فلسفة سائق أجرة/بقلم اسعد عبد الله عبد علي

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 27, 2016, 09:36:26 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

فلسفة سائق أجرة     
   

برطلي . نت / بريد الموقع
 
بقلم اسعد عبد الله عبد علي


على صياح ديك جارنا أبو أسراء, يغادرنا النوم مجبرين, حيث تبدأ سيمفونية الصباح بالارتفاع, فما أن يسكت الديك حتى يعلوا صفير أصحاب الطيور, وصراخ بعضهم لبعض عبر سطوح البيوت, ثم مواكب الغاز وهي تعزف اغرب الألحان, عندها علي أن اعترف, أن مسالة العودة للنوم أصبحت مستحيلة.
أبدا صباحي بأفعال أنا اختارها, فإرادتي هنا هي الحاكمة, حيث اسرح شعري حسب ما أحب, واضع العطر الذي تفضله حواسي, والبس "تي شيرت الأزرق" برقم عشرة, الأثير لقلبي, وهو خاص بنادي القوة الجوية, فانا احد عشاق النادي, لأنهم صقور وأنا احد الصقور, فاحسب نفسي صقرا محلقا في أعالي السماء, هكذا أنا ابحث عن ذاتي , لكن ما أن انطلق بسيارتي ( نوع سايبة صفراء), حتى افقد إرادتي, وأتحول إلى موجود مسير بأمر من جهات عليا.
فما أن يستوقفني زبون, حتى تبدأ مسالة الأجرة, التي تكون بيده, هو من يحدد ويعطي, وعلي القبول, فأكون طوع أمره, واصل به إلى المكان الذي يحدده هو, وحتى الشوارع التي علي دخولها, فانا مسير بقوة الأجرة.
ها هي زبونة ترفع يدها لي تطلب مني التوقف, يبدو عليها اثر الفرح, ملابسها حمراء, واحمر الشفاه صارخ, لا يناسب فترة الصباح, توقفت كي تبدأ مسالة سلب الإرادة.
-        صباح الخير
-        صباح النور
-        أريد أن تقلني إلى متنزه الزوراء.
-        عشرة ألاف, ما رأيك؟
-        كلا طبعا, انه كثير, ما رأيك بثماني ألاف؟
-        امممم, موافق اصعدي.
جلست في المقعد الخلفي, وانكشفت ساقيها, فتنورتها قصيرة, هي ممتلئة الجسد, من النوع الذي يسكر الناظر, لم تهتم باني انظر لساقيها, بل ابتسمت بمكر, كان عطرها قويا يهزم العقول الجبارة, ليسقطها في بحر من الحيرة, كنت انتظر أن يكون بيننا موضوع للحديث, فان لهذه الفتاة جاذبية من عالم ماجن, وأنا مثل الصقر انتهز الفرصة, حاولت أن أجد أي فرصة, فإذا بها تلوح  فقد وقعنا في ازدحام, تراقصت أمامي جمل التقرب من الزبونة.
-        انه ازدحام كبير, قد يمل من ينتظرك في المتنزه؟
قد يكون سؤالا مستعجلا مني, وقد تصيبني أقبح النعوت من فم هذه الفتاة اللعوب, نظرت لي ورفعت حاجبها الأيسر, وتنهدت بحرقة وقالت:
-        صدقني لا احد, فانا وحيدة, جئت فقط للتنزه, الملل يقتلني.
أسعدني الرد, فقد جاء بحسب رغبات نفسي, وهنا يجب دخول المملكة المجهولة, فالباب قد فتحت, تنتظر مني الإسراع, قبل أن أصل إلى المتنزه,وجدت الرد المناسب.
-   أنت جميلة تشبهين أميرات القصور البريطانية, وعيناك تحكي ألف قصة, فما رأيك بعصير برتقال بمناسبة عيد ميلادي.
ضحكت بغنج, فكأن ذاتي سلبت مني, ثم نظرت لي بعمق, فيبدو أن ما سيقال, سيكون حاسم لمعركة الجبر والتفويض.
-   أنت ماكر, نعم يعجبني أن احتفل معك بعيد ميلادك, أنا بحاجة لاحتفال لأكسر الملل, وأنت تستحق أن أشاركك , لأنك ماكر.
تحول الفعل إلى اختياري وليس بالجبر, فالقدر هو من جاء لي بكتلة الإغراء, لتجعلني أغير خطط يومي, واعتق من جانب الجبر في عملي, إلى جانب الاختيار والإرادة لارتكاب الخطيئة, فنكون بالخطيئة أحرار, ففي داخل كل اختيار أصل جبري, فلو لم تقف الفتاة اللعوب في طريقي, كان من الممكن ألان, أن أكون في عمل منتج, آو في فعل الخير, لكن القدر لم يترك لي الاختيار غير الفراش, أي أن القدر الجبري دفعني لاختيار ممارسة الخطيئة مع الفتاة.
انطلقت سيارتي (نوع السايبة) مسرعة نحو مكان المجون السري, في الكرادة تلك الشقة الصغيرة, التي تقع بالقرب من السيدة كهرمانة, كهرمانة المرأة التي تحارب اللصوص وتصب الزيت على رؤوسهم, لكنها  تتكاسل مع لصوص اللحظات الجميلة, لأنهم مسيرين لفعل الخطيئة, لم يخططوا للجريمة, بل الأقدار ساقتها لهم, بإغراء لا يقاوم, نعم انه القدر من فعل فعلته, وأجبرني على اختيار ارتكاب الخطيئة.