التطهير العِرقي في الشرق الأوسط.. من إبادة الأرمن إلى تهجير المسيحيين

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 24, 2015, 11:51:20 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

التطهير العِرقي في الشرق الأوسط.. من إبادة الأرمن إلى تهجير المسيحيين
   
   

مسيحيو العراق المهجَّرين على يد داعش يعيشون أوضاعا إنسانية مأساوية

برطلي . نت / متابعة
القاهرة في 23 أبريل /إم سي إن/ من مرجريت عادل
بات التطهير العِرقي في منطقة الشرق الأوسط أحد أبرز معالمها خلال القرن المنقضي، وبدايات القرن الحالي. فمن إبادة الأرمن على يد الأتراك العثمانيين عام 1915، إلى تهجير المسيحيين من المنطقة، عاشت الأقليات العِرقية والدينية فترات حالكة السواد، وأياما لا تُنسى.

وقد كشفت الدراسة التي أعدها أخيرا الدكتور محمد رفعت الإمام، أستاذ التاريخ الحديث بكلية آداب دمنهور، عن "برنامج الإبادة الذي انتهجه الاتحاديون الأتراك ضد الأرمن؛ للقضاء على أي تواجد أرمني، سواء بالنفي أو بالإبادة".

فعندما اندلعت الحرب البلقانية (1912- 1913)، (وهي حرب نشبت بين الدولة العثمانية واتحاد البلقان الذي تألف من بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود)، أمرت الدولة العثمانية بتجنيد الأرمن في جيوشها لأول مرة، وشكَّلت منهم وحدة خاصة، وزعتها على الجبهات الحربية، ولم يعارض الأرمن هذا، بل وجدوها فرصة لإثبات ولائهم للدولة العثمانية، ومِن ثمَّ تحقيق مطالبهم.

وإزاء التطورات الدولية المتلاحقة، طالب الأرمن ببعض الإصلاحات في الولايات الأرمنية، ولم يطلبوا انفصال أرمينيا الغربية عن الدولة العثمانية، وانزعج الأتراك من بعض الإصلاحات التي رأوا فيها حكما ذاتيا تدريجيا، ربما يُفضي إلى استقلال نهائي، على نحو ما حدث في البلقان.

وبهزيمة الاتحاديين في الحرب، فقد ألقوا بتبعة هزيمتهم على الأرمن، مستغلين وجود الأرمن المتطوعين في الجيش الروسي، واتهموا الأرمن العثمانيين بالخيانة العظمي؛ لأنهم لم يتطوعوا في الجيش العثماني، ولم يتعاطفوا مع الدولة العثمانية.

وبطبيعة الحال، أفضت هذه المقدمات إلى اتخاذ السلطات العثمانية قرار إبادة الأرمن خلال فبراير 1915 في سرية تامة، وكان الولاة والضباط الاتحاديون المحليون قد أُبلِغوا شفهيا أو برقيا، بالمهمات المنوطة بهم، بينما وقعت مهمة تنفيذ الخطة على عواتق الدرك، والعصابات والتشكيلات الخاصة، ولم يكن الجيش متورطا فيها بشكل مباشر.

بدأت عمليات نفي الأرمن منذ أوائل أبريل 1915 من مدينة زيتون (موقعها الآن بالقرب من أربيل، عاصمة إقليم كردستان شمال العراق)، بعيدا عن الجبهة القوقازية- جبهة الحرب- معتبرين ما حدث في زيتون من تمرد إيذانا بعصيان مسلح كانت الأستانة (إسنطبول حاليا) تنتظره أكثر من شهرين، وفى مساء 24 أبريل 1915، اعتقلت السلطات الاتحادية أكثر من مائتي أرمني واقتيدوا بعيدا عن منازلهم ليلا ثم قُتلوا.

