مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي / 10

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, يناير 02, 2014, 09:49:57 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي

والمنشورة في كتابه ( يوميات غجري لا يُجيد الرقص )*


* ( يوميات غجري لا يجيد الرقص ) كتاب للبروفسور باسيل عكولة البرطلي طبعة بيروت 1972 جميع احداثه تعود لما قبل سنة 1950 .
سنقوم بنشر وعلى شكل حلقات ما جاء في كتابه هذا عن ذكرياته التي تتحدث عن برطلي  .



الحلقة العاشرة



كانت القذارة ملازمة لنا كالظل . ولدنا على الارض كالحيوانات في بيوت ملأى بروث الدجاج وبعر الغنم والجمال الذي كانت والدتي تستعمله للوقود . لم نكن نعرف حتى الخشب ، اللهم الا بعض الاشواك اليابسة . كانت ندرة الماء هي السبب الوحيد لتلك القذارة الشاملة ، وكان القمل متفشيا بكثرة كأنه احدى ضروريات حياتنا . ففي ايام الشتاء المشمسة كان الجميع يجلسون في صفوف طويلة وقد استندوا الى الحيطان يبحثون في طيات ثيابهم وفي شعورهم وسراويلهم عن القمل وبيضه فيقبضون عليه واحدة فواحدة يقتلونها بين اظافرهم فتحدث انفجارا هادئا كانفجار فقاعات هوائية . كان الصغار يقومون بعمليات احصائية دقيقة يكون النصر فيها لصاحب اكبر عدد ، او فوق التنور في المساء بعد الانتهاء من اعداد الخبز فيدلون ارجلهم وينزعون ثيابهم ، قطعة قطعة ، وينفضونها فيه فتسمع صوت فرقعة تشبه فرقعة الملح اذا ما القي في النار . اما الذباب فكان يملأ البيت في معظم فصول السنة يحط على طعامنا وانوفنا وعيوننا فلا نجد وسيلة للخلاص منه . كان الى جانب المياه الملوثة وانعدام النظافة وسوء التغذية عاملا مهما لنقل جراثيم التيفوئيد والباراتيفوئيد التي كانت تجتاح منطقتنا وتتحول بسرعة الى اوبئة تعشرنا . كان علاج هذه الامراض هو الانتظار ، حتى اذا انقضى اربعون يوما على الاصابة ولم يمت المريض تماثل الى الشفاء تدريجيا .
كانت الحصبة تزور القرية في فترات متفاوتة وتحل ضيفا ، فلا تغادرها الا بعد ان تكون قد تركت وراءها مئات الوفيات . كان دواؤها الوحيد هو البول يسقونه للمريض او يقطرونه في عينيه الملتهبتين . وكانت النساء تفضل دائما بول الصغار ، فنطوف القرية وفي يد كل منا اناء نسأل رفاقنا قليلا من بولهم في وسط الشارع ، فيرفضون دلالا ، فندخل معهم في حوار لطيف كمن يسال صدقة ، حتى اذا اقتنعوا رفعوا قميصهم الى فوق وفتحوا ( الحنفية ) في اعتزاز وهم يقهقهون .
اما السل فكان منتشرا بين كل الاعمار . فالبيوت المظلمة التي لا يدخلها الهواء والشمس كانت محيطا ملائما لنمو عصيات كوخ واستمرارها . كما كان الاختلاط والتعاسة يساعدان في انتقال العدوى وتأصلها الى جانب الافراط في التدخين لدى الرجال والولادات المتعاقبة المنهكة لدى النساء . كانوا يدعونه ( الحمى الناعمة ) ويعالجونه بشرب حليب الحمارة . لست اعرف حتى الان لماذا حليب الحمارة لا حليب البقرة او الغنم ؟ لم تكن الوقاية معروفة ابدا ، فكان المريض يظل مركزا متنقلا للعدوى رغم اصفرار وجهه وهزاله وسعاله وبصاقه . كان الجهل بكل ما يتعلق بالجراثيم وانتقالها تاما ، وكنا نعتبر ان المرض من الله يبلو به من يشاء .
كان اعظم بناء في قريتنا هو الكنيسة شيدت من الحجارة الكلسية المفصلة ذات مدخل فخم يرقى اليه بعدة درجات ، تحيط بها ساحة كبيرة تكفي لبناء مئة بيت . كانت الكنيسة بالنسبة الى بيوت القرية الحقيرة كفيل بجانب جماعة من الفيران وكبلاط واسع اذا ما قيست بالغرف الفقيرة التي كنا نعيش فيها . اما اثاثها وثرياتها وزجاج نوافذها الملون وسجاداتها ، فكانت اشياء لم نحلم بها من قبل لغناها . كانوا يسمونها بيت الله . وقد فرح اهل القرية يوم تدشينها واقاموا مهرجانا فريدا .
