" الذكرى المئوية الأولى لحرب الإبادة ١٩١٥م"من هم " عسكر الخمسين " و ما هي مهمتهم

بدء بواسطة henri bedros kifa, يناير 08, 2013, 01:47:26 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

henri bedros kifa

" الذكرى المئوية الأولى لحرب الإبادة ١٩١٥م"
من هم " عسكر الخمسين " و ما هي مهمتهم ؟


قريبا سنقيم الذكرى المئوية الأولى لتعرض الشعوب الأرمنية و السريانية الآرامية و اليونانية لأول حرب إبادة عرفها التاريخ !
و من أجل الدقة التاريخية على القارئ أن يعلم أن أول شعب تعرض لحرب إبادة هو الشعب الأرمني الشقيق !
سوف أنشر عدة أبحاث حول هذا الموضوع المهم " سيفو أو حرب الإبادة GENOCIDE التي تعرض لها أجدادنا السريان خلال الحرب الكونية ( الأولى) !
هل تعلمون أن المؤرخين ظلوا في العشرينات و الثلاثينات من القرن الماضي يطلقون تسمية " الحرب الكونية" على المعارك التي دارت بين سنتي ١٩١٤ و ١٩١٨ م و لكنهم بعد إندلاع الحرب في نهاية سنة١٩٣٩ صاروا يصفون الحرب العالمية بالأولى لأنهم خاضوا حربا عالمية كبرى ستعرف بالثانية !
الشعب الأرمني الأصيل و الشعب السرياني الآرامي الأصيل سيقيمان " الذكرى المئوية الأولى" و قد يتبعها في المستقبل البعيد " الذكرى المئوية الثانية ثم الثالثة..." سنناضل من أجل أن تعترف تركيا بحرب الإبادة و من أجل التعويضات ( الأملاك, الأراضي ,الكنائس...) فمن له أذنان سامعتان فليسمع !
أتمنى من كل سرياني و أرمني غيور أن ينشر و يوضح للآخرين ما هي حرب الإبادة التي تعرض لها أجدادنا لأن الكثيرين لا يعرفون و بالتالي لا يشعرون معنا بفداحة ما تعرض له أجدادنا الأبرياء !
أولا - أوضاع السلطنة العثمانية في بداية القرن العشرين .
أ - ضعف السلطنة و تلقيبها بالرجل المريض
في بداية القرن السادس عشر كانت السلطنة العثمانية من أقوى دول العالم فالسلطان سليم الأول ينتصر على المماليك في معركة مرج دابق سنة ١٥١٦م و يستولي على الشرق و بلاد مصر .
أما ابنه و خليفته سليمان الملقب بالقانوني فسوف يحتل مناطق عديدة من أوروبا :
صربيا ثم هنغاريا و أخيرا بلاد البوسنة و كرواتيا ... و في سنة ١٥٢٩ م سوف يحاصر مدينة فيينا و لكنها ستصمد رغم تفوق الجيش العثماني ...في القرنين الثامن و التاسع عشر ستصبح السلطنة دولة ضعيفة لا تستطيع أن تدافع عن ممتلكاتها و لقبت بحق " الرجل المريض " في أوروبا فإستقلت اليونان و نرى جيوش علي باشا بقيادة إبنه ابراهيم باشا تنتصر في عدة معارك على جيوش السلطنة و لولا التدخل الأوروبي لوصلت جيوش مصر الى العاصمة الإستانة نفسها ...بدأت الدول الأوروبية (بريطانيا و فرنسا) تستولي على ممتلكات السلطنة :
عدن , الكويت , السودان , قبرص , الجزائر , تونس ...و كانت هذه الدول تؤمن الحماية للسلطنة العثمانية ضد الأطماع الروسية بإستعادة القسطنطينية و الوصول الى المياه الدافئة !
ب - التحالف الألماني العثماني
لقد إنتصرت بروسيا سنة ١٨٧١ م على فرنسا و حققت وحدتها الألمانية و إسترجعت بالقوة مقاطعات الألزاس و اللورين من فرنسا !
و قد أعلنت بروسيا في ١٨ كانون الثاني وفي قصر فرساي قرب باريس تحولها الى " إمبراطورية ألمانية " !