ونفذت الأستانة برنامج الإبادة على مرحلتين: أولا، قتل كل الرجال الأكفاء، ثم نفي بقية الأرمن، إلا أن النفي لم يكن سوى الفصل الثاني من برنامج الإبادة، ويتضح أنه خلال الفترة الممتدة بين مايو ويوليو 1915، كان جميع أرمن الولايات الشرقية قد اختفوا (1.200.000 نسمة) من منطقة كانت مركز أرمينيا التاريخية.

ولم يقتصر برنامج النفي والإبادة على أرمن الولايات الشرقية، بل امتد ليشمل غرب الأناضول وقيليقية (منطقة تاريخية تقع جنوب الأناضول على السواحل الجنوبية لتركيا)، ونظمت السلطات العثمانية لهم عمليات نفي حقيقية، أيضا امتدت عمليات النفي إلى ولاية حلب العربية، لكن واليها قد تمكن من إنقاذ الأرمن حتى يوليو 1915.

ويكشف الحصاد الإبادي عن قطع الناجين مسافات تجاوزت ألف كيلو متر مربع سيرا على أقدامهم، وقد تركتهم الحكومة العثمانية لمصيرهم المحتوم، فتقلصت أعدادهم بصورة كبيرة.

وبتقدير منطقي، يمكن الافتراض بأنه من أصل "2.100.000 نسمة" أرمني في الدولة العثمانية، لم ينجُ سوى 600 ألف، وقُتِل 700 ألف في الولايات الشرقية، واختفى 600 ألف أثناء مسيرات النفي، وخضع 200 ألف للتتريك.

وهكذا، ارتكب الاتحاديون أول إبادة جنس جماعية في القرن العشرين باغتيالهم أمة الأرمن مع سبق الإصرار والترصد، وفي غرة يناير 1917، أنهت الحكومة العثمانية القضية الأرمنية رسميا، وأبطلت المادة"61" من معاهدة برلين 1878 مدعيةً بأنها عقيمة لا جدوى منها؛ إذ لم يعد ثمة وجود للأرمن في الدولة العثمانية.

وتتشابه الأحداث ليُعيد التاريخ نفسه خلال الفترة الماضية بظهور الجماعات الإسلامية المتشددة في أعقاب ثورات الربيع العربي، وأبرزها تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام، المعروف اختصارا باسم (داعش)، وجبهة النصرة في سوريا، وأجناد بيت المقدس في مصر، وأنصار الشريعة في ليبيا، ليواجه المسيحيون القتل والذبح والتشريد وصولا إلى التهجير.

ففي تقرير نشرته صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية، تحت عنوان "لماذا يتراجع عدد المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط؟"، ذكرت أن "المنطقة التي شهدت ميلاد المسيحية، والتي شكَّل معتنقوها خلال وقت من الأوقات أغلبية السكان، أصبحت الآن لا تضم سوى بضع أعداد صغيرة من المسيحيين، حيث دفعت العديد من الظروف معظم مسيحيي المنطقة للبحث عن فرص أفضل للعيش في الخارج، مع ما يتعرضون له من اضطهاد طائفي وتمييز في دول مثل العراق، سوريا"، وفق ما ورد بالتقرير.

وأشار التقرير إلى أنه "مع بداية القرن الـ20 كان المسيحيون يشكلون في جميع أنحاء المنطقة نسبة 20% من السكان، ولكنهم الآن أصبحوا يشكلون أقل من 10%، ولعل النصيب الأكبر من هذا التراجع كان في العراق، إذ أشارت إحصائيات عدد السكان المسيحيين مع بداية التدخل الأميركي إلى أن المسيحيين باتوا يشكلون نسبة تقل عن 5 % من إجمالي سكان البلاد، ولكن كثيرين منهم فروا من البلاد، مع تعرض المسيحيين للقتل أو الخطف أو التهديد".

وأوضحت التقديرات أن ما يقرب من 20% من اللاجئين العراقيين في الخارج هم من المسيحيين، وبذلك أصبح الأمر واضحا للجميع، وهو أن هناك استهدافا لتطهير المنطقة من المسيحيين؛ وهو ما دعا ملك الأردن عبد الله الثاني، أثناء مؤتمر انعقد بعمان قبل أشهر لمناقشة "التحديات التي تواجه المسيحيين العرب" للقول بأن "حماية المسيحيين تعتبر أمرا واجبا، وليست إسداء لمعروف، مشيرا إلى أنهم لعبوا دورا في بناء الأمة".

