يعقــوب افــرام منصــور يبحــر بأمانيــه واهوائــه بيــن الديــن والدنيــا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 08, 2016, 10:06:49 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

     يعقــوب افــرام منصــور
يبحــر بأمانيــه واهوائــه بيــن الديــن والدنيــا



برطلي . نت / بريد الموقع

مال اللـــــه فـــرج
Malalah_faraj@yahoo.com


................................................................................... 
انت اخي، ان تعارفنا اولا .. انت اخي ، من اي لون بشرتك ومن اي عرق هو عرقك ومن اي قوم هم قومك ومن اي دين هو دينك ومن اي مذهب كان مذهبك، فانت اخي من تراب وماء هذه الارض.
....................................................................................   
لعل من بين ابرز الاشكاليات التي وضعت بصماتها وما تزال على النفس البشرية، ملقية بافرازاتها وتأثيراتها على العلاقات الاجتماعية غالبا وعلى الاتجاهات السياسية ايضا، (العلاقــة الجدليــة بيــن الديــن والدنيــا)، وعلى الرغم من كون هذه الاشكالية تتعلق بخيارات الانسان وقناعاته الشخصية لاسيما في ظل السعي الاممي لترسيخ الحريات العامة والشخصية ومبادئ ومضامين الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبما يحترم الخصوصية الفردية ويضمن عدم المساس بأي من خيارات الانسان الاساسية ، بيد ان هذه الاشكالية استطاعت ان تشرئب بعنقها من بين ايدلوجيات الكثير من الانظمة السياسية في عصرنا الراهن  لتطل برأسها هنا وهناك محاولة ومن خلال انظمة وتنظيمات متشددة ان تفرض على الاخرين صيغا واساليب وممارسات حياتية خاصة ، ملغية حقوقا وخيارات انسانية جمعية وشخصية وممهدة الطريق امام انبثاق اساليب وتصرفات وممارسات منغلقة، غالبا ما تتربى وتنمو باحضان التطرف واقصاء الاخر لتأخذ شكل العنف ومن ثم لتنخرط في ايدلوجية الارهاب سواء كان فكريا ام قوميا ام دينيا ام طائفيا ام سياسيا.
في خضم هذه الاجواء العاصفة في هذا الزمن الهجيني الذي فقدت فيه الكثير من المجتمعات امنها واستقرارها وسلامها وطمأنينية شعوبها وهي تتعرض لمثل هذه العواصف المتطرفة التي تسعى لالغاء حقوق الانسان وحرياته، بل ومحاولات اعادة تشكيل (انســـانيته) وخياراته قسريا وفق ممنظور متطرف، نشر الكاتب والاديب (يعقـــوب افـــرام منصـــور) اشرعته وسط هذه الاجواء العاصفة، وهو يرفع مرساته مبحرا وسط امواج عاتية لبحر غاضب، محاولا بمرونة فكرية وبقيم ومفاهيم انسانية نبيلة الوصول الى منتصف الطريق حيث تزدهر جزيرة المحبة الانسانية عبر تمازج الاراء والافكار والايدلوجيات والخيارات على قاعدة الارادة الواقعية التي بامكانها ان تعقد قران القيم والمبادئ الروحية النبيلة على اهواء الدنيا والممارسات الانسانية فيها، محاولا عبر كتابه الاخيرالذي كان اشبه بموسوعة غنية تمددت وتوسعت وتنوعت مواضيعها على مدى (800) صفحة من الحجم الكبير الدخول عبر بوابة (اعمــل لدنيــاك كأنـــك تعيـــش ابـــدا ... واعمـــل لاخرتـــك كأنـــك تمــوت غـــدا) الى معترك هذا الزمن الصعب بكل اشكالياته وتحدياته واهوائه ومخاطره ليرسخ قواعد انسانية خلاقة تتمازج في اجوائها اشراقات القيم السماوية الروحية الجليلة، بعطاء الانسان وعلاقاته بالاخرين.
