متى وكيف يصلح حالُ العراق؟ / لويس إقليمس

بدء بواسطة matoka, يونيو 05, 2016, 07:21:57 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

متى وكيف يصلح حالُ العراق؟ ج2










برطلي . نت / بريد الموقع


لويس إقليمس
بغداد، في 10 أيار 2016


في شيعة العراق:
-   إذا أرادوا تكوين شخصيتهم الوطنية المستقلّة، عليهم الابتعاد عن فعل الخنوع القائم تجاه الجارة إيران، مع احتفاظهم باحترامهم لرموزها الدينية ولدورها الإيجابي والإبقاء على مبادئ حسن الجيرة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين من الطرفين، احترامًا للوطن وللتعددية القائمة في الأديان والشعوب والأعراق في العراق، التي يقلّ نظيرُها في بلد آخر. كما عليهم التخلّص من عقدة الشعور باستمرار مظلوميتهم، بعد أنْ أتتهم فرصة الحكم على طبق من ذهب.
-   إذا أرادوا تجاوز أخطاء الماضي ووضع حدود لسلوك الاستفزاز الشعائري القائم في المناسبات الشيعية، وما أكثرها منذ السقوط، والتي كرستها وأحيتها وخصّت لها الحكومات الشيعية الطائفية المتلاحقة مواسم وأيامًا لا حصر لها، وبأساليب جامحة وغير حضارية في أغلب الأحيان بحيث تُسَخَّرُ لها الدولة بكاملها وتُعطّلُ مؤسساتٌ منتجة وتقف الحركة وتشلّ الحياة، ويُجبر الناس على ملازمة المنازل والتخفّي والابتعاد عن المظاهر التي يرونها غير حضارية...، فما عليهم والحالة هذه إلاّ التفكير بتطوير فكرة الزيارات الدينية والمناسبات الشعائرية والحج بطريقة أكثر تحضّرًا وتمدّنًا وعصرنةً، بحيث تواصل مؤسسات الدولة أعمالَها  وتبقى الطرق والشوارع سالكة. فعبادُ الله، كلٌّ على نياته يحصل مرادَه ويرضي إلهَه وإمامَه، أيًّا كان. ويبقى التديّن من عدمه والحجّ لمَن سعى إليه والزيارة لمَن استحبّها، ممارسة فردية وعلاقة شخصية بين الخاق والمخلوق، وتفاهمًا بين العابد والمعبود. فلا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، أن تكون الدولة جزءًا من هذه جميعًا إلاّ في تأمين الحماية الكافية لهم حصرًا. كما من غير المعقول أن تواصل الحكومات المتسلطة صرف أموال جنونية من خزينة الدولة، هي من حق جميع المواطنين وليس لطائفة معينة.
-   إذا أرادوا تصحيح ذات البين وإنهاء التجافي مع مجتمعات مختلفة عنهم دينًا ومذهبًا ومنهجًا، عليهم بالمصالحة الوطنية الحقيقية والمصافحة العراقية الصادقة التي تنهي كلّ الضغائن وتفتح الأبواب على مصاريعها بين أبناء الوطن الواحد، ليعودوا كما كانوا بالأمس يتسامرون ويتصاهرون ويقيمون الولائم والمآتم معًا من دون تفرقة ولا حدود ولا سؤال عن أصل هذا وفصل ذاك وعن دين هذا وطائفة ذاك. ومَن لا يقوى أو يقبل بها منهجًا لوحدة البلاد والتراب، وأداةً لرتق الممزّق في اللحمة المجتمعية، يمكنه المغادرة بسلام طالما بقي مصرًّا على فتق الثوب الوطني وإبقاء التميّز والاستعلاء لشريحة دون غيرها بعيدًا عن حقوق المواطنة في المساواة والعدالة والمصير.