و قد أصبحت خلال بضعة سنوات من أقوى دول أوروبا عسكريا و إقتصاديا !
سنة ١٩٠٨ نجحت جمعية أو حزب الإتحاد و الترقي في خلع السلطان عبد الحميد الثاني و عدلت الدستور العثماني و قد ألزمت المسيحيين في الخدمة في الجيش العثماني .
و لكن رغم المساعدات الألمانية فأن السلطنة ستفقد ليبيا سنة ١٩١١ و ستخسر حروبها في البلقان سنة ١٩١٢ مما سيدفع حزب الإتحاد و الترقي الى إتباع سياسة جديدة و هي المعروفة ب Pantouranisme أي سياسة " تتريك "العثمانيين !
متوهمين أنهم يستطيعون النجاح في سياستهم كما فعلت بروسيا سنة ١٨٧١ !
ج - أسباب دخول السلطنة العثمانية في الحرب الكونية ( الأولى) لقد تأخر العثمانيون في إعلان إنضمامهم الى جانب الإمبراطوريتين الألمانية و النمساوية و كانوا يتوهمون أن تأخيرهم في دخول الحرب سوف يفاجئ الروس !
كان حزب الإتحاد و الترقي يخطط إلى :
أ - إسترجاع قناة السويس لأهميتها الإقتصادية و الستراتيجية .
ب - القضاء المبرم على الشعب الأرمني الذي إنتشر بين نخبه مناضلون يؤمنون بهويتهم الأرمنية و يرفضون ظلم السلاطين و سياسة التتريك...
ج - الرهان على إنتصار ألمانيا و الإستفادة من إندحار روسيا المرتقب و إسترجاع بعض المناطق في القوقاز التي كانت خاضعة لها سابقا !
ثانيا - ما هي خطة الحكومة العثمانية للقضاء على الشعب الأرمني ؟
أ - على القارئ أن يعرف ما هو الفرق بين التعبيرين " مجزرة " و " حرب إبادة " أي genocide . لقد عرف التاريخ القديم و الوسيط و الحديث مجازر عديدة و كانت بأغلبيتها الساحقة ضد فرق من الجيوش العدوة أو ضد جماعات مناوئة و قد تكون هذه المجازر مخطط لها كما حدث في مجزرة أبي فطرس سنة ٧٤٩ م حيث قضى العباسيون على الأمراء الأمويين !
و قد تكون بعض تلك المجازر " ردة فعل " غير مخطط لها كما حدث لبعض الوحدات الأميركية التي كانت تحارب في الفيتنام...(تعرض الجنود لكمين في ضيعة فيتنامية و مقتل بعض المقاتلين كان يؤدي بعض الأحيان الى ردة فعل رفاقهم و الإنتقام من أهالي القرية (و لكن حرب الإبادة هي عمليات مخطط لها و على فترات زمنية عديدة من أجل قتل شعب بأكمله من نساء و أطفال و حتى الرجال الطاعنين في السن !
ب - الأرمن و حركة الإصلاح في السلطنة العثمانية كان الشعب الأرمني مشهورا بفن صناعة الذهب و الجلد و غيرها و كانت جالية كبيرة منهم قد إنتقلت الى إستنبول و سميرنة من أجل العمل في الصناعات و الإدارات و كان يقدر عددهم بحوالي ٢٥٠ ألف نسمة !
رقي الشعب الأرمني دفعه الى المطالبة بالإصلاحات في عهد السلطان عبد الحميد الثاني فأمر بإرتكاب المجازر بهم بين سنتي ١٨٩٤ و١٨٩٦و قد ذهب ضحيتها عشرات الألوف من الأرمن و السريان الأبرياء !
و لكن بعد وصول حزب الإتحاد و الترقي و سياسة التتريك الظالمة للشعوب غير التركية , صار المفكرون الأرمن معرضين لسياسة القمع من السلطة و فريسة سهلة للعامة !
ج - إتهام الشعب الأرمني بالتعامل مع العدو الروسي ...لا شك هنالك تقارب مذهبي أرثودكسي بين الشعبين الروسي و الأرمني !