فمن خلال كتابه الموسوعي (الامانــي والاهـــواء بيـــن الديــن والدنيـــا) يمد الينا الكاتب (يعقـــوب افـــرام منصـــور) يده لتتشابك باصابعنا بمودة وليأخنا بجولة فكرية ممتعة في روض من الرومانسية الفكرية المضمخة بمهنية عالية في الاحاطة بما يريد طرحه، مطرزا افكاره باضاءات من القيم  السماوية النبيلة التي جاء بها الانبياء والرسل، ومستلا من بين تراكمات التاريخ شهادات حية للكثير من الفلاسفة والمفكرين والادباء والمصلحين ومتوقفا بنظرات نقدية امام مختلف الحضارات التي مرت على وجه عالمنا فرسخت قيما واقامت انظمة وتلاقحت وتمازجت مع حضارات اخرى لتنتج بالتالي تجاربا تواصل بعضها واندثر الكثير منها ولف الظلام اجزاءا اخرى لكنها مع هذا وذاك تركت بصماتها على الفكر الانساني وتحولت غالبا الى ثوابت قانونية انجبت بالتالي القوانين والتشريعات والاتفاقيات الدولية التي اجمعت كلها على احترام حرية الانسان وخياراته ومعتقداته وحقوقه التي تشكل الضمانات الاساسية المادية والفلسفية لانسانيته.
   فمن بين اضاءات وقيم وتاكيدات وايحاءات وشواهد ومشاهد والاستعارات الروحية والفلسفية يحاول منصور ان يبلور حقيقة موضوعية يحددها بكلمات ثلاث (الانســان اخــــو الانســـان)، صارخا ملئ فمه بالانسان في كل مكان مهما كان دينه وشكله ولونه وافكاره ومعتقداته ومزاجه وخياراته وفقره ام غناه (انت اخي، ان تعارفنا اولا .. انت اخي ، من اي لون بشرتك ومن اي عرق هو عرقك ومن اي قوم هم قومك ومن اي دين هو دينك ومن اي مذهب كان مذهبك، فانت اخي من تراب وماء هذه الارض ، فيك كما في نسمة حية من روح مهندس الكون الاعظم بثها فيك وفي وفي البرايا قاطبة ذو الجلال والاكرام المبدع الاسمى، نفسا عاقلة ناطقة مدركة تعقل العدل والحب والفضيلة آمنت بذلك ام لم تؤمن)، مضيفا في هذا العرض الموجز الذي يصلح لان يكون احد المواضيع الدراسية التربوية الاساسية (انت اخي في البشرية وانا اخوك في الانسانية رضيت باخوتي ام لم ترض .. انا يا صاح اخوك حتى لو اضطهدتني وقتلتني او اكلت لحمي، لو كنت من اكلي لحوم البشر).
واذ اغنى بافكاره العلاقات الانسانية فانه صاغ من قيمها جسرا للامساك بقيم التفاعلات الحضارية عبر مختلف العصور والذي اثرى القواعد الفلسفية لمختلف التجارب الانسانية، وكأني به يؤكد ان الحضارات المختلفة حلقات متصلة تكمل احداها الاخرى وتكون في نتاجها السلسلة  التي تحيط بالتاريخ الانساني موضحا( لقد تعايش السومريون والاكديون في بلاد الرافدين  متجاورين متحاورين متقابسين، والحضارة العربية ــ الاسلامية تحاورت مع حضارات الاغريق والروم والفرس والهنود والصينيين والاتراك والسريان، فحفلت اللغة العربية بمفردات كثيرة من لغاتهم اوردتها المعاجم العربية، كما زخرت لغات هذه الشعوب الاعجمية بمفردات ومصطلحات ومسميات عربية كثيرة).
الى ذلك وتحت عنوان (العالم الذي نتمناه) يرى يعقوب افرام منصور ان (الشرائع السماوية قد انزات من خلال الانبياء والرسل بقصد تنظيم الحياة في مادياتها وروحانياتها تنظيما سليما بين الافراد وان هذا التنظيم واهميته تزدادان كلما تعقدت الحياة واتسعت المدن، اذ لم تكن الغاية من انزال الشرائع السماوية التوحيدية ان يغدو الانسان سيدا متسلطا على اخيه الانسان)، ويرى منصور ان (هذه الغاية الانسانية النبيلة ذات مفهوم يخالف التفسير الخاطئ الذي يتبناه الكثيرون حيال الشرائع الالهية، اذ هم يرومون ان تكون قانونا مما يجعل الانسان الفرد وكذلك المجتمع الانساني عبدا للقانون) مؤكدا على ان (هذه الشرائع رسالات هدى وهداية وليست قوانين).
