الضغط على الحكومة 2- الضغط الإستباقي وتأثيراته على المالكي في حكومتيه – ج1

بدء بواسطة صائب خليل, مارس 03, 2011, 12:58:57 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

الضغط على الحكومة 2- الضغط الإستباقي وتأثيراته على المالكي في حكومتيه – ج1

هذا هو الجزء الأول من القسم الثاني من مقالة "الضغط على الحكومة" وكان القسم الأول بعنوان "إدارة الضغط على الحكومة وتوجيهه (1)
وشبهنا فيه الضغط على الحكومة كالضغط على بالونه، وان البالونة ستقفز في الإتجاه الذي تجده مفتوحاً، ولذلك يتوجب على من يبغي تسليط الضغط على الحكومة من أجل أي هدف، أن يرتب الحواجز لتلك الحكومة لكي ينتج ضغطه حركة في الإتجاه الصحيح.

في هذا الجزء سنناقش أحد أشكال الضغط المثيرة للإهتمام، وقد اسميته "الضغط الإستباقي" وكما يفهم من اسمه فأنه يتم تسليطه مسبقاً لمنع الحكومة (أو أية جهة أخرى) من التصرف بشكل معين فيما إذا أرادت، أو لإجبارها مستقبلاً على أن تنحو نحواً معيناً في سياستها، ويتم بناء هذا الضغط بشكل تحضيري وقبل أن تبدأ الحاجة الفعلية إليه.

ومثل "الحرب الإستباقية" فأن "الضغط الإستباقي" يغلق على الضحية بعض الخيارات مسبقاً ويجهزها لتيسير بالإتجاه "المناسب". ولعل أكثر استعمال لهذا الضغط في العالم كان في توجيه الولايات المتحدة لتهمة الشيوعية إلى أية حكومة تشم فيها رائحة الإتجاه إلى الشعب ومصالح البلاد القومية. وقد اتهمت حكومات قومية عديدة في العالم بالشيوعية لذلك السبب، بل أن القساوسة في أميركا الجنوبية اتهموا بالشيوعية رغم أن ذلك أمر مضحك. والسبب كان أن القساوسة بدأوا يتفهمون مواقف الفقراء ويقفون معها، وهو ما كان يغيض الحكومات الدكتاتورية الوحشية التابعة للولايات المتحدة والتي تخرج أكثر قادتها (كلهم في إحدى الفترات) من "مدرسة الأمريكتين" في الولايات المتحدة للتدريب العسكري. ويذكر أن أحد القساوسة قال: "إذا أطعمت جائعاً، قالوا أنك مسيحي طيب، وإن سألت لماذا هو جائع، قالوا أنك شيوعي".
وكوبا أحد الأمثلة الممتازة. فأغلب الناس لا يعلمون أن كاسترو لم يكن شيوعياً في بداية حكمه، وحسب نعوم تشومسكي فأنه كان يضع الشيوعيون في السجون. وأنه بدأ حكمه بزيارة رئيس الولايات المتحدة، لكن هذا غضب من موظفيه أن يأتوه بشيوعي ليقابله. وحين قالوا له أنه ليس شيوعياً، قال: لا يهمني أن كان شيوعياً أم لا، فهو يتكلم كشيوعي.
وهكذا حكم على حكومة كاسترو بالشيوعية وتمت محاصرتها، حتى صارت كذلك بالفعل. وإذا كان كاسترو قد انتقم بهذه الطريقة من متهميه، فأن معظم الآخرين فضلوا الطريق الأهدأ. فاتهمت الولايات المتحدة حكومة ارستيد (القس) في هايتي وحكومة الساندنيستا في نيكاراغوا والعديد من الحكومات المستقلة في أفريقيا وآسيا، وكما يبين لنا "وليام بلوم" في كتابه القيم "قتل الأمل" فقد اتهموا حكومات حتى لم يكن لديها سفارة لدى الإتحاد السوفيتي بذلك. وفي العراق اتهموا حتى عبد  الكريم قاسم بالشيوعية.
كان غرض تلك التهم في كل تلك الحالات، تسليط "ضغط استباقي" يمنع تلك الحكومات حتى من التفكير بإنشاء علاقة مع الإتحاد السوفيتي. فعندما تكون متهماً بالشيوعية، فأن أسوأ شيء تفعله هو أن تؤكد ذلك للمشككين، بأن تخطو خطوة بهذا الإتجاه. الولايات المتحدة كانت تدرك أن "الإتحاد السوفيتي" يمثل الصديق المحتمل الأقوى الذي قد يعرقل مشاريعها في بلد الضحية ويقوي حكومتها ويجعلها أكثر قدرة على مقاومة ضغوطها، فكان يجب تسليط الضغط الإستباقي اللازم لمنع تلك العلاقة.
وعلى ضوء هذا التفسير، يمكننا أن نفهم لماذا كانت الحكومات العراقية المتتالية تتهم بالعمالة لإيران. ولإسناد تلك التهمة كانت الأخبار تنقل بشكل إيحائي غالباً، ولا يستند إلى شيء. وأحياناً كان يستند إلى أمور تافهة، مثل حقيقة أن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في أول زيارة له لإيران لم يرتدِ ربطة العنق أثناء زيارته إلى خامنئي، وكانت أية زيارة تثير مثل تلك التعليقات. وهناك أسباب أخرى أكثر منطقية لكنها لا تثبت شيئاً، مثل انتماء الحكومة إلى الطائفة الشيعية، مثل إيران، وكذلك أن الكثير من افراد تلك الحكومة سبق لهم أن لجأوا إلى إيران في الماضي.