و كانت النخبة الأرمنية تعرف جيدا أن تقربها من روسيا سيكون حجة لإرتكاب مجازر جديدة بحق الشعب الأرمني كما حدث سنة ١٩٠٩ في أضنة !
و قد عبروا عن إنتمائهم للسلطنة العثمانية و دعوا لها بالتقدم و الإزدهار ولكن في كانون الثاني سنة ١٩١٥ مني الجيش العثماني الهاجم في جبال القوقاز بخسائر فادحة سمحت للجيش الروسي في التوغل في أراضي السلطنة العثمانية عشرات الكيلومترات !
أسرعت الحكومة العثمانية بإتهام الشعب الأرمني بالتعامل و التسلح من قبل روسيا !
إن مجرد هذا الإتهام بالتعامل مع روسيا هو دعوة للشعب للإنقضاض على الأرمن !
د - إلقاء القبض على المفكرين الأرمن بين ٢٣ و ٢٤ نيسان سنة ١٩١٥ تم إلقاء القبض على بضعة مئات من المفكرين الأرمن (عددهم يتراوح بين ٢٠٠ و ٦٠٠) من سكان العاصمة إستبول و تم قتلهم لاحقا !
بعد القضاء على الرأس عمدت الحكومة العثمانية الى القضاء على الرجال الأرمن الذين يخدمون في الجيش العثماني في فرق خاصة !
و كان هؤلاء قد إنضموا الى الجيش العثماني منذ بداية الحرب و في أغلب الأحيان في فرق غير مسلحة تعمل في النقل أو تصليح الطرق !
بعض الشهود من السريان أو حتى من الألمان الذين كانوا يدربون الجيش العثماني يؤكدون أن الفرق الأرمنية في الجيش العثماني قد تم قتل جميع أفرادها غدرا !
بعد قتل النخبة من الشعب الأرمني و الغدر بشبابهم الذي يخدم في الجيش العثماني جاء دور النساء و الأطفال و المسنين !
ه - الإدعاء بنقل الأرمن من مناطقهم لقربها من الجبهة الروسية !
يعيش الشعب الأرمني منذ أكثر من ٣٠٠٠ سنة في أراضيهم التاريخية و قد إنتقلت بعض العائلات الى المناطق المجاورة كدياربكر و أورفا و كيليكيا .
نستطيع أن نلخص تواجد الشعب الأرمني في القسم الشرقي في السلطنة العثمانية في سبعة ولايات, أربعة منها قريبة من الحدود الروسية و هي :
طرابزون و فان و أرزوم و بتليس و ثلاثة هي بعيدة و أهمها دياربكر و خربوط ... لقد وجهت الحكومة العثمانية أوامر الى رؤساء الولايات و السناجق القريبة من الحدود الروسية أن يجمعوا سكان القرى في قوافل و نقلهم الى سوريا لقربهم من الجبهة !
ثالثا - كيف تم القضاء على بقايا الشعب الأرمني ؟
أ- هنالك عدة وثائق تاريخية كتبها شهود لتلك الحرب المشؤمة و أشهرها كتاب " القصارى في نكبات النصارى " بقلم شاهد عيان و هو في الحقيقة من تأليف الأب إسحق أرملة سنة ١٩١٩ !
في زيارتي الأخيرة للمكتبة التابعة للرابطة السريانية في بيروت وجدت كتابا جديديا عنوانه باللغة الفرنسية :
Documents concernant Mardine (1915). و هو من تأليف إذا صح التعبير السيد أو السيدة P.V.M. و هو كناية عن نشر عدة شهادات لأناس عايشوا تلك الأحداث ... هذه الشهادات تلقي الكثير من الأضواء حول كيف تم نقل النساء و الأطفال الأرمن ( أو بالأصدق كيف تمت عملية إبادتهم ...) نستطيع أن نترجم عنوان الكتاب الى اللغة العربية " وثائق تتعلق بماردين ١٩١٥م"
ب - هنالك ثلاث وثائق باللغة العربية ( اللهجة الماردينية ) مع ترجمة فرنسية لها و وثيقة مهمة باللغة الإنكليزية هي مذكرات للمايجور E.Noel ...سوف أعتمد على الوثيقة الأولى و عنوانها " ماردين كما أعرفها " من تأليف السيد ابراهيم كسبو١٨٩٩-١٩٨٧م ثم الوثيقة الثانية و عنوانها " مذكرات حول ماردين ١٩١٥ " و هي من تأليف السيد A.H.B. ١٨٩٣-١٩٨٩ ) الشاهد هنا لا يذكر إسمه الحقيقي .(
قبل الإجابة على الأسئلة حول " عسكر الخمسين " أحب أن أشير أن وثيقة السيد A.H.B هي أدق من وثيقة السيد كسبو لأنها في كثير من الأحيان تذكر إسم المسلح الذي أخبر عن كيفية القضاء على بعض القوافل !