واذ يستعيد في هذا الجانب الحيوي عبارة الانجيلي اللاهوتي يوحنا (ان الله محبة) التي يرى فيها بانها الاجمل والاقصر في تحديد مفهوم (الله) عز وجل، فانه ينطلق من هذا المعنى الجليل لكون ان (الله محبه) متسائلا (ما احرى بالخلائق ان يحب بعضهم بعضا؟ فبهذه المحبة المتبادلة بين البشر تكون البشرية قد احبت الله ايضا، وحينئذ تسود العدالة)، وفي خضم تلك المحبة، يرى  يعقوب ان العدالة كونها روح الحق (فأن روح الحق تحررنا، فسيادة العدالة انما تكون لصالح حقوق المظلوم واليتيم والارملة والفقير والمهمش والمنبوذ) ليخلص عبر ذلك الى فلسفة رؤيته للشرائع السماوية (الشرائع الالهية اسمى من الشرائع البشرية الارضية لان الثانية تخلو من عنصر المحبة ومن كلمة ووصية المحبة اصلا ) متسائلا (فماذا تقول الشرائع الالهية للخلائق؟).
ويجيب منصور على تساؤله ذاك بعدة نقاط  لعل اهمها (ان يحب البشر الله من كل قلوبهم وانفسهم وقدراتهم واذهانهم، وان يحبوا الاخر الذي هو اخوهم في الانسانية) مشددا على ان (السلطة الدنيوية والروحية تعني الخدمة وليس السيادة والتسلط والاستعباد، وان الله جل وعلا هو السلام، والسلام من اسمائه الحسنى، والسعادة والحق في السلام).
وبعيدا عن اشكالية الاماني والاهواء بين الدين والدنيا ، وملامسة الكثير من التجارب الفلسفية والاغناءات الفكرية ومحاولات التغلغل بين افكار ومعتقدات واراء وتحليلات وكتابات (جوش ماكدويل وجبران خليل جبران وليو تولستوي وفرانسوا دولا وطاغور ولينين وانشتاين وسواهم) وهو يستشهد بمقولة هذا ويستعير فلسفة ذاك، رمى المؤلف مرساته على شواطئ القصة القصيرة مغنيا موسوعته بعشر قصص كان منها (عازفة الارغن ، والمعلمة الجديدة ، وبائعة الصحف، وشتاء قلب، والموسيقي الضرير) جسدت حالات انسانية مختلفة الاشكال لكنها تلتقي في معظمها ازاء حالة المعاناة الانسانية،كما في قصة(بائعة الصحف) التي جسد فيها جانبا من مآسي الحرب في زمن النظام السابق، حيث فقدت بطلة القصة (نورية) زوجها في ساحات القتال، تاركا لها طفلين لتضطر الى العمل بائعة للصحف قي الشوارع والساحات العامة متحملة تحرشات البعض وسماجة اخرين وعطف الباقين وهي تواصل نهاراتها الكئيبة في عرض الصحف من اجل اعالة طفليها، وكأن القدر كان قد عقد جل اماله على جعلها لوحة حقيقية للشقاء، فما ان بلغ ابنها الكبير الثامنة عشرة حتى سيق هو الاخر ضمن تشكيلات الجيش الشعبي ليستشهد ايضا قبل اسبوع من وقف القتال، وكأن القدر لم يكتف بتلكما المأساتين ، حيث انتقلت هي الاخرى الى جوار ربها اثر تعرض المنزل المتواضع المتهرء الذي تقيم فيه الى قصف صاروخي مجهول من اجل ان تكتمل فصول مأساة متفردة بفواجعها المركبة.