ومثلما عرقل "الضغط الإستباقي" لتلك التهمة الحكومة العراقية في إقامة علاقات قوية بإيران، فقد تم استغلاله من قبل جهات أخرى أيضاً. منظمة مجاهدي خلق، المتهمة بشكل ثابت بالمساهمة باضطهاد العراقيين في انتفاضة عام 1991، والتي ارتكبت جرائم قتل بحقهم، حمت نفسها من الملاحقة، من خلال الضغط الإستباقي للتهمة. فقد كانت تلك المنظمة من الأهداف الإيرانية، وبالتالي فأن أي إجراء عراقي بحقها سوف يفسر ضمن الجو الذي هيأه الضغط الإستباقي، على أنه دليل آخر على تلك "الإشاعات" بعمالة الحكومة لإيران. ولم تكتف المنظمة بالإستفادة من ذلك الضغط، بل ساعدت في تكوينه وتثبيته في بياناتها المختلفة. وجاء في أحدها قائمة بثلاثين ألف عميل لإيران يعملون في الحكومة! وإذا تذكرنا أنه ليس من المعتاد أن تتهم منظمة سياسية، حكومة  الدولة المضيفة لها بمثل هذه التهم حتى لو كانت صحيحة، وأن ذلك كفيل بطردها فوراً من تلك الدولة، إن لم يكن محاكمتها على تهمها، أدركنا عمق تأثير الضغط الإستباقي الذي استندت إليه تلك المنظمة وهي تقوم باتهاماتها دون أن تخشى رد الفعل.
ورغم كل الضجيج الذي صاحب الأمر، فان رد فعل الحكومة كان حذراً جداً. وحين اقتحمت قواتها مدينة أشرف التي تسكنها المنظمة، فأنها فعلت ذلك بدون أسلحة نارية، رغم الخطورة، وحصل اشتباك بين الشرطة العراقية وأعضاء المنظة أدى إلى سقوط قتلى من الطرفين. وتمت تغطية الحدث إعلاميا بشكل مؤثر كبير، وتم تصويره على أنه جريمة إنسانية وأنه دليل على تلك العمالة لإيران. ويمكننا أن نفند اتهامات المنظمة لحكومة المالكي بالقسوة الشديدة من خلال الحقائق المحددة ومنها أن الحكومة العراقية بقيت ثلاث سنوات تفاوض المنظمة من أجل السماح لقواتها بدخول مدينة أشرف! وكأن مدينة أشرف دولة أخرى لا يحق للشرطة العراقية أن تدخلها. ولم تنتج تلك المفاوضات أي شيء فتم اقتحام المدينة بالقوة، ولكن بالحذر الذي فرضه الضغط الإستباقي الشديد المسلط على الحكومة.