ج - من هم عسكر الخمسين ؟
يذكر السيد A.H.B أن الحكومة العثمانية بعد القضاء على أرمن دياربكر أوكلت مهمة القضاء على الأرمن في ماردين الى ممدوح بك الذي سافر في أيار ١٩١٥ الى ماردين و إجتمع بزعمائه و شيوخها و طلب منهم ( صفحة ٧٦ ) " كل واحد منكم عنده رجال لا يعرفون الرحمة يكونون قساة القلوب , يكونون ظالمين بدون رحمة , حتى نشكل عسكرا بسم عسكر الخمسين لاجل الفتك بالأرمن رجالا و نساء و هجرالعائلات ".
و في الصفحة ٧٧ يذكر السيد A.H.B " زعماء عسكر الخمسين هم الشيخ نوري الأنصاري و طاهر الاأنصاري و فؤاد كرجيه... و مقدار الجنود خمس ماية جندي .
و الحكومة أسندت لهم حمل السلاح داخل البلدة و كانوا يراقبون رجال المسيحيين ..."أما السيد ابراهيم كسبو فهو يسميهم صفحة ٢٤ " و إنتشر بالمدينة الشرطة و جنود المليس ( الميليشيا ) الذين البسوهم لتنفيذ هذه المجزرة الرهيبة "
د- كان أغلب الشباب و الرجال العثمانيين يخدمون في الجيش و بما أن أعداد الشرطة القليلة العدد لا تسمح لهم بمراقبة و جمع و نقل الأرمن في قوافل تتنقل خلال أيام طويلة فأوجودوا هذه الميليشيا التي عرفت بعسكر الخمسين , لا شك لأن أعمارهم كانت تقارب الخمسين !
ه - مهمتهم كانت واضحة جدا و هي في المرحلة الأولى جمع الرجال الأرمن ( حوالي ٥٠٠ ) ثم نقلهم الى دياربكر و لكنهم سيقتلونهم جميعا بعد سلبهم و إهانتهم !
و كثير من الأحيان كان وجهاء ماردين المسلمين مديونين لبعض الأغنياء الأرمن فكانوا يحرصون على قتلهم للتخلص من ديونهم أيضا !
بعض الملاحظات حول تصرفات عسكر الخمسين :
أ - إنهم من سكان ماردين نفسها و هم جيران و بعض الأحيان شركاء للوجهاء الأرمن !
ب - رغم عشرتهم للأرمن و للسريان لسنوات طويلة و رغم أعمارهم فإن قلوبهم المتحجرة لم تشفق على النساء و الأطفال فقد فتكوا بهم بدون رحمة !
ج - إن عسكر الخمسين هو الذي قاد قوافل النساء و الأطفال نحو مناطق سكن العشائر الكردية للقضاء على من بقي حيا...
د - كل قافلة كانت بحوالي ٥٠٠ من الشعب الأرمني بحراسة ١٥٠من الشرطة و عسكر الخمسين و تحت مسؤولية أحد الشيوخ و المهمة هي قتل الجميع بعد مسيرة ثلاث أو خمسة أيام !
و لكن الطمع بالمغانم ) الذهب و الساعات ...) و حتى الثياب كان يدفعهم الى الإنقضاض على النساء و الأطفال و الطاعنين في السن بعد خروجهم من ماردين بثلاث ساعات و يحرقون الجثث لإخفاء جريمتهم الشنيعة !

_________________

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة