السرقات تعيش عصرها الذهبي
(http://www.baretly.org/do.php?img=1824) (http://www.baretly.org/)
برطلي . نت / خاص للموقعبعد عودتي الى البيت من الجلسة التي جمعتني مع صديقي القادم من اوربا ، تذكرت امرا مهما كنت قد ادرجته في السطر الاخير أسفل جدول اعمالنا ، فاتصلت به هاتفيا عند المساء قبل ان ينام ، وكانت اول كلماتٍ ردّ بها : ماذا تريد مني ، الا يكفيك كل ما امتصصته من أخبار ؟ أجبته : بقي لي شئ بسيط جدا ، هل لك ان تحدثني باقتضاب عما نسمعه هذه الايام عن حالات السرقة في فرنسا ؟
ضحك صديقي وقال : وهل تعتبر هذا الموضوع بسيطا ؟ انك فعلا تنتقي مجالات كنّا نعتبرها عابرة في حينها ولكنها الان اتّخذتْ منحىً آخر واصبحت شبه مزمنة . إنك تحرجني بطلبك هذا ، لاني فعلا لا أعرف من اين سأبدأ واذا بدأت أين سأتوقف . يا صديقي لقد اضحت السرقة مهنة رائجة في فرنسا ، وقد تستغرب اذا ذكرتُ لك ما تقوله التقارير عن هذا الموضوع ، لان البلد يشهد حاليا سرقةً كلّ (دقيقة ونصف) ، وآخر الاحصاءات لسنة 2012 تشير الى اكثر من 368000 حالة سرقة بالنسبة للبيوت ، واكثر من 62000 بالنسبة للمخازن والمحلات .
إن السرقات تتمّ في ايامنا بكثير من الفنّ والبراعة . تُقاد العمليات في وضح النهار ، ويقال بان السارق لا يستغرق اكثر من عشرين دقيقة في عمله الخيري هذا !!
إنك تتوقع مني الان ان اختار لك نماذج من هذه الحالات ، هذا ما سأقوم به طبعا ولكن تأكد بان ما ستسمعه ليس سوى حفنة واحدة مما تحويه بحيرة كاملة . إسمعني اذن :
قال لي صاحب مطعم أعرفه بانه ، لدى عودته الى البيت في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر ، رأى باب البيت مفتوحا . دخل البيت مذعورا ، فتقدم نحو الغرف واكتشف بان البيت برمته قد انقلب ظهرا على عقب ، الثياب مبعثرة والاجهزة ازيحت من مكانها والاثاث قد اختلفت اتجاهاته . لم يعد في البيت شئ على حاله . أسرعَ الى الطابق العلوي ليطمئن على ثروته الصغيرة المعطرة بعرق جبينه ، ولكن جمد في مكانه لدى رؤيته موقع الخزانة الحديدية الصغيرة فارغا ، وهو في حالة انجماده هذه سمع زوجته تصرخ من غرفة النوم قائلة : لقد سرقوا الذهب ولم يتركوا شيئا . كان السارق رجلا اصيلا ، فانه بالرغم من تفحّصه البيت وعبثه بكل شئ وفي كافة زواياه ، لم يمسّ لا جهاز الحاسوب ولا التلفاز ولا الهاتف النقال ولا اي جهاز ثمين آخر ، مهمته لهذه المرّة كانت تقتصر على عملية جمع الذهب والمال وتحويلهما الى موقع مجهول آمنٍ !! تمّ ابلاغ الشرطة التي ما ان قدمت بدأت تتفحص الابواب والشبابيك ، ولكنها وجدت نفسها في حيرة امام كيفية دخول السارق الى البيت دون تكسير او خدش ، وحتى انه لم يترك أية بصمة أو أثر آخر ، كالزائر الخفيف الحريص على عدم ازعاج اهل البيت . افلح الزائر الخفيف هذا في رفع الستار الحديدي الخارجي وبعد ان فتح الباب دخل الدار كالساحر ، ولدى خروجه ترك الباب مفتوحا .
سُرّاق عصرنا متخصصون بالذهب والمال . والوسائل العصرية الحديثة مؤايتة لهم في تنفيذ مثل هذه المهامّ . في حالتنا هذه مثلا ، يقف سكرتير رئيس اللصوص أمام المطعم ويراقب حركات صاحب الدار ويتابع سكناته ، وبالهاتف النقال الذي لا يفارق يده يوجه مدير الحملة الخيرية ويطمئنه قائلا : استمر ، كل شئ تحت السيطرة .