كذلك استفاد من ذلك الضغط، بعض اللصوص الكبار مثل وزير الدفاع "الشعلان" و"أيهم السامرائي" وغيرهما باتهام من يحاول أن يحاسبهما بأنه يفعل ذلك لأنهما وقفا ضد إيران، وكذلك فعل مثال الآلوسي حين حاول بعض البرلمانيين محاسبته على عمله المهين للشعب العراقي بزيارة إسرائيل وللمرة الثانية، وهنا نرى "مشعان الجبوري" يفلت من الحوار الذي كان يدافع به عن جلاد الشعب العراقي صدام حسين، بأن اتهم مقابله في النقاش بأنه "إيراني"..(2) لقد كان مثل هذا المشهد أمراً معتاداً، والأمثلة كثيرة ولا تحصى.

بشكل عام، فعندما يراد أن تقوم جهة عميلة أو منسقة مع الولايات المتحدة (في حالة العراق على الأقل) بعمل غير قانوني أو صعب القبول وتخشى أن تتعرض للهجوم عليها، فأن "الضغط الإستباقي" الذي يتم خلقه من خلال حملة إتهامات مركزة إعلاميا، يقوم بتغطيتها، لتقوم بهجومها، تماماً كما تغطي الجيوش أرتالها المتقدمة بقصف مدفعي مكثف على مواقع الأعداء، فيضطر هؤلاء الأعداء إلى الإهتمام بحماية أنفسهم بدلاً من مواجهة المهاجمين الذين يكونو في موقف ضعيف وخطر بدون تلك التغطية. بهذه الطريقة يمكن لمنظمة إرهابية متهمة بجرائم ضد الشعب أن تبقى في الدولة المضيفة وأن يدافع لص كبير أمسك متلبساً بجريمته، عن نفسه وأن يدافع شخص عن مجرم بمستوى صدام حسين، دون أن يخشى عاقبة عمله. بشكل عام، كلما كانت لديك مهمة صعبة، فأن المساعدة والتغطية التي يقدمها لك "الضغط الإستباقي" ستكون موضع ترحيبك. عليك فقط أن تختار التهم المناسبة لذلك وأن تنشرها في الإعلام بشكل كثيف ليكون فعالاً، تماماً كما هو الأمر مع القصف المدفعي لتغطية المهاجمين.

لقد كانت إدارة بوش تريد منذ البداية إعادة بقايا البعث إلى السلطة، لإدراكها أهميتهم بالنسة لها وخاصة في المجال الأمني، فعن طريق السيطرة على الأمن تأمن الولايات المتحدة أخطار الديمقراطية التي جاءت بها الى العراق مضطرة.
إلا أن الولايات المتحدة كانت تدرك مدى كره الناس للبعث وكل ما يتعلق به، وأن أية عودة له ستكون لها ردود فعل شعبية قوية، خاصة إن كان الأمر يتعلق بالملف الأمني. لذلك كان يجب تأمين التغطية اللازمة لمن سيتصدى من عملائها (أو أصدقائها) من العراقيين لتلك المهمة. ولأن معظم رجال الأمن الصداميين السابقين كانوا من السنة، فأن ضغطاً إستباقياً بتهمة الطائفية ضد الحكومة ستؤمن درعاً ما للمتصدين لتلك المهمة. كذلك أثيرت حملة "أخلاقية" ضد كلمة "إجتثاث" ووصف "المجتثين" بالوحشية والتخلف. وقطع الطريق على من كان سيتصدى لعودة رجال الأمن والبعثيين السابقين الكبار من خلال حملة ضد "الخطوط الحمر"(أنظر: صائب خليل - برج الحرباء يمر على سماء بغداد).(3) فصار المتصدين يخشون أن يتهموا بأنهم "إجتثاثيين" وأنهم استبعاديين للآخرين يضعون "الخطوط الحمر" أمامهم، وصار التباهي بعدم وجود خطوط حمر لدى الشخص مودة في ذلك الوقت، رغم أنها صفة لا أخلاقية، وقد ناقشت في أكثر من مقالة أن من لا خطوط حمر له، لا أخلاق له.

