها بأحداث الأرض، وتأثيرها. فعندما وجدوا ذلك النجم غير الطبيعي في السَّماء وهو يتقدّم، شدّوا الرحال، وتبعوه، لأنّهم عرفوا من خلال ظهوره بأنَّ ملكاً وُلِدَ في مكانٍ ما، وهو ملكُ الأمم وعالمِهم الذي يعيشون فيه، وله عليهم حقّ السجود. هل قرأوا في سفر العدد ما أعلنه بلعام عندما حلَّ عليه روح الله أنَّه: يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ (13) ؟ والكوكب هنا أو النجم، هو علامة الإله والمُلك، كما أشار متّى الرّسول عند مجيء المجوس إلى أورشليم.

حضور غير اليهودي في رسالة الخلاص :

إذاً منذ بدء الرّسالة بوجود دور للحضور غير اليهودي في رسالة الخلاص، فبعد حضور المجوس إلى بيت لحم، حدثت قصّةُ أولئك اليونانيّين الذين جاؤوا إلى فيليبس الذي من بيت صيدا وسألوه قائلين: يَا سَيِّدُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ (14). يقول الإنجيلي يوحنّا: أنّ فيليبس أتى إلى أندراوس وقدّم له الطلب، ثمّ تقدم الاثنان إلى يسوع وأعلماه بالأمر.

قيامة لعازر :

هذا الطلب وقع بعد أحداث خطيرة ومثيرة هزّت اليهوديّة بأسرها وكانت مقدِّمة لحدث القيامة المظفَّرة؛ أولاها إقامة لعازر من بين الأموات. فبعد أن أرسلت الاختان مريم ومرتا رسالةً مقتضبةً إلى السيِّد المسيح قائلتين: يَا سَيِّدُ هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ. أَجَابَ يَسُوعُ: هَذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللَّهِ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللَّهِ بِهِ (15). تُرى مَن مِن الرّسل أدرك معنى هذا الجواب على رسالة الأختين المختصرة؟ لقد أدركتا بأنّ صديق العائلة طبيبٌ حاذق، وإذا حضر انتفى المرض عن أخيهما، ولكنّ يسوع المسيح يُعلن وهو يرى من بعيد أنّ هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله. ورغم أنّه كان يحب مريم ومرتا أختها ولعازر، وعرف بنبأ مرضه ولكنه مكث في الموضع الذي كان فيه يومين آخرين بعد وصول النبأ. ثمّ قال لتلاميذه: لِنَذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، وجاء جواب تلاميذه: يَا مُعَلِّمُ؛ الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ وَتَذْهَبُ أَيْضاً إِلَى هُنَاكَ ؟ (16). فسمعوا كلاماً جديداً من نوعه لم يكن يخطر على بالهم، وهو أنّ الذي يَمْشِي فِي النَّهَارِ لاَ يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هَذَا الْعَالَمِ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيهِ (17).

وعندما لم يفهموا هذا الكلام قال لهم أوّلاً، لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه. فقال تلاميذه: يَا سَيِّدُ إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى (18). وكان يسوع يقول عن موته، وهم ظنّوا أنّه يقول عن رقاد النوم.

بعد أن جاء إلى بيت عنيا رأى يسوع وتلاميذه أن هذه بلدة بيت عنيا الآمنة المعروفة بهدوئها ملفّحة بالسواد والحزن، وأصدقاء العائلة يتوافدون من كلّ مكان لمواساة الأختين مريم ومرتا بمصابهما الجلَل، وكان لعازر قد صار له أربعة أيّامٍ في القبر. وعندما عرفت مرتا أن يسوع آتٍ لاقته، وأمّا مريم فاستمرّت جالسةً في البيت.

أمّا مرتا فمن قلبٍ حزينٍ متألمّ، وجّهت عتاباً إلى السيّد المسيح. فأجابها: مَرْتَا سَيَقُومُ أَخُوكِ (19) فأجابته: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ (20)؛ إذاً مرتا وأختها مريم كانتا من طبقة اليهود المؤمنين بقيامة الأجساد، وليس كالصدوقيّين الذين كانوا يُنكرون القيامة، فردّ السيّد المسيح بالآية الذهبيّة قائلاً: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ، مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ (21).

تُرى هل كانت مرتا بحاجةٍ إلى أن تسمع هذا الكلام من الذي عرفته معرفةً جيّدة، وعاشت مع معجزاته وآياته وأعاجيبه ؟ وهل كانت تنتظر أن يوجِّه إليها سؤالاً مفاده أتؤمنين بهذا ؟ وهل كانت الكنيسة تنتظر أن تسمع إعلاناً من امرأةٍ وليس من رجل بحقيقة ألوهة السيّد المسيح.

المعمدان وألوهة المسيح :

إنَّ يوحنّا المعمدان كان أوّل من أعلن عن ألوهة السيّد المسيح عندما جاء إليه ليعتمد منه، فكان يُعلن لليهود: بأنّ هذا الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ (22)، وعندما رأى بعينيه، الرّوح القدس ينزل مثل حمامةٍ عليه، وصوت الآب من السَّماء يُعلن هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ (23)، حقَّ له أن يصرخ بأعلى صوته: هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ (24).

