يسارك شرفك: 2- اليسار واليمين – الفارق الأخلاقي ونتائجه

بدء بواسطة صائب خليل, سبتمبر 05, 2014, 10:47:51 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل



النقطة المركزية التي أريد إيصالها عن الفرق بين اليمين واليسار فيما يتعلق بالإقتصاد، أن ذلك الفرق ليس نظرياً أو علمياً في أساسه، بل هو "فرق مصالح" بين الأثرياء وبين المجتمع، وبالتالي فالموقف منه يمثل "فرقاً أخلاقياً"، رغم أن اليمين يبذل جهدا كبيرا جداً للإيهام بالعكس. فلو كان ذلك الفارق يتجلى بمقارنة إنتاجية السياسة الإقتصادية اليمينية (حرية السوق والخصخصة والرأسمالية عموماً) واليسارية (القطاع العام والحكومي والتعاوني والإشتراكية عموماً) لكان علمياً ونظرياً. ورغم ان هناك فارقاً من هذا النوع بين الأثنين، لكن الفرق الأساسي هو في أين يذهب ذلك الناتج، وإلى أية جيوب تذهب الأرباح وكيف يتم تقسيمها بين الجهات المختلفة المشاركة في عملية الإنتاج والسيطرة عليها. ولأن الفارق الأساسي هو من هذا النوع، فأن الصراع بين الطرفين صراع عنيف ودموي، يميز صراعات المصالح وليس الصراعات بين النظريات العلمية البحتة التي يمكن حلها بالحسابات أو التجارب. فلا يمكن أن تثبت للعامل "علمياً" أن الأرباح يجب أن تذهب إلى الرأسمالي، ولا العكس، وبالتالي فأن الجدل الذي يطرح في الإعلام حول أهمية الخصخصة وحرية السوق، جهد إحتيالي في أغلبه، يهدف إلى إقناع الناس بالتخلي عن معظم حصتها من ثروات بلادها للأثرياء والأجانب.

أخلاقية اليمين وخطرها على البلاد

في مقالتي" لماذا مصالح الفقراء دائماً بالآجل؟" والتي نشرتها في شباط 2012 تجميع لعلائم السياسة الإقتصادية للحكومات العراقية منذ الإحتلال، أي بعد ثمان سنوات من ثروات هائلة كانت تصب في البلاد، تبين أن كارثة سياسة حرية السوق الإقتصادية التي فرضت على الشعب في دستوره الذي لم يستشر فيه ولم يطلع عليه، وكذلك السياسة الأمريكية للحزب الجمهوري، الهادفة إلى عدم السماح ببناء طابوقة واحدة في البلاد، وتوجيه ثرواتها لعملائها في كردستان ولصوص بغداد. جاء في المقالة:
"يتعجب صادق حسين الركابي، كيف يمتلك شعب عشرات المليارات في خزانته، ورغم ذلك يبقى العراقيون "أغنياء تحت خط الفقر."؟ (1) لكن الصورة تتوضح شيئاً فشيء، والعجب يزول تدريجياً. ليست فقرة "مساكن الفقراء" هي السابقة الأولى من نوعها التي يصوت ضدها أو توضع على "رف الآجل"، ولم تكن الكهرباء هي الأولى ايضاً، بل يبدو أنها القاعدة العامة للتصرف بأموال الدولة، وأن مصالح الفقراء دفعت دائماً إلى "آجل" غير مسمى. ولولا ذلك لما وجدنا 7.6 مليون عراقي بدون مياه صالحة للشرب (2)، ولا جلس التلاميذ في مدارس الطين التي بلغت الألف مدرسة في العام الماضي، ومازالت تتكاثر، يعانون الحر الشديد في الصيف، وفي الشتاء ينقلون المدافئ القليلة بين الصفوف والإدارة، لكي لا يتجمد أحد من البرد (3)، ولا عاش "اكثر من نصف الشعب العراقي ... بأقل من "نصف بقرة" اوروبية!" (4)، ولا أضطر بعض العراقيين أن يبيع أعضاءه (5)، أو تصل الحالة بأب أن يبيع إبنه أو آخر أن يلقي به في النهر لشدة العوز! في ثاني بلد في إحتياطي النفط، وبعد سبعة سنين من ديمقراطيته (6).
في هذه الأثناء، كان وزير المالية باقر جبر الزبيدي يعلن أن العراق وقع اتفاقا مع الوكالة الدولية لحماية الاستثمار يقوم البنك الدولي بموجبه برصد 17 مليار دولار لحماية المستثمرين في العراق من "أية إجراءات تعسفية محتملة." وطبيعي أن البنك سيقوم باستقطاعها من العراق لاحقاً! فمن الذي قرر ان يعطي الإستثمار 17 ملياراً وأن الناس لا يستحقون أكثر من ثلاثة؟ هل انتخبه الشعب، أم "الإستثمار" يا ترى؟ (7)