ولا يتوقف هذا الاديب التسعيني الذي احسه يعمل بديناميكية شابة وبعطاء متجدد الحيوية، امد الرب بعمره، ازاء ثراء الموضوعات الحيوية التي اشرنا اليها بهذه العجالة، بل ان فكره الموسوعي يمسك باهتمامات القارئ باقتدار وبحرفة ادبية عالية الشفافية عميقة البلاغة كثيرة التنوع ليجعله يقف مشدوها وهو يتأمل غزارة عطاء فكري استطاع ان يلامس معظم اهتمامات النفس البشرية والهموم المجتمعية ويسبر غورها ويتعمق بابعادها ليخرج لآلئ من الرؤى والافكار وهويتننقل بنا بين اكثر من (110) محطات كان منها (العالم الذي نتمناه ودرس في التسامح لعالم مضطرب وحب الانسانية الشاملة والمسيح سيد التاريخ ومن اجل دستور امثل لعالمنا والعمى الروحي والدين والشهادة وحضارة المحبة وواثر حوار الحضارات في التوصل الى السلام وخلاصة اراء ارسطو في الانسان وحجاب المرأة في العصور المختلفة وسواها).
ولعل من المفيد ان نتوقف في محطة انسانية شفيفة ومؤثرة في ان معا ، تلك هي مواسم البكاء في مسيرة هذا الكاتب الحيوي المبدع الذي استطاع بحرفية ادبية مقتدرة ان يجمع الكثير من اللآلئ التاريخية والفكرية والفلسفية ليضعها بين ايدينا، فمتى بكى يعقوب افرام منصور؟
يعترف منصور بمنتهى الموضوعية والبساطة(كثيرة هي الاشياء والاسباب التي ابكتني وتبكيني بين حين واخر، واول حالة بكاء اعترتني يوم بلغني نعي الملك غازي في عام 1939 وكنت وقتها ابن الثلاثة  عشر ربيعا وانا في الصف السادس الابتدائي في البصرة، وبكيت عندما بلغني نبأ تكريمي من رابطة التراث العربي في استراليا عام 2009 بجائزة جبران الادبية العالمية، كما ابكي اذا لهج لساني بذكر ابي او امي او قرينتي.
بقي ان تعرف اخيرا عزيزي القارئ، ان الكاتب والاديب يعقوب افرام منصور من مواليد البصرة عام 1926 وهو عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين منذ عام 1959 وعضو جمعية المترجمين العراقيين منذ 1979 وكتب في الكثير من الصحف والمجلاتالعربية منها الاديب والورود والعرفان والسنابل اللبنانية، وافكار ورسالة المعلم الاردنية، والعربي ولبيان الكويتيتان، وفكر وفن الموسوعية الالمانية ، ومن نتاجاته، (نوافذ، نقد ادبي 1958) و(جبران خليل جبران، نقد ادبي 1958) و(ومسرحيتا لعازر وحبيبته والمكفوف (2001) و( الموجز في التصوف المسيحي والزهدي وبعض ابرز اعماله 2007)  و(من ادب الرحلات ومن وحي السفر والتجوال والذاكرة 2012).
اخيرا لابد من الاشارة الى التقديم الثر والرائع الذي حظيت به هذه الموسوعة من قبل الزميل الاديب (بطرس نباتي) الذي ابحر بين مواضيعها واجاد في اصطياد ماسات افكارها وتوقف في ابرز موانئها، ممهدا الطريق امام الكثير من الملاحظات والمناقشات حولها، كما لابد من الاشادة بمبادرة اتحاد الادباء والكتاب السريان في الاحتفاء بهذا المنجز الثقافي مما اتاح للحاضرين فرصة الاستماع الى لمحات من موضوعاته ومناقشة فصوله، واشد على يد الزميل العزيز(راوند بولص) رئيس الاتحاد الذي حرص ويحرص على تعزيز حضور الاتحاد في مختلف المناسبات الثقافية والادبية،  بل واحتضانها حيث تم في ختام المناقشات توقيع نسخ من قبل المؤلف لتزدهي الثقافة والمكتبة الوطنية بمنجز جديد جدير بالاشادة والتقييم.