إعلان بطرس الرسول :

وهكذا عندما سأل يسوع تلاميذه، مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ قالوا له: قَوْمٌ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ إِرْمِيَا، أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ؛ أمّا سمعان فانفرد باعترافه: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ (25).

ومرتا تعترف أيضاً :

فمن أين لمرتا أن تُعلن: أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ (26). وهذا كلّه كان قبل أن ينهض أخوها من بين الأموات، ولكنّها فَهِمَت أنّ السيد المسيح سيبدأ من الموت ليُعلن الحياة، ولا بدّ من الاثنين معاً، أمّا القيامة والحياة فهما استعلان واحد يتحقّق في شخصه، فقوله: أنا هو القيامة، لأنَّه هو الحياة ذاتها كما يقول أحد آباء الكنيسة.

مع المسيح صُلبت :

يتراءى هنا بولس الرّسول الذي طالما تغنّى بسرِّ القيامة كيف أنه في رسالته إلى أهل غلاطية وهو يكلِّم الْغَلاَطِيِّين الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوباً! (27) يُعلِنُ: لأَنِّي مُتُّ بِالنَّامُوسِ لِلنَّامُوسِ، لأَحْيَا لِلَّهِ. مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي (28). فالإيمان بالمسيح غلب الموت والقيامة في الحياة، وقد بيّنه السيّد المسيح عندما كان يتحدّث عن الحياة الأبديّة في إنجيل يوحنّا قائلاً: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي، فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ (29). هذه القيامة تكون للَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ (30).



10-بكى يسوع :

وقبل أن يُقيم المسيح حبيبه لعازر من الموت، وقف مضطرباً أمام قبره وبكى. يقول الإنجيلي: وبكى يسوع! إنّها أصغر آية وردت في الإنجيل، وهي المرّة الثانية التي تقرأ فيها الإنجيل المقدس أن يسوع أدمعت عيناه، هذه المرَّة الأولى على صديقه، والثانية على أورشليم، وكان بكاؤه على هلاك شعبها، وعلى ما فيها من تراثٍ غنيٍّ، وتاريخ عريق، وصفحة مهمّة من صفحات النبوّات. ولكن كما جاء على لسان الآباء أنّ المسيح ببكائه مسح الدّمعة من العيون، فلم تعد دموعنا لليأس والقنوط، ولكن للحبّ والعزاء، وكما أشار صاحب سفر الرؤيا في ذلك اليوم وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ (31).

11- أحد سعوف النخل :

الحدث الثاني كان دخول السيّد المسيح إلى أورشليم يوم الأحد المعروف بأحد سُعوف النخل وهو بدء أسبوع الآلام حسب الطقس الكنسي. مرّةً أخرى يستخدم الإنجيلي يوحنّا عبارة: وفي الغد، فعندما سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أنّ يسوع آتٍ إلى أورشليم أخذوا سُعُوف النخل وخرجوا للقائه، ما هذه الصورة الجميلة لمدينة أورشليم، أنّها مزدانة بالبهاء والمجد، وها تفيق عن بكرة أبيها، وتستعدُّ بشكلٍ لائق لتستقبل موكب ملك إسرائيل الآتي باسم الرَّب. إنّ المدينة كلّها بأطفالها، ونسائها، ورجالها بعد أن كسرت حواجز الخوف، وتجاوزت أوامر رؤساء الكهنة والفرّيسيّين الحانقين الحاقدين الذين فقدوا السيطرة على الشعب، وقد ارتجّت في صباح الأحد من هذا المشهد الصاخب الرائع، ويتعالى صراخها بنغمةٍ نبويّة سماويّة: أوشعنا لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ ! (32). وعندما تساءل بعضهم قائلاً: مَنْ هَذَا ؟ أجاب المرحبّون بالموكب الملكي: هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ (33)، مشهدٌ آخر يتمجّد فيه اسم الرّب تماماً، مثلما قال السيّد المسيح عندما سمع عن مرض لعازر، لَيْسَ لِلْمَوْتِ بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللَّهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللَّهِ بِهِ (34).

12- الوفد السرياني الرهاوي :

بعد هذين المشهدين الإنجيليين: إحياء لعازر، وأحد سُعُوف النخل، نرى أناساً يونانيّين من الذين صعدوا ليسجدوا في العيد يتقدّمون من فيليبس ويطلبون أن يروا يسوع. يقول شرّاح الكتاب المقدّس السّريان: أنّ هؤلاء اليونانيّين كانوا أعضاء الوفد السّرياني الرّهاوي برئاسة المصور حنانيا، الذين حملوا رسالةً بالسّريانيّة من ملك الرّها أبجر الخامس أوكومو إلى يسوع الناصريّ، وكان الملك أبجر يتشكَّ من مرض برص ألمَّ به وجاء في هذه الرّسالة؛ أنّه عرف يسوع المسيح من خلال المعجزات، وشفاء العاهات من دون علاج، فاستنتج أحد الأمرين إمّا أنّه إله نزل من السماء، أو ابن الإله، ويسأله القدوم إليه ليشفيه من برصه ويسكن معه في مدينته الصغيرة الجميلة التي تكفي لكليهما، إذ بلغه أنّ اليهود يحاولون الإيقاع به.



