تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

يوميات مُهجَّر / منظمات

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, سبتمبر 28, 2015, 10:15:42 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

يوميــــــــــــات مُهجَّـــــــــــــر
منظمــــــــــــــــات


بهنام شابا شمني

رن جرس هاتفه النقال الذي يحرص دائما على وضعه الى جانب فراشه قريبا من رأسه على ارضية الكرفان الذي اضحى منزله الجديد بعد ان طُرِد من بلدته مع آلاف اخرى من بني دينه في واقعة اُطلِقت عليها مفردة ( التهجير ) أو ( النزوح ) في احيان اخرى . لذا فقد أخذ هو صفة ( نازح ) .
النازح كثيرا ما يهتم بهاتفه النقال ليس للقيام بالاتصالات الهاتفية الاعتيادية اليومية ، ولكن لكونه صلة الوصل الوحيدة بينه وبين لجان الاغاثة ومنحة المليون والبطاقة الذكية ولجان توزيع المواد الغذائية والمنتوجات النفطية والمنظمات الانسانية وغير الانسانية ...وألخ ، التي تتعامل مع هذا النازح بصيغة الرسائل عبر الهاتف النقال . ولهذا تجد النازح يولي اهمية قصوى للرسائل التي تصله وما اكثرها فتلك التي تصله من شركات خدمة الهواتف النقالة او تلك التي تصله من اصدقائه واقربائه وغيرها وقليل منها ما تكون من الجهات السابقة التي ذكرتها والتي تهتم بشؤون النازحين ، وعليه قراءة جميع هذه الرسائل عسى ان تكون احداها تخصه كنازح .   
كان صوت الهاتف ينبهه برسالة وصلته . الساعة قد عبرت الواحدة ليلا بنصف ساعة ، مد يده الى جانب الفراش وبدأ يتحسس هاتفه النقال في الظلام الذي يغطي ارجاء الكرفان ، لم يكن هو وحده من استيقظ على صوت منبه الرسائل في هاتفه ، بل كل من كان في الكرفان من العائلة ، والكل ينتظر ان يعرف فحوى الرسالة . لربما تكون تبليغا للحضور لاستلام سلة غذائية او مساعدة مالية او منحة المليون وغير من ذلك ، وهي رسالة تستحق ان تنشغل العائلة النازحة بها .
بعد بحث بيده يمينا ويسارا على ارض الكرفان عثر على هاتفه النقال وما بين عين مغمضة واخرى مفتوحة واذا برسالة تبلغه بالحضور غدا صباحا الى المحل الفلاني مع جلب وثائقه الرسمية ( المربع الذهبي ) وهويات العائلة مرفقة مع صورته الشخصية . لم ينتظر السؤال مِن مَنهم معه في الكرفان بل أخذ يقرأ الرسالة باعلى صوته والفرحة بها اخذته متيقنا ان الجميع ينتظر سماع ما تحتويه الرسالة .
لم يهدأ في فراشه فأخذ يتقلب عليه يمينا وشمالا منتظرا بزوغ الفجر . نهض صباحا على غير عادته لاغيا كل مواعيده واعماله فالامر لا يحتمل التأجيل في مثل هذه الحالات ، سيما وقد اختبر الموضوع بعد مرور اكثر من سنة على تهجيره ، فعدم الحضور او التأخير في ذلك يعني تجاوز اسمه وبالتالي حرمانه من المساعدة .
نهض على عجل للحاق بالموعد بعد ان حمل كل المستمسكات المطلوبة ولبِس افضل ما عنده من الثياب التي حصل عليها من مساعدة سابقة كان قد احتفظ بها لهكذا مناسبات ، وهندم نفسه لان في الامر التقاط صورة شخصية له ، وربما ستُلتَقط له صورة وهو يستلم المساعدة .
وصل الى المكان المحدد في موعده ووجد امامه آخرين قد سبقوه في الحضور كان قد وصلتهم نفس الرسالة ، علم بعدئذ انه قد تم اختيارهم من قبل المنظمة صاحبة البرنامج ، وما هي آلية الاختيار لم يعرفها احد . ولكن جميع الحضور هم من ابناء بلدته .
حضر الفريق وهم يرتدون ( جاكيتات ) كُتِب عليها باللغة الانكليزية ( كاريتاس ) وبدأ العمل بادخال مجموعة بعد اخرى وفق جدول معد . لم يكن هناك شيء يُوزع ولكن الغاية هي اصدار هويات مما يتطلب الحصول على معلومات دقيقة ويتطلب ايضا بعضا من الوقت مع كل شخص ، هناك ايضا اشخاص ينظمون العملية لتكون اكثر انسيابية . لحسن الحظ ان اشجارا عالية تتواجد في المكان مما تركت ظلا واسعا التجأ اليه جميع الحاضرين فالامر قد يطول حتى الظهر .
بدأ الوقت يمر والظل ينحسر شيئا فشيئا حتى بات خطا مستقيما ، التصق الموجودين في المكان واحدا بالاخر هربا من حرارة الشمس المحرقة في هذا الصيف اللاهب والوقت يشير الى الواحدة ظهرا .
يخرج شخص من المنظمين ليبلغ الموجودين في الخارج بان الفريق قد اكتفى بالعمل هذا اليوم وسيواصلونه غدا صباحا ، علما انه لم يبقى الا القليل منهم وبعد سؤال واستفسار تأكد الجميع ان اسمائهم قد دخلت البرنامج ولا بد من اكماله . ثم انصرفوا عائدين الى دورهم أملا في اتمام ذلك غدا صباحا .
عاد في صباح اليوم التالي الى المكان نفسه بعد ليلة قضاها قلقا ، تأخذه الافكار السوداوية تارة والاحلام الوردية تارة أخرى ويتساءل ماذا عسى ان يكون وراء هذه الهوية وما حجم الاستفادة منها وهو بامس الحاجة اليها حتى بان على وجهه التعب عند حضوره الى المكان ، وكما في اليوم السابق ايضا الغى كل مواعيده واعماله . العدد ليس كبيرا فبامكان الفريق انهاء العملية في ساعتين تقريبا . حضر الفريق وبدأ العمل وما هي الا ساعة من الزمان اعلن احد المنظمين ان الفريق استكفى العدد لذا فعلى المتبقين الانصراف . وكما في مثل هذه الحالات لا يحق لك الاعتراض او الاستفسار من الفريق الجالس في برجه العاجي ، واعتراضك قد يكلفك كثيرا  ، وليس لك الا ان تقدم الولاء والطاعة وتنسحب .
هذا غيض من فيض مما يعانيه النازح من المنظمات التي تعددت اسمائها واشكالها حتى بات التسجيل في بعضها لقاء مبالغ مادية وتمارس مع النازحين افعالا بعيدا عن المفاهيم الانسانية التي تنادي بها وكأن النازح مجردا من المشاعر ، أو آلة تتحكم به كما تشاء .