-   إذا أرادوا الحفاظ على وحدة الصف والدار والتمسك بنظافة اليد منهاجًا للأئمّة والصالحين، عليهم بترك نوافذ الفساد جميعًا، ومنها سرقة المال العام ووضع اليد على عقارات الدولة والمواطنين الأبرياء بوسائل وطرق جهنّمية وتهديدية وترويعية أحيانًا، ونهب أموال البلاد بحجج تعويض المتضررين ومكافأة المضطهدين من أنظمة سابقة، وذلك عبر مؤسسات تمييزية موازية للدولة ومنافسة لها مثل مؤسسات الشهداء والسجناء السياسيين وغيرها من المؤسسات الطائفية والميليشياوية والجمعيات الخيرية متنوعة الأسماء والمراجع والأهداف. فهذه جميعًا وغيرُها تخريجات ونوافذ للفساد. وبإمكان الدولة ضمن مؤسساتها الرسمية القائمة من القيام برعاية المشمولين بها وتنفيذ المهام المفترضة وفقًا لقواعد وقوانين وأنظمة تثبت حقوق المتضرّر حقًا، وليس بطريقة عشوائية تمنح مكاسب وامتيازات ومناصب لمجرّد الانتماء لطائفة متنفذة دون غيرها. فكَمْ من مواطنين متضررين من النظام السابق، ضُربت طلباتُهم عرضَ الحائط لعدم انتمائهم الكتلوي والفئوي والحزبي والديني والطائفي، ولم يحصلوا حتى على مستحقاتهم بحسب أنظمة سارية، ومنهم صاحب القلم؟؟؟
-   إذا أراد قادة الشيعة في العراق، أن يساهموا في بناء دولة مدنية حضارية تحفظ حقوق جميع المكوّنات على أساس وطنيّ ووفق مبدأ الاستحقاق الوطني الفرديّ – الشخصيّ والكفاءة في المقدرات العلمية والمؤهلات المهنية، عليهم بترك عباءة الدّين الذي يتسترون به سياسةً وتسييسًا، والذي يستغلونه غطاءً لتحقيق مكاسب طائفية وفئوية وشخصية، ويضحكون به على ذقون البسطاء من الشعب الذي يريدونه صاغرًا تابعًا باكيًا لاطمًا، ليس لسنين بل لقرون، ضمانًا لطاعتهم وولائهم والخنوع الدائم لأمثالهم. ذلك لأنّ تطورَ فكرِ هذا الشعب الذي اعتاد الإنصات لخطب رنانة تثير المشاعر وتؤجج العواطف وتفتح اللواعج الدفينة، إلى جانب استرداده لرجاحة عقله حول ما يُجبرُ على سماعه في المواسم والشعائر، وكذا حكمُه بعينِ الفكر الناضج على ما يجري، كلّ هذه التطور في فكر العامّة لن يكون من صالح أيديولوجية أرباب الإسلام السياسي، بشقيه الشيعيّ والسنّي، اللذين يريدان إبقاءَه أسيرَ مواسم التطبير والمواكب بالنسبة للشيعة وفتاوى شيوخ الموت وأقوال ابن تيمية ومَن في شاكلته بالنسبة للسنّة.
-   إذا أراد شيعة العراق المساهمة في بناء دولة مؤسساتية قائمة على قيم وطنية تمتلك جيشًا عقائديًا وقوات أمنية وطنية جاهزة للدفاع عن حياض الوطن وعرضه وأهله وسمائه ومياهه، فما عليهم إلاّ التخلّي عن سياسة تشكيل الميليشيات الطائفية التي تكاثرت وتوسعت وأصبحت موازية لقوّة الدولة وقدراتها، لها ميزانياتُها التي تستنفذ اليوم جهد الدولة واقتصادَها من خلال الفساد المستشري فيها أيضًا، ونتيجة للسلوكيات القائمة على سياسة الضعيف تجاه القويّ خارجًا عن سلطة الدولة والدستور والقوانين. وفي هذا، يقدّر الشعب العراقي تضحيات الأوفياء والوطنيين الصادقين من الملبّين والمتنادين لصوت المرجعية في الدفاع عن حياض الوطن وتطهير الأرض والعرض من دنس الغرباء الأشرار، والتي لولا جهادهم الكفائي،لكانت العديد من مناطق العراق في خبر كان. وانطلاقًا من الحسّ الوطنيّ، يُؤمّل دمج هذه المجاميع في جسم التشكيلات الأمنية والعسكرية والاستخبارية الوطنية المتعددة، حفاظًا على وحدة الصفّ وتعزيزًا للروح الجهادية المطلوبة في شكل الأجهزة الأمنية جميعًا.
-   باختصار، إذا أرادوا التفاعل مع باقي المجتمعات الدينية والإتنية المختلفة عنهم، عليهم بقبول مبدأ الدولة المدنية بالحق والحقيقة، وأن يسدلوا الستار عمّا أسماه البعض من قادتهم بالمشروع الإسلامي الذي يربط مصير العراق بمصير أتباعهم في الجارة إيران، سواءً بتشيّع البلاد أو بأسلمتها على طريقتهم، غير مكترثين للتنوع الإتنيّ والدينيّ الذي يشكّل جمالَ بستان الوطن وديكورَه في الواجهة الدولية.

