مشـــاكســــــة تيتــــي . . . . . تيتـــــــي/مال اللــــــه فــــــــرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 13, 2016, 09:10:22 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشـــاكســــــة
تيتــــي . . . . . تيتـــــــي     



برطلي . نت / بريد الموقع

مال اللــــــه فــــــــرج
Malalah_faraj@yahoo.com



يذكرني صخب التظاهرات الجماهيرية الذي انفجر عاتيا منذ أشهر للمطالبة بالاصلاحات وما رافقها ويرافقها من كم الوعود المختلفة بالاصلاحات الكسيحة التي لا تنفذ ابدا وكأنها محمولة على ظهر سلحفاة معوقة مشلولة ، بموقف وسياسة وتصرفات وستراتيجية احد المدراء العامين قبل ربع قرن وكأن التاريخ ينظر في المرآة معيدا نفسه.
فذلك المدير العام الذي تسلم مسؤولية احدى الدوائر الانتاجية قبل ربع قرن ربما كان إنموذجاً خاصاً من (الثورييـــن المحترفيــــن)، فقد ذهب الى المؤسسة وحده دون موكب أو احتفالات أو زغاريد او (هوســـات)، وبعيداً عن التطبيل والتزمير.
وخلافاً لمراسيم وتقاليد معظم المسؤولين الكبار والمديرين العامين في تلك الفترة (الذهبيــــة)، لم يجلب معه ذلك المدير العام تشكيلة (الثلاثـــي المـــــرح) الخاصة به والتي اعتاد كل مدير عام جلبها معه الى أي دائرة ينقل اليها، وتضم سكرتيره الشخصي الامين على أسراره الزوجية وعلاقاته الوظيفية وغزواته العاطفية وسائقه الخاص الذي يأتمنه على حياته، فضلا عن معرفته بكل الاماكن التي يتنقل بينها سواء خلال الدوام الرسمي ام خلال الاماسي الترفيهية البريئة وغير البريئة الى جانب عامل الخدمات الذي وحده يدرك مزاجه وانواع الاطعمة والمشروبات التي يفضلها ويتقن ببراعة صنع (الشــــاي المهيـــــل) والاهم صنع القهوة العربية ، وكثيراً ماكان المسؤولون والمديرون العامون يخوضون نقاشات مستفيضة وحادة وساخنة وسجالات تستمر طويلا كلما التقوا, ليس حول الخطط الانتاجية بالطبع ولا حول كفاءة أجهزتهم الادارية ولا حول جودة منتجاتهم الوطنية أو اقتصاد السوق أو تقليل التلف وضغط النفقات, ولكن, حول جودة القهوة العربية الاصيلة التي يتقن صنعها عامل الخدمة لهذا المدير العام أو ذاك.
حل المدير العام ذاك لوحده في تلك الدائرة، فتح الباب ببساطة ودخل، وقبل ان تسأله السكرتيرة المغرية التي  تعرف كيف توظف جاذبيتها وتضاريسها الانثوية في تحقيق اهدافها ومصالحها الشخصية، من يكون قال لها باعتداد فريد، انا المديرالعام الجديد.
بسرعة البرق دخلت المؤسسة في انذار حقيقي، وتوقفت فجأةً حلقات النميمة النسوية التي تقودها عادة سكرتيرة المدير العام، وصمتت موظفة الذاتية قبل ان تكمل سبب أحدث المعارك البطولية التي خاضتها بالامس ضد حماتها مؤكدة انتصارها التاريخي الملحمي عليها حيث اسقطتها      (بالرفسة) الفنية القاضية، واغلق مسؤول الافراد هاتفه قبل ان يكمل اسطوانة غزله المنافق، وتوقفت عاملة الخدمات عن مواصلة سردها  لآخر فصل من فصول خيبات زوجها الليلية وعدم جدوى المنشطات الصينية ، واطفأ مدير الادارة سيكارته ووقف بباب الغرفة مستعداً لتلقي التوجيهات الجديدة واصدار الاوامر الادارية بالنقل والعقوبة وألفات النظر والانذار والتأكيد على احترام اوقات الدوام الرسمي، كما دأب كل مدير عام جديد على اصدارها حال تسلمه مهام منصبه ليؤكد للجميع بأنه جاد وحاسم ومتابع ميداني وعادل في توزيع العقوبات.