اتذكر جيدا كيف كانت الصبايا والنسوة والرجال والاطفال يعملون بالسخرة كالحمير وهم يحملون على صدورهم الحجارة او على ظهورهم اكياس البحص او مكعبات الكل ساو يصطفون في خط مستقيم بين الجابلات والبنائين وينقلون كفوف الجص من يد الى يد مدة اثنتي عشرة ساعة . كنا بالرغم من تعاستنا نظن اننا نعمل في سبيل الله ، دون ان نفكر في اننا كنا نشيد بعرقنا وكدنا بلاطات لا دخل لله فيها ، انما كانت وليدة مركب العظمة لدى بعض الاساقفة تقويها روح المنافسة الوثنية للطوائف الاخرى . كانت العقائد تسخر لتأليه اشخاص لا تشفع فيهم غير هذه الكنائس الفخمة والبشعة معا . وبدلا من ان نرى صورة لاستغلالنا ، كنا نجعل مبررات لتقديسهم . كنا في حلقة مفرغة : نشيد الكنائس الكبيرة على حساب بؤسنا وجهلنا وتعصبنا ، فنزيد لا اراديا في قوة رجال الكنيسة وسلطانهم علينا . كانوا يفعلون كل ذلك في سبيل الله . كنا نعيش كالكلاب ونبني بلاطات غنية للمسيح ، فنجعل منه اقطاعيا بشعا وننسى لغبائنا وجهه الطيب ويديه الفقيرتين واصله القروي . كان ذلك ثمرة خداع متواصل ومستمر جعلنا نوافق على عملية تحويل الناصري الى آغا .
ما هي الفكرة التي احتفظت بها عن الله في طفولتي ؟ صورة غير مشرفة . كنت اكرهه . لماذا ؟ كان الكاهن يهددنا بصواعقه باستمرار ويرسم لنا جهنم باشكال ترعبنا . كنت اسال نفسي لماذا يا ترى كل هذه المصاريف الباهظة لانشاء جهنم وملحقاتها . فكرة النار التي لا تنطفيء ابدا والتي اعدها لمن يتكلم مع رفيقه في الكنيسة او يعصي امر الكاهن ، وان كان مخطئا ، او يسرق بطيخة من بستان على الطريق كانت تحرمني النوم ليالي بكاملها . كيف انسى يوم المناولة الاولى . اوصانا الكاهن بان ننقطع عن الاكل منذ منتصف الليل حسب الشريعة انذاك ، فنسيت وتناولت زبيبة . نعم زبيبة وضعتها في فمي ، ثم ابتلعتها قبل البدء بالاحتفال . لكنني ما ان ادركت ما قمت به حتى توجهت اليه ، وكانت عصاه في يده كانه سلطان ، وسردت له القصة متلعثما خائفا . فما كان منه الا ان انهال علي بتوبيخاته وتهديداته صارخا : ( نفاق ! نفاق ! ) واستولت علي رعشة وخوف لن انساهما ابدا وشعرت بان جهنم اصبحت من نصيبي بصورة اكيدة ما دامت خطيئة النفاق لا تغفر ، لا في هذه الدنيا ولا في تلك . اتخيله وهو يقول لي ( اذهب وصل الى الله عساه يغفر لك ما فعلت ) . وشعرت في حينه ان الله كان قاسيا ، تفوق قسوته قسوة مدير الناحية الذي كان يسجن الناس المساكين في اسطبلات مركز الشرطة ويطعمهم روث الحيوانات تاديبا . كانت العقوبة تبدو بالنسبة الي ظلما صارخا : جهنم مقابل زبيبة . كانت كلمة جهنم تتردد باستمرار في الصلوات والمواعظ ، يخاف الناس منها اكثر من الطاعون والكوليرا . وكان الجميع ، من الكاهن الى والدتي ، يهددوننا بالله في كل مناسبة . فاذا طاردت دجاجة صرخت والدتي : ( افلتها والا ضربك الله ) ، وان شددت اختي من شعرها ، ترفع يديها الى السماء ؛ ( يا رب اكسر رقبته ؛ يا رب ليمت بالسيف ! لياخذه الطاعون ) . كنت اتصور الله شرطيا ضخما عنيفا لا يعرف الرحمة يلجأ الى القوة والقسوة دائما حتى مع الصغار ، فيحاسبهم على التفاهات حسابا صارما . كنت كلما اطفأت والدتي السراج ليلا ارى ملامح الله في وجه كاهن الضيعة الصارم الذي لا يكف عن ضربنا ولا يبتسم ابدا ، واتصور نفسي داخل قدر من الزيت تحتها نار كبيرة يشعلها شياطين لهم اذناب طويلة وقرو كقرون ثور القرية ، فاصلي ثم اغطي رأسي بلحاف قطني متهريء . وما كان يزيد في عدائي له هو عدم استجابة طلبات والدتي منفردة ، او طلبات ابناء القرية مجتمعين ، في مواسم القحط . كانوا يطرقون على صدورهم ويعترفون بخطاياهم ويطوفون من مزار خرب الى كنيسة ، ومن كنيسة الى مزار قديم لم يبقى منه غير كومة من الحجارة ، يلبسون المسوح حفاة وقد نزعوا عمائمهم فينطرحون على الارض ويتمرغون بالتراب وهم يسالونه مطرا . لم اكن افهم سبب عناده واصراره على حبس المطر عنا ما دام بامكانه ان يعطينا اياه . كانت والدتي ، بالاضافة الى الصلوات المتواصلة ، تنذر النذر بعد النذر ، وانتظر وانتظر فلا ارى غيمة . يوتاخر المطر وتحترق الزروع وتبدا المجاعة . كان الله اشبه في نظري بسيد غني يملك المطر والشمس وكل شيء ، يغلق الباب في وجهنا كشحاذين قذرين دون ان يستمع الى ألمنا وبكائنا وخوفنا من المجاعة .