قبل ثلاث اعوام تقريبا قال علي الدباغ، الناطق باسم الحكومة العراقية أن "عدد الأيتام في العراق يفوق قدرات الدولة العراقية!" ومن الطبيعي أنه يقصد أن "قدرات الدولة العراقية" بعد استقطاع المصروفات الباذخة والرواتب الضخمة والسيارات الغالية والسرقات الكبرى، فأن "عدد أيتام العراق" سوف يفوق ما يتبقى من قدراتها! كتبت حينها في مقالة لي بعنوان "قدرات الدولة وأيتامها"، وشبهت حالة الشعب العراقي بالشعب المصري تحت حكومته السابقة التي ولا تجد المال اللازم لسكن أبنائها سوى المقابر لأنه "يفوق قدرتها" أيضاً، لكن دعم إسرائيل من تصدير الغاز المخفض بمقدار 13.5 مليون دولار في اليوم، لا "يفوق قدرتها". (8)
إن الإتجاه الحالي للساسة العراقيين بمختلف كتلهم هو الإتجاه الذي فرضه ويباركه الإحتلال الأمريكي ويزيد من فرص صاحبه للصعود في منظومة اللصوصية المنظمة والمقنونة لتدمير اقتصاد البلاد، وتقف بالتالي بالعكس من مصالح الشعب العراقي تماماً. فهناك تسابق واندفاع يكاد يكون جنونياً نحو الإستثمار وإطلاق حرية السوق الوحشية  والتبذير في استخراج وبيع النفط وكانه قذارة يجب التخلص منها بسرعة، وبلا اي تخطيط ولا اي حساب لما يحتاج إليه البلد وما يستطيع أن يستخدمه من امواله. مخططي الإقتصاد العراقيون، (إن وجدوا) يخبرونا أنهم "يخططون" للوصول إلى 12 أو 14 مليون برميل في اليوم، لكنهم لا يخبرونا لماذا يريدون ذلك. المهم أن نغلب السعودية في تبديد ثروات بلدنا لندخل مقياس جينيس.
من المتوقع أن يستمر نهج السياسة الإقتصادية لرئيس الوزراء المنحى نوري المالكي الذي كتب في مقالة له في الواشنطن بوست قبل بضعة سنين انه  يعمل "من اجل تحطيم الحدود التي تعيق الاستثمار من اجل ان تكون هذه الرؤية واقع حقيقي، وانا اعمل باجتهاد مع هيئة الاستثمار لضمان حق المستثمر الأجنبي، من اجل خلق بيئة مناسبة تساعد على قيام الاستثمار" (9).
ماذا عن حق العراقي في "بيئة مناسبة" لحياته؟ ما الذي تم عمله من أجلها؟ يجب أن يدرك الشعب أن هذا الإتجاه مؤسس بضغط الشركات العالمية، وأن لا مصلحة له إطلاقاً في مثل تلك السياسة.
فهل يجب أن نفرح لأن "بورصة العراق تتصدر تداول الأسواق المالية العربية" (10)، في الوقت الذي تعلن فيه وزارة التربية العراقية، عن إيقافها مشروع التغذية المدرسية المقرر تطبيقه للمدارس الابتدائية للعام 2012 ، والذي يتضمن قطعة بسكويت وقدح حليب وقطعة فاكهة، بسبب قلة التخصيصات المالية للوزارة؟(11)
لقد شبه عبد الزهرة المنشداوي في مقالة له في المدى الفوارق بين رواتب المسؤولين ورواتب الناس، بالذي (يأكل بين عميان)، فيستغلهم بلا رحمة أو ضمير (12)،  وهذا هو الحال كما يبدو. لذلك فعلى الناس أن "تفتح أعينها" إن أرادت الأكل من وليمة الميزانية، وإن أرادت لأطفالها أن تتعلم وتنمو بشكل سليم، فالأمر لا يتعلق بالفساد وحده، بل هناك مؤامرة مقصودة هدفها عدم السماح ببناء طابوقة واحدة في العراق. عليها أن تتساءل عن فائدة أي مشروع بالنسبة لها مباشرة، وأن لا تخدع بعبارات لا ناقة لها فيها ولا جمل، مثل النانو تكنولوجي والبورصة والإستثمار وحرية السوق وصندوق النقد الدولي والخصخصة، فليست هذه إلا عبارات منمقة لأدوات لصوص أخترعت لتنظيم سرقة ثروات الشعوب قبل ان تبني بها بلدانها.