تم افراغ بيتين آخرين من المال والذهب ، لشخصين نعرفهم ، بنفس هذه الطريقة والخفة .
يُعزى ازدياد هذه الحالات الى دخول اعداد كبيرة من رعايا الدول الشرقية الى فرنسا ، لا سيما الغجر القادمين من رومانيا وبلغاريا . يقال بان قسما كبيرا من هؤلاء مرتبطون بشبكة واسعة تلقّت تدريبا خاصا لهذه الاغراض .
عندما نتحدث في الصباح مثلا عن سرقة وقعت في المكان الفلاني ، يبدأ الحاضرون حالا بالتحدث عن حالة او حالتين او ثلاث عن نفسهم او اقاربهم ، جيرانهم او اصدقائهم ، بحيث اصبح الامر لا يثير استغرابا لدى الناس .
ونسمع الكثير من هذه الحوادث مع العجائز اللواتي يمكن الاحتيال عليهن بسهولة .
أما عمّا يجري في المخازن والمحلات في هذا المجال ، فان نشرات الاخبار في هذه الايام تكرّس زاوية خاصة لها . لقد تحدثوا هذه الايام عن صائغ تعرض عدة مرات للسرقة ، وفي آخر مرة ، بعد ان تلقى ضربات شديدة ، وبعد سرقة كافة ما كان يحويه محله من مجوهرات ثمينة جدا ، ركب دراجته النارية واطلق النار على السارق الهارب من بعيد فأرداه قتيلا . تمّ القبض على الصائغ ويقال بانه سيحال الى المحاكم . تعرّض هذا المسكين للضرب وكاد ان يموت ، وبالاضافة الى ذلك فَقَدَ كل ما كان قد جمعه منذ سنوات، والآن سيعاقب لانه دافع عن ماله وحياته ، وطارد سارقا قالت عنه الشرطة بأنه صاحب سوابق ، فقد مرّ أمام القضاء خمس عشرة مرة على الاقل قبل هذا الحادث .
ان تكرار هذه الحوادث جعلت شركات التأمين ترفض طلبات بعض الزبائن . هذا حدث مع احد باعة السيكاير ، لان بيع السيكاير تجارة تخصصية هنا . بعد تعرض البائع لثلات سرقات ، رفضته شركة التأمين ، فاضطر الى التوجّه نحو مهنة لا تغري اللصوص .
وهل اكلمك عن حالات انتزاع الحقائب في الشارع او سرقة حافظات النقود ، لقد كثرت هذه الحالات امام متحف اللوفر الذي يؤمّه السواح في باريس ، بحيث ان الشرطة هي التي تقوم الان بادخال الزوار الى المتحف .
البارحة كلمني احد الاصدقاء عن أحد عمّاله . في نهاية دوامه ، عرّج العامل على السوق لشراء حاجة . قبل ان يدخل الى السوق دنا منه شخص يبكي ويقول : ارجوك ساعدني انا في حاجة مُلحّة لاجراء مكالمة هاتفية مع اهلي لامر في بالغ الاهمية ، لقد تعرضت لسرقة وتمّ اختطاف هاتفي الشخصي . رفض العامل اعطاءَه الجهاز ، غير أن صاحبنا بدأ يتوسّل وبكاؤه تحول الى نحيب ، فأشفق عليه العامل وناوله الهاتف . تظاهر صاحبنا الباكي بمهاتفة اقربائه ، غير أنه عند تناوله الهاتف بدأ ينزوي ويبتعد ، وعندما رأى نفسه على بعد مسافة لا بأس بها ، اقلع كالطائرة باقصى سرعته ، ولم يستطع صاحب الهاتف من اللحاق به . كان الهاتف جهازا ثمينا من آخر صيحات هذه الصناعة .