ومقابل تشويه سمعة من يعترض على إعادة رجال الأمن والساسة الصداميين السابقين بالإتهام بالإجتثاثية والطائفية والخطوط الحمر، فأن المجموعة التي تدافع عنهم، قد حصلت على دفعة أخلاقية قوية من خلال عبارة "المصالحة" وتم تصوير إعادة الأمن الصدامي على أنه رمز لـ "المصالحة" بين الشيعة والسنة، ومن يعترض عليه يعترض على المصالحة، وبالتالي فهو طائفي. ثم تركز وسائل الإعلام والسياسين المتعاونين حملة تدعو إلى "المصالحة" وإلى "تشكيل حكومة وحدة وطنية"، وتقوم الولايات المتحدة بتقديم المعلومات والمشورة والتدريب الإعلامي وكل ما يسهل وصولهم إلى السلطة، وبخاصة الأمنية والعسكرية، لتهيئتهم للإنقضاض بعد ذلك على الحكومة الضحية إن هي ابتعدت عن الخط المرسوم لها. تجارب أميركا في أميركا الوسطى والجنوبية عبارة عن تكرار متنوع لهذا السيناريو، وأحياناً كان ذلك في أوروبا الغربية أيضاً بعد الحرب العالمية الثانية!

واستخدمت الطائفية كتهمة جاهزة لتسهل عمل كونداليزا رايس في إزاحة الجعفري، وجاء بعده المالكي، وحزب الدعوة والسياسيين الشيعة متهمين بالطائفية.
بدأت حملة إعلامية شديدة عن "قلق السنة" من الطائفية وأن مهمة المالكي هو البرهنة بأنه فوق الطائفية...الخ. ومما لاشك فيه أنه كان هناك قلق "سني" حول الطائفية، لكن الإعلام الأمريكي استغله بشكل كبير كقدر ضغط جعل المالكي يسير نحو الأهداف الأمريكية في طريقه إلى تبرئة نفسه. وباستخدام العبارت التي وردت في الحلقة الأولى من المقالة، فأنه تم ترتيب الأشياء أمام المالكي بحيث يكون تنفيذ الأهداف الأمريكية طريقه الوحيد للتخلص من تهمة الطائفية.،وهكذا أقام مذبحة لألد أعداء الأمريكان من الصدريين، ثم سمح بملئ إدارته ومكتبه بضباط الأمن البعثيين، فكان ذلك استمراراً لجهود أياد علاوي في هذا المجال. كما تم تعيين شخصيات في مواقع مفصلية كانت مهمتها تأمين شلل الحكومة عند الحاجة، وأبرز تلك الشخصيات طارق الهاشمي وعادل عبد المهدي. مهمة هذه الشخصيات كان وضع الحدود أمام بالونة الحكومة، لكي يؤمنوا أنها لن تقفز بالإتجاه غير المناسب لمن يقودهم، وكانوا قد زودوا بنص دستوري غيريب يعطيهم الحق في اعتراض أي قرار برلماني. 
وهكذا بدأ المالكي منصبه بتقديم تنازل غريب تماماً وبدون اي مقابل وهو قبول مبدأ اعطاء وزارتي الداخلية والدفاع الى اشخاص "مستقلين". وكان تمجيد "المستقلين" الذي صار مقبولاً على نطاق واسع اليوم، قد بدأ لتوه، وليس هناك أي تفسير لهذا التمجيد سوى منع الحكومة من السيطرة على مقاليد البلاد كما يفترض. وانتشرت فكرة تستند إلى بعض من الحقيقة، وهي أن الحزبيين سيئين، ولذلك فالمستقلين جيدين، ويجب أعطاء الوزارات المفصلية (الداخلية والدفاع) لمستقلين، لكن أي مستقلين؟ فالمستقل شيء غير محدد المعالم، وبالتالي لا يستحق كل تلك الضجة.

(1) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=44513
(2) مشعان الجبوري يهزأ الكلب الصفوي
(3) www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=63228
(4) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=42298



ماهر سعيد متي

                        رغم عدم اتفاقي معك على الخطوط العريضة الأ اني وكلما اقرا مقالاتك تبهرني غزارة وعمق المواضيع... تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

الأستاذ ماهر سعيد المحترم،
سأكون مسروراً بقراءة ما نختلف حوله من نقاط وربما نتمنكن من توضيحها،
شكرا لمتابعتك