كل هذه الحقائق نقلت من بلد ينعم بثروة هائلة ويسيطر عليه اليمين تماماً لعقد من الزمن. فدولة الإحتلال يمينية مؤمنة بالخصخصة وتعبد حرية السوق، والشروط التي وضعتها لتقليص الديون الفاسدة تستهدف تقيد البلاد بذلك الخيار، والدستور الذي وضعته يثبت ذلك "الدين" نهائياً في البلاد، وجميع الساسة اللاهثين وراء رضاها يهتفون بحرية السوق وكل الإعلام الذي دفعت ثمن تأسيسه يكرر "قيمه" على مسامع وأبصار الناس بلا كلل، وحتى اليسار في البلاد قد تزيف في معظمه وصار يتملق حرية السوق. لذلك فاليمين وسياسة حرية السوق الرأسمالية هي المسؤولة وحدها عن كل هذه النتائج وكل هذا الفساد المتزايد الذي يعم البلاد. اليمين لا يسعه الإعتراف بهذه الحقيقة، بل يدعي أن الطريق لبناء اقتصاد الدولة هو في "حرية السوق". وهذا إدعاء كاذب تماماً لم تفنده كل تلك الحقائق في العراق وحده، بل تفنده كل تجارب التاريخ، فكل الدول التي تنادي اليوم بحرية السوق قد بنت اقتصادها على أسس حمائية في البداية على الأقل، وهي تستمر بها بشكل سري اليوم ايضاً.
لقد تحدى البروفسور جومسكي أن يقدم أحد له مثالاً واحداً عن بلد تم بناء إقتصاده عن طريق حرية السوق، فلم يجد من يقبل تحديه! كلها بنيت بالحماية، على مدى التاريخ، من بريطانيا وأوروبا إلى أميركا إلى نمور آسيا واليابان والصين، فلماذا يطالبون العراق أن يبني صناعته بحرية السوق؟ إن من يقول بحرية السوق والقطاع الخاص، لا يريد لبلاده وشعبه الخير.