فيما تحدث في نفس السياق ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، حيث نُسِبت تصريحات إليه، أن "المسيحيين في الشرق الأوسط يتعرضون لمحنة قاسية تتمثل في القتل والعنف والاضطهاد"، محذرا من أن "المسيحية بدأت تختفي في مهدها؛ بسبب ما وصفها بموجة من الاضطهاد المنظم، مع مزيج من العجز السياسي والصعوبات الاقتصادية، أدت بالملايين من المسيحيين إلى الهجرة، في ظل تعرضهم للقتل والخطف والتشريد، وتعرض كنائسهم وأديرتهم للقصف والدمار".

وقد صرح بابا الفاتيكان أن "الصراعات السياسية القائمة في المنطقة تؤثر تأثيرا مباشرا على حياة المسيحيين، بصفتهم مواطنين، كما بصفتهم مسيحيين؛ مما يجعل وضعهم بشكل خاص هشا وغير مستقر".

ومن واقع الأرقام، فإن العراق مثلا كان به ما بين 1.2 و1.4 مليون مسيحي في عام 1990، بينما لا تتجاوز أعدادهم الآن 260 ألف نسمة.

واستطرد التقرير: "دماء المسيحيين صارت تُسال على يد المتعصبين، الذين يتشدقون بنصوص قرآنية، يحاولون تطبيقها في جميع الحالات، وعلى الرغم من أن الجناة لا يمثلون إلا أقلية بسيطة من تلك المجتمعات، إلا أن التمييز ضد المسيحيين والأقليات الأخرى، يشكل مزيدا من الظلم غير المعترف به، سواء من قِبل تلك المجتمعات نفسها، أو من قِبل الحكومات العربية".

وأشارت الصحيفة إلى أن "عدد المسيحيين الأقباط الذي هاجروا من مصر منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الاسبق حسني مبارك، وصل إلى 93 ألف مواطن، خاصة في أعقاب وصول جماعة الاخوان للحكم".

أما في سوريا، وخوفا من صعود الإسلاميين المتشددين إلى الحكم، فقد فضَّل المسيحيون العيش في ظل حكم عائلة الأسد على مدى أربعين عاما، واليوم فإن مسيحيا من أصل أربعة أشخاص ترك بلده خلال الحرب الدائرة في سوريا، بعد أن كان المسيحيون يشكلون أكثر من 8 % من مجمل السكان عام 1992.

وبحسب آخر إحصاء لأعداد السكان المسيحيين في العهد العثماني عام 1914، كان المسيحيون يمثلون ربع سكان الشرق الأوسط، واليوم لا يمثلون أكثر من 5 % منه، كما ورد في مجلة "تايم".

وفي لبنان، كانت نسبة المسيحيين من السكان نحو 50%، حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975. واليوم، فإن التقديرات هي أن نسبتهم لا تتجاوز 35%.

وتعتبر بيت لحم- التي وُلِد فيها السيد المسيح- مدينة مسيحية عبر التاريخ، وحتى عام 1947 كان 85% من سكانها من المسيحيين، ولكن المسيحيين اليوم يشكِّلون ما بين 20- 25% من سكان المدينة فقط.

وتشير التقديرات المحدَّثة أنه بعد وقت ليس بطويل ستختفي الشريحة السكانية المسيحية تماما من قطاع غزة، خاصة بوصول حركة المقاومة الإسلامية المعروفة اختصارا باسم (حماس)؛ باعتبارها أحد أفرع تنظيم الإخوان المسلمين الدولي؛ فحتى عام 2007، عاش في قطاع غزة نحو 3,000 مسيحي، وفي عام 2011، وصل الرقم إلى 1,400؛ نتيجة لهجرة المسيحيين من غزة إلى الضفة الغربية ودول أخرى.