في الكورد
-   إذا شاءوا البقاء مع وحدة العراق وربط مصيرهم بمستقبل البلاد وأطيافه، أرضًا وشعبًا وسماءً وثروات باطنية وخارجية، عليهم إسدالُ الستار عن اسطوانتهم المشروخة بالتهديد بتقرير المصير وإعلان الاستقلال وحسم أمرهم. فإن شاءوا ذلك، فهذا حقُهم، والشعبُ والدولة سيحترمون خيارَهم المصيري تمامًا كما نالوا التأييد للحكم الذاتي في أوانه، ولكن، وفق أصول وإجراءات هادئة، وأن يحصل ذلك من دون ابتزاز أو مساومات تعجيزية على الأرض والثروات والمغانم.
-   في حالة خيارهم البقاء ضمن عراق فيدراليّ موحّد، عليهم الكفّ عن المطالبات التعجيزية والاستهلاكية التي لا تنتهي، واحترام صوت الشعب، والتماهي مع نبض الشارع المنتفض، ودعم مطالب الفقراء والمهمّشين، من خلال الإنصات لمطلب إلغاء المحاصصة الذي يصرّ عليه الشعب وأكدته الأحداث الأخيرة، بما فيها أصوات النواب المنتفضين والمعتصمين والمصرّين على تشكيل جبهة معارضة أو كتلة عابرة للمحاصصة الطائفية، وليس بالتصريح " بغداد، إلى جهنّم"، أو التلويح ب"الخطّ الأحمر" لأيّ مسعى حكومي بالتغيير!
-   بعكس ذلك، إذا شاءوا الانفصال، عليهم إثبات حسن نيتهم في التعامل مع مصير العراق بروح الوطنية وليس بالعنترية والعنجهية والتكابر، باستغلالهم لدعم الراعي الأمريكي والأوربي اللاّمحدود إلى جانبهم، من خلال استخدام سياسة ليّ ذراع الحكومة المركزية الضعيفة الغارقة في أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة، عالمين أنهم كانوا ولازالوا جزءًا في شراكة العملية السياسية في الفساد والإقطاعيات الحزبية والفئوية والعرقية منذ 2003.
-   إذا حصلوا على استقلالهم الموعود، هنّأناهم وطالبناهم بحفظ حقوق الجماعات المتآخية المختلفة في الدّين والعرق، ومنها حق الحكم الذاتيّ للمناطق التي يتواجدون فيها. فهذه الجماعات قد ناضلت إلى جانبهم طيلة عقود النضال المنصرمة. ومن حقها أن تحتفظ بقوامها الإتنيّ والدينيّ وهوياتها القومية المستقلّة من دون ضغوط وإكراه وتهديد وشراء ذمم، وكذلك التمتع بحقوق مواطنية متساوية، بعد تحوّل الحكم الذاتي في شمال الوطن إلى حكومة كردية عرقية تُحكم عشائريًا وعائليًا وتتحكم بجميع مخارج الإقليم ومداخله السياسية والاقتصادية والمجتمعية.
-   إذا شاءوا المساهمة في بناء الوطن وفي تعزيز مؤسساته الحكومية وبناء قدراته العلمية والإدارية والاجتماعية، عليهم احترام العاملين في إداراتهم الذين يتعرّضون لاستغلال قلَّ نظيرُه في التعامل، لكونهم مختلفين في الإتنية عن مواطني الإقليم من الأكراد الذين يحقّ لهم حصرًا وليس لسواهم تبوّأ مراكز وظيفية متقدمة ومواقع تعليمية. فما يقع من تمييز على مواطنين من غير الكورد، من الذين لجأوا للإقليم قبل أحداث 2003 وما بعدها بصورة خاصة، يقزّز النفس ويندى لها الجبين. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما يحصل في مؤسسات إدارية وتربوية وتعليمية من استقطاعات مرتبات وفرض ساعات إضافية لتدريسيين من دون مخصصات وتسريح البعض من دون أسباب وحرمان أمهات من إجازات أمومة وطفولة من دون مرتب واستهتار طلبة بأساتذة محترمين، والقائمة طويلة.