حرية السوق ليست خياراً إقتصادياً للشعب بل طريقة لنهب ثروته. يجب أن نواجه هذه الحقيقة وننتهي من الآمال المزيفة المعلقة عليها. وهذا صحيح بشكل خاص في العراق حيث لا يوجد أي انتاج في هذه الفترة الزمنية لكي نناقش زيادته والأسلوب الأمثل له، وكل الثروة هي نتيجة استخراج ثروات الأرض وبيعها، وبالتالي فأن "توزيع الثروة" على الأولويات هو الموضوع الوحيد المطروح للخيارات. إن العدل يقول أن تلك الثروات يجب أن تصرف بشكل ينظمه ويسيطر عليه الشعب (الناس بشكل عام) فتعطى الفئات الأكثر فقراً والحاجات الأساسية للمجتمع مثل الصحة والتعليم الأولوية القصوى، بينما تفضل "حرية السوق" الحديث عن قيمة البورصة ونشاطها وأهمية الخصخصة، وبشكل عام إلى كل ما يهم مصالح الأثرياء وزيادة ثرواتهم ويقف بالضد من المشاريع الأساسية للشعب، كما يؤكد بنك النقد الدولي صراحة.

إن فهمنا حقيقة أن الفرق بين اليمين واليسار أخلاقي وليس علمي في الأساس، نفهم بوضوح أنهما ليسا "خياران" يمكن المقارنة بينهما لشخص له حرية الإختيار، وأن الخيار المنطقي الوحيد، والذي يمثل مصلحة الناس هو الخيار اليساري، وان الخيار الآخر ليس سوى أمر يفرضه اللصوص بالقوة والإحتيال السياسي والإعلامي، وأن الشعب سوف يحصل من ثروة بلاده بقدر نجاحه في مقاومة هذا الإتجاه اللصوصي لثروته. وهذه المقاومة لها جانبان: بالقوة، أي بفرض الخيار اليساري فرضاً، بالإنتخابات والتظاهرات وغيرها، وبالوعي، أي بتوعية الناس لمصالحها ولحقيقة اليمين وما يعنيه، وتفنيد كل الحيل وتعكير المياه الذي يقوم به جيش من "الإقتصاديين" من ضخ التشويه والعبارات المضللة المعقدة التي توهم الناس أن القضية أعقد من أن تستطيع فهمها، وبالتالي أن عليها أن تتركها لهؤلاء المحتالين الداعين إلى حرية السوق.

المجتمع  بين "الأخلاق" والقانون، وحرية السوق

ولكي نفهم ما يحدث حولنا، وندرك البعد الأخلاقي للموقف السياسي لابد من العودة إلى الخلف بعض الشيء. لقد اخترع المجتمع البشري "الأخلاق" من أجل حل التناقض بين طبيعة الإنسان الإجتماعية، وحقيقة كونه مدرك لمصلحته الشخصية التي قد تتعارض مع مصلحة المجتمع، وفق هنري بركسون في كتابه: "منبعا الأخلاق والدين". ولا يحتاج مجتمع النمل والنحل إلى "اخلاق" لأن النملة والنحلة لا تعرف مصلحتها الشخصية، وليست بحاجة إلى ما يدفعها إلى العمل من أجل مجتمعها أو التضحية بنفسها دفاعاً عنه.
لكن المجتمع يتعرض للخطر كلما صعد في سلم التطور الحيواني، وزاد إدراك أفراده لمصلحتهم الشخصية، فاخترع "الأخلاق" لحماية نفسه. وكلما تطور الحيوان أكثر، زاد وعي الفرد لمصلحته الشخصية، وزادت قدرته على إصابة مجتمعه بالضرر من خلال تفضيلها على مصلحة المجتمع، وازدادت بالتالي الحاجة إلى الضوابط لحماية المجتمع.