13- اعتراف جديد بالألوهة :

فإذا صحّت هذه الرواية التاريخيّة يكون هناك اعترافٌ من نوعٍ جديد بألوهة السيِّد المسيح ولكن هذه المرّة يأتي الاعتراف من بعيد، ومن جهةٍ لم ترَ يسوع إلاّ من خلال أعماله، وكان إعلان السيِّد المسيح المباشر قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ (35).

ماذا قصد يسوع المسيح عندما قال لتلاميذه بعد أن سمع بمرض حبيبه لعازر هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجّد ابن الله به، وبعد مدّة قصيرةٍ من الزمن ردّد الكلام نفسَه بعد أن عرف من تلميذيه فيليبُّس وأندراوس أنَّ يونانيّين يريدون أن يروه فأجاب: قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ (36). بينما عندما يحضر عرساً في قانا الجليل وطلبت منه أمُّه ليس لهم خمرٌ أجابها: لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ (37). إنّ ساعة المجد التي تحدَّث عنها عند مرض لعازر، والآن عندما جاء إليه اليونانيُّون يريدون أن يروهُ كانت تشير إلى دخوله في الآلام، وساعة المجد ستبدو جليّةً بعد أن يُصلَبَ ويموت وينهض من بين الأموات بظفرٍ ومجد. فالشهود على ساعة المجد هذه هم من اليهود ومن اليونانيّين في آنٍ، وهذا تأكيد على أنّ يسوع المسيح أسّس كنيسته في العالم من أجل كلِّ من يؤمن برسالة الخلاص، ولا ننسى أنّه في ساعةِ الآلام رفع صوته إلى الآب السماوي قائلاً: مَجِّدِ اسْمَكَ، فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضاً (38).

14- إيمان قائد المئة :

فهؤلاء الذين جاؤوا من بعيد وهم غير يهود ليروا يسوع، تناغمت أفكارهم مع أفكار المجوس الذين جاؤوا من بلاد المشرق ليشهدوا لألوهة السيّد المسيح، وكأنّهم كانوا يعيشون مع تلك المرأة الأمميّة وفي جنسها فينيقيّة ـــ سوريّة التي آمنت بألوهة السيِّد المسيح، ولهذا جاءته تطلب منه أن يُخرج الشيطان من ابنتها، وامتدح يسوع إيمانها وقال لها: يَا امْرَأَةُ عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! ... فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ (39). أو كانوا يرون بعين الرّوح السّاعات الأخيرة من آلام السيّد المسيح وموته على الصّليب، حيث صرخ يسوع المسيح بصوته العظيم: إِيلِي إِيلِي لَمَا شَبَقْتَنِي، أَيْ: إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ (40)، تماماً مثل قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع في تلك الليلة (مت 27: 51-53)، هؤلاء أي: قائد المئة ومن معه، لمّا رأوا الزلزلة وما كان، خافوا جدّاً، وقالوا حقّا كان هذا ابن الله !! ما هذا الاعتراف الخطير من قِبَلِ قائد المئة غير اليهودي، ولم يختلف القدّيس مرقس عن الإنجيلي متّى عندما قال: وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هَكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ قَالَ: حَقّاً كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللَّهِ! (41).

فاليونانيّون الذين جاؤوا من بلادٍ بعيدة، وكذلك المجوس، والمرأة الأمميّة، وقائد المئة، والحرّاس الذين كانوا معه كلّهم كانوا شهوداً بأنّ رسالة السيِّد المسيح ليست محصورة بزمنٍ، أو مكان، أو شعب أو ثقافة، بل هي للجميع والكلّ يستطيع أن يكون عضواً في كنيسته وينال نعم الخلاص.

المراجع :

1-1 كور 15: 14  2- مت 23: 13 – 16 و23 و25 و27 و29/ لو 11: 42-44 و46 و47 و52

3-لو 13: 28                   4-أع 6: 1           5- أع 9: 26 – 29            6-مت 23: 15   

7-يو 7: 34                     8-يو 7: 35         9- أع 11: 19-20            10- رو 1: 16-17

11- رو 2: 9                    12- رو 10: 11-13          13- عدد 24: 17

14- يو 12: 21                15- يو 11: 3-4  16- يو 11: 7 - 8

17- يو 11: 9 – 10          18- يو11: 12                 19- يو 11: 23                20- يو 11: 24

21- يو 11: 25-26          22- مت 3: 11                23- مت 3: 10-17           24- يو 1: 29

25- مت 16: 13-16         26- يو 11: 27                27- غل 3: 1                   28- غل 2: 19 و20

29- يو 5: 24                  30- يو 5: 29                  31- رؤ 7: 17                  32- مت21: 9

33- مت21: 10-11          34- يو11: 4                   35- يو12: 23                 36- يو12: 23

37- يو2: 4                     38- يو12: 28                 39- مت15: 28               40- مت27: 46

41- مر15: 23