في المكوّنات المهمّشة
-   لغرض نيل حقوقهم، كمواطنين أصلاء في الوطن، مختلفين في الدين و/أو العرق، ومشاركين في بنائه وترميم مؤسساته المتهالكة، عليهم بلمّ شمل الكلمة ووحدة الخطاب السياسيّ والتوجّه بقوّة طاقاتهم الدينية والقومية وبقدراتهم العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال الوقوف بوجه موجات الصدّ وأدوات الرفض وإرادات التهميش والاستخفاف والتغافل المتواصلة التي طبعت عليها الحكومات المتعاقبة منذ السقوط في 2003. فالفرقة والتمزّق من مخرجات الخوف واليأس والعجز، فيما أتباع هذه المكوّنات لهم عمقٌ في التاريخ ولديهمتجذّرٌ في الأرض ولهم لغاتهم وتراثُهم وعاداتُهم الجميلة الباقية، ما يعزّز من هويتها الخاصة بها.
-   بهدف تشكيل لوبيّ وطني مستقلّ في الداخل والخارج، عليهم الكفّ عن التبعية لأحزاب وزعامات سياسية تفرض أجنداتها القومية والحزبية من خلال شراء الذمم والرشاوى التي يجري تمريرُها من خلف الكواليس طمعًا بكسب مواقف لصالح هذه الكتل والأحزاب ومن أجل تعزيز مكاسبها على حساب مصير ومستقبل هذه المجتمعات المسالمة أصلاً.
-   بهدف إعلاء صوتهم وإسماعه لأصحاب القرار وللمجتمع الدولي، عليهم بحراك سياسيّ ومجتمعي وإعلاميّ وثقافيّ مكثّف، بدلاً من الاسترخاء واليأس وقطع الرجاء. فنضال الشعوب المنكوبة لا يُستحصلُ بالركون على الأرائك ولعب الدومينو والطاولة في "القهاوي" ومراكز التسلية. فللإعلام الوطني الصادق وللمثقّف والوطني الناشط، دورُه البارز في صحوة النائمين وفي نقل الحقيقة وتنوير الجهلة بما يجري من خلف الكواليس وما يُحاك في الأروقة في فنادق خمس نجوم وفي دواخل فلل الرشاوى والاستراحات الخاصة.
-   لغرض فرض وجودهم، وهوياتهم الوطنية المتميزة بتراثهم ولغاتهم وتقاليدهم، عليهم المثابرة على تواصل حضاراتهم وإبراز انفتاحهم الدائم على الغير وبسط قدراتهم حيثما يتواجدون، من دون خنوع ولا خوف ولا مجاملة ولا تنازل عن الحقّ. فإنّ أيَّ خضوعٍ غير مبرّر، قد يعدُّه المقابل المقتدر ضعفًا قابلَ الابتزاز وليسَ تحضّرًا ومدنية وعصرنة في بلدان منغلقة على ذاتها، دينيًا وقوميًا ومذهبيًا وطائفيًا!

... وبعد، هل يمكن أن يصلح حالُ العراق بعد هذا الاستعراض بالمآسي والمشاكل والمتناقضات والتعقيدات والتخوينات وانعدام الثقة والمصداقية وحسن النية بين الإخوة المتصارعين والغرماء العنيدين، حلفاء الأمس وأعداء اليوم، ليفتحوا صفحة جديدة من الانفتاح والاحترام والبناء والإعمار والمصالحة الوطنية تحت رباط وطن واحد وخيمة وارفة الظلال تحتضن جميع المكّونات والجماعات والفعّاليات من دون تمييز ولا تهميش ولا إقصاء؟
مازال الأملُ معقودًا على عودة الوطن إلى سابق عهدِه، واحدًا موحّدًا بأهله وأرضه، عصيّا قويًا على الأعداء، رافضًا محاسِبًا كلَّ فاسدٍ ومتجبّر بغير حق، ومحتضنًا أبناءَه وكفاءاتِهم من دون تمييز ولا ظلم ولا تعسّف. فالغيمة السوداء التي ما تزال تضرب أرض الوطن، لا بدّ أن تزول ومعها سيختفي كلُّ الفاسدين والسارقين وحيتانُهم، ومعهم لصوصُ الليل والنهار، ومتهتّكو الأعراض، ومثيرو الشغب والطائفيون وأصحاب الأجندات الشخصية والفئوية المشبوهة.






Matty AL Mache