نساء من بلدتي "بَـلّو نيني" المعلمة التي لم تعرف القراءة والكتابة

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, ديسمبر 21, 2018, 09:15:43 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

نساء من بلدتي  "بَـلّو نيني" المعلمة التي لم تعرف القراءة والكتابة

بهنام شمني

لم تكن المرأة في المجتمع البرطلّي في بدايات القرن العشرين اوفر حظا في التعليم من قريناتها في المجتمعات الريفية وحتى الحضرية سيما وقد كان يطبق على البلاد عموما الجهل والفقر بسبب الاستعمار العثماني، بالاضافة الى النظرة الاجتماعية الدونية تجاه المرأة مما جعل وجودها محصورا داخل البيت والقيام بواجباتها تجاه عائلتها علاوة على مشاركتها الرجل في الاعمال الزراعية في البيت والحقل. هذا مما جعلها ان تكون بعيدة عن التعليم حتى بعد ثلاثة او اربعة عقود من الزمن  من فتح اول مدرسة رسمية في البلدة في سنة ١٩١٩ .

لم تكن المجتمعات المسيحية بطبيعتها مضطهدة للمرأة، ولكن بحكم علاقتها مع المجتمعات المحيطة بها المختلفة عنها في الدين قد اكتسبت من بعض مفاهيمها الخاطئة وادخلتها في حياتها الاجتماعية البعيدة كل البعد عن المفاهيم المسيحية.

ولهذا كانت الكنيسة المتنفس الوحيد للمرأة في إظهار قدراتها وطاقاتها من خلال المشاركة في جوقات الترتيل وانجاز بعض المهام التي تحتاجها الكنيسة.

(بَلّو نيني) وهي بلو بنت يوسف اسحق كتوثة من مواليد 1912 إحدى النساء التي فتحت لها الكنيسة آفاقا لم تكن تتخيلها، سيما وقد كانت تعاني من عوق ولادي أصعب عليها المشي. ولكن (بلّو) استطاعت بذكائها ان تتغلب على مشكلتها الجسدية هذه وتستفيد من مهاراتها الحرفية من لفت انظار المجتمع والكنيسة اليها. 

تنقل الاخبار التي وصلتنا عن (بلّو نيني) انها كانت خياطة ماهرة تقوم بخياطة الملابس لاهل البلدة (برطلي) في زمن يندر من يمتهن هذه المهنة بحرفية. ولا يتوقف الامر عند الخياطة فقط، بل الى تطريزها ايضا حيث ان ملابس اهل برطلي قديما لم يكن يكتمل جمالها الا بعد تطريزها بخيوط الحرير الملونة.

وهذه مهنة اخرى تُحسب لبلّو نيني لما تحتاج اليه من الدقة في العمل وانتقاء الخيوط والالوان. اضف الى ذلك ان عملية التطريز يجب ان يسبقها عملية رسم للاشكال والرموز مثل صور الحيوانات والازهار والشخوص وما شابه، اذن الرسم حرفة اخرى تضاف الى سجل حرف بلّو نيني. 

كانت بلّو تستخدم القماش الابيض المنتج محليا في خياطة قسم من ملابس النساء. كانت هذه الثياب تُصبغ من قبل صبّاغي الملابس في البلدة ليعطيها اللون جمالا اكثر، وعادة ما كان هذا اللون هو الازرق المسمى (ميلا).

كانت بلّو نيني تسبق هذه العملية باعطاء الثوب نقوشا خاصة باستخدام طريقة فنية وهي الاختام التي كانت تسمى (طبعات) وهي باشكال مختلفة. حيث تضع الختم في الشمع السائل ثم تطبع به على الثوب، عند الصبغ ياخذ الثوب اللون ما عدا الاماكن التي عليها الشمع الذي يزال بعدئذ فتظهر اماكنه نقوشا ورسوما تعطي الثوب جمالية. 

انتبه الخوري الياس شعيا راعي كنيسة مارت شموني في برطلي الى شطارة وذكاء بلٌو نيني فاستقدمها الى الكنيسة وافرغ لها غرفة خاصة من غرف الايوان في حوش الكنيسة لتقيم فيها فتكون لها المسكن والمشغل وفي نفس الوقت قريبة من الكنيسة وبذلك يستطيع ان ينفذ المشروع الذي رسمه في مخيلته. 

امتاز الاب الخوري الياس شعيا بكونه الرجل الذي نهض بالكنيسة في برطلي روحيا وعمرانيا من خلال المشاريع العديدة التي اقامها ومن اهمها المدارس بالاضافة الى ما كان يحمله من ثقافة دينية واجتماعية وادبية.

لاحظ الخوري الياس شعيا ثقل العمل الذي تتحمله بلّو بسبب كون الخياطة يدوية، فاقترح عليها شرائه لماكنة خياطة يدوية تسهل عليها العمل وتزيد منه.