لم يعتمد المجتمع على "الأخلاق" وحدها لكي يضمن مصالحه لدى الفرد، فاخترع القانون. لكن القانون لا يستطيع أن يغطي كل جوانب المعركة بين مصالح المجتمع ومصالح الفرد. فبداية، فأن من كتب القانون هم أفراد لهم مصالحهم الخاصة ايضاً، ويمكننا أن نرى اثر تلك المصالح الخاصة حتى في أكثر القوانين أساسية بشكل واضح. فالمصالح الأمريكية وذيولها وأصحاب السلطة، حولت "الدستور العراقي" إلى وثيقة مصالح شخصية مدمرة للمجتمع ربما أكثر مما هي في صالحه. وحتى الدستور الأمريكي ذاته قد وضعته مجموعة من الأثرياء وبشكل يضمن مصالح تلك الطبقة وحمايتها من "طمع" الفقراء الأمريكان، كما برهن العديد من الكتاب في عدد كبير من الكتب والمقالات المتوفرة لمن يريد التأكد.
وحتى حين يكتب القانون بشكل أمين بهدف حماية المجتمع فأنه لا يستطيع أن يغطي جميع الحالات الممكنة، ويمكن للمحتالين دائماً أن يجدو فيه ثغرات لتمرير مصالحهم على حساب مصالح المجتمع، كما أن تنفيذ القانون ذاته يعتمد على قوة السلطة التي تريد تنفيذه، وكثيراً ما تكون قوة اللصوص وأعداء المجتمع أقوى منها، وقد رأينا كل من صدام حسين وجورج بوش يسخران من القانون والدستور بغضب على أنه "مجرد ورقة".
في كل هذه الحالات، وخاصة في الظروف التي يفشل فيها القانون بشكل كبير، ليس للمجتمع إلا أن يستغيث بكل أدواته لتغطية ما يمكن تغطيته من ثغرات، ومن أهم تلك الأدوات "الأخلاق" وتعبيراتها مثل "الشرف".

حاول آدم سميث أن يبرهن أن ليس هناك داع للأخلاق ولا أي من أدوات المراقبة الإجتماعية الأخرى للإقتصاد، وأن الخير في أن يترك الأخير لوحده، وأننا إن تركنا كل فرد ليعمل من أجل مصلحته فأن المجتمع سوف يستفيد في النهاية، وفق سميث. فالخباز لا يخبز الخبز من أجل فائدة المجتمع بل من أجل أن يبيعه ويستفيد من ماله، وكذلك بقية المنتجين، وبالتالي فأن العمل من أجل المصلحة الشخصية هو عمل من أجل المجتمع، وفق تصور أبو الرأسمالية، سميث، وعلى هذا الأساس قامت وتثبتت أفكار "حرية السوق" الليبرالية. فهل كانت البشرية مخطئة إذن حين اخترعت تلك الكلمات مثل "الشرف" و "الوفاء" و "الخير" و "النبل" و "الكرم"، وأن تلك الكلمات التضحوية بطبيعتها، كانت زائدة، بل مؤذية وأنها ضللتنا بعيداً عن مبدأ سميث "العظيم" الذي يؤدي إلى خير المجتمع كما يدعي، وأن هذا المجتمع لم يكن بحاجة إلى أية تضحيات لكي يبقى على قيد الحياة ويزدهر؟

إن وجود وضرورة "القانون" بحد ذاته، سواء في القضايا الإقتصادية أو غيرها، برهان كاف تماماً على خطأ فكرة آدم سميث، وأن الفرد إن ترك يعمل لمصلحته بحرية فأن ذلك لا يؤدي دائماً إلى مصلحة المجتمع، وأنه يجب منعه بالقوة من اتباع مصلحته احياناً، ونستنتج بالتالي أن النظام الرأسمالي غير قادر على تصحيح نفسه وإعادتها إلى "مصلحة المجتمع" وأن فلسفة سميث لم تكن إلا مخادعة هدفها إطلاق حرية أثرياء المجتمع لمتابعة مصالحهم بلا تحديد. وبالطبع فأن اثرياء المجتمع قد رحبوا بهذا التنظير أيما ترحيب، وتم نشره كنص إقتصادي مقدس. ويفترض بالناس التي دفعت الثمن كما بينت الحقائق المنشورة في مقدمة هذه المقالة في العراق مثلاً، أن تفهم حجم المؤامرة على مصالحها وتدرك بوضوح حجم الضرر المنوي لها، وأن تتصرف بمبادرة وشجاعة لردعه، وإلا فأن التدهور لن يتوقف، وحالها لن يزداد إلا سوءاً.