وقبل ان يحل منتصف النهار كانت قاعة الاجتماعات تغص بالموظفين والموظفات بانتظار اطلالة المدير العام الجديد الذي لم يدعهم ينتظرون طويلا وهو يأخذ مكانه وراء منضدة الرئاسة, وبعد ان تقبل التهاني والتبريكات والاشادات الحارة بكفاءته الادارية والتي كانت حرارتها تعبر كلما اشتدت اكثر عن عمق النفاق الوظيفي, بدأ بتوجيهاته السديدة.
باختصار وبلاغة حدد برنامج عمله مؤكداً ان لا علاقة لنا بالماضي ولا بمساوئ او محاسن المدير العام السابق او طريقة ادارته وعلينا ان نبدأ من جديد بنهج ديمقراطي ننتقد فيه بعضنا وننصح بعضنا ونواصل مع بعضنا كفريق عمل واحد مسيرتنا الانتاجية الثورية الديمقراطية وصولا الى (الاصلاحـــات الشــــاملة) التي لم يكن احدا من الحاضرين يعرف كنهها وتفاصيلها.
وبسرعة تنافس سرعة نفي بعض المسؤولين تصريحاتهم ووعودهم وشعاراتهم الفضائية الخيالية ، كانت عدة لجان قد تشكلت لدراسة هموم ومشكلات الموظفين، والاهم دراسة اقتراحاتهم لاصلاح العملية الانتاجية, فقد اكد المدير العام على الديمقراطية والقيادة الجماعية و(الاصلاحـــات) الهيكلية واعادة توزيع القوى العاملة بما يستجيب لضرورات المرحلة وان لا رأي ولا صوت ولاموقف يعلو على آراء ومواقف الاغلبية ولا اجراءات تعلو على برنامج (الاصلاحــــات) ، فالاصلاحات اولا والاصلاحات ثانيا والاصلاحات دائما.
صفق البلهاء والاذكياء كل بطريقته دعما للاصلاحات، وكأن موجة التصفيق تلك كانت (تخويــــــلا) جماهيريا بالاصلاحات التي لا احد كان يدرك لونها وحجمها وطعمها ونكهتها وطبيعتها الا المدير العام نفسه.
في ضوء موجة (الاصلاحــــات) تلك عديمة اللون والطعم والرائحة  سارع البسطاء بسذاجتهم وطيبتهم للادلاء بقوائم طويلة من الافكار والمقترحات يملؤهم السرور والحبور بتحسن اوضاعهم وارتفاع مستوى الرواتب والاجور،  وصمت الحكماء  العارفون ببواطن الامور ، وعلت اصوات المنافقين بالهتاف والاشادة والتصفيق رغم ان لاشيء قد دخل طور التحقيق... فلا الانتاج تحسن ولا اجور العاملين ارتفعت ولا المكافآت وجدت طريقها للمجدين والمبدعين ولا أي عقوبات صدرت بحق المنافقين والفاسدين والفاشلين.
بعد ايام حمل سكرتير (اللجنـــة الثوريــــة للاصلاحــــات) اقتراحات وآراء العاملين بصدد الاصلاحات الى المدير العام، بيد ان المفاجأة التي اذهلته كانت في تصرف المدير العام نفسه ،  فقد استهزأ بكل تلك الآراء والمقترحات حول الاصلاحات واصدر اوامر ادارية بالضد منها، وفي مقدمتها تجميد الاجور وتقليل المخصصات وحجب المكافآت تعزيزا (للاصلاحــــات)، ودعما (للتقشــــف) في ظل الحصار، واذ استعاد سكرتير اللجنة شيئاً من شجاعته وسأل  عن موقع آراء واقتراحات وتصورات العاملين حول الاصلاحات، سخر، المدير العام منه واجابه معاتباً:
( أتريدني  ان اكون آلةً لتنفيذ مقترحات هؤلاء الرعاع؟ ان ديمقراطيتنا واصلاحاتنا ياعزيزي تقوم على مبدأ ـــ ديمقراطية الآراء  ودكتاتورية القرار ــــ).
ومع ذلك فقد امتلأت جدران المؤسسة وحسب توجيهاته القيادية  بمختلف اللافتات والشعارات حول الديمقراطية والادارة الثورية... وحرية الرأي... والقيادة الجماعية والاصلاحات، تلك الاصلاحات التي قلصت  المخصصات واطاحت بالمكفآت وفشلت في تحقيق أي من الانجازات او تحسين اوضاع الموظفين والموظفات.
مرت الايام والاسابيع والاشهر والسنوات وبقي ذلك المدير العام يدور في حلقة خيالية من (الاصلاحــــات الافتراضيــــة) حتى شملته قائمة التغييرات، وعندما سأل المديرالعام اللاحق عن حجم وطبيعة الاصلاحات التي حققها نظيره السابق، أجابه مدير الادارة ببلاغة تقطر مرارة (تيتــــي تيتـــــي .. مثــــل ما رحتــــي جيتــــــي).
حدث هذا قبل ربع قرن وربما مازال يحدث!