رحبت بلّو نيني بالفكرة وفرحت لها، فابتاع لها الخوري الياس ماكنة خياطة تدار بواسطة اليد (لا زالت موجودة الى الان)، واتسع عمل بلّو وبدلا من ان كانت تخيط لابناء البلدة اصبحت تخيط ايضا لجميع ابناء البلدات المجاورة .

انتبه الخوري الياس شعيا ايضا الى قوة شخصية بلو نيني وسرعة بديهيتها وهو الذي يبحث عن من تعاونه في ادارة مجاميع الفتيات اللاتي كان يعلمهن التراتيل الدينية لينخرطن في جوقة الكنيسة. 

قامت بلو نيني بالمهمة على اكمل وجه بل واجادت العمل واصبحت (استذتي بلو) هكذا كُن طالباتها ينادينها والى الان من تعلمن على يدها.

تقول احداهن. كانت تجلس استذتي بلو في مؤخرة الصف (يوم لم تكن هناك مقاعد) خلف الطالبات، ويقف ابونا الخوري في مقدمته، يُعطي الدرس ويخرج ليترك المهمة الى استذتي بلو. واياها اياها ان تشاكس واحدة منهن فلن تجد الا وعصا استذتي بلو الطويلة تنبهها من الخلف.

تعلمت الكثيرات من تلك الفتيات بالاضافة الى التراتيل والاناشيد الدينية، الخياطة والتطريز ايضا بعد ان كانت تستغل وقت فراغ الفتيات من الدرس او قبله في تعليمهن الخياطة بل وتوكل لهن بعض العمل ايضا.

تركت بلو نيني اثرا طيبا في نفوس تلك الفتيات من ذلك الجيل الذي تعلم على يدها، ولا زلن يتحدثن عن دورها في تنشئتهن التنشئة الكنسية الصحيحة.

جمعت بلو نيني الكثير من المال من عملها في الخياطة فابتاعت لنفسها اراض زراعية وهي من كانت تقوم بمهمة زراعتها وادارتها. كما ابتنت لنفسها جناحا خاصا في دار اهلها ، وعرفت كيف تدير شؤون حياتها حتى وافتها المنية في سنة 1977

بقي ان نقول ان بلو نيني كانت شقيقة المرحوم الخوري يعقوب  الذي قضى خدمته الكهنوتية في بيت لحم باورشليم القدس وشقيقة شابا واسحق وداود ومَـيّو وكَـتّو يوسف اسحق كتوثة. 

amo falahe

رحمها الله برحمته ألواسعة  وأسكنها فردوس ألنعيم صحبة ألأبرار ألصالحين
كنت ازورها كل سنة لأنها  بنت خالة  والدي  وكانت تمتاز بقلب طيب وحكمة رائعة وألأطلالة ألمشرقة
بألأضافة ألى ألصفات الحميدة ألأخرى ألتي ذكرت في تقريركم الرائع , وأيضا كانت عندما تبتسم وتضحك لها طابعها المميز الخاص
شكرا للأخ العزيز بهنام على التفاتته الكريمة في ابراز هذه ألشخصية البرطلاوية ألأصيلة الى الضوء
حيث تركت اثرا كبيرا في نفسي عند رحيلها  رحمها الله
كنت اتمنى أن ترفق صورة تذكارية لها مع التقرير
تقبلوا أحترامي وتقديري
 

بهنام شابا شمني

الاخ العزيز ابوميلاد المحترم

بلو نيني إمرأة تستحق كل الاحترام والتقدير لما سمعته عنها ممن عاصروها وتعلموا على يدها من نساء برطلي، اللاتي لازلن يذكرونها بالعرفان الجميل. ولهذا وجدت ان هذه المرأة تستحق ان يؤرخ لها وتوثق قصة حياتها لتكون مثالا لغيرها من النساء والرجال على حد سواء.
وحاولت جاهدا الحصول على صورة لها ولكن لم يتسنى لي ذلك. لمعرفتي من ان الصورة تعطي الموضوع اكثر حيوية وجدية ايضا.

هذا بالاضافة الى اننا في موقع برطلي نعاني من مشكلة انتهاء صلاحية موقع رفع الصور الخاص بالموقع الذي يتطلب استمراره دفع الرسوم اللازمة لذلك ولا احد من مجيب وهي رسوم بسيطة .

تحياتي

Saher Yousef

شكرا على نشر الموضوع. من ضمن ما ورثناه من عمتي بلو. هوعباره عن منظار ذو ابعاد ثلاثيه. حيث يوضع فيه قرص يحتوي على سلايدات وبذالك تستطيع ان ترى الصور بلابعاد الثلاثيه. من ضمن السلايدات التي كانت لدى عمتي هو قصة الابن الضال.وقصص اخرئ من الانجيل.