Suha Yousef

في البدء ...اقول وبكل صراحه أنني مستغربه جدآ من اسلوب البروفسووووووووووور فقد وصف برطله وكأنها مستنقع وبكلمات لا تليق به ككاتب متحضر، فللاسف لا يجوز ان تصف اهلك واهالينا بناس غجر و مليئين بالقمل وصفتهم وكأنهم حيوانات ،لماذا هذا الوصف الجارح لاجدادنا المساكين ولماذا توصفهم كالحمير عندما بنوا الكنائس؟لماذا لم تقل بأنهم ناس محبين و بسيطين وكانوا يدآ واحده ، لماذا لم تقل بأنهم انجبوا معلمين و مثقفين ومن ضمنهم حضرتك يا سيادة البروفسور، المفروض كنت قد انتقيت كلمات اكثر تحضرآ في وصف اهاليك في برطله وليس بهذا الوصف الشنيع، فكم من أجيال نهضت منذ الخمسينات ولحد الان من معلمين وحماة الوطن و ممرضين والان تزدهر برطله بنخبه رائعه من أطباء وصيادله و مهندسين.......الخ، فيا حبذا تكتب مقاله اخرى تصف لنا النهضه في برطله وبأسلوب أرقى .....مع التقدير

ماهر سعيد متي

اقتباس ((كانت القذارة ملازمة لنا كالظل . ولدنا على الارض كالحيوانات في بيوت ملأى بروث الدجاج وبعر الغنم والجمال الذي كانت والدتي تستعمله للوقود . لم نكن نعرف حتى الخشب ، اللهم الا بعض الاشواك اليابسة . كانت ندرة الماء هي السبب الوحيد لتلك القذارة الشاملة ، وكان القمل متفشيا بكثرة كأنه احدى ضروريات حياتنا ))
انا بدوري احمل رأيا مغايرا للأخت  Suha Yousef

علينا ومنذ البدء ان نفهم ما خلف السطور .. فالبروفيسور عكولة نقل الواقع المرير الذي كان يعيشه آبائنا وأجدادنا .. وهذا حال جميع المناطق المجاورة .. فأنعدام الخدمات التي باتت اليوم ضرورية يسبب القذارة .. هل تعلمي انهم لا يدخلوا الحمام ليسبحوا الا بمرور ايام عديدة .. وهل تعلمي ان  التواليت لم تكن متوفرة حين ذاك وكان الاهالي يتنظروا حلول الليل ليقضوا حاجاتهم في العراء .. وهل تعلمي ان الناس حينها كانوا يكتفون بطعام بسيط لا يسد الرمق ..؟
لربما ان استفسرنا عن ذلك الواقع المزري لوجدنا امورا اكثر سوءا مما ذكرت .. ولكي نفهم الامر يجب ان نضع انفسنا موضع المتحدث .. .. ولم تكن الغاية الانتقاص من برطلة واهاليها .. لا يجب ان نختار سطرا لنعول عليه الكلام بل علينا قراءة جميع السطور لنبني عليها الفكرة وبتجرد .. لذا لم اجد اية اساءة في هذا المقال الرائع وفي سلسلة المقالات المنشورة .. شاكرا جهد الناقل .. مع التقدير

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

Suha Yousef

أالاخ العزيز ماهر ،،اشكرك على ردك المهذب والذي يدل على مستواك الراقي الذي اعتدنا عليه .... ولكن قبل كل شئ كن واقعي وأنظر بتمعن  لما يعنيه الاستاذ، ولكن كان اجمل فيما لو كان قد ذكر  اولائك الاجداد الذين عانو ما عانوه ولكن بالصبر استطاعوا ان يربوا اولادآ مثقفين  ومفكرين ومن بينهم البروفسور ...على كل حال لا اريد اطالة الكلام لأنني أرى وبتقديري الشخصي ان الفلك قد دار  وبرطله تعاني الآن حالات من إنعدام ابسط خدمات التي يجب ان تتوفر من قبل بلدية برطله والصور تشهد بذلك ، مع كامل إحترامي وتقديري