اليمين اللااخلاقي -  خيار الشركات

وما دام الخيار بين اليمين واليسار أخلاقياً، فمن الطبيعي أن تلك الشركات التي تهدف إلى سلب العراق وغيره من البلدان ثرواتها، و تسيطر على الساسة في بلدانها، وفي أميركا بشكل خاص، تدفع ببوش وأوباما إلى احتضان كل من يتحلى بالذكاء المقتصر على "الفهلوة" من الساسة في بلدان الضحايا، مصحوباً بانخفاض أخلاقي شديد قدر الإمكان، ليساعدوها في صراعها مع الشعب على ثروات بلاده. فنجد الإدارات الأمريكية المتتالية تفضل صراحة وكما بينا في مقالات سابقة، أياد علاوي، "قطار الفضائح" وأحد أحط من أنجب العراق في كل تاريخه من الناحية الأخلاقية، وكذلك مثال الآلوسي المرتمي في حضن الوحش الإسرائيلي الدموي والعنصري يعالون، والمكلف بمتابعة العملاء العرب الكبار من بعض القيادات الفلسطينية والعراقية وغيرهم وتنظيمهم لتحطيم بلادهم وتجهيزها لاختراق إسرائيل لمجتمعاتها وإخضاعها لإرادتها.
وفي كردستان يجد هؤلاء ضالتهم في الرأس الأكبر في كردستان، مسعود البرزاني وشلته، والذي تعبر عن أخلاقه "البراغماتية" الرأسمالية ، مواقفه من بلاده قبل كل شيء، وفي رغبته الشديدة في العدوان والإستيلاء على أراضي العرب عندما يكون قوياً، والإستعداد التام للتذلل لقياداتهم عندما يكون ضعيفاً والتنسيق معها لتأمين مصالحه مهما كانت تلك القيادات إجرامية. فقبل من أجل تأمين سلطته، بدور "الجحش" لصدام ، واستمر يلعب هذا الدور حتى لفترة طويلة بعد قيام صدام بقصف حلبجة بالكيمياوي وقتله ما يقدر بـ 200 الف كردي في حملة الأنفال بينهم 8000 من عشيرة مسعود ذاته. ولا يتورع  مسعود اليوم عن التباكي عليهم بهدف تأمين المزيد من الإبتزاز للعرب. وقام مسعود بمنح شركات النفط الغربية، وبمساعدة اللص الآخر ، وزيره للطاقة أشتي هورامي، ثروات بلاده في عقود سرية تعتبر الأسوأ في العالم. ويسعى مسعود لإخفاء تلك الحقائق برفع الشعارات القومية المتطرفة إلى حد الشوفينية، واستغلال تعاطف الكرد معها للتعتيم على سرقة ثرواتهم، وكل شيء مسموح في الجو اليميني "اللاأخلاقي" الذي يتبناه مسعود وحزبه. ومن الطبيعي أن لايرفض مسعود ومجموعته أية مهمة، مهما كانت دنيئة، فنراه اليوم الهراوة الأكبر للشركات والإدارات الأمريكية الإسرائيلية الأكبر لتحطيم العراق، وهو الذي تفاخر عندما أدخل "أكسون موبيل" إلى بلاده بأنها "تعادل عشرة فرق عسكرية" وأنها "إن دخلت بلاداً، فلن تخرج منها"!

