خرجتُ والغمامةَ السوداء/شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 22, 2016, 12:27:00 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

خرجتُ والغمامةَ السوداء     
   

برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا


كنت في يوم بانت السماءُوكأنّها قد أوكلت خفارتَهاالى غيوم سوداء ، والغيوم السوداء تنقلني وكالمعتاد الى عالم غامض محمّل بالأسرار. اصبحتِالغيومُالخافرة هذهحافزي  للخروج  الى ساحة عامة ، تؤمّها شرائحُ مختلفة من الناس ، بعضهم يفكر بصمت ، وبعضهملا ينقطع عن الحديث  ، وبعض آخر  يعزف او يغني ويرقص ، وكلهم حريصون على ألاّ يقلقوا راحة بعضهم البعض . حاولتُ المرور على اغلب هذه الاجنحة، لأعاينَ،وأسبر غور الافكار، واصغي لبعض ما يقال ، وأخمّن بعض ما لا يُقال .
اخترتُ حيّز المفكرينبصمت،وحال جلوسي استقرّت أنظاري على حركة نسيم يتجوّل بهدوء.كنت أرقب إلهاما يهوّن عليّ دخول الافكار وقراءتها. وبانتظار ذلك ، انشغلت  بالنسمات الهادئة ، التي اعادتني تدريجيا الىفترة صباي ، أيام كنت اغنّي وأصغيبشغف وشوق الى كل ما هو عذب ويريح النفس .كانت الاشجار تطاوع ابسط حركات النسيم الذي كان يمرّ بسكون، فيتوقف ، ويتابع مساره ، ويعود .بعض نقلاته كانت تخلق داخل نفسي  سعادة غريبة ، كنت اترقب عودة النسيم الى نفس النقطة لأستعيد نفس الاحساس السعيد  ولكن دون جدوى،لانالنسيم كالماء هو في حركة تغيير دائم .
رأيتمن بين المفكرين شخصا كان في حالة انشراح وكأنهيستعيد مثلي ذكرياتهفيبتسم بهدوء ويحرك رأسه. ورأيت آخر يرفع انظاره الى السماء وكأني به يقول لها ، انني هنا  في قمة السعادة في أحضان هذه الطبيعة الخلابة وجلّ مناي ان استمرّ فيها الى الابد. وشخص آخر يقرأ كتابا ،فيترك الكتاب ويغمض عينه ويعود ليقرأ قليلا ويوجّه انظاره الى الغيوم السوداء وكأنه قد عقد العزم على  اختراق غموضها وخفاياها .
ورأيت شخصا آخر وكأنه في مناجاة مع خالقه. كان كليمُ الله هذا مصحوباً بطفل لم ينهِ العقد الاول من عمره ولكنه يشكو من عوق في معظم انحاء جسمه . كان الاب يشكو حالة ابنه، فخِلته يقول: ما ذنب هذا الطفل؟  لماذا اوجده الله على هذه الحالة ؟ أليس اللهُ خالقَه ؟ اليس ابني مخلوقا مثل الجميع على صورة الله ؟ أين صورة الله فيه ؟تصورت نفسي وكأني جالس بجانبه ،فأجبتُهقائلا : ان ما اصاب ابنك ليس خطأَه ولا خطأ والديه ، ولكن هي ارادة الله .هنا أتأنىجوابهفوريا وبنبرة حادة فقال: وما مصلحة الله وحكمته فيإعاقة هذا الطفل الذي لا يطيق نفسه ولا يحتمل آلاما تفوق طاقته ؟ متابعاًردّي ، وكأني لا زلت معه قلت : ان الله قد خلق الطبيعة وتركها تسير وفق قوانينيسود فيهانظام العلة والمعلول أوالسبب والنتيجة ، وهناك اسباب غير منظورة لا نفقههاتؤدي الى مثل هذه النتائج .  سمعت المشتكي يردّ قائلا : ألم يمكن بمقدور الله منع هذه الاسباب ؟وبعد فترة صمت تابع حديثه قائلاً :  ولماذا لا يتدخل الله لإيقافمثل هذه الاسباب؟ الم يتدخل في تغيير نظام الطبيعة أو ايقافه لدى اجتراح العجائب ؟ألا يستحق ابني مثل هذا التدخل في نظام الطبيعة؟ عندما رأيت بان الموضوع سيتّخذ منحىً لا أقوى الاسترسال فيه ، قلت لشاكي ربّه  : إن نوايا الله وسبله غير قابلة للإدراك. ولا اعرف اذا كان قد سمعني أم لا !!!
تركت ذاك المكان وتحوّلتُالى حيث الصخب ، وبعد إمضاء بعض الوقت هناك،  هممت بالعودة ، وقبل ان اتحرك ، سمعت  جدالا حادّا بين شخصين قد تأهبا للعودة ، ينتقدان رجلا دينيا . اردت الاسراع لعدم رغبتي الخوض في مثل هذا الحديث ، ولكن الاصوات كانت تتعالى أكثر فأكثر، فكان يقول احدهم : هل يليق بكاهن ، وهو في عطلته بعيداً عن كنيسته،  ان يتصل بأحد الاشخاص ويطلب منه بإلحاح ألاّ يدَعَ الكاهن ،الذي ينوب عنه في اقامة القداس ، بالسيطرة على المبلغ الذي يجمعفي الصينية ؟ وتابع نفس الشخص ايضا وقال : هل يحق لنفس الكاهن ، الذي غاب في مهمة شخصية أخرى ، ان يطالب اجرة سرّ عماد تمّ في غيابه على يد كاهن زميل له؟  وكان ذيل  الحديث عن رجل ديني آخر ، يمنع احد رعاياه من دخول الكنيسة لأنهلا يرتاح له  ولا يطيقه ؟

ألم يكن أولى بهذا الرجل الروحاني جدا ان يبتهج لإقامةقداس في كنيسته والاحتفال بمراسيم عماد فيها وهو غائب ؟ولكن حب المال كان قد احتل المرتبة الاولى في أولويات هذا الرجل الزاهد عن الدنيا ، فحوّل بيت الله الى صالة تجارية!!!
قلت في نفسي ان كل ما سمعته دون ارادتي ليس إلاّغيضاً من فيض ، وينتهي دوما الى طريق مغلق . هؤلاء الذين كان يُفترض ان يكونوا ناراً متّقدة تُدفئ المؤمنين وتنوّر طريقهم ، اصبح الكثيرون منهم يكتفون بمجرد  شمعة ، وبعضهم قد بهتت  شمعتهم ، وبعضهم تذبذب نورها ، والقسم الاكبر منهم  قد انطفأت منذ زمن طويل ولكنهم احتفظوا بلسان طويل وحركات معدومة من الروح .للأسف الشديد هذا ليس لا شعراً ولا خيالا ولا افتراء،ولكنه واقع وحقيقة.
دخلتُ الساحة بمعيّة غيوم سوداء ، فانشرحتْنفسي لدقائق مع حركة النسيم الهادئة ، وعدت بصحبة نفس الغيوم السوداء بعد أن كشفت ما تخفيه في ثناياها من كرب وشكاوى وانتقادات .