لقد قيل إن شرَّ البلية ما يضحك ، فاسمع هذه الاخرى . دخل صاحب شركة الى مكتبه وبعد قليل رفع رأسه نحو لوحة المفاتيح ، فوجد مفتاح احدى الحفارات ناقصا . لم يفكر بالامر كثيرا ولم يهتمّ لانه كان يحتفظ بنسخة ثانية . بعد يومين ، اكتشف بان الحفارة نفسها كانت قد اختفت . ابلغ الشرطة وهذه الاخيرة لم تنتظر كثيرا للعثور على الماكنة ، لان السارق نفسه كان وضعها امام المركز ، بعد ان قام بتحطيم زجاج سوق مركزي مهم وسرق ما لذّ له وطاب !!
وفي حادثة اخرى في بقالية نعرف صاحبتها . دخل البقالية احد الشباب من الدول الشرقية ، وبعد تفقد بعض السلع الغذائية ، طلب من صاحبة المحل بلطف شديد اذا كان بوسعه القيام بغسل يديه ، كان المغسل في الجهة الخلفية من المحل . وقع نظرُ الشاب على حقيبة نسائية هناك ، فتناولها واخفاها في ثنايا المعطف الذي كان يحمله ، وترك البقالية شاكرا صاحبة المحل بابتسامة عريضة . لم تنتبه المرأة لسرقة حقيبتها إلا عند انتهاء الدوام . اول ردّ فعل لها كان وضع اصابعها على رأسها لائمة حالها وطالبة من الرماد أن يغطّيَ رأسها !! . حقيبتها كانت تضمّ في جيوبها الداخلية نقودا واوراق وهوياتٍ وبطاقات اعتماد . كان الشاب اللطيف هذا مواطنا شريفا من احد الدول الشرقية!!
وسأكتفي بسر حادثة اخرى بدأت احتيالاً وانتهت سرقةً . كان احد الاشخاص واقفا عند الصراف الآلي يسحب مبلغا من المال . ادخل بطاقته وكبس على ارقامه السرّية الاربعة ولكن الجهاز لم يتجاوب وامتصّ البطاقة . أعاد صاحبنا الكرّة ولكن دون جدوى . كان بالقرب منه بنت جميلة تنتظر دورها ، عندما رأت مشكلة اخينا دنت منه وقالت : لا تخف ، ان مثل هذه الحوادث عادية جدا ، سأقوم بمساعدتك في اخراج البطاقة . طلبت منه الكبس على زرّ احمر ومن ثمّ إدخال رقمه السرّي ، فقام بالعملية على مرأىً منها ولم يحصل على اية نتيجة . بعد خمس دقائق من التأسف ابتعدت البنت قليلا ، وعندما رأت صاحب البطاقة قد ترك الموضع يائساً ، عادت الى الجهاز واخرجت القرص الصغير الذي كان يعيق السحب واخرجت معه البطاقة . في اليوم التالي لم يجد صاحبنا بطاقته داخل المصرف وعلم بان البنت وشركاءها كانوا قد افرغوا البطاقة من محتواها وقاموا بتحميلها الاف اليويوهات على رصيد اصبح مكشوفا . كانت هذه البنت الانيقة عضوا في شبكة احتيال لها طرقها واساليبها .
إن موضوع السرقات هو كالقصة التي لا تنتهي ، او الكتاب الكبير الذي تقلب صفحاته وتجد نفسك دوما وكانك في البداية. انه خط طويل جدا لا تقوى حتى زرقاء اليمامة على رؤية نهايته . وانا أقول إذا بادر احد المؤمنين بسرد هذه الحوادث دون توقف ، فانه يحتاج الى عدة آذان لسماع ما يقوله لان الاذن الواحدة ستمتلأ وتتعب بسرعة !!
عند هذا ، توقف صاحبي وقال : هل ستطلق سراحي الان ، ام تحسب نفسك في حكايات الف ليلة وليلة ؟!!
ختاما نقول : الوضع المتفاقم في فرنسا ناجم ايضا من السهولة التي يتعامل فيها الحكام حاليا مع مرتكبي مثل هذه الجرائم . انهم لا يلاحقون القاصرين ، وذاهبون الان للتخفيف عن الاحكام التي تقل عن خمس سنوات . ان السرقات كانت موجودة منذ البدء ، وقد يبرر الشرع بعض السرقات الصغيرة اذا كان مرتكبها شخصا جائعا لا يملك ما يسد رمقه ، ولكن سرقات هذا الزمن فريدة في موضوعها واهميتها وأساليب تنفيذها .