خيار الشعب ونتائجه البعيدة

الصراع إذن بين الشعب من جهة والشركات وذيولها من الأثرياء والساسة من الجهة الأخرى، صراع مصالح واضح وشرس، والفرق بين موقفي اليمين واليسار (الحقيقي) منه موقف أخلاقي بالدرجة الأساس. ولا يقتصر تعريف الأخلاق هنا على النهب الإقتصادي، بل يتعدى ذلك وصولاً إلى التعريف الإجتماعي والديني للأخلاق، حتى في شكله الجنسي. فكما بينت في مقالتي : "في يومها العاشر – هل تجبر حرية السوق المرأة على العمل كعاهرة؟" أن مبادئ حرية السوق قد تجبر المرأة التي لا تجد عملاً آخر، أن تعمل عاهرة. ليس بضغط الحاجة الإقتصادية فقط، بل وبضغط القانون ايضاً، وليس في البلدان الفقيرة وحدها، بل في أكثر البلدان ثراءاً. فقوانين البطالة لا تستثني العمل في الدعارة بعد اعتبارها عملاً شرعياً يدفع الضرائب، كما حدث في هولندا قبل بضعة سنوات، وبالتالي فهناك الأداة القانونية الواضحة، تحت سياسة حرية السوق اليمينية، لإجبار الدولة للنساء على الدعارة إن لم يجدوا عملاً. لقد اختتمت مقالتي تلك بالعبارة التالية: "أنت يا سيدتي، لست سوى جزء من هذا المجتمع، ولن يعاملك السيد الأكبر، السوق، إلا كما يعامل الباقين، وهو لا يعرف أن يتعامل سوى مع "السلع" وبالتالي فسوف يراك "سلعة" لا أكثر. إنه وحش يكره القيود ولايريد الوقوف عند أية حدود. وهاهو يسعى بجد نحو حريته التي يطالب له ذيوله بها ويحشرونها في دساتير بلادهم. ولكن على من يترك نفسه تحت رحمته بلا قيد، أن لا يستغرب سؤالي في عنوان المقالة أعلاه، فهذا الوحش لا يعرف الحدود، والمدافعون عنه لا يعرفون الأخلاق."

الصراع إذن صراع مصالح، وليس صراعاً "علمياً" بين نظريتين، والموقف منه بالتالي، موقف أخلاقي يسم اليسار بالخلق من جهة، واليمين وحرية سوقه باللااخلاقية اللصوصية الجشعة بوضوح لا لبس فيه من الجهة الأخرى. إنني أتحدى أي من المدافعين عن اليمين وحرية السوق والخصخصة، من المستفيدين منها أومن المكلفين بالدفاع عنها أوالمتملقين لها من اليسار التائب أو المؤمنين بها بحق، أن يذكر أي شيء غير صحيح مما جاء في هذه المقالة، أو أن ينكر النتائج المخيفة تهدد كيان ووجود المجتمع تحت سياسة اليمين، أو ان يضع اية حدود لوحشية استخدام السوق لحريته، إن هي منحت له، أو أن ينسب أي شرف من أي شكل إلى هذا الإتجاه التدميري للمجتمع وأساليب نهب ثروته وتحطيم بلاده.

في المقالة القادمة سنشير إلى مواقف فردية يسارية ويمينية في العراق، للمساعدة على رؤية وتمييز الموقف الذي يوصف بـ "الشرف" والآخر الذي يفتقر إليه.


(1) http://al-nnas.com/ARTICLE/is/16t.htm
(2) http://www.margaya.com/forum/index.php?topic=16601.0
(3) http://www.yanabeealiraq.com/n1011/n14111108.html
(4) http://www.doroob.com/archives/?p=22338
(5) http://www.dctcrs.org/s5297.htm
(6) http://www.sautalomal.org/index.php?option=com_content&view=article&id=1508
(7) http://www.alnoor.se/article.asp?id=15382
(8) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/1eg.htm
(9) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=10072
(10) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=5784
(11) http://www.aknews.com/ar/aknews/3/286660/
(12) http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=16598